أحمد الصباحي- إيلاف -
يتألم "مصطفى النمي" المواطن اليمني المغترب في المملكة العربية السعودية "الشقيقة" منذ سنوات على الحالة الإنسانية التي يعيشها أغلب اليمنيين المقيمين هناك بسبب ماوصفه بسوء التعامل والدونية التي يعيشها المغترب اليمني في المملكة؛ حتى أصبح خائفا يترقب من أي مشكلة قد تحدث له مع الكفيل أو أي جهة رسمية قد تقضي على مصدر رزقه ومعاشه اليومي.
كيف أحوالكم؟ سألته.. أجاب: أخبارنا يرثى لها، لانعلم لماذا نعيش، ولا لماذا نعمل، ولاندري لماذا اغتربنا.. فقط ضياع الوقت ليس أكثر".
عند هذا المستوى من الإحباط تأكد لي أن الرجل قد واجه مستويات كبيرة من الحرمان والغربة – بلا فائدة- كما وصفها كثيرون من أقرانه، إلا أن رحمة السماء لازالت باقية.. قال مصطفى "الله يرحمنا".
من المسؤول عن كل مايتعرض له اليمنيون المغتربون في الجارة السعودية؟.
سؤالٌ يطرحه الكثير ممن شاهدوا واستمعوا لقصصٍ إنسانية تُدمي القلب جراء مايعامل به اليمني من قبل الكفلاء السعوديين وبعض الموظفين في الدوائر الرسمية.
مؤخرا كثرت الشكاوي والنداءات التي تصلنا وتصل أغلب زملاء المهنة من مقيمين يمنيين في المملكة يشكون من التعامل القاسي وغير الطبيعي – حسب وصفهم-.
ابو حمزه الشريف مغترب يمني قال في رسالة مطولة "إن سوء التعامل الممارس على المقيمين يتم بتواطؤ من بعض المسؤولين في الحكومة السعودية، اما يزن الأصبحي فقد أكد على وجود درجات متفاوتة في التعامل مع العمالة الأجنبية، وأن التعامل مع المقيم اليمني أكثر تشددا وقسوة، حسب وصفه.
عبدالرحمن الدعيس وهو مغترب في احدى المدن السعودية وصف الوضع بتفاصيل أكثر وضوحا فقال "الكفيل.. وزارة العمل.. الجوازات.. بعض المواطنين السعوديين، كلها حواجز صد تقف ضد المغترب اليمني في المملكة، لايوجد ملجأ يُرجع إليه في حال أضرّت به إحدى تلك الجهات"..
سألناه: هل تصل شكاويهم إلى الجهات المسؤولة في الاسرة الحاكمة مثلا؟.
أجاب عبد الرحمن: "لا مجال لذلك فكل الأبواب موصدة".
وتقول الروايات المتكررة أن اليمنيين يُعاملون معاملة دونية، ويشكون من التضييق عليهم في الرواتب والأجور والمعاملات في الدوائر الحكومية.
قال أحدهم – فضل عدم ذكر اسمه خوفا على قمة العيش كما قال: "ان اليمني يخرج دائما خاسرا من أي محاكمة أو مظلمة يتم رفعها إلى الأجهزة الأمنية أو القضائية.
* الكفيل السلاح الفتاك
نسبة كبيرة من الذين تواصلنا معهم لاتزيد رواتبهم عن (1500) ريال سعودي (87 الف ريال يمني)، في الوقت الذي يشترط عليهم الكفيل دفع مبلغ (250) ريال سعودي شهريا، أي ما يساوي (3000) ريال سعودي في السنة الواحدة.
يقول هشام الشرعبي "هناك من العمال من يحرم نفسه من كل شيء، ولا ينفق باليوم الواحد سوى (15) ريال سعودي من أجل توفير أجور التجديد وحق الكفيل".
يواصل حديثه بألم: "أصبح الكثير منا يهتم لأمر التجديد والكفيل أكثر من نفسه وأهله أحيانا".
وتختلف درجات الشكوى من الكفيل فمنهم من جار عليه الكفيل بدفع مبالغ شهرية مرتفعة، ومنهم من رفض كفيله كتابة تنازل لتحويل الكفالة إلى شخص آخر إلا بعد دفع مبالغ طائلة قد تساوي قيمة فيزا جديدة.
حسب رامي صالح "مصور يمني يعمل في استديو بالرياض"، فإن الكفيل السعودي يتعنت اليمنيين أكثر من باقي الجنسيات الأخرى، حتى أصبح الكفلاء السعوديين يقتاتون من جهد وتعب المقيمين ويفرضون الإتاوات والمبالغ الشهرية بدون أي لوائح قانونية، وبصمت مطبق من الجهات الرسمية.
"فقط في سبع سنوات دفعت ما يقارب (31) ألف ريال سعودي للكفيل غير قيمة التجديد والخروج والعودة" يقول فؤاد الماوري.
* القرار الذي قصم ظهر اليمني
رسميا اتخذت وزارة العمل السعودي مؤخرا قرارا بفرض مبلغ 2400 ريال سعودي على كل وافد يعمل في المملكة، القرار شمل كل الوافدين غير السعوديين واستثنى أبناء السعوديات والعمالة الخليجية والعمالة المنزلية، حتى أصبح وكأن القرار تم تفصيله على العمالة اليمنية التي تعد الأكثر حجما في السعودية نظرا للجوار وحجم التقارب ودرجات الثقة المتبادلة بين البلدين.
