يمكن القول ان لكل حضارة مفهومها الخاص للديمقراطية ؟ ولماذا تتمخض محاولات نقل النموذج الديمقراطي الغربي للعالم العربي كل مرة عن تصعيد التوتر السياسي هناك وتؤدي الى نزاعات اثنية وطائفية ؟ ولماذا نرى الناس ذوي الثقافات المتباينة غالباً ما يرفضون الاعتراف بأن قيم الحضارة الاخرى قيم ديمقراطية ؟ وهل بالامكان ايجاد حل وسط بين النموذج الغربي للديمقراطية ونموذجها " العربي" ؟ للحديث حول هذه القضية خصصت الحلقة الجديدة من برنامج "بانوراما".
يقوم النظام الديمقراطي على الإعتراف بحقوق وحريات المواطنين الواسعة، وتناوب السلطة واستبدالها ، وعلنية نشاط احزاب المعارضة ، وكثير من المستلزمات الأخرى. وكما هو حال باقي اشكال الحكم في الدولة لا يعتبر النظام الديمقراطي منزها او معصوما. الا ان الديمقراطية، كما قال ونستون تشرشل في حينه، " تبدو وكأنها أسوأ شكل للحكم الى حين مقارنتها بأشكاله الأخرى". ويبين لنا التاريخ ان الأنظمة والمؤسسات الديمقراطية اتخذت اشكالا متنوعة ابتداء من اليونان القديمة. الا ان الولايات المتحدة الأمريكية اعلنت مرارا عن وجود "معايير" موحدة للديمقراطية. ويعتبر تسويق او تصدير الديمقراطية الى الخارج من اولويات السياسة الخارجية الأميركية. فلا يخامر الشك احدا اليوم في ان الولايات المتحدة و"اصابعها" المحركة ضالعة في ما يسمى بالثورات الوردية او "الملونة" في جورجيا واوكرانيا وقرغيزستان. وقد تولى الأمريكيون، دون وازع من خجل ودون تأنيب ضمير، مهمة الح؟؟؟؟َم او الفقيه الذي يقرر ويميز بين الديمقراطية "الصحيحة " في بعض البلدان و"المغلوطة" في بعضها الآخر. وعلى هذا الأساس حاولوا مرارا ان يلقنوا روسيا درسا في الديمقراطية. ولا يزالوا يحاولون الى اليوم. ولقد تم تصدير الديمقراطية "الحقيقية" بمفهومها الأمريكي الى يوغسلافيا في حينه، الأمر الذي قاد الى اراقة الدماء امدا طويلا في هذه البلاد وتسبب في تمزيقها نهائيا في آخر المطاف. ثم ذاقت افغانستان والعراق طعم الديمقراطية الغربية التي سيقت اليهما بقوة السلاح. وبلغ الأمر بالبلدين انهما شهدا انتخابات وصفت بالإنتخابات الحرة. الا ان مدى حريتها كان بالطبع مؤطرا بظروف الإحتلال الأجنبي، فيما فشلت الحكومتان اللتان تمخضت عنهما تلك الإنتخابات في