اجتماع بوعان
وعلى اثر الموافقة المصرية يقول المؤلف انه عقد اجتماع في طريق صنعاء- الحديدة قرب سوق بوعان خارج صنعاء ضمه و وزير المالية الشيخ محمد علي عثمان، والعقيد عبدالله الضبي ياور البدر الخاص والزعيم عبدالله السلال رئيس حرس البدر الخاص والعقيد حسن العمري مراقب البرق واللاسلكي، والقاضي عبدالسلام صبره مسؤول البلدية في صنعاء، وهاشم طالب مستشار البدر، وابراهيم الحضراني مستشار البدر، ومجاهد حسن كاتب ادارة الأمن، وغيرهم من كبار الشخصيات، وقد دار الحديث حول خطورة الموقف بعد موت الامام احمد، وان انصار الحسن المدعومين من الجيران بدأوا يتحركون للاستيلاء على السلطة، خصوصاً وان القوى الخارجية تساندهم وتدفعهم بسرعة للعمل.
قال هاشم طالب: لابد ان نكون على استعداد لمواجهة كافة الاحتمالات، وقال العقيد حسن العمري: الاخ عبدالله جزيلان محبوب من افراد القوات المسلحة وعليه تقع مسؤولية تحريك الجيش للدفاع عن صنعاء والسلطة الشرعية.. أما صاحب هذا الحديث فكان رده:
اني مسؤول عن الدفاع عن صنعاء والقضاء على اية محاولة للتآمر على البدر وكنت صادقاً فيما اقول، فلو تحرك أصحاب الحسن وحاولوا ان يسبقونا لأنهيناهم وهذه فرصتنا للتخلص من بعض الاعداء الواقفين في طريق الثورة.
وخلص في هذا المنحى الى القول:
كان المطلوب هو معرفة موقف القوات المسلحة وخاصة الكلية الحربية ومدرسة الاسلحة، فهي وحدها القوى القادرة على القيام بدور ايجابي في هذه المرحلة الخطيرة، فهمست في اذن الزعيم عبدالله السلال قائلاً: مارأيك لو اعلنا الجمهورية فلا حسن ولابدر؟ فرد قائلاً: اذا انت عد تستر فيا الله « أي اذا كانت لديك القدرة فلا مانع» نزل رده برداً وسلاماً على قلبي، وتلا ذلك الاتفاق اجتماع في اليوم التالي ينحصر على العسكريين في منزل العقيد الضبي، ولكن عندما وصلت في الوقت المحدد وجدت الاخ مجاهد حسن عند باب المنزل وقال لي لقد اعتذر عبدالله السلال عن الحضور، اماحسن العمري لم يصل بعد، وهنا تأكد ظني بان اجتماع بوعان كان بأمر من البدر، وكان قد اشار المؤلف الى هذا الاجتماع السريع بأن هناك أمراً خطيراً، وان البدر قد أوعز بهذا التجمع « ص 139».
ويواصل جزيلان حديثه بانه عاد الى الكلية الحربية واجتمع مع الملازم ناجي علي الأشول الذي كان حينها ضابطاً للشؤون الادارية بدلاً من الملازم اول حسين الغفاري الذي انتقل الى الحديدة مع الزعيم حمود الجائفي، والملازم محمد مطهر وآخرين وشرح لهم مادار في اجتماع بوعان.. موضحاً لهم بانهم في أمان وانها فرصة للعمل، فكان اول طلب تقدم به الى البدر طلب ذخيرة للرشاشات المتوسطة للتمرين وجاءت الموافقة، وبذلك تأكد انه استطاع وزملاؤه التمويه على ولي العهد واكسبه مزيداً من ثقته.. واصفاً البدر بأنه قد ارتكب خطأ كبيراً عندما قرب اليه العقيد يحيى الحرسي الذي كان بينه وبين حاشية البدر صراع، فاستغله ليعود بالنفع للعمل الثوري.. ويقول جزيلان في اطار عملية الاستعداد للثورة.
قمت بزيارة لقصر السلاح القلعة المحصنة تحصيناً جيداً بهدف دراسة المنافذ التي تستطيع قواتنا الدخول منها والسيطرة عليها باعتبارها موقعاً استراتيجياً هاماً، من يسيطر عليه فانه يكون قد وضع يده على صنعاء، خاصة واغلب الذخائر والأسلحة والحبوب وغير ذلك من المعدات الهامة مخزونة فيه، وبعد زياراتي المتكررة لقصر السلاح طلبت من الملازم اول علي عبدالمغني والملازم اول حمود بيدر ان يجريا اتصالات بجنود المدفعية وبعض الضباط الموجودين في قصرالسلاح، خاصة بمستلمي مخازن الذخائر والابواب الخارجية لمعرفة مدى تجاوبهم، وقد وجدوا تجاوباً كبيراً من مراد زامل المسؤول عن المدفعية وبعض المخازن، والشاويش القاولي، والملازم اول صالح العروسي المسؤول عن حراسة الابواب «يتشابه هذاالاسم مع اسم صالح العروسي الموجود في حرس البدر» كما اوضح المؤلف، ويواصل الحدث وعلى ضوء هذه المعلومات وزياراتي لقصر السلاح بدأت أضع خطة للهجوم على هذه القلعة العتيدة، كما وضعت خطة اخرى لفتح قصر السلاح.
خطة تفجير الثورة
ويقول اللواء جزيلان:
وضعت خطتنا للتحرك تمهيداً لقيام الثورة واعلان الجمهورية على النحو التالي:
- محاصرة وقصف قصر البشائر واقتحامه بعد ذلك، وهو مقر البدر.