اليمنيون وغيرهم من المقيمين في المملكة كانوا فقط يدفعون 100 ريال رسوم رخصة العمل التي تجدد سنويا، أما اليوم فقد ارتفع سقف المبلغ من 100 ر يال إلى 2400 ريال سعودي أي ما يساوي مرتب شهر ونصف، وأحيانا مرتب شهرين..!!
يقول المغتربون اليمنيون إن هذا القرار قضى على أحلامهم؛ فهم يشكون – حد قولهم- من وجود حملة منظمة على الوافدين في السعودية، ومحاولة تضييق الخناق عليهم واتهامهم بتشكيل عائق اقتصادي أمام أهل البلد.
بعد هذا القرار تضرر الكثير من اليمنيين فأصبحوا أمام خيارين لاثالث لهما إما دفع الرسوم الباهظة أو من انتهت إقامته ولم يستطع الدفع عليه أن يغادر البلاد بلا رجعة.
سمير الصلاحي الكاتب اليمني المقيم في السعودية يقول ان الرسوم مع الزكاة والتجديد "رُفعت إلى ما يقارب 9000 ريال سعودي والضرر كبير جدا حيث أصبح العامل يشتغل سنة لتسديد الرسوم، وسنة لمصروفه وأسرته".
يضيف سمير وعلى صوته علامات الشوق والحنين لبلاده "لانستطيع السفر إلا كل 3 سنوات".
* عُقلاء السعودية
نتيجة تلك المعاملة القاسية وغير العادلة جعلت الداعية السعودي المشهور الدكتور سلمان العودة يصرخ بقوة عن معاناة ومظلومية المغتربين في السعودية: "الرسوم فقط مقابل حق الإقامة، والعمل تحت سلطة "الكفيل"؟
يضيف العودة "نظام الكفيل يجعل المقيم هنا تحت رحمة إنسان آخر، وليس باستطاعته القيام بأي تعاملات إلا بإذنه".
وأوضح العودة في مقال له على موقع "الإسلام اليوم" أن كفلاء بلا ضمير يطلبون مبالغ بشكل دائم"، مستدركا "أن كفلاء في غاية العدل واللطف، لكن هذا ليس دائما ففي غياب الرقابة تستشري الأنانية والأثرة".
وواصل العودة حديثه "شباب في سن الزهور لم تشتد سواعدهم ذهبوا في رحلة الشتات والضياع إلى وطن لا يعرفون منه إلا اسمه يتخطَّفهم المجهول، وآباء وأمهات واهنو العظام، مشتعلو الرؤوس شيباً؛ يذرفون الدموع، ويكتمون اللوعة والحنين؛ لا حيلة لهم ولا سبيل"..وهكذا هم أغلب اليمانيون هناك.
أما الدكتور أحمد الصويان رئيس تحرير مجلة البيان السعودية فقد كتب تعليقاً على سؤال الشيخ محمد العامري رئيس حزب الرشاد اليمني على صفحته في "الفيس بوك" عن من هو المسؤول عن أوضاع المغتربين اليمنيين في السعودية في ظل الضرائب المجحفة على الإقامات والتأشيرات، والكفلاء المتعجرفين إلا القليل؟! فقال الصويان: "يسوؤنا هذا الواقع المحزن، ولانرضى بالظلم على العمال وغيرهم من أي جنسية كانوا، وكثيرا ماكان المشائخ يحذرون منه، وجزء كبير من العلاج مسؤولية الرسميين من البلاد، فلعل إحدى المؤسسات تبدأ بالمتابعة والتواصل مع جميع الأطراف".
وسواءً رضي الطيبون من أبناء المملكة أم لم يرضوا فيبدو أن الأمر لايزال خارجا عن إرادتهم، فالحكومة السعودية تصدر القرار بعد الآخر وكلها تصب ضد مصالح المقيمين في ديارها الذين يجهدون ليل نهار من أجل إشعال حركة التجارة والاقتصاد والسياحة بأجور زهيدة بعد أن عجز عن فعل ذلك أبناء البلد.
بالنسبة لليمنيين في السابق كانت المملكة بلدهم الثاني لايختلف كثيرا عن بلدهم الأصلي فهم كانوا يتمتعون بحرية التنقل والعمل والتملك والكسب غير المقيد بنظام العمل والكفالة السائدة في المملكة منذ عقود.
أما اليوم فقد اختلف الأمر وأصبح أحدهم يتمنى الخروج منها كما تمنى الدخول إليها، في ظل قرارات جائرة ومرتبات غير كافية لتسديد الرسوم الحكومية وطلبات الكفلاء، وفي ظل حكومة يمنية يقولون أنها "لاتستحق المناشدة، فلن تغير شيء.. لإنها في عداد الموتى".
قال سمير إن "السعودية تتعامل مع العمالة العربية أفضل بألف مرة من العمالة اليمنية، معللا أنهم يعتبرون اليمني مغفلا ولا يفهم في القانون.. ولا تهتم حكومته بما يحدث له من تجاوزات".
مصطفى النمي الذي ابتدأنا الحديث به لم يستطع النوم "من الرعب الذي سبب له الكفيل"، إلا أنه متمسك بذرة أمل مفادها: "لا بد من يوم معلوم ترد فيه المظالم، أبيض على مظلوم، أسود على ظالم".