دردشات بعيد عن السياسة
ان بقايا النظام البائد بسياستها الطائشة ومماطلتها البائسة التي تحاول من خلالها الخروج ببعض المكاسب السياسية, اوصلت البلاد والعباد الى مرحلة من البؤس والانهيار يستعصي معه على اية حكومة قادمة ان تحقق قفزة نوعية نحو التغيير المنشوذ بشكل سلس. فتحت اهواء السياسيين يتارجح وضع اليمن, واقتصادها ينحدر الى الهاوية والوضع الاجتماعي يتذبذب بين الحذر والخطر فلايوجد شيئا مستقر وثابت على حاله سوى مطلب التغيير الجذري الذي تجمع عليه كل فئات الشعب اليمني سلطة ومعارضة ومستقلين.
لقد كشف الوضع الحالي للثورة حقيقة مدعي الثورية, فمنهم من طال صمته بانتظار ان تهديه بوصلته الى الجهة المنتصرة, ومنهم من يتذبذب في كل الاتجاهات حتى بات امره معروفا للجميع, وهناك من اعلن انضمامه للثورة دون ان يقدم شيئا وتوارى عن الانظار وهناك من اعلن انظمامه او تاييده للثورة ثم عدل عن ذلك الى مواجهتها, وهناك من اراد الثورة لتحقيق مصالح شخصية بالوضع القادم دون بذل او تضحية, وهناك من عمل على انجاز التحول الثوري نحو التغيير الحقيقي للمجتمع مقدما التضحيات دون اهداف شخصية, وهناك من هم جزء من النظام البائد وبقوا على وضعهم دون تغيير وهؤلاء يشكلون طرفا اكثر ثقة من المتقلبين. ان الثورة الحقيقية لايمكن ان تتخلص من فاسدين لتاتينا بفاسدين جدد او ان تكتفي بتغيير الاشخاص والابقاء على الاوضاع على حالها دون تغيير. فاذا اردنا التغيير الحقيقي يجب ان نكون قدوة حسنة في البذل والتضحية من اجل الشعب والوطن.
مصطلحات مختلف عليها
1- ثورة شبابية او ازمة سياسية:
لقد حاول الاعلام الرسمي اظهار ثورة التغيير الشبابية على انها ازمة سياسية بين السلطة والمعارضة متجاهلا بشكل متعمد الفوارق الجوهرية بين الثورة والازمة السياسية. ولاثبات ان مايعتمل في وطننا الحبيب اليمن ماهو الا ثورة حقيقية فاننا سنتطرق الى تلك الفوارق وعلى النحو التالي:
1) ان الازمة السياسية تكون عادة بين اطراف العملية السياسية القائمة في البلد, وطالما ان الجميع يعترف بان الشباب هم من قام بالتحرك ضد السلطة التي قامت بالتخاطب معهم وهم ليسوا عنصرا في العملية السياسية وطلبت محاورتهم فان ذلك يثبت بان التحرك الشبابي ليس ازمة سياسية.
2) ان تصريحات قيادات النظام البائد وبخاصة رئيسه تعترف بمشروعية مطالب الشباب في التغيير بل وتؤيد مطالبهم المشروعة ودعتهم الى تكوين هيئاتهم الخاصة للتحاور ووضع الحلول والمخارج لتحقيق مطالبهم.
3) ان شباب التغيير اعلنوا هدفهم باسقاط النظام القائم وتغييره وليس المطالبة السياسية التكتيكية لاشراكهم في السلطة عبر الحوار السياسي, بل ان اول مطلب للشباب هو تنحي الرئيس.
4) لم يدخل الشباب كطرف سياسي في التفاوض على المبادرة الخليجية بل تمسكوا بمطلب تسليم السلطة وتنحي الرئيس.
ان هذه النقاط تؤكد بان تحرك الشباب في الساحات ماهو الا ثورة حقيقية ليس لها اية علاقة بازمات السلطة والمعارضة.
