د. عبدالعزيز المقالح
<،، أسعدني الحظ خلال ثلاثة أسابيع أو أكثر قليلاً، أن أحضر وأشارك في ندوتين مهمتين عن التسامح، الندوة الأولى أعدت لها «جمعية النقد الأدبي»، والندوة الأخيرة أعدّ لها «بيت الموروث الشعبي».. وإذا كانت ندوة جمعية النقد الأدبي قد بدت متواضعة محدودة الأبحاث، لأنها - كما يقول منظموها - جاءت مجرد مقدمة لندوة موسعة ستعقد لاحقاً في مدينة عدن، فإن ندوة «بيت الموروث الشعبي» قد ظهرت في المستوى المطلوب إعداداً وبحوثاً، وكانت غنية بالآراء العميقة والمواقف المتنوعة، واقتربت بوضوح من موضوع يكاد يكون غائباً ومسكوتاً عنه في حياتنا العربية، المهددة بالاقتتال والحروب الداخلية، الناتجة عن سوء الفهم، وغياب الرؤية القائمة على التسامح وتقبل الآخر.
ومما يؤسف له أن الآخر بالنسبة لنا ما هو إلاّ نحن، الذين انعكست علينا المواقف الخاطئة من الأنظمة والمؤسسات والأحزاب، وما تم اتخاذه من محاولات لإقصاء المخالفين في الرأي، وعدم التسامح معهم أو تمكينهم من إبداء وجهات نظرهم، وإتاحة الفرصة لهم للمشاركة في الشأن العام.. واللافت أن معظم الأبحاث المقدمة في ندوة «بيت الموروث الشعبي» عن التسامح، كانت على درجة من الغنى والتمكن من قراءة الواقع بقدر من الوعي والمعرفة، وساد التسامح الجلسات الأربع، وهذا طبيعي في ندوة للتسامح، وهو ما يؤكد على ضرورة أن يتحلى الباحثون في شؤون الواقع الوطني والواقع العربي بهذه الفضيلة أولاً، وبالموضوعية ثانياً، فالمشكلة الأساس تبدأ من غياب التسامح بين أصحاب الأفكار أنفسهم، وما يبديه بعضهم من عدوانية تجاه مواقف الآخرين وآرائهم، وكأنهم وحدهم الذين يمتلكون الحقيقة في صورتها الأولى والأخيرة، وفي طبعاتها المتجددة.
إن أكبر أحلامنا تتجلى في رغبتنا، أو بالأصح في حنيننا ولهفتنا إلى مناقشة الآخر الذي هو غيرنا، والتعامل معه بقدر من التسامح الصادق.
ويبدو أن ذلك لن يتحقق لنا قبل أن نفرغ من إيجاد صيغة حقيقية وعملية، تمكننا من إرساء التسامح مع أنفسنا ومع بعضنا، ولا يصح أن نتجاهل الظروف المعقدة والأحوال السيئة التي وضعتنا في هذا المستوى، وجعلتنا ضحايا للكراهية والحقد الناتجين عن أزمنة الخوف والشك، والشعور بأن من يخالفني في رأيي، هو عدوي اللدود وخصمي التاريخي، حتى لو كانت مخالفته تصب في مصلحتي.. وربما صورت لي الأوهام أنه لا مناص من أن أبذل قصارى جهدي في تشويه صورة هذا العدو المفترض وتفنيد آرائه.. ولا يعلم إلاّ الله وحده كم من الطاقات أهدرت، وذهبت من البعض بسبب ما يبذلونه من جهد لإثبات أن الحقيقة من بنات أفكارهم، وأن خطأهم هو الصواب، وصواب غيرهم هو الخطأ!!
لذلك ما أحوجنا في هذا البلد وفي بقية الأقطار العربية إلى إعادة النظر في مواقفنا وسلوكنا، وفي أقوالنا التي تغلب عليها القناعة الفردية، وأن نبدأ في قراءة الواقع المؤلم في ضوء الإدراك العميق، والتقييم الصادق للحصيلة المخزية محلياً وعربياً، لقرن من الزمن، ضاعت سنواته وتبددت في الصراعات الجانبية، ولم يثمر شيئاً ذا قيمة في مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والأخلاقية، والفشل على الصعيد الأخير (الأخلاقي)، هو أوضح معالم هذا الفشل، لأنه المعيار الحقيقي لتطور الشعوب أو تدهورها، وما من شك في أن التسامح يحتل مقدمة منظومة القيم الأخلاقية، انطلاقاً من الآية الكريمة (ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم) «فصلت: 34»، وبهذا الصوت لا سواه نستطيع أن نتحدى العداوات وأن نتجنب الانشقاقات العامة والخاصة، ونتفادى الرحيل خارج الزمن.
ياسمين الجمالي في كتابها الأول:
كما تهدي الشاعرة والقاصة المبدعة ياسمين الجمالي كتابها الأول إلى «نبيل الحلم وكل حلم نبيل وإلى كل ذرة تراب يمانية طاهرة»، فإنها تقدم الكتاب إلى القارئ والقارئة بقولها: «قبل أن تقرأوا هذه الصفحات: ثقوا أن ما بين أيديكم قصص واقعية، ولم تتدخل فرشاة الخيال إلا في أسماء الأشخاص وفي أسماء الأماكن، فلا تلتفتوا يميناً ولا يساراً باحثين عن أبطالها، فقط افتحوا أعينكم قليلاً سترونهم أمامكم». إن ياسمين الجمالي شاعرة وقاصة ومبدعة؛ مسكونة بهموم الوطن وأحلامه، وفي باكورتها الأدبية ما يبعث على التفاؤل والأمل بمستقبل إبداعي رائع.
تأملات شعرية:
طوبى لقلوب صافيةٍ
عامرةٍ بالحب الخالص
لله الخالق جلَّ عُلاهُ
وللإنسانْ.
طوبى لمشاعر طاهرةٍ
لم تتدنس بالحقد
ولم يدخل ساحتها زيفُ القوة
أو تتخلى عن صلوات الحب
وضوء الإيمانْ.