أهلا وسهلاً بك زائرنا الكريم
نرحب بك ونتمنى ان تتكرم بالتسحيل
او اذا كنت عضو فعليك بتسجيل دخولك
مع تحيات
منتديات جبل حبشي


منتديات من لا منتديات له
أهلا وسهلاً بك زائرنا الكريم
نرحب بك ونتمنى ان تتكرم بالتسحيل
او اذا كنت عضو فعليك بتسجيل دخولك
مع تحيات
منتديات جبل حبشي


منتديات من لا منتديات له
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 تعز.. مشاقر التاريخ على خدود الحزن

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبد الغني النويهي

تعز.. مشاقر التاريخ على خدود الحزن 15931518
عبد الغني النويهي


ذكر عدد الرسائل : 2794
العمر : 36
الدولة : قلوب الناس
تاريخ التسجيل : 08/09/2008

تعز.. مشاقر التاريخ على خدود الحزن Empty
مُساهمةموضوع: تعز.. مشاقر التاريخ على خدود الحزن   تعز.. مشاقر التاريخ على خدود الحزن Emptyالخميس 10 يونيو 2010 - 22:17

حين حجز الجمال مقعده المتقدم في المساحات
الشاعرية للأرض.. وضع التاريخ لبنته الأولى للعشق في فضاء مشبع بغيم الفتنة
والحب وشكل من ولَهِ السنين المتداركة وقطرات الحسن المتساقطة بهاءً..
مدينة متناثرة على قمم الدهشة عرفها الناس فيما بعد (تعز) وعرفتها أنا
مشاقر التاريخ والجمال على خدود الحزن!!
في تعز يمتزج كل شيء بالبساطة وتفوح أزقتها وحاراتها وشوارعها وقراها بعطر
الطبيعة الساحر المنبعث من (مشاقر) الريحان والكاذي والأزاب.. وحيثما
ولّيتَ تجس إعجاباً طرياً يوغل في النفس ويتسمّر على جدران الذاكرة..
إعجاباً بذلك الامتزاج الفريد بين الإنسان والبيئة، وبذلك التناسق الممتع
والتنوع الأليف في الحضور البشري والتاريخي والحضاري الممعن بروحانية خاصة
عابقُ صفاؤها على قباب يفرس وابن علوان والمظفر والزوايا الصوفية المترددة
أناشيدها وأذكارها الروحية على دوي الصمت المتلبس قرى ورائعة المكان في
وحدانية تستلهم الطمأنينة
وفي تعز أيما جهة يممت مسرى الحديث فسيكون لذلك التكوين الجغرافي العجيب
للمحافظة دور كبير في البحث عن لغة للمتعة تشبع الفضول وتروي ظمأ الاستمتاع
بواحدة من أروع الأماكن شجوناً في اليمن
تتوزع تعز على سلاسل جبلية وأودية وأراضي سهلية وشواطئ على البحر وإن بدت
معظم أجزائها جبال وأودية إلا أنها الأوفر حظاً في الاعتدال المناخي
والجمال الطبيعي.
وإذا كانت وقفة مع التاريخ هنا غير كافية تماماً لإطلالة عابرة لتحقيق صحفي
يمكن من خلاله قراءة الحاضر.. إلا أنها ضرورة تلازم للاستدلال على حضارة
مهملة أو مغيبة وموغلة في القدم لا زالت ذكراها تنضح ألقاً حتى اليوم
فتعز كما يذكر المؤرخون عرفت السكنى والاستيطان البشري منذ فجر التاريخ
وشهدت أنشطة إنسانية وتطورات تاريخية وازدهاراً حضارياً عبر مختلف عصوره
وأزمنته فكان ذلك الاستيطان البشري المبكر جداً في منطقة (البرح) أول نقطة
ضوء فتح بها الإنسان البدائي الطريق الجديد لحياته فقط دون إدراك منه بأن
تلك نافذة سيطل منها التاريخ لقراءة كيف عاش.. وكيف عاشت معه تعز مستوطنات
العصر الحجري في (حمام علي) مروراً بما عرف بالمخربشات في كهف (الأعبار)
بوادي (الأصابح)
ذلك الإنسان آثر السير في تخليد وجوده وبناء مجده تاركاً وراءه بصمات عز
ومعرفة تدل على أنه مر من هناك فترك ألواحاً مكتوبة بالمسند عثر عليها في
مدن قديمة في (جبل حبشي) وفي (جبأ) و(السواء) و(صخور سامع) وكذا بقايا
أسوارٍ لأسواق ومعابد وصهاريج وقنوات سدود كالسد الكبير بوادي (موزع)
العظيم
ويروي المؤرخون أن تعز عرفت المقابر الصخرية وقنوات الري في (ماوية) في
عهود قديمة وأن الجبائيين كانوا شركاء للمعينين في التجارة خاصة تجارة
(الطيب) إبان ازدهار طريق اللبان التاريخي.. أما قبيل الإسلام فكان لمخلاف
الجند واحداً من أهم أسواق العرب المشهورة وعرف بسوق (الجند)
بعد لحظات أصل تعز (المدينة) والتاريخ وحده سيلازمني طيلة بقائي فيها
و256كم سرناها جنوب العاصمة صنعاء تقترب من النهاية مع (عبده الشرعبي)
سائق( البيجو) الذي لم يمل الحديث عن روعة المدينة القادمة المُشقّرة
بحزنها والذي معه شعرت كأني سأدخلها أول مرة..
(الناس في تعز طيبون.. لكنهم فقراء.. كثير من الأسر لا تجد ما تأكله)!
(المدينة جميلة.. لكنها لا تشبع جائعاً)!
سريعاً وبينما (عبده) يواصل سرد حديثه عن معاناة الناس هناك والبطالة
والمحلات التي أغلقت أبوابها في معظم الشوارع الفرعية كانت مدينة تعز قد
اقتربت بسرعة الضوء طاوية ما تبقى من ضباب يحجب الرؤيا لتطل بلآلئها
المعلقة على صدور التلال والهضاب كمجرة مشبعة بالنجوم وخرجت عن مدارها
لتنتبذ هذا المكان
إذاً سأدع للبصر الإيغال في المتاهة حد التشبع سأنسى المشاهد المؤلمة
لأطفال وشيوخ بالمئات يستجدون فضل العابرين ويسألون الناس إلحافاً.. سأترك
النائمين على الأرصفة والباحثين عن كسرة خبز.. سأترك فتيات في مقتبل العمر
خرجن إلى الشوارع يبحثن عن ما يسد رمق الجوع.. سأنسى تلك المرأة التهامية
التي اتخذت من أمام إحدى المحلات المغلقة في حوض الأشراف مكاناً آمناً
للنوم وسأنسى البريق الزائف لمشاريع ومنجزات يضجُ بها الإعلام الرسمي كل
لحظة ولا زالت في علم الغيب مغلفة بالمنّة والفضل..
سأترك شوارع مكتظة بالأوجاع والجراح وسأترك وجوه مكتحلة بالقهر والألم
والاستسلام سأنسى حكايا المتنفذين وهبر المليارات والمشاريع الوهمية وسأنسى
سخرية الاستقواء والاستحواذ على حقوق الناس وسأنسى كذلك كيف يسرق الأقوياء
والمتسلطون البسمة من أفواه آلاف الصبية من أبناء الغلابى!!
سأركن كل شيء جانباً ولن أتحدث عن الموت أو حمى الضنك أو مكاتب حكومية
تستعبد موظفيها ولن أتحدث عن الثورة بلسان جامعة تعز أو عن مئات البيوت
التي تهددها السيول بالجرف.. لن أتحدث عن كل ذلك وسأترك كل شيء يشكو لجاره
ألمه أما أنا فسأمشي في المدينة فرداً متجرداً من كل أوجاعي وأوجاع الناس
وسأواصل السير في كل أنحاء الحزن حتى أبلغ الشجن أو أمضي شبحاً
إلى تعز القديمة أكبر مدن البلاد وأجملها حسب وصف الرحالة العربي ابن بطوطة
عام (1332م).. سأمشي قليلاً وأتوقف كذلك
هذه المدينة كانت خلال عصور الدول الإسلامية المستقلة عاصمة لأقوى تلك
الدول وأطولها ذكراً الدولة الرسولية (626هـ-858هـ).. حيث لا تزال بعض
المدارس والمساجد وبقايا الأسوار والتحصينات والأبراج المتناثرة داخل
المدينة شاهدة على ذلك وتعد من أكثر المباني التاريخية أهمية في اليمن.
تعز القديمة أو(عُدينة) كما عرفت تاريخياً كانت محاطة بسور حجري غير متساوي
