وأشار نعمان إلى أن الوحدة تحققت في ظرفها التاريخي بتشويه كانت الديمقراطية والطريق السلمي قاعدتها التي جعلت من تحقيقها هدفاً ممكناً.
وقال إن الحامل السياسي للوحدة لم يكن لديه تصوراً متكاملاً لبناء "دولة الوحدة" سوى ذلك الشعار الساذج وهو "الأخذ بالأحسن" من النظامين السابقين حيث أن ميزان القوى التي أفرزها قيام الوحدة والانتقال إلى صنعاء وتصفية أسس ومكونات الدولة الأخرى بأكملها حوَّل هذا الشعار إلى وسيلة لتكريس نفوذ الطرف الأقوى مع كل محاولة لعرض الأحسن والأخذ به سواءً على الصعيد السياسي أو الاجتماعي أو الاقتصادي.
مشيراً إلى أنه وفي سياق البحث عن تمتين الوحدة أثناء الفترة الانتقالية خرج موضوع بناء دولة الوحدة على قاعدة الشراكة الوطنية لاسيما وأن التطبيقات الإدارية في تلك المرحلة المبكرة قد أسفرت عن خلل جسيم بسبب المركزية الجامدة التي أديرت بها الدولة ومؤسساتها المختلفة، لكن المعادلة المختلفة كانت قد رتبت أوضاعاً يصعب بحثها بدون أن تصبح موضوعاً لصراع متكرر.
وكان واضحاً أن "الدولة" التي تكرس للهيمنة على مشروع الوحدة هي دولة الجمهورية العربية اليمنية. ولكي يصبح هذا الأمر واقعاً لا مجال لتجاوزه فقد شنت حملة إعلامية تضليلية ضد قيادة الدولة التي جاءت من عدن إلى صنعاء بأنها هربت إلى الوحدة هروباً بسبب سقوط الاتحاد السوفيتي والمعسكر الاشتراكي. هذه الحملة وعلى هذا النحو الذي أرادت به صنعاء إضعاف مطالبة هذه القيادة ببناء دولة الشراكة أحدثت فجوة في جدران الوحدة في وعي الناس في الجنوب فقد مست إرادة التعاقد لهذه القيادة في إقامة الوحدة، وهو ما فتح الباب أمام تداعيات خطيرة بدأت تبلور موقفاً في وعي الناس من وحدة أسقطت فيها صنعاء مشروعية وإرادة التعاقد عند الطرف الذي وقعت معه الوحدة.. لاسيما وأن هذه الحملة الإعلامية مهدت الطريق بعد ذلك للاغتيالات السياسية ورفض بناء دولة الشراكة الوطنية ومحاولة جر الجنوب الاشتراكي اليمني إلى الدمج مع المؤتمر بهدف الوصول إلى شراكة سلطة بديل عن شراكة بناء الدولة، وهو الأمر الذي رفضه الحزب.
وأشار إلى أن رفض قيام دولة الشراكة الوطنية بدأ يبلور "القضية الجنوبية" بالمفهوم الذي شعر فيه سكان الجنوب أن دولتهم القديمة قد استوعبت في سلطة مركزية تتعامل معهم بمعيار واحد مضلل هو "حجم السكان"، وأن هذه السلطة التي صادرت شراكة أبناء الشمال في الحكم والثروة تصادر أيضاً شراكتهم.. ثم جاءت الحرب ونتائجها لتؤكد هذه الحقيقة التي برزت في أوضح تجلياتها وهي أن "الوحدة" قد وظفت أساساً كشعار لتحقيق الضم والإلحاق في أسوأ صورة لهذا الجزء من الوطن إلى هيمنة سلطة صنعاء دون أن تقدم أي دليل مختلف يناقض هذه الحقيقة التي أخذت تتحرك في الواقع لتنتج وعياً رافضاً للإلحاق كان غالباً ما يعبر عن خطأً بالوحدة.
