السياسة ليست عاطفة بل ممارسات معقدة وقلنا سابقا ان توقيع المشترك للمبادرة كشف مخطط صالح وورطه ووضعه في الزاوية لا يستطيع التراجع ولا التقدم, وسبب له تلك المواجهة مع المجتمع الدولي في سفارة الامارات, وقدم المشترك على انه قادر على التعاطي مع المتغيرات وقبول المجتمع الدولي له. لكن ما يؤخذ عليها هو ما بعد التوقيع في التعديلات والاشتراطات دون محاولة الحصول على مكاسب تخفف عنها بعض الضغط وتجاهل الساحات التي كان يمكن ان تسندها في مواجهة الضغوطات دون ان تتنحا جانبا, غير ان النقد اللاذع ليس بالضرورة ان يكون هجوما. فالنقد اللاذع يلفت انتباه المعارضة الى هفواتها ويشعرها بما يدور حولها ويقيد حركتها عن الانزلاق, كما ان رفض الشباب لقانون الحصانة وتوبيخ المشترك عنه ليس هجوما على المعارضة بل اظهارا لها امام العالم بانها تتحمل هجوم الساحات من اجل الحفاظ على البلد وتفضح تمسك المؤتمر بالحصانة.
ان دماء الشهداء لا يمكن التنازل عنها مطلقا لكن لو نظرنا للامور بواقعية سنكتشف عكس ما نريد على سبيل المثال في جمعة الكرامة تم القبض على بعض القتلة من منزل محافظ المحويت وغيره, فاذا ذهبنا بهم الى القضاء العادل فماذا تتوقعون؟ هل القبض على اشخاص يثبت قيامهم بالقتل؟ هل يوجد دليل واحد على قيامهم بذلك؟ انتبهوا في القضاء يجب ان تقول بان فلان قتل فلان وتبرز الدليل على قولك, فهل يعلم احدا من من المتهمين قام بقتل اي من الضحايا؟ وحتى لو وجد دليل على قيامهم باطلاق النار, فهل هناك دليل بان تلك الطلقات اصابة اي من الضحايا وتسببت في استشهاده؟ الامور معقدة لهذا يتم الحديث عن العدالة الانتقالية التي ولو لم يستطع المجني عليه اثبات التهمة على الجاني وبدلا من قيدها ضد مجهول ستكون الدولة هي من يتحمل جبر الضرر وتعويض الضحايا ماديا وتخليد ذكراهم, اضافة الى اقناع الجناة المحتملين بالاعتذار او المصارحة مقابل المصالحة.
ان المهم الان ان تستطيع المعارضة مواجهة محاولات تفكيك الساحات ومحاولات افشالها في الحكومة لان المؤتمر يروج لهذه المقولات لكي يمنع انصار المعارضة عن نقدها ومساعدتها على معرفة الواقع خوفا من استخدامه ضدها, ويشجع اخرين على استخدام هذه المقولات لخلق الشقاق بينها وبين الشباب في الساحات وكذا شق وحدة الشباب انفسهم, كما نلاحظ اصرار قيادات المؤتمر على احضار وزراء المشترك لقراءة قانون الحصانة في ضل وجود وزير لشؤون البرلمان وليس من وظيفته قراءة القوانين. الاخطر هو ما تقوم به قيادات من المشترك من تفسيرات غير مقنعة او غير منطقية او استفزازية مثل فتوى المفسدة الصغرى والكبرى. كذلك الامر عند القول بان المشترك هو من اسقط صالح وشرعيته وان الشباب عجزوا عن ذلك لان من اسقط شرعية صالح هم الشباب الذين فرضوا انفسهم في الساحات وصمدوا امام موجة القمع الوحشية فاسقطوا بذلك شرعية صالح ونظامه ودفعوه الى التهور والسقوط في حين عجزة المعارضة لسنوات عن فعل ذلك. ليس هذا فحسب بل ان شباب اليمن علموا الاخرين ان ثورة اليمن هي الثورة الحقيقية التي ابتدات باسقاط النظام ومن ثم اسقاط اشخاصه واظهرت زيف ادعاءات صالح بان شعب اليمن متخلف وهمجي.
ان ترك نصف الدولة بيد المؤتمر لمدة سنتين لا يشكل تهديدا اذا خرجت العائلة الحاكمة لان اعضاء المؤتمر الشرفاء سيكونون في صف الشعب لانهم جزء منه ولا يمكنهم تحمل تبعات جرائم غيرهم. بهذه الطريقة تكون النظرة للمستقبل بعدم استعداء انصار المؤتمر او غيرهم بل كسبهم بالافعال لا بالاقوال, وعدم تحميلهم اخطاء نظام صالح حتى وان كانوا من مؤيديه طالما لم يقتلوا نفسا او ياكلوا حقوق الناس بالباطل.