يا أهل الخطب الطوال ، ويا أصحاب البديهة والارتجال ، ويا رواد الأشعار والأزجال .
ألا أيها الركب اليمانون عرِّجوا ::::: علينا فقد أضحى هوانا يمانياّ نُسائلكم هل سال نعمان بعدنا ::::: وحب إلينا بطن نعمان واديا
فيا أنصار الرسالة في قديم الزمان ، أنتم أنصارها الآن ، فعضوا على التوحيد بالنواجذ ، فأنتم الأبطال الجهابذ ، وانصروا سنة المختار ، في تلك الديار، وانهجوا نهج السلف ، فإنكم نعم الخلف ، وارفعوا للملة العلم، فمن يشابه أَبَهُ فما ظلم ، ففيكم علماء وعباد ، ولكم نوافل وأوراد ، وتديُّنكُم سريع ، وفهمكم بديع ، وقد قلتُ في صنعاء ، من قصيدة لي تحمل الحب والوفاء .
صنعاءَ صغنا لكِ الأشعار والكتبــا ::::: لكِ الوفاء فلا تبدي لنا العتبــــا على جفونكِ قتلى الحب قد صرعوا ::::: حتى الذين بقوا قتلى ومن ذهبـــا رواية السحر في عينيكِ أغنيــة ::::: والحسن في وجهكِ الوضّاح قد سكبا ليت الهوى ترك الأرواح سالمـة ::::: فهو الذي رد بالألحاظ ما وهبـــا إن كنتِ تبكين يا صنعاء من ولهٍ ::::: فقد سكبنا عليكِ الغيث والسُّحبـــا استغفري أنتِ مما تفعليـن بنــا ::::: هذا الجمال اليماني يقتل العربـــا
منكم الأوس والخزرج ، والملكان الحارث والأعرج ، وعمر بن معد يكرب المقدام المدجج ، ومنكم الملكة بلقيس ، وأسماء بنت عميس ، وأبو موسى عبد الله بن قيس ، وعلى ألسنتكم تسيل القوافي ، وفي ضيافتكم تشبع العوافي ، بديهتكم سريعة ، وذاكرتكم بديعة ، وفيكم الفصاحة والصباحة ، والسماحة والملاحة ، ودعا لكم المعصوم فقال : اللهم بارك لنا في يمننا ، وأقول : ووفق أهل صنعانا وعدننا .
قال الزبيري في قصيدة الوطن ، يخاطب اليمن : مزقيني يا ريح ثم انثري ::::: أشلاء جسمي في جو تلك المعاني وزعيني على الجبال والغدران ::::: بين الحقول والأغصان وصلي جيرتي وأحبابي ::::: وقصِّي عليهموا ما دهاني هل بكاني هزارها هل رثاني ::::: طيرها هل شجاه ما قد شجاني ليت للروض مقلة فلعل الدهر ::::: يبكيه مثلما أبكاني
وقد ذكر الذهبي في النبلاء ، في سيرة همام بن منبه أحد العلماء أن رجلاً من قريش ، صاحب سفاهة وطيش ، قال لأحد أهل اليمن ، وكان اليمني ثقة مؤتمن : ما فعلت عجوزكم قال : عجوزنا بلقيس أسلمت مع سليمان لله رب العالمين ، وعجوزكم يا قرشي حمَّالة الحطب دخلت النار مع الداخلين ، فغلب القرشي وأفحمه ، وفي كل كرب أقحمه وذكروني بشاعر معاصر وإليه ردوني ، أعني به شاعركم عبد الله البردوني ،
حيث يقول مخاطباً الرسول صلى الله عليه وسلم : نحن اليمانين يا طه تطير بنا ::::: إلى روابي العلا أرواح أنصارِ إذا تذكرت عماراً وسيرته ::::: فافخر بنا أننا أحفاد عمارِ
وقد رفعتم رؤوس العرب ، لما انتصر سيف بن ذي يزن وغلب ، على أبرهة حامل الكذب ، فزارتكم الوفود بما فيهم عبد المطلب وأطعتم معاذ بن جبل ، ورفعتموه في المحل الأجل
ونصرتم علي بن أبي طالب ، صاحب المناقب والمواهب ، فقال : ولو كنت بوابًا على باب جنةٍ ::::: لقلت لهمدان ادخلوا بسلامٍ