الأضلاع ارتفاعه(13) قدماً وتكتنفه أبراجاً وخمسة أبواب لكن ذلك السور
هدمت أيادي العبث والإهمال أجزاء واسعة ولم يتبق منه سوى أجزاء بسيطة لا
زالت حتى اللحظة متصلة بقلعة القاهرة وشاهده حال على أناس هدموا تاريخهم.
أما الأبواب الخمسة التي عبر من خلالها آلاف البشر صانعين مجداً وحضارة هي
الأخرى فقد هدمها قتلة التاريخ ولم يبق منها غير الباب الكبير وباب موسى
الذي ذكره الراحل الكبير/ عبد الله البردوني وهو يجوب العصور
ما الذي تبتاع يا زيد الوصابي
هل هنا سوق سوى هذا المرابي
يدخل السوقان سوقاً يمتطي
(باب موسى) ركبتي (سوق الجنابي)
إلى أن يقول
ها أنا أسمعت حيين فلو
صخت هل يستوقف السوق اصطخابي
قل لماذا جئت يا زيد إلى
هذه الأنقاض؟ أجتر خرابي
هذه المعالم وإن بدت أنقاضاً تجتر خراب السنين إلا أن بعضها لا تزال معالم
تاريخية شاهدة داخل المدينة القديمة وأهمها المساجد والمدارس الرسولية..
فهذه هي المدرسة الأشرفية ذات المأذنتين المميزتين باللون الأبيض وسط
الصخور البركانية عند أقدام جبل صبر وقد سميت بذلك نسبة إلى الملك الأشرف
الرسولي الذي بناها ما بين (1377م-1400م).
وهذا جامع المظفر الذي بناه الملك المظفر وتلك قبة المعتبية التي أبدع
البنائون والمهندسون في ذلك العهد تزيينها من الداخل بأروع الصور والألوان
المائية.
وتظهرأبرز المعالم فيها بالمدرسة المعتبية والمدرسة المظفرية والمدرسة
الأتابكية.
وقد كان للترميمات والتجديدات العشوائية التي أجريت في الآونة الأخيرة
الأثر البالغ في طمس الكثير من الصور والنقوش التي تزين تلك المعالم.
أما سوق الشنيني الذي يمتد من الباب الكبير وحتى باب موسى يعد أشهر الأسواق
الشعبية في تعز على الإطلاق.. هو الآخر لا زال معلماً تاريخياً يقاوم
عصيان السنين ويستجر الماضي على عصرٍ تغير..
هذا السوق يبدو أنه ارتبط مع الإنسان التعزي بعلاقة روحية خاصة وبإمكانك أن
تجد كل شيء وتقتني أي نادر وقديم منه ففيه مزيج فريد وعجيب من الحلي
والمشغولات الفضية والملابس والمطرزات اليدوية التي تحاكي الثقافة الشعبية
للإنسان التعزي إضافة إلى مجموعة من الأطعمة كالجبن البلدي والوزف والحلاوة
ذات المذاق التعزي وكلها أشياء قلما تجدها في مدينة يمنية أخرى.
زيارة واحدة لسوق الشنيني تكفي تماماً للتعرف على عادات وتقاليد المدينة
والثقافة الشعبية لدى الناس حتى أدوات المشغولات اليدوية القادمة من دول
شرق آسيا وأوروبا والتي كانت تستخدم قبل عقود عدة في أغراض شتى لا زالت
هناك مختلطة بخصوصيات المدينة وتأخذ حيزاً كبيراً من الاهتمام والعناية
الملفتة لدى هواة القديم والراغبين في إلقاء نظرة إلى الماضي ولم تكتف تعز
بعرض منتجاتها وثقافتها الشعبية عبر سوق الشنيني فقط بل زرع أبناؤها في
أنحاء شتى أسواقاً تعبر عن مدى تمسكهم بأصالتهم وارتباطهم بالأرض التي
أرضعتهم حليب روعتها..
وتظهر الأسواق الشعبية هناك مقرونة بأسماء تحاكي أيام الأسبوع وربما أن هذا
الاقتران بعيداً عن نسبتها إلى مناطق احتوائها كما يبدو كان مقصوداً لجعل
متعة التسوق للقادمين حتى من خارج تعز.. تسير بتسلسل لا يفقد استمراره،
ويطرح أمام المتسوقين بدائل وخيارات متعددة لا تضطرهم إلى الانتظار أكثر..
وعبر السنين اشتهرت أسواق عديدة لا زال معظمها يكتنز لغته الخاصة بتقديم
معروضاته ليبقى بشبابه عاملاً جاذباً لمدمني الترحال والسياحة في
المحافظة..
وعلى الرغم من اختفاء العديد من الأسواق في بعض المديريات والقرى خلال
الآونة الأخيرة كسوق الاثنين في دهران بني يوسف وسوق الأربعاء في قحفة
السادة بسامع إلا أن أسواقاً أكثر لا زالت هناك تشع بريقاً وتقاوم النسيان
وعوامل التعرية الآدمية والانحسار الزمني لمفردات العشق الشعبي كسوق السبت
في المصلى وأسواق(الأحد) في موزع وماوية والشنيني والضباب والمواسط وأسواق
الثلاثاء في النشمة ودمنة خدير وهجدة وسوقي الأربعاء في مدينة التربة وفي
خدير وسوق الخميس في البرح وفي الشنيني ويتوجهم سوق الجمعة في يفرس ابن
علوان بجبل حبشي.
ويميز تلك الأسواق عموماً ما تعرضه من صناعات تقليدية وحرف يدوية متوارثة
عبر الأجيال وبدأت مؤخراً في كثير من مناطق تستأذن بالرحيل أو تبدو مهددة
بالدفن في مقابر الماضي دون أن تمد يدها لنيل فضلٍ أو صدقة من أحد أو حتى
تلقى قسطٍ من اهتمام حكومي يبالغ كثيراً في ترميم قشور فقط قد لا تكون
ضرورية بمفهوم الثقافة الشعبية نفسها.
ويبدو أن السؤال الجاف وإن تشبّع بمرارة دمع وغصة حزن عن نهاية مؤلمة بعد
سنوات
- أرى تباشيرها تسرع في خطاها- لصناعة الحلي والزينة والأسلحة التقليدية
والأواني الفخارية والصناعات الجلدية والخشبية والأدوات والأغراض المصنوعة
من ألياف وأوراق النخيل وصناعة الجبن التعزي من لبن الأغنام.. يبدو أنه
يمضي بطريقه أيضاً إلى اللاشيء وإن بحث كثيراً عن إجابة واحدة تطفئ ظمأ
الوصول لايعرفها سوى وزير الثقافة خالد الرويشان ووزارته أيضاً ويمكن أن
تقال فعلاً ولو من باب تذكير (مقبنة-سامع-يختل وغيرها) إنها مناطق ستبقى
مراكزاً هامة لإنتاج تلك الصناعات والحرف وقادرة على الاحتفاظ ولو بقليل
دائم من تراث الماضي يذكر أجيالاً قادمة.
ألتمس هنا قليلاً من الاعتذار وكثيراً من الصبر فربما الإيغال في المسير
جعل للحديث فوضى تتشعب هنا وهناك تخرجني عن طواعية الترتيب لمشاهد العبور.
ألم أقل إن لتعز دهشتها ولجغرافيتها نكهة بلون الصبر..
بعد أيام سأعود إلى مدينة تعز وسأتوقف على تلة القهر (قلعة القاهرة) قبل
الصعود إلى جبل صبر وعليّ أعطاء اللحظة غايتها في البقاء، لأني في ضيافة
وادي الضباب الذي يستقبلني فيه الشاعر الكبير عبد الله عبد الوهاب نعمان
بفضوله ورائعته الغنائية عن هذا المكان.
وادي الضباب ماءك غزير سكاب.. نصك سيول والنص دمع الأحباب
لم يعد لفضول النعمان في هذا المكان سوى بعض الشوق الذي تركه ينسج وحي
الجمال الرباني على أشجار متنوعة يتدلى من على أغصانها بوح سري تكتنفه دموع
الأسى..
وادي الضباب بدا أكثر جمالاً يستفز في الروح مشاتل الحنين ويوعز للنفس
قراءة الظمأ العاطفي المغلف بزفرات الوجع وآهات الحيرة التي تزين القرى
المتناثرة على جنباته والتي فيها سآخذ بعض الهدوء وتسترخي معه الذاكرة..
لتواصل المسير إلى الجزء الثاني من هذا التحقيق!!
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://alnwaihi.0yoo.com/index.htm
عبد الغني النويهي

