يحيى يريد أن يموت!
وجدي السالمي(حديث المدينة العدد 92)
في مدخل جولة سوفتيل تقف ثلاث وحدات عسكرية كإشارة مرور حمراء، الدخول باتجاه شمال المدينة ممنوع، والوصول إلى مسيرة يوم الاثنين الماضي التي كانت هناك صعب، وسائل النقل كالسيارات أو الدراجات النارية محدد لها نقطة نهاية معينة، والدخول سيراً على الأقدام..لابد أن يكون جزفياً.
صورة الرئيس المحنطة عند مدخل سوق الجملة يقف لحمايتها 3 أطقم من الأمن المركزي وسيارة مكافحة الشغب المحملة بالمياه الحارة، والوضع ليس هادئاً، هناك صوت وصراخ مخلوط بالبكاء يخترق قلوب ومسامع المارة، وهو يطلب الموت (أريد أن أموت لا أريد أن أعيش)، (أشتي أموت خلاص ما أشتيش أعيش) تلتفت يميناً وشمالاً لا ترى شيئاً، مصدر الصوت هو شاب في العشرين من عمره بملابسه البالية ومنظره غير المرتب، وبقايا شعث الإرهاق عالقة على جسده، حوله مجموعة من الجنود وكان مختنقاً بصوته جراء ما قام به أفراد الأمن المركزي الذين انهالوا عليه بالضرب المبرح عندما حاول العبور إلى مقر عمله في سوق الجملة حيث يعمل بائعا للخضروات.. يا الله يا الله إنهم يضربون بكل قسوة، كل تلك العصي الغليظة تنهال ضرباً في أنحاء مختلفة من جسد هذا الشاب الهزيل، أسقطوه على الأرض وهو يصرخ في وجه الجنود الخمسة (الموت أنتم) فنبع جندي سادس يطلب منه الصمت ويدوس قفصه الصدري ببيادته.
مصور "حديث المدينة" حاول استخدام آلة التصوير عن قرب في ظل مخاوف من أن يعرض نفسه للاعتقال، فالرقابة على العدسات الصحفية شديدة، لكن ذلك الآنين والصراخ المحزن بالبكاء للشاب دعا الفضول الصحفي إلى الاقتراب منه أكثر وما أن عرف جنود الأمن المركزي بذلك حتى قاموا فوراً باعتقالي، ليبقي الشاب يحيى الشرعبي الذي تركه الجنود يلوك ألم ضربهُم ليروي للزميل موسى أمر هؤلاء الجنود: (أنا بائع خضروات في سوق الجملة كنت بعيداً عن المسيرة، ويضيف: فقط حاولت الدخول إلى مكان عملي، لكن الجنود لم يتفهموا مني فكل من يمر من أمامهم يمنعوا سيره حتى إذا كان ذاهباً إلى منزله هكذا حكى يحيى وأبكى موسى.
داخل زنزانة الأمن المركزي
أما أنا كان تم اعتقال وإدخالي دهاليز زنزانة متهالكة وموحشة ومهجورة تابعة لمعسكر الأمن المركزي، لم أكن وحيداً بل كان هناك عشرات الشباب تم اعتقالهم عقب ساعات من اعتقالي.
بصمت رصدت الممارسات القمعية البعيدة عن الإنسانية التي يتم استخدامها مع المعتقلين.. التفتيش كان دقيقاً..تحت مبرر البحث عن السلاح والخناجر والآلات الحادة لدرجة أنه طلب من المعتقلين خلع ملابسهم عدا ما يستر العورات، لكن خاب الظن لم يجدوا مع الشباب سوى (حبات البصل) السلاح الوحيد الذي يواجه به الغازات والسموم وقطعة من القماش مكتوب عليه ارحل.
على بوابة الزنزانة يقف ذلك الجندي الأسمر الطويل صغير العينين، الشراسة تظهر على تقاسيم وجهه ربما تم انتقاؤه وأمثاله بعناية للإيغال في تعذيب المعتقلين، لكنه كان ضعيفاً وهو يركل كل معتقل ركلتين في البطن والظهر وكذا وهو يهوي بكفه في وجوه الثوار: (تشتونه يرحل يا طراطير يا...) بهذه الألفاظ كان الجندي الأسمر يخاطب الشباب، بعد أن ركل وضرب الجميع غادر باب الزنزانة برجله اليمني وقبل أن يحمل رجله اليسرى عاد.. يصدر أمراً لأحد الأفراد الذين بجواره ويسأله أين البصل موجود يا فندم.. "مكنَ" كل واحد منهم ويقصد المعتقلين حقه البصلة يأكلوها لقمة واحدة جزاءهم، لكن الشباب كانوا يلتهمون البصل بشهية مصحوبة بابتسامات تقهر السجان.
إنسانية مخربين
لحظة كان الجنود في الزنزانة يضربون (مطهر) بإفراط حتى سالت دماؤه من رأسه وتورمت يده، خرجت أنا عن الصمت فقلت: ماتت الإنسانية في هذا المكان، فكان الرد عليّ "أي إنسانية تعنوها يا مخربين".. باختصار التعذيب لا يقل عن التعذيب في المعتقلات تلك التي نسمع عنها في "جوانتانامو"، وقبل نقلنا إلى إدارة الأمن بالمحافظة تم مصادرة متعلقاتنا الشخصية من جوالات ومبالغ مالية حتى حبات العلاج التي بحوزة فائز المعمري..أخذوها، حاولنا الاحتجاج لكنهم قالوا: إن حاجاتكم محفوظة وستعود إليكم ولكنها لم تعد إلى الآن.
وصلنا إلى إدارة أمن المحافظة التي كان سجنها مكتظاً بالمعتقلين فتم إرسالنا إلى قسم شرطة الجحملية.. لنلحق بالشباب المعتقلين من ساعات الصباح الأولى من نفس اليوم (الاثنين) كان عددنا 60 معتقلاً وعند دخولنا ارتفعت أصوات الثوار في السجن (حيا بهم حيا بهم) وهتف الجميع (حرية حرية في سجون الجحملية) ونادوا بالرحيل ومحاكمة النظام من داخل المعتقل؛ لأنه لا خوف في زمن الثورة، وقبل إطلاق سراحنا في وقت متأخر من الليل تم تصويرنا منفردين واحداً واحداً بأرقام متسلسلة كنت أنا المعتقل رقم (7) هذا الرقم سيظل عالقاً في مخيلتي ولن يبرحها لأنه يعني لي الحرية، لنغادر سجون النظام وتبقى متعلقاتنا الشخصية حبيسة بانتظار من يفرج عنها خاصة المتعلقات التي بحوزة الأمن المركزي.
ترددت على بوابة معسكر الأمن المركزي مطالباً بجوالي لكن أحد الأفراد قال: صادرنا سيارات وموتورات وبني آدم وأنت تبحث عن جوال يا (خضعي) هكذا خاطبني المسئول الأمني عند مطالبتي بحقي.