رؤية شخصية لواقع الجامعات الحكومية اليمنية
العملية التعليمية الجامعية, عملية علمية مترابطة ومنظمة, تتداخل بشكل معقد مع عمليات اخرى في المجتمع والدولة. ان الجامعات تتشكل من كادر اكاديمي ومنهج تعليمي وتطبيقات بحثية, فالكادر العلمي يتم اختياره وفق مخرجات ومتطلبات محددة بعناية فائقة لا يجب اغفالها او التساهل فيها مطلقا, والمنهج التعليمي يتم وضعه من قبل اختصاصيين عالي الكفاءة ومراجعته وتحديثه وتطويره دوريا وفق اعلى المعايير العلمية العالمية, كذلك الاعمال البحثية تشكل رافعة مهمة في العملية التعليمية الجامعية واي قصور فيها يخل بكامل العملية التعليمية.
تتداخل العملية التعليمية الجامعية مع مخرجات التعليم الاساسي بشكل مباشر, فاذا كانت مخرجات التعليم الاساسي منخفضة المستوى فان تاثيرها على مخرجات التعليم الجامعي سيكون جليا وواضحا في اداء الكادر التعليمي ومستوى المنهج العلمي وتطبيقاته. كما يتداخل مع واقع المجتمع والدولة من حيث استقلاليته او تبعيته لتدخل السلطات والسياسيين, اضافة الى وجود او انعدام التعاون المتبادل مع مؤسسات القطاع الحكومي والخاص لتنفيذ السياسة البحثية الجامعية سواء في مجال تقديم الدراسات والبحوث والحلول للمشاكل التي تواجه المجتمع والمؤسسات او في مجال التطبيقات البحثية للطلاب والباحثين العلميين.
اذا انتقلنا الى الواقع الفعلي لجامعاتنا اليمنية فاننا سنجد بان اختيار الكادر الاكاديمي فيها يتم بطرق عشوائية تتخللها تدخلات السياسيين والوجاهات والوساطات اضافة الى قصور جوهري في القوانين واللوائح المنظمة للعمل الاكاديمي, بل وتجاوز الجوانب الايجابية في تلك القوانين واللوائح, مما يسمح بتسلل كادر غير جاهز للعمل العلمي الجامعي من حيث افتقاره للاهتمامات البحثية وتطوير المعلومات والمدارك الفكرية والنظرية والعملية, يرافقه اهمال الجامعة في تحسين اوجه القصور من خلال الدورات التدريبية والتاهيلية في مراكز متخصصة والمشاركات التبادلية للخبرات وغيرها. ومع ذلك فاننا نرى هبوط حاد في مخرجات التعليم الاساسي مؤخرا تضطر معها الجامعة الى النزول في اجراءات قبولها الى وضع يتكيف مع تلك المخرجات ليتم الاختيار نظريا لافضل تلك المخرجات دون ان تكون فعليا متوافقة مع شروط القبول, مضافا اليه اختلاف شروط نظام القبول غير المجاني واخلاله بالعملية التعليمية. ان اختلال شروط القبول يؤدي بالنتيجة الى ازدياد اعداد الطلاب الجامعيين غير المهيئين اصلا للدراسة الجامعية, والذي بدوره يضغط تدريجيا على الكادر الاكاديمي المؤهل جيدا الى النزول بمستوى تقديمه للمادة الدراسية الى مستويات تساير ما هو متوفر وتستمر في الهبوط الى ادنى المستويات. من جانب اخر فان انعدام المعامل البحثية والاعمال البحثية والمشاركات العلمية وتبادل الخبرات وتقديم الاستشارات العلمية وعقد المؤتمرات العلمية الحقيقية والتاهيل المستمر وتوقف تطوير المناهج, ادى الى تراجع العملية التعليمية باستمرار الى الخلف.