تعز.. مشاقر التاريخ على خدود الحزن 15931518
عبد الغني النويهي


ذكر عدد الرسائل : 2794
العمر : 36
الدولة : قلوب الناس
تاريخ التسجيل : 08/09/2008

تعز.. مشاقر التاريخ على خدود الحزن Empty
مُساهمةموضوع: رد: تعز.. مشاقر التاريخ على خدود الحزن   تعز.. مشاقر التاريخ على خدود الحزن Emptyالخميس 10 يونيو 2010 - 22:19

لم يكن الهدوء الذي استرخت معه الذاكرة
قليلاً في وادي الضباب غير محطة صمت مثقلة بالألم استرجعت فيها ذلك
الانسياب الجمالي لمنطقة راقصها الشعراء وعزف على إيقاع مياهها
الفنانون..انسياب بدا ينزاح من أمام الرائي ويتشكل في العين لوحة متآكلة
تدل على أنها كانت خضراء وبدأ الجدب يحتل أجزاءً واسعة منها.


الوادي يفتقر قاطنوه أيضاً لأبسط الخدمات الأساسية الضرورية بما فيها
الكهرباء التي عبرت من هناك تاركة قرى عدة تغوص في الظلام.. أما الأراضي
الزراعية فيه تواجهك وقد جرفت السيول مساحات شاسعة حولت ذلك المنظر الخلاب
إلى سجادة بالية ممزقة أهملت من سنين ولم يلتفت إليها أحد .. حتى ما يزرعه
الفلاحون في المكان أصابه كذلك مس من الألم والإهمال وينتظر كل عام غيث
السماء بقطراته المتقطعة ليحافظ على كينونته ويمنح العابرين قسطاً من
الخضرة.


