مهاجل تموز 1- إعداد/ مهيوب القدسي

لأن شهر تموز الصيفي كما يعتقد الريفيون أو على حسب تجاربهم المتوارثة يعرف بقلة المطر وكثافة الغبار الذي يؤدي إلى حجب الرؤية ، فإن للريفيين في تعز وإب وريمة وغيرها مهاجل وامثالاً انبثقت عنهم من خلال تجاربهم فأصبحت بذلك متوارثة يتداولها الناس كل عام.
من الأمثال قولهم في ريمة (في تموز كل المناصف وخلي الموز)
وفي أرياف تعز يقولون بتموز يغور الماء من الكوز)
كناية عن شدة الحر... أما في الهجيل فيقولون:
(واجالب الخير ياجالبه
تموز الكذاب ياجالبه
واجالب الخير ياجالبه
ضيع الأصحاب ياجالبه
وفي مهجل آخر وهو من هجلات الموسم:
(تموز وآب ذي خيبوا الناس
ماحدا يومئ بعاس)
يومئ ، بمعنى يحد ، من الفعل أومأ يتضح أن المهجل الأول أورد اشارة صريحة وصفت شهر تموز بالكذاب ، فلماذا اتصف بذلك؟
كما اسلفنا أن تموز قليل المطر أحياناً على الرغم من تشكل السحب الممطرة واستبشار الناس بسقوط المطر إلا أنها لاتمطر ، أما عبارة «ضيع الأصحاب» في الشطر الأخير فله صلة معنوية ترتبط مباشرة بنص المهجل الأخير ، فكلا النصين يشير إلى لؤم الناس وبخلهم في تلك الفترة التموزية الحرجة ، لأن تلك الفترة تقع بين «لاقد به ، ولا عد به» كما يقولون ، بمعنى أن تلك الفترة تأتي بعد نفاد المدخر من محصول السنة الماضية ولم يكن بعد قد وجد محصول جديد «لاقد به ، ولا عدبه» فكانت بعض الأسر تعاني الأمرين من ضراوة الجوع لأنه كان المعتمد في المحاصيل الغذائية على ماتجود به الأرض ، ولم يكن هناك استيراد للقمح مثل زماننا هذا بل كان يكتفى بالذرة التي تزرع إلى جانب التي يؤتى بها من محافظة إب من السياني والقاعدة وسوق السويق في السحول ،وكان المستوردون للذرة يذهبون من الحجرية إلى تلك المناطق بالجمال والحمير ولايعودون إلا بعد ثلاثة أيام ،وكانوا يحملون كذلك على ظهورهم كان من أشهر المستوردين للذرة من أبناء الحجرية في العصر التراثي الحديث رجل اسمه طه حسن ، وصلت شهرة ذلك الرجل إلى الإمام فارسل في طلبه فخاف الرجل وازداد خوفه عند مثوله بين يدي الإمام الذي راح ينظر إليه بعينين كأنهما سراج سيارة «فاص وسكن» وسأله بصوتٍ رعديد مبحوح «أنت طه حسن» أجاب الرجل: نعم يامولاي ، بعض الروايات التراثية تقول إن الإمام كان ينوي مشاركته في تجارة الحبوب ورواية أخرى تقول: إنما هو دافع الفضول أو حب الاستطلاع والتعرف لا أكثر ، وتؤكد الروايات بالاجماع أن الرجل مرض بعد تلك المقابلة.
وفي تلك الفترة التموزية كانت تباع أكثر الأراضي بأبخس الأثمان ليتمكن أربابها من اغاثة أولادهم.. وكان بعض المعوزين يلجأون إلى طبخ أوراق الأشجار والنباتات مثل العثرب وغيره ، كما أن بعضاً ممن لايزالون يدخرون شيئاً من الحبوب ، كان يستبد بهم الحرص والبخل فكانوا لايخبزون إلا ليلاً بعد أن ينام الناس وذلك حتى لاتتسرب روائح احتراق الخبز فيشمها الناس.