2- شرعية دستورية ام شرعية ثورية:
ان سياسيي السلطة والمعارضة قاموا بالتشويش على ثورة الشباب عبر الترويج لمصطلحين مرتبطين بشرعية التحركات الشبابية الثورية التي ينسبها اقطاب السلطة الى الشرعية الدستورية التي تعطي الحق للمواطن بالاحتجاج المطلبي والاعتصام معتبرين التحرك الثوري الشبابي ما هو الا تحرك مطلبي مشروع, غير انها تناقض نفسها عبر ادخال اطرافا خارجية للتوسط والتفاوض حول هدف الثورة بتنحي رئيس النظام وتسليم السلطة سلميا التي قبلتها السلطة مبدئيا. فلا يوجد في الدستور اليمني اية اشارة الى قيام اطرافا خارجية بالتدخل لتحقيق انتقال سلمي للسلطة في اليمن وفرض شروطها لتحقيقه. من جانب اخر ينسب اقطاب المعارضة التحرك الثوري الشبابي الى الشرعية الثورية دون تحديدها. لذا نرى ان التحرك الشبابي المندرج تحت مسمى الفعل الثوري الهادف الى تغيير المجتمع تغييرا جذريا ونقل السلطة الى قوى مختلفة عن القوى الحالية بالطرق السلمية. يستمد شرعيته من الدستور اليمني القائم وليس من اية شرعية اخرى. ان الدستور اليمني يعتبر عقدا اجتماعيا بين الحاكم والمحكوم بين الشعب والسلطة ويحدد حقوق وواجبات طرفي هذا العقد وينص بشكل صريح ان الشعب هو مالك السلطة ومصدرها وهو من يختار حكامه ويغيرهم. فاذا اخل احد طرفي هذا العقد به ونقضه وخان الامانة واليمين الدستورية التي اقسمها فان الطرف الثاني يكون في حلا من التزاماته ويحق له الغاء اختياره لمن يمثله في ادارة السلطة نيابة عنه. ان ما يدعو الى الاستغراب ويثير الدهشة ان يترك الثوار للسلطة التي خالفت الدستور ان تحتمي بشرعية الدستور وهي من خرقته ونقضته وخالفته وكان النص الدستوري عبارة عن خطاب سياسي يمكن التلاعب به وتغييره وتفسيره حسب الاهواء, وهو سبب خروج الشباب لتغييرها.
بالعودة الى نصوص الدستور اليمني القائم واوامره الملزمة سنرى من هي الجهة التي نقضت الدستور, وبالتالي لمن يعطي الدستور الشرعية فيما يقوم به, هل للسلطة ام لشباب التغيير وعلى النحو الاتي:
مادة (5) لا يجوز تسخير الوظيفة العامة أو المال العام لمصلحة خاصة بحزب أو تنظيم سياسي معين.
مادة (18) عقد الامتيازات المتعلقة باستغلال موارد الثروة الطبيعية والمرافق العامة لا يتم إلا بقانون.
مادة (39) الشرطة هيئة مدنية نظامية تؤدي واجبها لخدمة الشعب وتكفل للمواطنين الطمأنينة والأمن وتعمل على حفظ النظام والأمن العام والآداب العامة وتنفيذ ما تصدره إليها السلطة القضائية من أوامر كما تتولى تنفيذ ما تفرضه عليها القوانين واللوائح من واجبات وذلك كله على الوجه المبين في القانون.
مادة (40) يحظر تسخير القوات المسلحة والأمن والشرطة وأية قوات أخرى لصالح حزب أو فرد أو جماعة ويجب صيانتها عن كل صور التفرقة الحزبية والعنصرية والطائفية والمناطقية والقبلية وذلك ضمانا لحيادها وقيامها بمهامها الوطنية على الوجه الأمثل ويحظر الانتماء والنشاط الحزبي فيها وفقا للقانون.
مادة (72) يشترط لصحة اجتماعات مجلس النواب حضور أكثر من نصف أعضائه مع استبعاد الأعضاء الذين أعلن خلو مقاعدهم وتصدر القرارات بالأغلبية المطلقة للأعضاء الحاضرين.
مادة (88) أ- يجب عرض مشروع ألموا زنه العامة على مجلس النواب قبل شهرين على الأقل من بدء ألسنه المالية ويتم التصويت على مشروع الموازنة بابًا بابًا وتصدر بقانون ولا يجوز لمجلس النواب أن يعدل مشروع الموازنة إلا بموافقة الحكومة ولا يجوز تخصيص أي إيراد من الإيرادات لوجه معين من أوجه الصرف إلا بقانون وإذا لم يصدر قانون الموازنة الجديدة قبل بدء السنة المالية عمل بموازنة السنة السابقة إلى حين اعتماد الموازنة الجديدة.
مادة (92) يصادق مجلس النواب على المعاهدات والاتفاقيات السياسية والاقتصادية الدولية ذات الطابع العام أيا كان شكلها أو مستواها خاصة تلك المتعلقة بالدفاع أو التحالف أو الصلح والسلم والحدود أو التي يترتب عليها التزامات مالية على الدولة أو التي يحتاج تنفيذها إلى إصدار قانون.
مادة (106) ب- يكون لرئيس الجمهورية نائبا يعينه الرئيس وتطبق بشأن النائب أحكام المواد (107 و 117 و 118 و 128) من الدستور.