من الضباب تمضي بي الطريق بتعرجات اسفلتية تحاصرها مقطوعات طبيعة غاية في
البهاء لم أهتم كثيراً بضيق جوانبها أو بإشارات المرور التعريفية التي تسبب
انعدامها في كثير من حوادث راح ضحيتها عشرات البشر....ولم تحد حتى من حركة
العبور ولو بقليل من الحذر.. رغم أن الطريق همزة وصل رئيسة بين مركز
المحافظة وأكثر مديرياتها وتتشعب منه طرق عدة أهمها تلك الممتدة حتى مدينة
التربة وتخترق محافظة لحج عبر المقاطرة مروراً بسوق المصلى ووصولاً إلى عدن
وتلك الطريق التي تبدأ من مفرق النشمة وتعبر(الصنة) و(الشعوبة) (وبني
حماد) (وقدس) (والأحكوم) وصولاً إلى لحج وعدن.


أما الطريق الأكثر بؤساً فتلك التي تصل منطقة المواسط عبر بني يوسف وسامع
بمدينة دمنة خدير على خط (تعز- عدن).. هذه الطريق الجبلية الوعرة حين مر
منها الرئيس علي عبد الله صالح قبل عامين أحزنه حالها وأصدر توجيهاته
لقيادة محافظة تعز والسلطة المحلية بإعادة شقها وسفلتتها ومنذ ذلك الحين لا
زالت تلك التوجيهات لم تبارح مكتب المحافظ والطريق تئن حسرة منتظرة أن
يمر بها رئيس الجمهورية مرة أخرى ليرى أنها لم تخلع ثوب الحداد بعد.


بعد أقل من 25 كم من السير في الجنوب الغربي لمدينة تعز لعبت فيه الذاكرة
مع الوجع والحزن حيناً ومع المتعة حيناً آخر .. يكون وادي الضباب قد فارقني
قبل مساحة دخلت فيها منطقة (جبل حبشي) لأصل إلى هذا المكان حيث تجتمع
الدموع وينسى الناس كل محطات القهر.


هنا تجتاحني رغبة عارمة بالبكاء وأحجية اللوعة والشوق تستوقفني مع لحظة
صفاء مع النفس أغتسل فيها بالطمأنينة من أوزار الحياة لأتمكن في هذه
الروحانية المتصاعدة إيماناً من مسجد الشيخ ابن علون لتسيج كل(يفرس)
بالنقاء والإيمان.. أن أبقى ولو ردحاً من الوقت أقاسم فيه أهل يفرس موجات
الصفاء الروحي وأتخلص من نتن السياسية وقُبح الواقع وأوجاع الكتابة مع


مقامك يا ابن علون فالسلام عليك وجداً فرّ من لغة المشارع.


قبل 500عام تقريباً بنى الشيخ العلامة أحمد بن علون هذا المسجد وعرف فيما
بعد باسمه ولم يكن الشيخ ابن علوان – رجل دين وحسب- كما يذكر ذلك المؤرخون
بل كان فقيهاً ومصلحاً اجتماعياً وسياسياً محنكاً عرف عنه الشجاعة في
مواجهة الظلم ومقارعة أصحابه إضافة إلى كونه شاعراً حملت أشعاره الكثير من
التماهي في تهذيب الذات والابتهال الروحي المشحون بمفردات العشق الإلهي
والخضوع والتعبد والوحدانية لله والتأمل في ملكوته فأصبح من أبرز رجال
الصوفية المشهورين في اليمن وفي الوطن العربي ولا زال ضريحة في يفرس يقصده
الكثيرون من البسطاء والفقراء والمقهورين من داخل اليمن وخارجها وتنسب إليه
الآن واحدة من أشهرالطرق الصوفية التي ذاع صيتها وكثر مريدوها وهي
(الطريقة العلوانية).


وعلى الرغم من أن ضريح ابن علون أصبح أكثر الأماكن مزاراً في البلاد إلا أن
كثير من أشخاص لقبوا أنفسهم (بالمناصيب) يستغلون حب الناس لهذا الشيخ
الجليل واستخدموا كل حيل الدجل والشعوذة ليأكلوا أموال الوافدين للزيارة
بالباطل.


الحديث في مثل هذا المقام يحتاج إلى أكثر من السطور وأبدو مضطراً لبترها
هنا فأمامي لا زالت (تعز) تخفق بجناحيها وتحلق فوق ما تبقى من الشجن الرحلة
التي ستأخذ حيزاً أمامياً من الحبر والحروف لكني وقبل أن أغادر في هذه
اللحظة يفرس باتجاه شجرة الغريب وأودع ابن علوان.. عليَّ أن أمنح تلك
الجموع الزائرة كل العذر فالرجل نذر حياته للدفاع عن حقوق الناس وأحلامهم
وكأني أراه الآن يقود هؤلاء المسحوقين في ليلة منتصف شعبان- باتجاه قصر
الملك المنصور نور الدين عمر بن علي حاكم بني رسول (في منتصف القرن السابع
الهجري – الثالث عشر الميلادي) ويخاطبه حتى ينال حقوقهم بقوله:-


عار عليك عمارات مشيدة


وللرعية دور كلها دمن


بعد اجتياز 25 كم إضافية بعد منطقة يفرس أقف في منطقة السمسرة أو دقم
الغراب حيث تنام على الجانب الأيمن من الطريق ذكرى محيطها 20 متراً
وارتفاعها 5 أمتار وعمرها يقارب الألفي عام واتفق على أنها(شجرة الغريب).


شجرة الغريب لم يزرعها رجل غريب وإن كان فلن يتذكره أحد لكنها شجرة غريبة
ضخمة ويقال أنها الوحيدة والأقدم في العالم وليس لها نظير فنسبت
إلى(الغريب) ويقال أيضاً أن نسبتها إلى غرابة لون جذعها الذي يشبه لون جسم
الفيل.


الشجرة لم تؤمن بعد بفلسفة إلغاء الجديد للقديم ولم يدفنها غبار السنوات
أيضاً فهي تُسقط أوراقها في جزء من العام تتجدد في الجزء الآخر حاملة كل
عام في أحشاءها قليلاً جداً من المواليد على شكل ثمرات تتدلى من على
أحضانها- تشبه ثمرة الدباء- ويقول العارفون أن ثمرتها المتميزة بغزارة
دمائها البيضاء يستعملها الكثير في علاج بعض الأمراض الجلدية.