- السيطرة على الاذاعة واعلان الجمهورية ومبادئ الثورة.
- القبض على قادة الجيش
- محاصرة قصر السلاح ومحاولة الاستيلاء عليه كانت هذه هي الخطة التي وضعتها، وسنرى مع تطور الاحداث كيف نفذت رغم وعورة الطريق الذي كنت اسير فيه، فقد كنت مؤمناً بالشعب وبحقه في الحياه الكريمة، واثقاً من هؤلاء الشباب المصممين على النصر او الموت فداء للوطن وحريته.
وبدأ البدر يشك في ولاء من حوله فسحب رموز الشفرة من العقيد عبدالله الضبي وسلمها للسيد احمد شرف الدين.. كما حلقت طائرة صغيرة «ايركمندر» في سماء صنعاء كانت تقل عبدالملك العمري المعتمد الخاص عند الامام احمد في جميع شؤونه، وتوجه فور وصوله لمقابلة البدر ليحذره من خطورة الموقف، وتردي الاوضاع، وان هناك محاولة انقلاب تدبر في صنعاء ويتزعمها مدير الكلية الحربية ومدرسة الاسلحة عبدالله جزيلان.
ويواصل الحديث:
اتصل بي السيد محمد عبدالواحد تليفونياً وقال: ان الملازم علي عبد المغني اخبرني بماسبق ان اخبرك به، بان هناك محاولة انقلاب تديرها امريكا وبريطانيا في تعز، ويتزعمها الحسن بن علي والحسن بن ابراهيم، وعبدالرحمن عبدالصمد ابو طالب وغيرهم، فاذا لم تتحركوا بسرعة فسيقبض عليكم.
فقلت: سأفكر في الموضوع بعد عودتي من مقابلة البدر فقد دعاني الآن، وذهبت لمقابلته ومعي مسدسي الذي وضعته في جيبي محشواً لاينقصه الا الضغط على الزناد، واستقبلني الملازم صالح العروسي، وكانت سيماء الغضب والألم ترتسم على وجهه، وأوضح في سياق حديثه انه قابل البدر واخبره بوصول عبدالملك العمري المرسل من امير المؤمنين بتعز على حد وصفه والذي اخبره بالمؤامرة التي تدبر في صنعاء ويتزعمها جزيلان، وبعد ان اخبره بمايدور في تعز من مؤامرة تدبرها بريطانيا وامريكا ضدهم اقتنع البدر بولائه وخرج من عنده وهو يبتسم له ابتسامة الرضاء.
تسليم خطة الثورة
ويوضح اللواء جزيلان قائلا:
اتصلت بالسيد محمد عبدالواحد تليفونياً من منزلي واخبرته بماجرى في مقابلة البدر، وقلت لقد استطعت ان اكسب ثقة البدر، ولكن الشك يراودني فقد يريد ان يتخلص مني بطريقة ما دون ان يعرف احد، وبعد ان يتوصل الى الحقيقة، فقال: عليك بالحذر، والله معك.. ثم اتصلت تليفونياً بالقاضي عبدالسلام صبره ودعوته لزيارتي في المنزل، فلما جاء الى منزلي ذكرت له مادار في لقائي مع البدر، فأبدى سروره لإقناع البدر بما يجري ضده في تعز.
وقلت له: ولكني مع كل ذلك لا اصدقه، فالبدر كالثعلب لايؤمن غدره، وهو في نظري اخطر من ابيه، الى ان وصل في القول:
لذلك فاني اعطيك الخطة التي اعددتها لقيام الثورة، فاذا قتلوني او القوا بي في السجن فعليكم تنفيذ الخطة، فمصير الوطن لايجب ان يرتبط بمصير فرد مهما كان شأنه، وحسبي اني اديت واجبي باخلاص، ودمعت عينا القاضي عبدالسلام صبره تأثراً من هذا الموقف.
قوى جديدة
وتظاهر البدر بانه يجهل تحركاتنا ليخدع القوى الوطنية، وبدأ يفكر في التخلص من حركة تعز أولاً، ثم يضرب القوى الوطنية في صنعاء بحرسه وقوته التي اطلق عليها«فوج البدر» والقوى القادمة من خارج الحدود، وقد تحقق لنا ذلك من خلال الرسائل المتبادلة بالشفرة بينه وبين عمه الحسن والتي نشرت في مجلة اليمن الجديدة.
وعند عودة الامام من روما ومحاولته التخلص من بعض مشايخ حاشد وبكيل قابلت النقيب عبدالله منصور ثوابه ومجموعة من النقباء في بيت النقيب حمود بن حسن ابو راس، وكان الاخوة عبدالله دارس، وحمود محمد ابو راس، واحمد فاضل، وفيصل عرفان، ووازع ابو اصبع وغيرهم قد قبض عليهم واودعوا سجن القلعة لاشتراكهم في حركة الشيخ حميد بن ناصر الأحمر والنقيب علي بن ناجي الشائف.. موضحاً انه دار حديث بينه وبين النقيب عبدالله منصور ثوابه حول المسجونين واحوال البلاد وحكم الامام الظالم، واتفقنا معاً على الحياد.
ثم يتحدث اللواء جزيلان في سياق هذه المرحلة مرحلة التمهيد للثورة عن انضمام النقيب عبداللطيف ضيف الله الذي اوصله اليه كما اشار في هذا الفصل الملازم الرحومي والملازم الاشول ورحب به وبمدرسة الاشارة التي كان يقوم بادارتها.
