الكرامة فتح الثورة في جدار الصمت والظلم
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]خلال الأيام التي سبقت مجزرة الكرامة, تم بناء عشرات الجدران العازلة في الشوارع ومداخل الأحياء المحيطة بساحة التغيير لمحاصرتها من جميع الجهات, وكان أكبرها الجدار الذي قسم الشارع الدائري الغربي إلى نصفين. ومن اهم ما يميز ذلك الجدار هو طريقة بنائه الخاصة التي تمت على واجهتين تفصل بينهما عدة سنتيمترات مليئة بالخرسانة المسلحة, واستخدام الطوب الصم بطريقة عرضية في الجهتين لتزيد من سماكة الجدار وتحمي الخرسانة, حتى صارت ساحة الاعتصام محاصرة تماما من كافة مداخلها. وقام الأمن القومي مع مسلحين باخلاء المنطقة الواقعة في الجهة الأخرى للجدار العازل من كل مظاهر الحياة واغلاق المحال التجارية فيها, اضافة الى ترحيل عدد من الصحفيين الأجانب.
في عصر يوم الخميس السابق لجمعة الكرامة التقى صالح مع عدد من اعوانه الإعلاميين والمقربين, ومساءً التقى ببعض قيادات المشترك يوهمهم بانه يسعى الى الخروج بحل يجنب البلاد إراقة الدماء, لكنه وجه بانسحاب قوات الأمن المركزي التي كانت منتشرة خلف الجدار وفي الأحياء والشوارع المجاورة للساحة إلى جولة كنتاكي, وقطع التغطية عن الهواتف النقالة في المنطقة بشكل كلي، ووضع أجهزة تشويش خاصة لعزل المنطقة بشكل كامل.
بعد نهاية جمع صلاتي الجمعة والعصر ابتدأت ساعة الصفر باحراق اطارات سيارات خلف جدار العزل تصاعد منها أدخنة سوداء، واطلق بعدها نجل محافظ المحويت، علي أحمد علي الأحول، رصاصة البدء الأولى من بين أعمدة الدخان التي امنت للقتلة التستر خلفها وحمتهم من كاميرات التصوير، فبدأ تساقط الشهداء والجرحى، وتخضبت صنعاء بدمائهم الزكية, واستمرت المجزرة لثلاث ساعات متتالية دون توقف.
لم تعرف اليمن جمعة كـجمعة الكرامة ابكتها دما اسقط صالح وعائلته ووضع حدا فاصلا بين شرعية ثورة الشباب السلمية وشريعة القتلة, فقد كانت الصور التي تنقل المأساة تشير الى جريمة كبيرة بشعة مرعبة ووحشية بكل معنى الكلمة يندى لها جبين البشرية, كشفت أقنعة نظام صالح وعرته أمام العالم.
من مفارقات تلك الجمعة التاريخية شيئين عجيبين هما اسمها والجدار, فجمعة الشباب كانت للكرامة ومعركة صالح كانت من وراء جدر, وهذان العنصران لوحدهما شكلا ثورة حقيقية قد تكون هي الثورة الوحيدة التي انتصرت طوال العام 2011م.
ان اسلوب معركة العار المخزية تلك لم تكن من تفكير انسان سوي, لا من حيث العقل ولا الخلق ولا الدين, حتى ان البعض يشكك في انتماء شيطان تلك الخطة الى أي من قبائل الشعب اليمني ولا حتى لمهمشيها. لقد تجاوزت افعال تلك الجريمة الجهنمية النكراء كل الشرائع السماوية والاعراف القبلية والقوانين الوضعية والمواثيق الدولية, زلزلت كل اركان نظام صالح الدموي وتناثر كل المحيطين به في كل اتجاه ينأون بانفسهم من سيل تلك الدماء التي اجتاحت كل زوايا الوطن الذي غطت سمائه ارواح الشهداء الابطال واضاءات طريق الشباب من ليلتها تلك الارواح الى يومنا هذا بالرغم من تلاعب السياسيين بمصير الشعب والوطن, وصار الشهداء هم الورقة الوحيدة بيد المعارضة تساوم بها في كل الصفقات.
انها فعلا جمعة الكرامة التي اعادت الكرامة الى غالبية الشعب اليمني وتاريخه وحضارته, وكشفت نذالة مماليك اليمن الدخلاء على تاريخه وحضارته واخلاقه وكرامته.
في النقطة الثانية كان الجدار وفكرته التي شرحها رئيس برلمان الراعي لبلاطجته وشبهها بتشويش صدام على الاقمار الصناعية في الحرب الاميركية على العراق. كذلك جدار الفصل العنصري الاسرائيلي على ابناء الشعب الفلسطيني في غزة, اضافة للوصف الالاهي لليهود بانهم لا يقاتلون الا من وراء جدر. واخيرا الوصف الادبي لشيخ الادباء اليمنيين واستاذهم الجليل الدكتور الشاعر عبد العزيز المقالح في رائعته الشعرية (الصمت عار) بقوله:
سنضل نحفر نحفر في الجدار
اما فتحنا ثغرة للنور
او متنا على وجه الجدار
تشبيها للفعل الثوري والثورة على الظلم, وهو ما ينطبق تماما على واقعة جمعة الكرامة التاريخية الحديثة التي نحت فيها الشهداء بارواحهم الجدار الذي يفصلهم عن قتلتهم حتى ماتوا على ظهر الجدار فاتحين به ثغرة للنور وممرا يوصل الاخرين الى قتلتهم.
الا توافقونني الراي انها بحق ملحمة بطولية تاريخية نادرة بين الخير والشر بين الحق والباطل بين الخوف والشجاعة بين البطولة والنذالة بين الوفاء والنفاق. لقد انجز الشهداء اصعب الامور وبقي على الاحياء اثبات الوفاء وانجاز العهود والتخلي عن المنافقين الذين يظهرون فجاة ويختفون فجاة, ظهروا فجاة عند تزلزل نظام صالح وعادوا له عند عودته, ظهروا فجاة عند الحديث عن مجلس وطني ومناصب واختفوا عند انتهاء التوزيع جلجلوا باصواتهم الى ان انتهى كل شاغر فاختفوا فجاة وكان الثورة لم تعد تعني لهم شيئا بعد ان اصموا اذاننا بثوريتهم الخارقة والحسم الثوري الانتحاري. فهل نفي الشهداء حقهم ليس بالذكر فقط بل وفي انجاز المسيرة الثورية دون انحراف.
د. محمد البنا