- ليست دماء ثمرة شجرة الغريب هي الوسيلة الوحيدة لعلاج بعض الأمراض في
محافظة تعز بل إن طبيعة تعز وفرت لأبنائها وزائريها العديد من العيون
المائية الكبريتية الحارة والباردة تستخدم مياهها للعلاج كذلك.


قبل 15 كم فقط من شجرة الغريب وفي وادي البركاني المنتج للكثير من الفواكه
بمديرية المعافر يوجد حمام علي وإلى الشمال من الطريق المؤدي إلى الحمام
توجد مستوطنات أثرية وهي مستوطنات سكنية تشبه مواقع العصور الحجرية التي
كشفت عنها بعثة إيطالية في خولان الطيال بمحافظة صنعاء.


وفي يفرس على الجبل المطل على ضريح الولي الصالح أحمد ابن علوان توجد (عين
علي) التي يقصدها بعض الزائرين (ليفرس) للاغتسال ويقال أنها تشفي بعض
الأمراض وينسب الناس حفرها أو شقها إلى الإمام (علي ابن أبي طالب) كرم الله
وجه ويحكون وإن بدا الأمر لي أسطوريا أن الإمام علي مر من ذلك الجبل
واحتاج لقليل من الماء ولم يجد فضرب بسيفه الصخر فخرجت هذه العين...فيما
يرى أناس آخرون أن ماء هذه العين يأتي عبر سلسلة جبلية مترابطة من بئر زمزم
وأن الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه حين لم يجد الماء في هذا الجبل
دعا الله سبحانه وتعالى فمده بالماء عبر هذه العين من بئر زمزم والتي
يشددون على أن طعم الماء فيها يماثل إلى حدٍ كبير طعم مياه زمزم ويسمونها
كذلك(زمزم الثانية).


كما تحتضن تعز أيضاً وعلى بُعد 28كم و25كم من مركز المدينة حمامين آخرين في
مديرية مقبنة الأول يسمى بحمام رسيان والثاني حمام الطوير وترتادهم جموع
من الناس كل يوم لتميزهما بغزارة المياه الساخنة المعتدلة التي يستعملها
الناس في العلاج أما في منطقة(سربيت) بمديرية سامع فتوجد عين كبريتية أخرى
ومياهها باردة وتقع في أسفل الجبل فوق مكان يسمى(المقبرة).


أما حمام جبل صبر الطبيعي الذي منه ابدأ الصعود الآن إلى جبل صبراً حاملاً
في شتات نفسي بقايا علاقة روحية ومادية لا زالت تشع توحداً مع هذا الجبل
عند أبناء تعز خاصة وأبناء اليمن عامة منذ عهدٍ عتيق تجاوزت سنواته ذاكرة
النسيان لتبقي تعز ترضع كبريائها من دموعه وتستمد المدينة (الحالمة) من
شموخه القدرة على تحقيق حلم الخروج من نفق الإهمال ويبقى جبل صبر باسط
ذراعيه لاستقبال التوسع العمراني لمدينة نائمة ..تنمو على استحياء لتفارق
أقدامه.


بين مدينة تعز وجبل صبر -البالغ ارتفاع قمته (3200م) فوق سطح البحر- يمكنك
أن تكون طرفاً في إيقاع الحياة ويمكن لوقفه مفاجأة تأخذ فيها الروح إجازة
للتأمل في مفردات الجمال أن تنقلك إلى صمتٍ غير مألوف فيه تتخلص الذاكرة من
همجية الواقع وينصت القلب لحنين غائب يتناثر عشقاً على سفوح مدينة معلقة
في النجوم ويطفئ لهب العبث البشري ويشجيك بمتعة البقاء بين سمائين.


قبيل الصعود إلى صبر كان أول الليل في تعز يفتح من نافذتي صفحتين للحب
تتزاحم بينهما معاني العشق والهيام بألوان مصابيح المدينة والأنوار
المنبعثة من قرى الجبل فظهرت الصفحة الأولى في وضعها الأفقي مزدانة بأنوار
المدينة أما الأخرى فرأيت وضعها مائلاً قليلاً على الأولى فكان ذلك الجبل
المطل على تعز خلال الليل.


إذاً مساحات شاسعة من الوديان والتلال والآكام المحيطة بتعز هي التي تغطي
أحياء الجبل لكن عبر مدرجات خصبة وقرى متناثرة تواجه الرائي من لحف الجبل
حتى حصن العروس كان صعودي إلى ثاني أعلى قمة في اليمن وعند منتصف الجبل
تقريباً كان عليّ أن أمنح نفسي بعض الوقت في قرية صغيرة يتذكر صغارها
وكبارها كيف حاربتهم الدولة قبل أعوام إرضاءً لعيون قائد عسكري أراد أن
ينتزع منهم الماء الذي يشربونه وتسمى(المرزُح).


وبعيداً عن هذا الماء هناك ماء آخر يستخدمه الناس في العلاج ينبع من القرية
ليشكل حمام جبل صبر الطبيعي.


تتميز مياه هذا الحمام بالبرودة وفيه مجموعة من المعادن والعناصر
الكيميائية الغنية بالكربونات والماغنسيوم والصوديوم إضافة إلى نسبة عالية
من الكلوريد التي تساهم في إزالة الترسبات الكلسية وتضاعف عملية إدرار
البول.


مشاهد الفتيات بائعات (الشُقور) والفواكه على جنبات الطريق المؤدي إلى
القمة أعطت للمسير جمالاً إضافياً ممهوراً بنظرات محزنة ومبكية وحاجة لقيمة
رغيف الخبز قلت في نفسي(ليس بعيداً أن يكون الرسام الإيطالي ليوناردوا
دافنشي) قد مر من هنا ذات يوم فاستوحت ريشته رسم (الموناليزا) من هذا
المكان..لكن حزمة من (الشُقور) قذفتها إحدى الصغيرات إلى داخل السيارة
(شُله بلاش) جعلتني أعود بنفسي إلى المكان لأقول (ماذا كان دافنشي سيرسم لو
مر من هنا).


