أبي ......... أيها الكون المفتوح
أولاً أحمد الله تعالى أن جعلك أنت أبي دون سواك , وأحمده ثانياً وثالثاُ أن جعلني إبناً لك ولم يجعلني إبناً لسواك ـ فهاتان نعمتان لا أحصي لهما شكرا .
أبي ... أرأيت كيف يحتوي البحرُ الماءَ ؟ فكذلك قلبي يحتوي حبك بل أشد من ذلك فالماء يضطرب في البحر , لكنما حبك في القلب مستقرٌ وثابتٌ ثبات الجبال الرواسي .
لا .... بل إنه ينمو ويزداد كل يوم , ويتسع مع مرور الزمن , وهيهات هيهات أن يكون له نهاية يا أبي ..
أبي ... قبل أن أكون , وبعد أن كنت بشراً في هذه الحياة أدركت ما أهمية الحياة بالنسبة لي , وما أهميتك بالنسبة لي , فأدركت
أنك أعظم عندي من الحياة ... إذ لا قيمة للحياة بدونك يا أبي ...فأنت سبب وجودي , وأنا أعتز وأفتخر بك كثيراً
أبي ... لقد ظلمت الحرف إن ذهبت به بعيداً عنك , وظلمتك إن لم أسخر الحرف من أجلك , وفي الحالتين
ليس لي من غفرانٍ إلا إذا وجهت الكلمات لترتشف من سلسبيل الكتابة عنك .
أبي ... عندما تهب نسائم الربيع تحمل في طياتها عبق روائح البن , عندها لا يظهر أمام عيني مرأىً سواك , ولا يهيج في الوجدان غير ذكرك .
فلقد ربطت اسمك بأغصان البن , بزهر الروض , بتراب الأرض . منك تعلمت دروساً لم أتعلمها من مكتبات الجامعة ,ولا في كتب المؤلفين .
لم أتعلمها في مقررات المدرسة ولا في إبداعات المبدعين .فقط منك وحدك تعلمت هذه الدروس , فكانت أعظم دروسٍ في الحياة .
أبي ... لقد تعلمت منك حب التاريخ , حب الأرض , حب العرق الذي يتصبب من الجبين فيسمد تربةً طالما عانقها ساعداك .
تعلمت منك درساً لا تضمه كل مكتبات الدنيا وهو (لأن أكون عبداً بحقي ولحَقِّي ـ أي أخدم حقي ـ خيرٌ لي من أكون أميراً بحق غيري ) .
لا ... ليس هذا هو الدرس فحسب فكل حياتك وحركاتك دروسٌ .
منك تعلمت الإبتسامة في حميم الجحود والنكران من الآخرين , وهذا هو دأبك يا أبي ...
لله ... ما أعظم صبرك , وما أوسع قلبك , وما أعرض ابتسامتك , فأنت كالنحلة تطوف الزهر بلا كللٍ أو مللٍ , تمتص الرحيق , وتهدي الشهد ,
لا تضر بغصنٍ وقعت عليه , في تحركها خفة , وفي وقوعها على الغصن لين , غذاؤها طيب , وعطاؤها دواء .
أبي ... كم أشعر بحنانٍ عندما أهتف لك بهذا النداء , وكم أشعر بقيمة الحياة في ظل أفياءك .
وكم أشعر بالخجل عندما تعفو عن أخطائي نحوك , وبالمقابل يفوق حبي لك كل التصورات والأحاسيس .
تنسى الإساءة إليك , وكأن شيئاً لم يكن .
أبي ... أدرك تماماً كم كان سرورك عندما بُشِّرْتَ بمقدم وليدٍ جديد فكأنَّ الأرض لم تتسع لفرحتك .
وعندها أعلنت حبك الأبدي لوليدك , أحطته بكامل رعايتك , ومنحته جل وقتك , أهديته ابتساماتك , بسطت له أحضانك ,ووهبته كل عطاياك .
نشأ وليدك في بحبوحةٍ من الحنان , يستقي من أنهار فيضك , ويتغذى على سخاء عطفك .. فلله درُّك مراتٍ ومراتٍ يا أبي ...
إن غبت عنه ضاقت عليك الأرض بما رحبت , وإن ألفيته لم تتمالك حتى تهديه قبلاتك كأكاليل الزهر على خدوده ..
ترقبه عيناك وهو يترعرع في واحات محبتك ينمو وينمو فتنمو معه ابتسامتك .
توجهه نحو المسلك القويم , ويعظم حزنك إن زاغ أو مال عن الوجهة التي أردتها له .
إن أصابته عثرة ـ وسبحان من لا يخطيء ـ حاولت أن تلملم أشلاء حزنه , وتصنع من ظلام عثرته نوراً يسير به وليدك في نواحي الحياة ,
وهذا أعظم عطاءٍ تمنحه إياه في مسيره .
إن أخطأ بحقك تعفو وتغفر , وإن أخطأ بحقه تنصح وترشد , فما أعظمك من مرشدٍ ومن موجهٍ ـ بعد رسول الله (ص) ـ يا أبي .
أبي ... إنك تدرك تماماً الآن ماذا أقصد , وما الذي يدور في كوامن نفسي , ولا أظنك إلا قد فهمت ...
فعليك من السلام يا أبي ... يا أيها الكون المفتوح , تتفيأ فيه اللحظات
وعليك مني السلام ما توزعت الثواني على الأيام , والدقائق على الأعوام
سلامٌ عليك يا أبي
صنعاء
الأحد 2010/4/11م