مادة (110) يعمل رئيس الجمهورية على تجسيد إرادة الشعب واحترام الدستور والقانون وحماية الوحدة الوطنية ومبادئ وأهداف الثورة اليمنية والالتزام بالتداول السلمي للسلطة والإشراف على المهام السيادية المتعلقة بالدفاع عن الجمهورية وتلك المرتبطة بالسياسة الخارجية للدولة ويمارس صلاحياته على الوجه المبين في الدستور.
مادة (116) في حالة خلو منصب رئيس الجمهورية أو عجزه الدائم عن العمل يتولى مهام الرئاسة مؤقتا نائب الرئيس لمدة لا تزيد عن ستين يوما من تاريخ خلو منصب الرئيس يتم خلالها إجراء انتخابات جديدة للرئيس وفي حالة خلو منصب رئيس الجمهورية ونائب الرئيس معا يتولى مهام الرئاسة مؤقتا رئاسة مجلس النواب وإذا كان مجلس النواب منحلا حلت الحكومة محل رئاسة مجلس النواب لممارسة مهام الرئاسة مؤقتا ويتم انتخاب رئيس الجمهورية خلال مدة لا تتجاوز ستين يوما من تاريخ أول اجتماع لمجلس النواب الجديد.
مادة (121) يعلن رئيس الجمهورية حالة الطوارئ بقرار جمهوري على الوجه المبين في القانون. وفي جميع الأحوال لا تعلن حالة الطوارئ إلا بسبب قيام الحرب أو الفتنة الداخلية أو الكوارث الطبيعية ولا يكون إعلان حالة الطوارئ إلا لمدة محدودة ولا يجوز مدها إلا بموافقة مجلس النواب.
مادة (138) يدير رئيس الوزراء أعمال المجلس ويرأس اجتماعاته وهو الذي يمثل المجلس فيما يتعلق بتنفيذ السياسة العامة للدولة.
مادة (140) عند استقالة الوزارة أو إقالتها أو سحب الثقة منها تكلف الوزارة بتصريف الشئون العامة العادية ماعدا التعيين والعزل حتى تشكل الوزارة الجديدة.
مادة (149) لا يجوز لأية جهة وبأية صورة التدخل في القضايا أو في شأن من شئون العدالة ويعتبر مثل هذا التدخل جريمة يعاقب عليها القانون ولا تسقط الدعوى فيها بالتقادم.
مادة (159) تتولى الإدارة والإشراف والرقابة على إجراء الانتخابات العامة والاستفتاء العام لجنة عليا مستقلة ومحايدة.
مادة (160) اليمين الدستورية التي يؤديها رئيس الجمهورية ونائبه وأعضاء مجلس النواب ورئيس وأعضاء الحكومة ورئيس وأعضاء مجلس الشورى نصها كما يلي:ـ
(اقسم بالله العظيم أن أكون متمسكا بكتاب الله وسنة رسوله وأن أحافظ مخلصا على النظام الجمهوري وأن احترم الدستور والقانون وأن أرعى مصالح الشعب وحرياته رعاية كاملة وأن أحافظ على وحدة الوطن واستقلاله وسلامة أراضيه).
في الاخير نرى بان الرؤية الواقعية للتغيير المنشوذ تبدء من التشكيلات القيادية التي يجب ان تاخذ بعين الاعتبار الوضع المنهار لاقتصاد البلاد والالتزام بالقوانين وتطبيقها عليهم اولا ومنع الجمع بين وظيفتين او تجاوز البدلات للمرتب الرسمي ونوضح ذلك بالاتي:
1) ان الشخص الذي يتم اختياره لاي منصب قيادي هو في الاساس موظف حكومي يستلم مرتب فعليه ان يكتفي براتب وظيفته الاصلية دون ان يترتب على تحمل المسئولية اية استحقاقات مالية او امتيازات.
2) عدم تعيين وزراء وهميين دون وزارات لارضاء اطراف العملية السياسية, بل ودمج الوزارات المتشابهة والتخلص من الوزارات غير العملية.
3) اعادة الوظائف والمهام الحكومية التي تم تحويلها لشركات خاصة مثل جباية ضرائب القات ومقاولات بناء الطرقات واعمال النظافة, والاستفادة من امكانيات الجيش في اعادة الاعمار وبناء الطرقات وغيرها.
4) الغاء استئجار مباني للمؤسسات الحكومية وتقليص الدوائر غير المجدية والغاء الصناديق الوهمية, واغلاق السفارات غير الضرورية وتقليص افراد البعثات الدبلوماسية في الخارج الى حدود الضروري.
5) كما يجب العمل على تصحيح القوانين النافذة وتعديلها والغاء المخالف منها للدستور وتفعيلها في الواقع, ومحاسبة القضاة الفاسدين بناء على الاحكام التي يصدرونها.
د. محمد البنا