التسامح بالمصارحة والمصالحة حق موصول بوفاق وطني حقيقي
كثرت مؤخرا التسميات الرائعة للمنظمات والجمعيات والمبادرات الاهلية والسياسية, مثل التوافق والتصالح والتسامح وهذا حقي ووطني وغيرها لاغراض سياسية. هذه التسميات لا يمكن لاحد ان يكون ضدها مطلقا غير اننا نلاحظ ان المضمون منها يخالف الهدف السامي المرجو منها. فلو اخذنا التوافق والتصالح والتسامح نجده بانه عمل مخلص نظيف يتم الترويج له بالوقائع وبعملية مترابطة تبدء بالمصارحة المرتبطة بالتحقيقات وتنتهي بالمصالحة المؤدية الى المسامحة, وليست شعارا للدجل السياسي.
ان الجميع في اليمن يتفق بان اليمن وطن كل اليمنيين بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية والحزبية, وكل مواطن يمني له حقوق تضمنها الدولة وعليه واجبات تجاه وطنه دون ان يكون هناك مواطن اكثر وطنية من غيره او اقل حقوقا او عليه واجبات اكثر او اقل من غيره, فالكل متساوي نسبيا في الحقوق والواجبات حيث يقع على البعض واجبات تستوجب منحهم حقوق اضافية لا تمس بحقوق الاخرين مثل الفرق في الراتب او الموقع او الحماية وغيرها لكنها لا تمثل تمييزا لهم عن غيرهم في الوطنية او المساواة في باقي الحقوق والواجبات التي لا علاقة لها بمهام الوظيفة الحكومية. هذا الجزء من المعادلة يهدف الى التوضيح ان اعضاء المؤتمر الشعبي هم مواطنين يمنيين مثلهم مثل غيرهم من المواطنين اليمنيين, لهم من الحقوق ما لغيرهم وعليهم من الواجبات تجاه الوطن ما على غيرهم, يؤكد ذلك ما يمسهم من انقطاع الكهرباء وانعدام البترول وارتفاع الاسعار والخوف من الانفلات الامني الذي لا يميز بين حزبي ومستقل. كذلك الامر بالنسبة لاخواننا ابناء القوات المسلحة والامن وخاصة الحرس الجمهوري والامن المركزي, هم كذلك مواطنين يمنيين تم تعبئة بعضهم لسنين تعبئة خاطئة لا يمكن تحميلهم تبعاتها, بل يجب احتضانهم شعبيا وعدم الإساءة لهم لانهم اخوة لنا وان اخطئ بعضهم. نخلص مما سبق الى ان عملية التوافق والتصالح والتسامح وحب الوطن والتضحية من اجله, يجب ان تسير باتجاه مغاير لما يريده السياسيين الباحثين عن مكاسب على حساب خصومهم.
ان التوافق والتصالح والتسامح الذي يديره السياسيين بدأ بتحصين احد الاطراف والان يبحثون عن اقناع الطرف الاخر بالتسامح, وهو تسلسل غير منطقي, يريدون توافق بين ابناء الشعب في الوقت الذي نرى فيه ان توافق السياسيين ليس سوى استراحة محارب لم تتوقف فيه المماحكات السياسية والاعلامية والتحريض والدسائس والاستعدادات. اما التوافق الشعبي فهو عملية سهلة المنال لو تحرك الافراد بمبادرات ذاتية ليس لها أي علاقة بالاحزاب والمخططات الحزبية, وافضل هذه المبادرات ستكون ممن يعتقد بانه مستهدف في المرحلة القادمة. ولتوضيح هذه الفكرة نقترح الآتي غير الملزم لاحد, لكنها مجرد افكار بصيغة تساؤلات قد يطورها البعض وقد ياتي بافضل منها.
1- ماذا لو قررت مجموعة من شباب المؤتمر الشعبي وانصاره في أي محافظة ترتيب ندوة او حلقة نقاش او مجرد لقاء للتحاور مع شباب من ساحات الاعتصام في أي مكان يتفقون عليه, ليس بغرض اقناع الطرف الاخر او الاقتناع برؤية معينة, ولكن بغرض الالتقاء والتحدث وتبادل الافكار والاراء والمقترحات وردم الفجوة بينهم وتجربة الاستماع الى بعضهم دون تخوين وان اختلفوا, وتجربة الوصول الى نقاط انسجام تمهد للقاءات لاحقة؟ هذه الفكرة ليست موضوعة امام شباب المؤتمر فقط بل يمكن لشباب الاصلاح او الاشتراكي او الناصري او البعث او غيرهم ان يلتقطوا الفكرة ويكونوا السباقين بالمبادرة التي ستكون خطوة جادة وهامة وحقيقية للتوافق باسس شعبية.