من طريف ماحكي أن امرأة كانت تعيش وحيدة صنعت لنفسها ذات ليلة فطيرة من الخبز لتكون قوتاً لها في اليوم التالي ، ثم مالبثت أن أكلتها قبل أن تنام خوفاً أن يقال إن معها طعاماً فيطلب منها ، وقضت المسكينة يومها التالي دون طعام.
وإذا كان الهجيل ، أو تلك الأهازيج المهجلية هي التي تتولى البوح بشعور وأحاسيس الريفيين ولاسيما في الموسم الأخضر أي موسم الزراعة فإن المزارعين يعيشون لحظات التفاؤل والهناء والانتشاء في تلك الأيام على الرغم من قرصات سعيد عمر «تسمية شعبية للجوع» وسعيدة تسمية كانت شائعة للبطن أو المعدة لأنهم كانوا لايعرفون أن الهرمون المسبب للجوع اسمه «جريلين» ومع ذلك فهو مقاوم جيد لاعراض القلق والاكتئاب.
(سعيد عمر يحجل على الدور
مثلما شيخ النسور
سعيد عمر كسر قداحه
والشراجي مطرحه)
قداحه: أواني إعداد الطعام المصنوعة من الخشب.
الشراجي: محل في ذبحان
واذا كان الموسم خصباً متوفر الأمطار فإن الهجلة تكون:
(واذي السنة احسن من العام
يا الله بارك بالطعام)
واذي: لهجة بمعنى وهذه.
أما في حالة قلة الأمطار فإن الزراعة تكون ضعيفة فتكون الهجلة:
(واذي السنة بالجل مقنون
مو نقول لأهل الديون
نفعل لهم أوراق سجلات
للسنين السنبلات)
(واذي السنة بالجل منقوص
مو نقول لأهل الفلوس)
مقنون= بمعنى لاتكفي للنفقة فكيف بأصحاب الديون الذين ليست لهم فضلة زائدة في المحصول ولأن العمل في المزارع كان جماعياً إما بأجور أو سخرة فإن صاحب المزارع الذين يعملون معه يتولى إكرامهم وتوفير غذائهم وطعامهم فإن الهجلات على مختلف فصول السنة تشيد بعطائه وكرمه:
يقول المهجل السورقي:
(واليوم مع سيد الرعية
ذي علو ربي حجب
قاسرح السلة وزرب
والتتن سرح أجب
واللي تصبحنا من ايده
ربي بالخير زيده
اندى لنا الجفنه محلق
سبحان الله ماخلق
والسمن من طالع تزلفق
والعشي يندر مرق)
السلة: الوعاء المحتوي للطعام
زرب: قطف القات وربطه على شكل حزم «زربه»
الاجب: وعاء من خوص النخل يحمل على الرأس
محلق: أي ذات حلق حديدية في الجوانب ليسهل رفعها.
تزلفق: تماوج واندفع بفعل الحركة.
وهناك هجلة جوارية تموزية تشير إلى الفترة الحرجة ، فترة انعدام القوت تصور واقع رجل عجز عن إطعام زوجته فأراد تسريحها ليستفيد بأكل نصيبها من الزاد:
قال:
(قومي اسرحي شاكل سبارك
لعن ابوه ماشخورك)
فردت عليه:
(شيجي الخصب وأنت تشاني
ياجعيل يامهيني
شيجي الصراب شيجو المحاجين
يالعين يابن اللعين)
السبار: الزاد
الخور بفتح الخاء والواو بمعنى الاشتهاء والرغبة.
الجعيل: بمعنى الزوج البعل.
المهيني صفة مستمرة من هين.

حلوه وتسلم ياعزيز على هذه الجهود

نشكر كل من مر وترك بصماتة

واينك يعزيز تركت فجوة في المنتدى

تموز ليله حما ونهاره برود

(قومي اسرحي شاكل سبارك
لعن ابوه ماشخورك)

أحسنت يا أخ عزيز
أبدعت في هذه المهاجل وأخبار المهاجل

أشكرك جزيل الشكر

» مزوج الثنتين (1) إعداد / مهيوب القدسي
» الفرق بين المهجل والزَّامل إعداد/ مهيوب القدسي
» مهاجل تموز 2
» رأس الخير (1) - مهيوب ناصر القدسي
» رأس الخير (2) - مهيوب ناصر القدسي