يُحكى
ان طالبا دعته لقمهٌ من صحن إنسانِ كان يأكل بجواره فغض بصره وقال معاذ الله هي له
وليست لي فانصرف قافلا الى غرفته مؤملا أن يجد ما يسد رمقه وجوعه بالرغم من تفتيشه
للمكان شبرا شبرا وبعد ان طفح الكيل ولم يستطع الصمود أخلد الى النوم... اخذ النوم
منه ساعات طوال فاستيقظ من النوم وتبادر الى ذهنه خاطرتان:
أريد أن أنام يا رحمان:
كان هيئه الطالب المغلوب على أمره كلوحه رسام ماهر أستنفذ إبداعه لرسم
لوحه عن المساكين البسطاء البائسين فتمثلت اللوحه تلك بهيئه الطالب الذي قد ضم
رجليه الى محاذاه بطنه الفاضيه منذ ايام، وتبدو على وجهه ابتسامات عريضه تحكي
فلسفات طالما دُفنت، متفكرا في حال الدنيا لعله يخفف على نفسه وطأه الواقعه ومراره
الموقف. نادى بصوت خافت تخنقه العبره" رباه دعنى انام في كنفك" لقد تخيل
صاحبنا هذا أنه بعيد عن امه التي طالما تحضنه إن ألم به شئ عصيب ، تخفف وتهون عليه
الأمر ، ترسم على وجنتيه علامه الرضا بعد السخط ، والتفاؤل بعد اليأس ولكنه في ذلك
الوقت تذكر أنه ليس في كنف امه فثار متعجبا ما هذا الحض الدافئ وما هذه الرحمه
المسكوبه؟!! وبعد أن وعى حاله وانتصر على حسيس الجوع الزاحف بين اضلاعه تذكر أنه
كنف الرحمان الرحيم ولقد خُيل اليه انه محاط بكنف الرحمان الرحيم يمسح عن وجنتيه
الدموع ويلاطف شعر راسه برحمه وتسكين ، ويقذف في قلبه أنوارا من الصبر وقوه من
التحمل.
يا رحمان يا رحيم دعني أنام لم اشعر قط بهذه الرحمه المتدقفه، والرفق
الناعم ، دعني أنام لعلي اصحو فأجد نفسي منعمه مدلعه في كنف الرحمان الرحيم فيذهب
عني جوعي وتزول الالآمي ، ويصفو كدري.... لم أعد اكترث بترتيل الأسماء ، أسماء
المسؤول المالي ، المسؤول الثقافي ، السفير، الوزير ، رئيس الوزراء، رئيس
الجمهوريه ، يالله كما هي جافه سوداويه أكاد اشعر بمراره نطق تلك الأسماء من هنا!!
بحثت عنها في عالم الرحمه والحب حين زرته ذات يوما فلم اجد تلك الأسماء ، كررت
البحث إسما إسما لعل وعسى فكنت اسمع هامسا يقول لا تتعب نفسك يا بني لن تجدها ، إن
هذا العالم لمن يرحم عباد الله ، لمن كان لعباد الله أمٌ حانيه تحنو عليهم ، تفرح
لفرحهم ، وتحزن لحزنهم، تعاتبهم بنظرات عيونها الربانيه، لا تقوى لشعورهم بالجوع
والتعب.
بُني إن جوعك والالآمك تُسجل ساعه ساعه، دقيقه دقيقه ، ثانيه ثانيه،
فتواضع في مسألتك وعليك بالصبر ، الحياه تأخذ هذا بذاك ولن يُهزم قلب فيه رحمه ،
تمتمت في نفسي : أيها الخاطر المتعاطف إنه الجوع وإنه تعامل همجي يحول الجوع إلى
حقد أسود ، منذ أن وجدت نفسي مرغما في هذا العالم لم اعرف الحقد الا كلمه مكونه من
ثلاثه حروف ونقطتين... أيها الصوت الحاني : قسما اخاف ان اعرفه الآن حرفا ومعنى
إنه امر صعب امر صعب لا يطاق.