وقال إن بعض المشاريع أخذت تخرج من كهوف التاريخ لتتصيد هذه الحقيقة وتعيد بناءها في الوعي السياسي، مؤكداب بأن ما حدث هو "الفعل الخاطئ" الذي تحرك في اتجاه مضاد للتاريخ، ولم تستطع هذه السلطة أن تقدم مشروعاً وطنياً يثبت حقها بالوحدة، فكل ما قدمته هو أنها لم تر الوحدة غير مشروع للفيد، وكان من الطبيعي أن تصبح أدوات هذا المشروع هي نفس الأدوات التي تفيدت به الشمال " القوة، نظام الولاءات، والمحاصصة مع مراكز القوى الاجتماعية المتنفذة".
مشيراً إلى أن سياسات ما بعد الحرب أنتجت أوضاعاً مأساوية قدمت فيها "الوحدة" في صورة مشروع انتقامي ضداً على المشروع الوطني وقواه، وبذلك اكتملت حلقة إعادة بناء "القضية الوطنية" على أسس مختلفة تماماً عن مضامينها الحقيقية.. وأن الجنوب كمشروع سياسي وطني من الناحية التاريخية قد وضع في صدارة الأهداف التي يراد تغييرها من قبل سلطة ما بعد الحرب، حيث جرى استحضار فصول الصراع السياسي بصورة مختلفة عن وقائعها التاريخية واتجهت على نحو مقصود لإدانة المشروع الوطني في سياق إنتاج معادلات سياسية واجتماعية جديدة تعزز السمة الإلحاق للوحدة حتى تستكمل حلقة الإجهاز على المشروع الوطني التاريخي. وشجعت السلطة على إنتاج هذه الثقافة عن طريق تقديم الوحدة على أنها مشروع إلحاقي يعتمد القوة، وثانياً تقديمها على أنها مشروع انتقامي يعتمد التضليل وتشويه الآخر وتصفيته هذان المشروعان هما اللذان شكلا بعد ذلك البيئة الثقافية الطاردة للوحدة. مشيراً أن السلطة وانسجاماً مع ذلك أخذت تقوم باستحضار الماضي بكل صراعاته وعلى نحو تحريضي الهدف منه فتح أبواب الصراعات السياسية والاجتماعية للانحراف بمسار العملية السياسية والوطنية نحو العنف والحروب ظناً منها أن ذلك يعطل عملية التأطير الاجتماعي الواسعة للقوى الحية باتجاه التغيير.
وأكد الأمين العام للحزب الإشتراكي أن القضية الجنوبية وما رافقها من حراك سلمي هي المشروع الانقاذي الحي للوضع المتدهور في اليمن. وهي بهذا تؤدي وظيفة وطنية منسجمة مع المشروع السياسي الوطني الذي أنتجه الجنوب منذ الخمسينيات.. مشيراً إلى أن الجنوب كان في الأساس مشروعاً سياسياً وطنياً قبل أن يكون جغرافياً، وأن هذا يعني أن التعاطي مع هذه القضية وحراكها يجب أن لا يستند على نفس الدوافع التي تحرك السلطة باتجاه قمعها وإنها بالإستناد على قراءة موضوعية وواعية للجنوب كمشروع سياسي وطني.. لا يمكن أن يكون إلا كذلك، وأن رفضه لمشروع للإلحاق والانتقام كمشروع بديل للوحدة إنما هو تعبير عن أصالة حقيقية في الموقف من الوحدة.
موضحاً إن العناصر الدينامية في القضية الجنوبية هي تلك التي تستمد حيويتها من الجذر التاريخي لتكون الحركة الوطنية والقضية التي حملتها، وحالة الصدام التي نراها اليوم مع هذا الجذر التاريخي ناشئ عن خيبة الأمل التي أصابت الناس من جراء الاختطاف الذي تعرضت له الوحدة ومعها حلمهم في التحرر والتقدم.
واشار الدكتور ياسين سعيد نعمان إلى أن أمام القوى السياسية والثقافية والفكرية مهمة فتح قنوات اتصال وحوار هادئ مع كل القوى الفاعلة في الحراك السلمي أياً كانت الشعارات المرفوعة دون مواقف مسبقة، والتوجه معاً نحو جذر الأزمة الذي أنتج هذا الوضع والمتمثل في نظام سياسي فشل في إنشاء دولة الشراكة الوطنية في الحكم والثروة وتحقيق العدالة الاجتماعية والمواطنة المتساوية.
