بشار بن برد
والأذن تعشق قبل العين أحيانا
بشار بن برد شاعر احتفى بالسمع وحاسة تقوده في دروب جمالية مؤدية نحو العشق،فالإذن تعشق قبل العين أحيانا ،كما قال في شطر بيت ذهب مثلا،او لعله نظرية جديدة قي العشق كما يفهمه كثيرون ليسوا عميانا،كما كان بشار ،بالضرورة.
قالت عنه كتب الأدب انه كان ضخما،وطويلا،عظيم الخلقة،سيء الخلق،بذي الكلام والهجاء،خليعا وماجنا وشعوبيا ومزدريا بالعرب ومتهكما على أساليبهم ومفاخراتهم ولكنه كان شاعرا.
وهذا الأخيرة هي أهم ما يمكن أن يقال عنه لعلها تجب ما قبلها أخيرا.
ولد أبو معاذ بشار بن برد بن يرجوخ العقيلي (95-167هـ /714-784)على مقربة من مدينة البصرة، حيث نشأ مختلفا إلى الأعراب الضاربين فيها ، آخذا عنهم اللغة العربية وأسرارها الشعرية ،وقد تجلى كل ذلك فيما بعد شعرية فذة قارع بواسطتها كبار شعراء الدولتين الأموية والعباسية حتى أن بعض النقاد ومؤرخي الأدب اعتبره أكثر شعراء العصر العباسي الأول مساهمة في الانجاز الشعري الكبير الذي تميز به ذلك العصر
لكن هذا كله لم يغفر له مجونه المفرط ولا استخفافه بالناس وتعمده نهش أعراضهم في قصائده الهجائية المقذعة ،أو استهتاره بالدين حيث اتهم الزندقة وهي التهمة التي أودت به إلى نهايته القاتلة ضربا بسياط المؤمنين بزندقة وغيرهم كم المؤمنين بشعوبيته وغيرهم من المؤمنين بتهتكه وأولئك الذين اتخذوا من مثالبه الدينية والقومية والأخلاقية تلك حجة لعقابه على ما بتقوله هجاء لأشخاصهم وشخصياتهم ، فقد كان بشار يهجو من لا يعطيه .
وكان قد مدح الخليفة المهدي فمنعه الجائزة فأسرها بشار في نفسه وهجاه هجاء مقذعا بل وهجا وزيره يعقوب بن داود وأفحش في هجائه لهما فتعقبه الخليفة المهدي وأوقع به وقتله دون أن يخشى لومه متعاطف من الشعر والشعراء في زمن يقدر الاثنين كما لم يقدرا في زمن آخر، ذلك لان بشارا كان قد بالغ كثيرا في تتبع لذائد الحياة في مظانها القصية ،مفرطا في تعاطيها مما ألب عليه الكثيرون ،خاصة انه أدخل قصيدة أكثر من مره في أعشاش تسكنها دبابير من بيده الأمر سياسيا واجتماعيا ودينيا وقوميا أيضا ،بنزق شعري عدائي صارخ
وربما يحتاج إلى ذلك النزق الشعري ذي النزعة العدائية الصارخة في القصائد الهجاء والفخر لديه مقارنه بالرقة والعذوبة والشفافية التي تميز بها غزله ونسيبه إلى تحليل نفسي دقيق ، يحاول من يضطلع به إن يكشف أغوار ذلك التناقض الرهيب بين الحالين مما لا يتلاءم مع شاعر كان مخلصا لذاته الشاعرة أكثر مما كان منفذا لمتطلبات عصره على الصعيد القومي والشعري.
فربما كانت ظروف نشأته في ظلمه فقدان البصر دميم الخلقة سيء الخلق ، منتميا لأصول عائله غير مرحب بها في مجتمع عربي وأعجمي ، إلا بالتقوى ،سببا في تلك النقمة العنيفة التي جعلت في سلوكه في الحياة أولا ثم في شعره بعد ذلك.
فقد تكونت شخصية بشار بن برد في كنف الدولة الأموية التي أعلت من شأن العرب على حساب مواطنيها من الشعوب الأخرى وفي مقدمتهم الفرس ، ولعل تلك السياسة كانت في طليعة ما اثر في نفسية الشاعر الشاب والذي حاول مقارعة كبار الشعراء ذلك العصر والتحرش بهم ، لعلهم يوصلونه إلى مجد لم يكن يدركه غير العرب منهم كثيرا ، إلا أن ظنه قد خاب عند أول محاوله ،فقد هجا الشاعر جرير أخذا في اعتباره انه ابرز الشعراء واحد أهم فرسان النقائض التي ميزه ذلك العصر شعريا ، لكم جرير المنشغل بالفرزدق وأعوانه من الكبار لم يكن يهتم بشاعر ناشئ إلا باعتباره أعجميا باحثا عن شهره فلم يرد عليه ابدآ.
وهكذا انتظر بشار بن برد بزوغ الشمس العباسية التي حاولت أن تعترف بفضل الفرس في قيامها ، فقربت الكثيرين منهم مما شجع بعضهم على إساءة استخدام تلك الحرية التي شعروا بها بعد ذلك الاضطهاد الأموي ذي النزعة القومية .
وتحت وطأة ذلك الشعور الجديد غذى بشار بن برد ظاهرة الشعوبية بالكثير من قصائده الناقمة والحاقدة .
وعلى الرغم من أن أحدا المتابعين لمصائر الشعراء وطرائقهم في التصرف بمواهبهم الشعرية لا يعتقد ان فقدان بشار بن برد لبصره قد اثر على انتاجة الشعري سلبا، فان هذا لا يمنع من الاعتقاد بان تلك العاهة الخلقية قد تركت أثرا ما عليه ، وإذا كان الشاعر حاول أن يتسامى على تلك العاهة أمام الآخرين ، بل يبدو وكانه قد رضي عنها بعد ان خبر الدنيا بحجت انها قد حجبت الرؤية ما يكره كما كان يقول فان القصائد التي لمحت لها ،او تلك التي بالغت في التصوير البصري ،تبدو وكانها تعويض عن نفسي وموضوعي عن شعوره تجاهلها.
روى بشار عن نفسه ان لدية اكثر من اثني عشر الف قصيدة
والله اعلم