لقد اصبحت العملية التعليمية الجامعية في وضع لا تحسد عليه, عملت على تحطيم الخبرات المتميزة علميا وصعود المنافقين والمطبلين المفتقدين للامكانات العلمية والعملية الى مواقع ادارية تعفيها من العمل الاكاديمي في الكليات والمراكز العلمية او في احسن الاحوال انقاصه الى ادنى حد. انتقل تاثير القصور السلبي والتدميري في الجامعات نحو الطالب الجامعي الذي يتم استنزافه ماديا وحرمانه من اغلب حقوقه تصل الى كبت رايه ومنعه من النقاش او طرح الهموم والافكار, ليتم تمزيق الجسد الطلابي سياسيا بمغريات غير شريفة والتلاعب به على حساب حقوقه ودراسته التي تكفلها القوانين واللوائح الجامعية.
كمثال للحقوق التي تكفلها القوانين واللوائح النافذة نجد بان النظام الموحد لشؤون الطلاب في الجامعات الحكومية يقسم الدرجات المحصلة للفصل الدراسي الى جزئين اساسيين هما الاعمال الفصلية والامتحان الفصلي بنسبة متساوية, حيث تعتبر معايير الحضور والاختبارات النظرية والمعملية والبحوث التي تتم خلال الفصل اساس درجة الاعمال الفصلية للطالب وتشكل اهم عنصر في العملية التعليمية يحرم من يحصل فيها على تقدير ضعيف من دخول الامتحان يصل حد اعادة استنهاج المادة مرة اخرى. لذلك تامر لائحة شؤون الطلاب اساتذة المقررات الدراسية باعلان نتائج اعمال الفصل ودرجات الجزء العملي قبل بداية الامتحانات النهائية باسبوعين على الاقل دون أي حق في تعديلها بعد تسليمها. عمليا نجد مخالفة الكليات للوائح وترك الامر لاساتذة المقررات الدراسية للتلاعب بالعلامات الفصلية بطريقة تقلب موازين التقييم العلمي لمستوى الطالب بحيث يصبح الطالب غير المتواجد طوال الفصل الدراسي اعلى مستوى من الطالب الملتزم.
ان الباب الخامس لقرار رئيس الوزراء بشان لائحة شؤون الطلاب في الجامعات الحكومية ينص في المادة (71) بان "يعد حصول الطلاب على العلم والمعرفة اول واهم حق من حقوقهم ويرافق ذلك مجموعة من الحقوق تميز شخصية الطالب الجامعي عن غيرة، ومن هذه الحقوق:-
1) إبداء الرأي والمشاركة الفعالة فيما تقوم بة الجامعة من برامج علمية وخطط دراسية وتقييم الاداء وفق المعايير العلمية والاكاديمية والادارية.
2) الرعاية الصحية الاولية والرعاية الاجتماعية داخل الحرم الجامعي لمساعدتة في حل مشكلاته التي تعيقه عن التحصيل العلمي عن طريق المرشدين والباحثين الاجتماعيين بالجامعة وله الحق لأجل ذلك في الحصول على المساعدة المادية وفق اللوائح المنظمة لها.
3) استفسار مدرسية داخل الحرم الجامعي ومناقشتهم المناقشة العلمية اللائقة وطلب المزيد من توضيح مالم يدركه من العلوم والمعارف ولارقابة علية او عقوبة في ذلك مالم يخل بالقوانين واللوائح النافذة والآداب العامة.
4) المطالبة بحقوقه داخل الحرم الجامعي متمسكا بالنصوص واللوائح النافذة في الجامعة وجميع الطلبة متساوون في الحقوق والواجبات بالجامعة.
وفي جانب النشاطات الطلابية تكفل الجامعة في المادة (87) لطلابها حق ممارسة انشطتهم الطلابية وتكوين كياناتهم النقابية وتكوين الجمعيات العلمية وتدعم الجامعة الأنشطة الطلابية ماديا ومعنويا وترصد الجامعة لذلك مبالغ دعم مالية ضمن ميزانية الانشطة الطلابية, وتساهم في نفقات الجمعيات العلمية وتشجع الاهتمامات والميول الثقافية والفنية والادبية والبيئية والاجتماعية.
فهل تسارع الجهات المعنية لانقاذ العملية الجامعية من الانهيار الكامل وايقاف التدهور السريع, عبر اعادت النظر في كل وثائق ومناهج الجامعات دون اهمال التعليم الاساسي, ووضع الضوابط الصحيحة والالتزام بها؟
د. محمد البنا