مشيراً إلى أن القضية الجنوبية هي محصلة إخفاق هذا النظام السياسي في إدارة مشروع الوحدة لصالح جميع اليمنيين. وأن الأنين الذي يعم اليمن كلها قد تحول في هذا الجزء من الوطن إلى مشروع للتغيير، فلا بد هنا من التوقف لحظة أمام اتجاهات مساره التي اكتنفها في كثير من الأحيان الغضب مما بدا أنه فعل اختراقي هدفه تحميل جزء من الوطن المسؤولية فيما حل بالجزء الآخر... كأن يقول خطاب السلطة العصبوي التحريضي – يضيف نعمان - أن هذا الجنوب الذي لم تكن فيه مدارس ولا كهرباء ولا طرقات ولا صحة على حد زعمها استأثرت بـ70% من الميزانية العامة مما كان سبباً فيما أصاب الشمال من فقر وبطالة، بينما يعرف الناس هناك أنهم كانوا أفضل حالاً مما هم عليه اليوم وأنهم خرجوا عن بكرة أبيهم يصوتون لدستور الوحدة وهم يعرفون أيضاً أن نفط مأرب كان قد شفط ونهب وأن نفط الجنوب هو ما تبقى يومذاك لليمن.
وأضاف "هذا التضليل الذي يقدم الجنوب متسولاً يناقض الواقع تماماً وكان هدفه تعبئة جزء من الوطن ضد الجزء الآخر، الأمر أعاد إنتاج الخطاب السياسي لطرفي المشروع التفكيكي على قاعدة مختلفة وهي وضع الجنوب في مواجهة الشمال والعكس.
وأشار الأمين العام للحزب الاشتراكي إلى أن السلطة كانت أكثر الأطراف تحمساً لهذا التحول في مسار الأزمة والذي يضع الشمال في مواجهة الجنوب بما يكتنفه من تمييع لمسؤوليتها في خلق الأزمة، ولم تعمل شيئاً لتفادي خطورة هذا الانقسام بل راحت تسير في نفس الخط المنتج لثقافة الكراهية وتفكيك المجتمع، ولأول مرة في تاريخ اليمن المعاصر وفي ظل هذه "الوحدة" يتجه خط سير الاتفاق والاختلاف بين الناس إلى تكريس ثقافة البنى ما دون الوطنية تأكيداً على تراجع الثقافة الوطنية باعتبارها الحامل الأساسي للمشروع الوحدوي.
وقال نعمان إن تحليل الواقع ظروف البلاد التي تتحرك فيها القضية الجنوبية وماتحيط بها تقدم البراهين على أن هذا الواقع أضحى مهيئاً للحل الوطني بسبب ما يعتمل فيه من اختلالات جوهرية حيث يلاحظ أن كل قسم من اليمن قد أُغرق في هموم الفقر والإحباط بسبب السياسات الخاطئة والمفلسة لهذه السلطة.. وعلى الرغم من أن هذه السياسة قد قامت على فكرة أن ينشغل كل قسم بهمومه الخاصة ليغدو الحل الوطني مستحيلاً، إلا أن تشكيل هذه الهموم بروابط وطنية يتوقف على قوى المشروع الوطني وقدرتها على إنتاج الحامل السياسي والاجتماعي الملائم. وأضاف " لاحظوا صعدة تعيش هما بانتظار المزيد من الحروب، والجنوب يخوض معركته، وتهامة تعيش تحت المتنفذين الذين أفقروا أبناء هذه المنطقة وحاصرهم في الجوع والحرمان، والكتلة البشرية الهائلة لهضبة المنطقة الوسطى يتقاذفها اليأس والخوف من المستقبل، ومنظمة النفط الصحراوية وما يحيط بها من حرمان لا تجد دليلاً على أن دولة من أي نوع كان تضعها في الحسان إلا حينما يتعلق الأمر بالنفط والغاز، ومنطقة القبائل الواسعة حيث يتسع قطر الدائرة ليشمل المركز والجوار المتحضر لمواجهة كل ما من شأنه أن يغير المعادلة يعيش صراعات بناء وتفكيك المعادلات.