وقتلتم الكذاب الأسود العنسي ، فصار في التأريخ المنسي ، ومنكم المقدام يوم القادسية ، الذي سحق الجموع الفارسية ، ومنكم الشاعر وضّاح ، الذي هزّ بشعره الأرواح ، وأنتم أرق الأمة قلوباً ، وأقلها عيوباً ، وأطهرها جنوباً ، وفيكم سكينة ووقار ، وفقه واعتبار ، ومنكم أولياء وأبرار ، وكفاكم أن منكم الأنصار ، مع تواضع فيكم وانكسار ، ومنكم مؤلف الأزهار ، وصاحب السيل الجرَّار ، ومدبج الغطمطم التيّار ، ومنكم المحقق الشهير ، والمجتهد الكبير ، أعني ابن الوزير ، صاحب العواصم والقواصم والروض الباسم ، خطيبكم إذا تكلم بز الخطباء ، وأسرها وسحرها فإما منّاً بعد وإما فداء ، وشاعركم إذا حضر غلب الشعراء ، وصارت أفئدتهم من الذهول هواء ، الضاد بأرضكم ميلادها
والعروبة عندكم أولادها ، والحميريّة أنتم أحفادها ، أما قال الشاعر : يمنيــّون غيـر أنّا حفـاة ::::: قد روينا الأمجاد جيلاً فجيلاً قد وطئنا تيجان كسرى وقيصرْ ::::: جدنا صـاحب الحضارات حميرْ
اليمن مشتق من الإيمان لأنهم صدّقوا بالرسالة ، وأظهروا البسالة ، وأكرموا رسول الرسول ، وقابلوه بالقبول ، وجمعوا بين المعقول والمنقول
شكراً لتلك الأرض لو أن الدما ::::: تسقى بها الأوطان أسقيناها
واعلم أنني ما أسرفت في المديح بل قصرت ، وما طولت في الثناء بل اختصرت ، وكفى لأهل اليمن مدح المصطفى ، وإنما أردنا أن نكتب في ديوان الوفاء ، وفي سجل الصفاء
وقد قال الشاعر يفتخر بكم :
نحن وجه الشمس إيمان وقوة ::::: نسب حر ومجد وفتوة
كَربُ عمي وقحطان أبي ::::: وهبوا لي المجد من تلك الأبوّة
والسيوف البيض في وجه الدجى :::::: يوم ضرب الهام من دون النبوّة
يا صنعاء نريد منك جيلاً ربانياً ، وشباباً محمديّاً ، وعزماً يمانياً ، وشكراً يا عدن ، على ترحابك بأتباع النبي الأمين ، وطردك لعبيد لينين ، واذناب استالين ، لأن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين .
سلِّم على الدار من شجو ومن شجن ::::: وانظر إلى الروض من سحر ومن حسنِ
يا لوحة نسخت فيها مدامعنا :::::: قلبي بروعة هذا الوجد في اليمنِ
واليمن مورد عذب ، وميدان رحب ، فالقومي باليمن يفخر ، لأنها بلد الجد حمير ، والمؤرخ يتشجع ، لأنه عثر على موطن تبع ، وصاحب الآثار له من اليمن أمداد ، لأن فيها إرم ذات العماد ، التي لم يخلق مثلها في البلاد ، وحملة القرآن ، لهم ميل إلى تلك الأوطان ، لأن الإيمان يمانِ ، فاحفظ أخبارهم ، وردد أشعارهم ، واكتب إنشاءهم ، ولا تبخس الناس أشياءهم .
ولله تاريخهم ما أحسنه ، لأن هناك لين القلوب وصدق الألسنة ، وشجرة مجدهم لا تنبت إلا على الأنهار الشرعية ، ولذلك اجتثوا من بلادهم جرثومة الشيوعية ، لأنهم موحدون لا ملحدون ، فهم بلد الإيمان والإنفاق ، لا بلد الرفاق والنفاق ، فيا حمام بلغهم منا السلام ، وقل إلى الأمام ، والصلاة والسلام على صفوة الأنام ، وآله وصحبه الكرام .
الدكتور : عايض القرني [ كتاب : المقامات ]
جلال الدوسري
عدد الرسائل : 6281 العمر : 47 الدولة : اليمن السعيد تاريخ التسجيل : 12/01/2009