حتى أصل قرية المحراق، بعد 15 كم عن مركز المدينة سأقاوم الكثير من المشاهد
العابرة بوميض من التاريخ فأنا الآن في مكان التاريخ تماماً حيث وصف ابن
المجاور جبل صبر أنه جبل مدور كثير الخيرات والفواكه والأخشاب له أربعة
مسالك الخشبة- برداد- عبدان – جبأ) وفيه العديد من الحصون والقرى...وذكره
أبو الحسن الهمداني في كتابه (الصفة) أنه حصن منيع من الجبال المسنمة من
المعافر و مَلَك الجبال الجنوبية في اليمن وفيه آبار ويسكنه(الحواشب)
و(السكاسك).


وقد كان لجبل صبر عبر التاريخ أهمية عسكرية خاصة واستخدم حصناً منيعاً
لمقاومة الحملات العسكرية إبان فترة الصراعات بين الدويلات الإسلامية التي
كانت تهدف للإستيلاء على المنطقة ومدينة تعز وكان آخر مرة تم فيه الاستيلاء
على جبل صبر في العصر العثماني بقيادة (أويس باشا) الذي قاد حملة عسكرية
ضخمة على مدينة تعز واستولى عليها وما حولها.


في قرية (المحراق) بقايا الأساسات والشقاقات الفخارية المتناثرة على سطح
إحدى المواقع لا تزال شواهد أثرية ظاهرة دالة على مقابر صخرية في المكان
يعود تاريخها إلى ما قبل الإسلام وقد عثر أحد المواطنين هناك على تمثال
كامل ورأس تمثال آخر من مادة الرخام ومذبح من الحجر الكلسي .


موقع أثري آخر عثر عليه في هضبة منحدرة جملونية الشكل يبعد 250 متراً
تقريباً عن الموقع السابق محتوياً على مقبرة قديمة تسمى (سقف الحيد) وقد
نحتت القبور في باطن الصخر بأشكال دائرية وبيضاوية ومستطيلة ولها مداخل من
فتحات خارجية تؤدي عبر ممرات إلى غرف الدفن.


تبدو المقبرة بشكلها الحالي خالية من أي شيء ولا يوجد بها أي مخلفات أثرية
أو عضوية ويقول الأهالي أن أشخاصاً لا يعرفونهم أتوا إلى هذا المكان قبل
عدة سنوات وادعوا أنهم من الهيئة العامة للآثار وقاموا بفتح المقبرة وأخذوا
منها كل شيء.. سوى خليط من الذكرى والحزن يصرخ كان هنا تاريخ.


للحديث في صبر فوضى تتشعب مداميكها وإن كانت مرهقة العبور بعض الشيء إلا أن
إحداها تستوقفني أمام معلم تاريخي وأثري وسياحي اختلف فيه المؤرخون
وتناوله الباحثون كثيراً لكن الاختلاف لم يفضِ إلا إلى حقيقة واحدة هي أن
المكان معجزة إلهية جعلها الله آية لأولي الألباب لتكون وتبقى مستمرة أبد
الدهر لغزاً محيراً حتى للتاريخ نفسه.


إنه مسجد أهل الكهف الذين أماتهم الله ثلاثة مئة عام وتسعاً وسأدخله لأنظر
الشواهد الربانية التي ذكرها الخالق في كتابه العظيم لتدل على مكانهم.


في قرية(ذي مرين) المعقاب يقع المسجد - إلى الناحية الغربية من حصن العروس-
وقد بني على مرتفع صخري بأحجار كلسية طليت بالقضاض والمسجد عبارة عن بناء
مستطيل الشكل يرتكز سقفه الخشبي على أعمدة خشبية بها تيجان مزينة بزخارف
محفورة من كل الاتجاهات وفي الناحية الشمالية من المسجد تنام عدد من
الأضرحة والقبور يقال أنها قبور الفتية الذين آووا إلى الكهف أما فتحة
الكهف فتتصل بسرداب طويل يأتي من فجوة محفورة في الصخر على (الناحية
الشرقية للمسجد التي بها عقود لثلاثة مداخل )ويقال أن تلك الفتحة تمتد عبر
سرداب إلى منطقة (ثُعَبَات) أسفل الجبل أما البركة المبطنة بالحجارة
والقضاض فتقع في الجهة الجنوبية قبل الدخول من بابها على يسار الداخل.


وقد ذكر ابن المجاور في كتابه صفة بلاد اليمن والحجاز أن في مدخل المسجد
عين اسمها الكوثر .


أوقفني الحاج/ سيف محمد صالح بأحد أبواب المسجد من جهة فتحة الكهف وقال من
هذا المكان يمكنك مراقبة حركة الشمس وهي ترسل أشعتها إلى هناك...ولأن الوقت
كان قبل غروب الشمس راقبت حركة الغروب فدخلت الشمس منه إلى أجزاء واسعة في
اتجاه فتحة الكهف أما الشروق فاضطرني إلى البقاء ليلة كاملة في ضيافة
صاحبي حتى صباح اليوم التالي فكان إشعاع شروق الشمس يدخل من نفس المكان
باتجاه عكسي..حينها وددت لو كان السقف مزاحاً لأرى المشهد بدقة أكثر.


شيء آخر كان في جعبة الحاج/ محمد أشار بيده في اتجاه أطراف المدينة إلى
المكان الواقع خلف منطقة (صالة) وقال أترى تلك الأحجار المتناثرة من الجبل
وتلك البيوت الباقية هناك قلت .. اذهب إليها واسأل ماذا كانت تسمى تلك
القرية.


القرية كانت تسمى (دقيانوس) ولا يزال كثير من أبنائها يتذكرون هذا الاسم
جيداً ويقال أن هذا المكان قُبرت تحته المدينة التي هرب منها الفتية الذين
آمنوا خوفاً من ملكها الظالم والذي تذكر المصادر التاريخية أن اسمه
(دقيانوس) فنسبت تسمية المكان إليه.


كما أن لفظة(دقيانوس الغدار)و(من عهد دقيانوس) لا تزالا مرتبطا بذواكر
الكثيرين من أبناء تعز ويستخدمونهما في مقامات كثيرة.


في الجهة المقابلة لمسجد أهل الكهف وعلى أسطح المكان المطل على منطقة مشرعة
وحدنان يوجد هناك قبر قديم جداً يعرفه الناس بقبر النبي شعيب وسألنا
الكثير عنه فلم نجد إجابة حتى هيئة الآثار اليمنية حين استوقفناها بالسؤال
أجاب مسؤولوها أنهم لا يعرفون قبراً في اليمن بهذا الاسم ودون أن يكلفوا
أنفسهم حتى الاستفسار المؤكد لحيرة السؤال.