2- ماذا لو بادر شباب الساحات الى دعوة شباب الامن المركزي والحرس الجمهوري الى نفس الفكرة السابقة بهدف تصحيح الفكرة المغلوطة عن الامن المركزي والحرس الجمهوري لدى شباب الساحات وتصحيح الفكرة المغلوطة عن شباب الساحات لدى الامن المركزي والحرس الجمهوري؟ ونتيجة لحساسية الوضع بين الطرفين نرى بان تقتصر المشاركة على العناصر غير القيادية من شباب الساحات, والافراد والضباط الشباب من غير المتخصصين في التوجيه المعنوي من تلك الوحدات, على ان يكون اللقاء في جامعة صنعاء او ميدان السبعين او حتى في احد المعسكرات بهدف خلق توافق شعبي بين المواطنين المدنيين والعسكريين.
3- فيما يتعلق بالمصالحة والتسامح نجد الامر اكثر تعقيدا كونه يستوجب تحديد اطراف المصالحة بصفاتهم التصالحية, طرف جاني وطرف مجني عليه, وحتى يتم تحديد الصفات يجب اجراء تحقيق شفاف نزيه ومحايد, وهو ما لم يتم حتى الان, الاخطر من ذلك هو منح من يعتقد بانه الطرف الجاني حصانة قبل ان يتم التحقيق وبدون تنسيق مع الطرف المجني عليه. ان هذا التصرف الاستباقي غير المحايد وغير العادل, دمر مضمون فكرة التصالح وخلق فجوة كبيرة مع الطرف المجني عليه للقبول بمصالحة مع طرف محمي مسبقا. ففكرة العدالة الانتقالية تقوم على اقرار الجاني بفعله طوعا ودون اكراه او ضمانات وطلب المسامحة من المجني عليه بصدق, وهي عملية موجودة في القانون والعرف القبلي والشريعة الاسلامية السمحاء, يقول المولى عز وجل في كتابه العزيز (ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل انه كان منصورا) (ومن عفى واصلح فاجره على الله).
للخروج من مازق قانون الحصانة, نرى بان تنتقل المصالحة الى المبادرة الذاتية للافراد بحسب العرف القبلي ووفقا للشريعة الاسلامية وعبر وساطة يرسلها الجاني الى طرف المجني عليه مباشرة او الى لجنة حكومية مختصة اذا سارعت الحكومة الى تشكيل مثل تلك اللجنة للجمع بين الاطراف. في هذا الجانب نحب ان نشير الى ان قانون الحصانة اهمل شرائح واسعة ممن شاركوا في اعمال القتل, وخص بالحصانة فقط المسؤولين الذين عملوا مع صالح. لذا يمكن لاولئك الذين شاركوا باعمال القتل ولم يكونوا مسؤولين مع صالح من الجنود والمرافقين الامنيين والعاطلين عن العمل وعمال القطاع الخاص والموظفين الحكوميين العاديين والقبائل من اعضاء المؤتمر وانصاره, الاستفادة من سماحة الدين الاسلامي واجراءات العرف القبلي المعمول بها في منطقة المجني عليه, وستكون مبادرة الجاني بالاعتذار وطلب الصفح والمسامحة في ميزانه يضاف اليها عدم تمتعه باي حصانة مما يجعل امكانية تسامح المجني عليه كبيرة جدا. كذلك الامر بالنسبة للمسئولين الذين عملوا مع صالح, لا يعطيهم قانون الحصانة اية ميزة اذا شاركوا بالفعل او التحريض او غيره في اعمال القتل خارج مهام وظائفهم الرسمية, مثلما هو الحال بالنسبة للراعي والبركاني والزوكا الذين ليس من مهام وظائفهم الرسمية تجميع البلاطجة وتسليحهم وتحريضهم على القتل. يضاف الى كل ذلك الجرائم المصنفة بالجرائم ضد الانسانية وجرائم الحرب, مثل محرقة تعز ومجزرة جمعة الكرامة وقتل المتظاهرين السلميين في شوارع واحياء صنعاء وقصف المناطق المدنية الاهلة بالسكان والمساجد باسلحة ثقيلة.
اخيرا فاننا نرى بان اسراع الجناة في استغلال الفرصة السانحة حاليا للاعتراف والاعتذار من الضحايا يعزز من امكانية التصالح والتسامح لانها تقوم على قناعة الجاني واخلاق الضحية. وعلى العكس من ذلك يكون تاخر الجاني في الاعتراف وطلب المسامحة من الضحية بانتظار توفر حماية له بضمانات قانونية, عملا غير صادق وغير شريف يهدف الى التحايل على الضحايا واستغلالهم, سيؤدي حتما الى نتائج عكسية مشروعة دينيا وعرفيا.
د. محمد البنا