وتابع " في ظروف كهذه تعمد السلطة إلى تفكيك الحل الوطني بحلول جزئية مؤقتة تبقى كألغام أمام الوطن، وهو ما يجب رفضه والتوجه إلى جذر الأزمة التي أنتجت كل هذه الظواهر.. فالجنوب بكل تأكيد لن يقبل بشراكة تقوم على نظام الولاءات الذي يطبق الآن بصورة تعبر إخراجه من المعادلة الوطنية الديمقراطية وإبقائه لغماً أمام الحل الوطني كما هو حاصل منذ 15 سنة وحتى اليوم.
وأكد نعمان أن القضية الجنوبية يجب أن تتجه نحو هذا المسار، ولن تتجه إلا بتسوية تاريخية جديدة تنطلق من الإقرار بفشل المشاريع والتجارب السابقة سواء في صورتها التشطيرية أو الوحدة الاندماجية التي قادت إلى حرب أو وحدة القوة التي انتهت إلى هذا الانقسام الذي يعد أخطر من الانفصال بمقاييس ما يخلقه من ثقافة تفكيكية للمجتمع بأسره.
مشددا على ضرورة أن تنطلق هذه التسوية التاريخية من القاعدة الأولى المنظمة للوحدة كقيمة وطنية وهي إقامة دولة الشراكة الوطنية في الحكم والثروة وتحقيق المواطنة المتساوية عبر دولة مدنية لا مركزية يسودها النظام والقانون.
الإلغاء والإقصاء سبب أحداث الجنوب
الدكتور محمد عبد المجيد قباطي رئيس دائرة الشؤون الخارجية بالمؤتمر الشعبي العام أكد أن الناس كانوا ينظرون إلى الوحدة على أنها تسوية تاريخية من اجل حل كل المشاكل التي كانت قبل الوحدة إلا أن هذه التسوية التاريخية - حسب القباطي - انتقلت بحكم النظرة الضيقة إلى الإقصاء من أول يوم، وأن علي ناصر محمد غادر اليمن وقت رفع علم الوحدة في الوقت الذي كان يجب على الجنوب أن يتصالح مع نفسه قبل تحقيق الوحدة - حد تعبير.
مشيراً إلى أنه كان من المفروض أن تكون عدن العاصمة السياسية لأنها كانت حاضنة اليمن وتحتضن قيم المجتمع المدني.
وأشار القباطي أن القانون المالي والإداري الذي تم الاعتماد عليه بعد الوحدة قانون يخلق الفساد والتجاوزات وحلت الدحبشة محل النظام القانون، مشيرا إلى إن الفترة الانتقالية تحولت إلى فترة انتقامية من خلال القضاء على الجانب المؤسسي والوقوف ضد دولة التخطيط والمدنية.
مؤكدا في السياق ذاته بأن الحل هو الحكم المحلي واسع الصلاحيات والعمل على إلغاء ثقافة الإقصاء والتي هي سبب مشكلة القضية الجنوبية.
اختزال الدولة في شخص الحاكم ومقربيه انتج الأزمة
ومن جانبه أشار الدكتور محمد الظاهري إستاذ العلوم السياسية في جامعة صنعاء إلى أن الإشكالية تكمن في في غياب التوصيف الدقيق للأزمات وعدم الاعتراف بالأزمة من قبل السلطة، مشيراً إلى أن الأزمة التي تعيشها اليمن هي أزمة مركبة على مستوى النظام السياسي وأن الإشكالية في اليمن هي إشكالية بناء دولة والحديث عن الحاكم وكأنه إله وأن الحارس السياسي لا يخطئ عكس ما هو موجود في بقية العالم وكذلك عدم الاعتراف بالمعارضة العمل على تهميشها.
وأشار الدكتور الظاهري أن التعامل مع القضية الجنوبية من قبل السلطة يتم على أساس أنها قضية أشخاص وليس على أساس أن المشكلة هي في بناء الدولة واختزالها في شخص الحاكم ومقربيه وتحويل الانتخابات إلى غاية بدلاً من تكون وسيلة.
وحذر مما أسماه باليمننة لأنها - حد تعبيره - ستكون أخطر من الصوملة.