بعد كل ما نراه من فواجع على أرض غزة الصابرة، وبعد كل ما نتابعه من مواقف مخزية، وتواطؤ وصمت على الإجرام الصهيوني.. لم يعد هناك مجال للحديث عن قيم الأخوة الإسلامية والإنسانية، وقيم النجدة ونصرة المظلوم.
فشلال الدماء الذي يتفجر في غزة منذ يوم السبت الماضي.. وصرخات الثكالى والأطفال لم تحرِّك القلوب المتحجرة، ولم توخز الضمائر الميتة، ولم تستفزّ هؤلاء الذين باعوا أنفسهم للشيطان الصهيوني أو الذين انخدعوا بسراب السلام الزائف فيتخذوا موقفاً عملياً يشهد لهم أمام الله يوم القيامة، ويشفع لهم في سجلات التاريخ الذي يسجل كل الحقائق.
وإن محرقة غزة البشعة لم تحرِّك في هؤلاء نخوة الأخوة الإسلامية والإنسانية، ليقوموا بقطع العلاقات مع العدو الصهيوني الفاجر، وإغلاق سفاراته ومكاتب تمثيله التي تدنس العديد من العواصم العربية، كما لم تحرك هذه المحرقة ساكناً لدى «فريق عباس» لكي يوقف مفاوضاته العبثية، ويوقف تنسيقه الأمني مع الصهاينة، بل يوظف قواته لاعتقال ومطاردة وقتل المجاهدين من أبناء المقاومة.
ولم تحرِّك كل تلك الجرائم النظام المصري لكي يفك حصار غزة الذي دام أكثر من عام ونصف العام، وأبى إلا أن تظل «بوابة رفح» المنفذ الوحيد لغزة على العالم محكمة الإغلاق؛ حتى يواصل الكيان الصهيوني المجرم مجازره وهو مطمئن أن أحداً لن يفلت من «سكّينه» ..
إنه موقف تشيب له الرؤوس، فلم يكن المرء يتصور أن يأتي يوم يحبس فيه شعب بأكمله وتعمل فيه آلة القتل والذبح الصهيونية عملها، ويتولى حراسة ذلك نظام عربي، وقد تمخضت حالة الإغلاق المحكمة لـ«بوابة رفح» عن إعلان السلطة المصرية عن موافقتها على استقبال الجرحى، ثم إعلانه عن السماح بإدخال مساعدات، ثم ثبت بعد ذلك أن الأمر دعائي لا أكثر، حتى كتابة هذه السطور، للضحك على الجماهير الحاشدة والغاضبة في القاهرة والعواصم العربية والإسلامية.. ثم عاد وفتح المعبر جزئياً حتى كتابة هذه السطور.
فهل وظيفة مصر «الدولة الكبرى» وصاحبة التاريخ العريق، والتي قدم شعبها عبر التاريخ أضخم التضحيات ضد التتار والمغول، وضد الهجمات الاستعمارية على الأمة وفي القلب منها الهجمة الصهيونية، نقول: هل وظيفة مصر استقبال الضحايا من غزة للعلاج مع استمرار إحكام الحصار لقتل الأحياء جوعاً وعطشاً ومرضاً.
إن ذلك الموقف من النظام المصري حيال ما يجري في غزة موقف مرفوض من الشعب المصري، الذي انتفض في كل المدن والجامعات والنقابات والشوارع المصرية تضامناً مع فلسطين وأهلها وتنديداً بموقف حكومته.
ولقد كان الموقف العربي مهتزاً مرتجفاً فلم يقدم لضحايا المذبحة سوى شعارات التنديد والشجب التي لا تُسْمن ولا تغني من جوع، وكان تحركه متباطئاً، إذ قرر عقد قمة بعد أسبوع من المذبحة، ولا ندري ـ حتى كتابة هذه السطور ـ هل ستعقد تلك القمة أم لا؟ وإن عُقدت فما جدواها إن كانت نتائجها مماثلة للقمم السابقة؟!
لقد كشفت محرقة غزة عن تواطؤ وموافقة جهات عدة على تلك الحرب الوحشية، فقد أعلنت الإرهابية «تسيبي ليفني» من القاهرة يوم الخميس 25/21/2008م: «إن إسرائيل لن تقبل بحماس حاكمة لغزة.. وإن ما تقوم به إسرائيل يعبر عن احتياجات المنطقة».
و كشفت تلك المجزرة عن أن هناك من كان جاهزاً للتغطية عليها ورمي مسؤوليتها على حركة حماس، ومن تابع تصريحات أحمد أبو الغيط وزير الخارجية المصري، ومحمود عباس رئيس السلطة، وبقية قادة السلطة يجد أنها تصب كلها في خانة اتهام «حماس» وتحميلها المسؤولية!
ولقد كشفت تلك المحرقة عن أن الشعوب العربية والإسلامية تزداد حيوية وتفاعلاً مع قضايا أمتها، وتزداد رفضاً لمواقف الكثير من حكوماتها.
ومن هنا فإن نداءنا للأنظمة العربية والإسلامية أن تنحاز إلى شعوبها وتصطف معها في خندق واحد ضد تلك الهجمة الصهيونية البربرية، التي لا تبقي ولا تذر، ويومها ستجد الحكومات والنظم شعوبها ملتفة حولها، تؤازرها وتؤيدها في سبيل رفعة الأمة واستقلالها وعزتها.>