مضت فترة طويلة لم أتابع فيها أخبار جنوب أفريقيا، وكأن انتهاء النظام العنصري قد جعل كل شيء يسير على ما يرام ولا يحتاج من محبي تلك البلاد أي متابعة. لكنها الحياة تحملنا معها وتغرقنا في همومنا الخاصة الصغيرة وكأن ما يحدث على هذا الكوكب لا يعنينا. بينما تأمل حال الآخرين يعلمنا الكثير عن تفاصيل ما يحدث لنا. فهذه المحاضرة التي قدمت من جنوب أفريقيا الى جامعة مينوستا لتتحدث عن التطورات الأخيرة في السياسات الاجتماعية التي تتم في جنوب افريقيا اليوم سواء من حيث التعريف لمعنى الفقر أو التعامل مع نقص المياه الصالحة للشرب وتوفيرها للناس على نحو يمنح الفقراء بعض الماء دون دفع المقابل وقليل من ساعات التيار الكهربائي دون مقابل، تجعلك تفكر في أن الحال في العالم ليس كما قد نتصور. لكن المهم هو أن حركات معارضة تستخدم في افريقيا هذه الحال من الظروف الصعبة لتستخدم غضب الناس من أجل أن تستطيع أن تحصل على أصوات الغالبية في سبيل تغيير الحزب الحاكم وتبديله بحزب حاكم جديد. وتنبهنا المحاضرة المختصة الى أن الأمر شرعي ومنطقي ويسير في نفس الطريق الديمقراطي التي تقوم به الديمقراطيات في بدايات تطورها، لكن الخوف هو أن سياسة استخدام الغضب قد لا تستطيع ضبط الناس عند حالة يمكن التحكم فيها لتحقيق الهدف، بل قد يخرج الغضب عن حدوده التي يمكن السيطرة عليها ليصبح عاصفة جارفة لا يمكن احتمالها أو توقع توجهاتها، تأكل في طريقها كالنار الأخضر واليابس. رغم أن التجربة في جنوب افريقيا مختلفة والعدد المهول من التجمعات العرقية والتقسيم الاثني والعنصري المسيطر على واقع الحياة فيها مختلف عن حالنا، الا أن هناك الكثير من التشابه. وهذه الأيام الصعبة التي نمر بها هي أيام تمر بها تلك البلاد، بعد أن كانت قد عبرت فترة من التاريخ تعاطف فيها معها كل المساندين لحقوق الإنسان في العالم بسبب التفرقة العنصرية الحكومية التي كانت قائمة من حكم الأقلية البيضاء. الغضب في الإنسان الواحد قد يخرجه عن طوره ويجعله يتصرف على نحو يندم عليه بقية حياته، أما الغضب في الحشود فلا عقل له ولا عاقل يلجمه، يجعل التصرفات فيه شبيهة بمحض جنون. لنبدأ بالممكن: زمان عندما بدأ التلفزيون كان هناك مسلسل سوري مشهور اسمه غوار الطوشي، وكان الدور الرئيسي بعد غوار هو لممثل يردد دوما مقولة عن أن ما يحدث في روما أو في أي بلد يؤثر على بلد آخر.. وهكذا. وكنا نأخذ الأمر على أنه مزحة للضحك. لكننا عندما تتاح لنا الفرصة لسماع شكاوى الآخرين عما يحدث لهم يأخذنا العجب عن مدى التشابه في ما بيننا. وعندما نغضب من أنظمتنا ويغضبون من أنظمتهم ننسى جميعا أننا من يصنع هذه الأنظمة ويصدر قوانينها ويطبق هذه القوانين. قليل منا يتحمل مسؤولية ما يفعل ويسهل عليه فقط تحميل الآخرين اللوم. وهذه الأيام فرصة لاختبار قدرتنا على تحمل المسؤولية وخاصة الذين يقودون السيارات منا، فالحكومة قد قررت أن تلزم الناس بقيادة السيارات مع ربط الأحزمة ومنعت استخدام الهاتف السيار خلال القيادة، وأعلنت أنها ستتابع تنفيذ هذه الإجراءات بشكل صارم. وحتى وقت قريب كان كثير من الأشخاص وخاصة أولئك الذين يقفون في نقاط التفتيش، يستغربون عندما يرون شخصا رابطا للحزام. لأنه من غير المألوف ربط الحزام رغم الحملات المرورية الموسمية التي تحث على ربط الحزام بين وقت وآخر. أما الآن فمن المتوقع أن يسألوا عن أسباب عدم ربط الحزام عند من لم يفعل وهي بداية طيبة لتوقيف سيل الموت وأحداث الاعاقة اليومية في اليمن.
ربط الحزام أوالموت المجاني: باعتبار أن عدد من يموت في اليمن حتى اليوم بسبب حوادث الطرقات أكثر ممن يموتون في حرب صعدة أو أي أحداث أخرى، فإن الثابت بالدرجة الأولى أن عدم ربط الحزام هو المتسبب الأول في موت الركاب. المشكلة في الحزام يمكن حلها بالقانون وتطبيق القانون، ولكن مشكلة الاهمال في الطرقات أو عدم ملاءمتها للمقاييس العالمية للسلامة لا تزال اشكالية تحتاج الى تقنين ومتابعة تنفيذ ورقابة من الناس وبخاصة هؤلاء الذين يسافرون على نحو متكرر في هذه الطرقات. من المفروض أن نقابات سائقي السيارات يركزون على قضية مثل هذه لحماية السائقين الذين يدفعون رسوم الاشتراك في هذه النقابات بدون تقصير. إن رقابة الطرقات مسؤولية مشتركة مع الجهات الرسمية ، ففي البداية والنهاية نحن من يصنع النظام ونحن من يطبقه، والمسؤولية تعود الينا إن شئنا في حماية الارواح والسلامة.
فارس البركاني
عدد الرسائل : 153 العمر : 40 الدولة : اليمن تاريخ التسجيل : 30/10/2009
موضوع: رد: الغضب له مخارج غير محتملة الأربعاء 4 نوفمبر 2009 - 2:57
يعطيك العافيه على نقلك للخبر
مودتي
عبدالملك أحمد عقيل
عدد الرسائل : 715 العمر : 38 الدولة : اليمن تاريخ التسجيل : 25/12/2008
موضوع: رد: الغضب له مخارج غير محتملة الأربعاء 4 نوفمبر 2009 - 6:07