تحفني طيور القهر وأنا أفارق جبل صبر ممتلئاً بالندم ليس لأنني عجزت عن
إعطاء المكان حقه في الكتابة فقط بل لأنني أيضاً تركت آلاف الناس منضويين
في ظهر الجبل بقرى متداخلة ومتباعدة على صدور الضياح لم أتمكن من الحديث
عنهم هنا ولم أكلف نفسي قراءة بؤسهم وحرمانهم من أبسط الخدمات الأساسية في
الماء والكهرباء والطريق وفارقتهم خائباً يتضرعون بالدموع وينتظرون إشراق
المستقبل من أعشاب القات.


إلى قلعة القاهرة سأرمي بكل حطام الكتابة وسأمتطي حزني إلى حيث لا تنتهي بي
ياقوتة الصبر وسأرتحل من على صهوة اللغة لأنبش تاريخ بدا كثيراً أيلاً
للسقوط فأشرف على ترميمه (مهندس زراعي) عله يحفظ توازن ألف عام من الصراعات
السياسية للتاريخ اليمني مثلت فيها قلعة القاهرة الأمان والرعب والسيطرة
والنصر.


على ربوة ترتفع 1474متراً فوق سطح البحر وفي عام (436هـ-1045م) كانت
البداية لأشهر قلعة قاومت الدمار في تاريخ اليمن..حين قرر الأمير عبد الله
بن محمد الصليحي بناءها لتطل على (عُدينة) وجعل لها سواقي تجمع مياه
الأمطار في (برك) وحفر فيها مخازن للقمح والمؤن وبعد إتمامها لم يهنأ
كثيراً بها فرحل مع أخوه الملك (علي بن محمد الصليحي) مؤسس الدولة الصليحية
إلى ولاية المهجم على الجبال الشرقية لمدينة القناوص حيث قُتلا معاً على
يد الملك النجاجي/ سعيد الأحول الحبشي، الذي بسط نفوذه واستولى على القلعة
التي حملت اسم قلعة الأمير عبد الله الصليحي فحول اسمها إلى قلعة (عُدينة).


بعد عامين فقط يذكر المؤرخون أن السيدة أروى بن أحمد الصليحي قادت الجيوش
-أثناء قيامها بأعمال الدولة نيابة عن زوجها المكرم أحمد بن علي- فاستولت
على القلعة لتظل حصناً لخدمة الصليحيين حتى ماتت السيدة أروى (532هـ)
وانهار الحكم الصليحي.


وفي عصرها بُنيَ داخل القلعة دار الأدب (أول معتقل سياسي في اليمن) كما
بُنيت المدرسة ومطبخ الرغيف.


ويذكر المؤرخون أن موت السيدة أروى دفع الدولة الزريعية التي كانت تتخذ من
(عدن) عاصمة سياسية لها إلى بسط سيطرتها على تعز وتمكن ولاتها من الاستيلاء
على القلعة والسيطرة على كل النواحي والقرى حول القرية التي بدأت تتوسع
وتتصل مبانيها بين (عُدينة) و (وادي المدان) لتشكل شبة مدينة إلى أن ظهر
السيد علي بن مهدي الرعيني بثورته في منتصف القرن السادس الهجري فأزاح
الحامية العسكرية للزريعيين عنها واتخذها لرجاله في (نواحي الجند)حصناً
وملجأً منيعاً.


وتعرضت قلعة القاهرة إبان حكم الإمام(عبد الله بن حمزة) لنهب كبير
لمحتوياتها وأسلحتها على أيدي اللصوص بعد أن فرّ عنها حراسها وظلت تعمها
الفوضى إلى أن استولى عليها مرة أخرى (عبد النبي بن علي بن مهدي الرعيني)
الذي زحف إليها من قرية (العنبرة) جنوب (الخوخة) وقَتَل عدداً كبيراً من
محتليها واستخدمها مدافناً للقتلى السياسيين.


لم تهدأ قلعة القاهرة كثيراً فكانت هدفاً للجيوش الأيوبية التي أرسلها صلاح
الدين الأيوبي لاحتلال اليمن بقيادة أخيه (توران شاه) فاستولى عليها سنة
(569هـ-1173م) بعد أن قضى على قوات (عبد النبي الرعيني) الذي صرخ عند
استسلامه:


تعزُّ علينا يا عدينة جنة


نفارقها قسراً وأدمعنا تجري.


هذا الفراق القسرى لمعشوقة القائد الرعيني الذي يظهر قهر الرجال حين سمع
أناته القائد الأيوبي -تلتهب حروفاً وحرقة- ظنَّ أن اسم المكان (تعز) فسمى
(عُدينة) به فخلد هذا الاسم في ذاكرة الأجيال يحمل أطيافاً من الحسرة
والتأسف ولم يعرف عنه الكثيرين شيئاً.


فترة بقاء القلعة مقراً للجيش الأيوبي أفل أمدها بأفول العصر الأيوبي عام
(628هـ-1230م) فأنزاح قائد جيوشهم (عمر بن رسول قليلاً) عن المكان مؤسساً
في الجند الدولة الرسولية التي استمرت (مائتا عام) وجعلت قلعة القاهرة
تكنتها العسكرية والملاذ الآمن لجيوشها.


استقرار نسبي عاشته القلعة في عهد الرسوليين خاصة بعد نقل الملك المظفر
(يوسف بن عمر) عاصمتهم من الجلد إلى تعز وشيدوا سوراً منيعاً حول المدينة-
لم يتبق منه الآن سوى آثار بسيطة- إلتقت ذراعاه على كاهل القلعة واستعمل
الرسوليين ايضاً أخاديد الصخور المحفورة في ردهات القلعة خزائناً للذهب
والفضة والجواهر ومن بعدهم الطاهريين الذين قضوا على الدولة الرسولية سنة
(924هـ-1518م) وأحدثوا تحسينات في مسجدها ومدفئة للقلعة صممت بشكل هندسي
رائع جعل التدفئة مركزية لجميع أنحاء الغرفة.


