نصائح علماء اليمن لرئيس الجمهورية
كما يفعل التاجر عند تعيين مسؤول جديد بالذهاب اليه وتهنئته وتقديم الولاء والهدايا وعقد الصداقات, ذهب علماء اليمن اليوم الى رئيس الجمهورية للالتقاء به مقدمين له مطالبهم على شكل نصائح لولي الامر وكلهم أمل في وضع جدول زمني لتطبيقها. وتتلخص مطالبهم النصائحية بالاتي:
وجوب إيجاد مرجعية شرعية من العلماء الربانيين لبيان الحق ورفض كل ما يخالف الإسلام. هذا المطلب يبتدئ بكلمة وجوب ما يشير الى انعدام فرصة الاختيار, أي انه ملزم ويخرج عن بنود النصح, اضافة الى غموض مصطلح العلماء الربانيين والمرجعية الشرعية. ان ربط تسمية العلماء بصفة الربانيين عبارة عن تمييز لنوعية خاصة من العلماء تشير الى وجود نوعيات اخرى من العلماء غير ربانية, كما ان مصطلح المرجعية الشرعية يشير الى اخذ مهام مؤسسات قائمة مثل مفتي الجمهورية او لجنة الافتاء ولجنة تقنين احكام الشريعة الاسلامية وغيرها.
طالب العلماء رئيس الجمهورية بإيقاف نزيف الدم اليمني وإزهاق الأرواح المعصومة في أماكن الصراع المسلح في صعدة وحجة وبعض مناطق محافظة صنعاء وعمران، وسرعة معالجة الأوضاع الملتهبة في محافظة أبين. هذا الطلب ياخذ شكلين مختلفين ويقسم المناطق المحددة فيه الى قسمين, فالشكل الاول يطلب ايقاف نزيف الدم اليمني في مناطق الصراع المسلح ويحددها بصعدة وحجة وبعض مناطق صنعاء وعمران والشكل الثاني يطالب بسرعة معالجة الاوضاع الملتهبة في محافظة ابين. يلاحظ في هذا الطلب ان علماء اليمن اخرجوا محافظة ابين من مطلب ايقاف نزيف الدم اليمني المحدد للمناطق الشمالية الزيدية, وجعلوا ما يحدث في محافظة ابين مجرد وضع ملتهب ليس له علاقة بالدم اليمني, وبحاجة فقط الى معالجة سريعة لم يهملها العلماء بل ضمنوها مطلبهم التالي بتشكيل لجنة مشتركة منهم ومن السياسيين وشيوخ القبائل للتواصل مع جميع الأطراف, وكانه خلاف سياسي بين طرفين.
طالب العلماء برفض أي تدخل أجنبي ينتهك سيادة البلاد ويثير الفتن, وحصر أي دور أو مبادرة اجنبية في إطار إصلاح ذات البين وحقن الدماء واستكمال الانتقال السلمي للسلطة. في هذا المطلب يناقض العلماء مبادئهم برفضهم للتدخل الاجنبي, وتشريعه في مهام يعتبرونها هم بانها من مهامهم الربانية.
طالب العلماء بالحفاظ على الوحدة اليمنية باعتبارها فريضة شرعية، ورفض أي تفريط أو انتقاص منها تحت أي مبرر أو مسمى كان من فيدرالية وغيرها من مظاهر الانقسام وخطواته. في هذا المطلب بدأ العلماء بكشف اوراقهم وايضاحها دون وجل, مستخدمين الدين لتحقيق اهدافهم السياسية التي تنسف كل العملية السياسية الجارية في البلاد. فقد اعاد العلماء اعتبار الوحدة اليمنية فريضة شرعية لا يجوز مخالفتها, بل ورفض الحلول المطروحة لتصحيح مسارها. هذا يعني عدم جدوى الحوار الوطني الذي دعى العلماء في مطلب لاحق لهم بفتحه تحت سقف الشريعة الإسلامية والدولة الموحدة, معيدين الوضع الى ما كان عليه قبل العام 2011م, معتبرين القضية الجنوبية مجرد مطالب حقوقية فردية يتم حلها عبر تضمينها مطلب العلماء برد الحقوق إلى أهلها ورفع المظالم عن كل أبناء الشعب اليمني وتشكيل لجنة خاصة ومستعجلة للبت في ذلك.
طالب العلماء بتشكيل لجنة من أهل الكفاءة والأمانة من القضاء والنيابة العامة للنزول إلى كل السجون وإطلاق سراح المظلومين من المعتقلين وإحالة من ثبت ضده أي إدانة إلى القضاء الشرعي للفصل في قضيته وسرعة البت فيها. في هذا المطلب يكشف العلماء جهلهم بالشرع والقانون نتيجة اشتغالهم بالسياسة. ففي حين يقر العلماء بوجود مظلومين في السجون يعتبره الشرع والقانون جريمة بحق اولئك المظلومين قد تكون تسببت لهم بمآسي, لكننا لم نرى لاولئك العلماء يوما فعل يصون شرع الله في اولئك المظلومين ويحاسب من تسبب بظلمهم. اضافة الى ذلك فان طلب العلماء تجاه اولئك المظلومين يطغى عليه التشويش والتردد والتناقض, حيث طالب العلماء بلجنة من القضاء والنيابة وهي الجهة التي تتحمل مسؤولية بقاء اولئك المظلومين في السجون دون محاكمة, لكن الطلب يحدد تشكيل اللجنة بان يكون من اهل الكفاءة والامانة في جهازي القضاء والنيابة العامة في اشارة واضحة لوجود اخرين في تلك الاجهزة لا يتمتعوا بصفات الامانة والكفاءة وهو ما يوجب على اولئك العلماء كشفهم المطالبة بمحاسبتهم. من جانب اخر طالب العلماء باحالة من ثبت ضده أي ادانة الى القضاء الشرعي للفصل في قضيته, وهو ما يثبت جهل اولئك العلماء. ان الادانة قرار قضائي والاثبات اجراء قانوني, فكيف يمكن اثبات إدانة شخص ما دون ان يحكم عليه القضاء؟ واذا فرضنا جدلا وجود ادانة لبعض المساجين, فكيف يمكن احالتهم الى القضاء للفصل في قضيته؟
اخيرا ومن خلال ما تم ايراده بعاليه, فاننا نرى بان تصرف علماء اليمن في هذا التوقيت يهدف الى الاتي:
1- محاولة ايجاد شرعية رسمية لهم ومصدر رزق اضافي يقتاتون منه.
2- محاولة ايجاد موطئ قدم مؤثر لهم في العملية السياسية الجارية في البلد, بالمسارعة الى طرح موقفهم ومطالبهم السياسية.
3- اعادت اعلان موقفهم القديم من الجنوب وابنائه, بتمييزهم عن ابناء المناطق الزيدية في حرمة دمائهم ورفض مطالبهم.
4- محاولة اظهار اهتمام زائف بقضايا الناس يكسبهم بعض التعاطف ويروج لاطروحاتهم السياسية ومصالحهم الشخصية.
5- محاولة ايجاد توافق بين رفض وقبول التدخل الاجنبي, يجعل منهم مقبولين شعبيا وغربيا وفق احدث الموديلات المناسبة للمرحلة الحالية.
د. محمد البنا