العثمانيين الذين انتزعوا القلعة من قوات الدولة الطاهرية عقب هزيمتها عام
(924هـ-1518م) فقد عطلوا الدراسة في مدرسة القلعة واستخدموها سكناً لقادة
جيوشهم أما القادة الأتراك فسكنوا في قصرها فصارت القلعة ثكنة عسكرية
لجيوشهم المتوالية وشقوا في الربوة التي بُنيت عليها أنفاقاً عميقة تحت
الصخر اتخذت ملاجئ ومخازن.


مع العثمانيين لم تنته رحلة (القاهرة) بعد وإن عاشت ردحاً من الزمن تحت حكم
(المتوكل على الله إسماعيل) الذي استولى على أرجاء اليمن كافة عقب رحيل
العثمانيين في عصرهم الأول فعادوا مرة أخرى واستولوا على القلعة في عصرهم
الثاني حتى انسحابهم من اليمن في العقد الثاني من القرن الماضي.


القلعة التي عبثت بذاكرتي في قراءة سطور بسيطة ليست هي بالطبع كل تاريخها
..اشتهرت بوجود أشهر معتقل سياسي وأشهر سجن حربي بداخلها وظلت حتى سنوات
قريبة ثكنة عسكرية تسيطر على مدينة تعز وسجن فيها عشرات الآلاف من البشر
عبر العصور إلا أنها مقابل ذلك كانت تحوي مدرسة علمية عريقة لنزلائها أخرجت
آلاف النوابغ في العلوم الإسلامية والعربية ومنهم بعض رهائن وجهاء القبائل
حكم الإمام (يحي بن حميد الدين) وابنه أحمد بن يحي الذي اتخذ من مدينة تعز
عاصمة لحكمه بعد مقتل أبيه في (حزيز - بصنعاء) وفشل ثورة 1948م.


أفارق الآن قلعة القاهرة بعد أن أصبحت معلماً أثرياً وتاريخياً في مدينة
تعز وأخطاء الترميم التي تشهدها منذ فترة تطاردني ببشاعتها وغباء القائمين
عليها فهذه الترميمات طمست في عبثها معظم الشواهد الأثرية لمعالم تاريخها..
ليظهر ذلك النسيان المتعمد لمفردات الماضي في التصميم والبناء والمواد
المستخدمة وإعادة الترميم بطرق غيرعلمية أومستمدة من ذلك القديم..أن ذلك لن
يحفظ للقلعة سوى اسمها أما أصالتها فأرى أنها فقدت بريقها ولن تعطِ
الأجيال القادمة سوى صورة أكثر قبحاً تدلل على عجزنا وتكشف لهم سَوءة كم
كنا عبثيون ومهملون وأغبياء وعاجزون عن وصل جماليات تاريخٍ نشوه سمعته في
هذا العهد بأمزجة عفنة تكابر وهي لا تفقه شيئاً.


سأدع (قلعة القاهرة) هذه اللحظة مقهورة بغربتها المريرة التي مَنَحَتَها
ذات يومِ - قبل منتصف القرن السابع الهجري وحوالي القرن الثالث عشر
الميلادي- للأمير الأسير فيها (قاسم بن علي الذروي) أمير منطقة (صبيا وحرض)
لتردد معه على آذان مسؤولينا علهم يسمعوها:-


إن قضيتم من هو أنا أرباً


ما قضينا من هواكم أربا!!


أو تناءت دارنا عنكمْ ولمْ


يأتكمْ منا على الدهر نبا


فإذا ريح جنوبٍ جنبت


فاسألوها كيف حال الغرباء.


باتجاه الغرب فارقت تعز حيث تنام على بعد 90كم بقايا أطلال لميناءٍ تاريخي
كان يسمى (المخا) ويذكرنا بمجد كان تليد.


ميناء المخاء كانت ذات تاريخ، ميناء هام ازدهر مع ازدهار زراعة وتجارة
وتصدير البن اليمني حتى مطلع القرن العشرين حين دمرت المدينة ولم يتبق
اليوم من معالمها سوى منارة (مسجد الشاذلي) الذي يعود تاريخه إلى أكثر من
500عام.


(المخا) وبعد أكثر من أربعين عاماً من مولد الثورة اليمنية لا تزال هناك
مثقلة بحطام الماضي وتراكم أوجاع السنين تنتظر من الجهات المختصة إعادة ولو
جزء بسيط من بسمة دفنت في أروقة النسيان وكانت يوماً تضيء كل ربوع اليمن.


الآن وأنا أشارف على ترك تعز تئن بجراحيها وأوجاعها التي يؤججها الواقع
المقولب بالانتظار المر على أمل الخروج من بوتقة الحلم ولعنة اسم (الحالمة)
الذي يبدوا أنه كسر ظهرها سأمر مروراً لبعض الوقت على أطلال مدينة أخرى
دفنتها السنين بأتربتها وغبارها تنتظر رحمة الحكومة في إزاحة الإهمال عنها
وإعادة انتشالها من تحت الأنقاض.


أنها مدينة (الجند) التي لا شيء يدل على وجودها سوى جامعها الشهير بجامع
معاذ ابن جبل الذي يعد من أقدم المساجد في الإسلام وبناه الصحابي الجليل
معاذ ابن جبل بأمر من النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن أرسله إلى اليمن في
عام (6هـ - 630م).


استنفدت كل ما صادفته أمامي في هذه الرحلة ولم يتبق من الوقت شيئاً أمامي
وأجدني الآن في فرزة صنعاء مهيأ للرحيل والصوت الذي جمعته في حقيبتي بالطبع
ليس كل الواقع فهناك أحزاناً لا تحصى تركتها تصرخ في أفئدة أبناء تعز..لا
أدري هل سأعود لقراءتها يوماً.. ربما..وحتى يكون ذلك أعزي نفسي وكل
المقهورين في تعز بما قاله الأمير (عبد النبي الرعيني) حين فارقها :


تعزُّ علينا يا(تعز) جنة


نفارقها قسراً وأدمعنا تجري
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://alnwaihi.0yoo.com/index.htm
 
تعز.. مشاقر التاريخ على خدود الحزن
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» مشاقر من محافظة تعز
» اكبر خدود شفتها في حياتي بس انتبهو لاتعضون الشاشه
» ?? ?? الحزن ?? ??
» كيف تتخلص من الحزن؟
» بيت لم يعرف الحزن

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
 :: الـمـنتــــدى :: الــملـــتقى الـعــــــــام-
انتقل الى: