لم يتوقف كهل من محافظة تعز وهو يشهد مجزرة جمعة «لا حصانة للقتلة» عن البكاء وإرساء سيل من الدعوات بهلاك الرئيس صالح وأركان نظامه، ولم تبرح دموع إحدى السيدات عن الانقطاع، وهي تبكي فقدان أختها الممتدة على الأرض في وجه محتجب عن الحركة.
هما مثالان بسيطان عن ألم أصاب تعز حيث في جمعة «لا حصانة للقتلة» لم يتحصن أحد عن القتل فيها.
أو في مشهد آخر مستعر، أثناء ما كانت تترنح إحدى النسوة طاردة من لهيب القذيفة وزجرها، لتسقط أرضاً، وتعاود كرّة الوقوف بعيداً عن طاقة الاستسلام، وهو ما يراود أهل تعز.
تختصر المدينة شجب قاسي لواقع لم يغيب عنها مشهد الدماء، وفي منظر يومي لأشلاء أبناء المدينة التي لم تتوقف عن ملامسة أرضها، شباب تعز الذين امتلاء امتداد شوارعها بأعضائهم الممزقة، وصراخهم الصادح بإعلاء سلمية الثورة أمام آلة القتل التي ترتكبها القوات الموالية لصالح بحق ثوّار المدينة وسكانها.
وبصرف التركيز في أهداف القصف، تحصد آلات قتل النظام النساء والأطفال والبنين والبنات، ومستويات مختلفة من أعمار البشر في المحافظة.
ويكتسي اللون الأحمر وسواد دخان القذائف، ومحيط من الخوف مشهد المدينة اليومي، هكذا دون توقف يذكر.
قبل أن تسقط تفاحة العنتري شهيدة في أرض ساحة الحرية عقب القصف، أفردت المرأة شجاعة متقدة تماماً، قالت في مقطع فيديو مسجل لها «لن نتنازل عن دماء الشهداء» ولم تعلم بأن دماءها ستختلط بدماء الشهداء الذين سبقوها وأن عهد الانتقام للشهداء سيحيطها هو أيضاً.
سقطت تفاحة شهيدة دون أن تشهد حصاد الثورة التي شاركت فيها دون انقطاع.
وتعرضت ساحة الحرية إلى قصف أثناء تأدية الثوّار لصلاة الجمعة ما أسفر عن سقوط 16 شهيداً بينهم 3 نساء و3 أطفال، إضافة إلى نحو خمسين جريحاً.
تهرع أجساد أبناء مدينة تعز النحيلة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من ثورة أتخمتها مبادرات الإقليم ومغالطات الداخل.
في روايات الناطقين باسم النظام وإعلامهم الرسمي وتبريرهم المتكرر عقب كل مجزرة، بدت تناقضية التصريح واضحة كما كل مرة.
يقول مدير أمن التابع للنظام في محافظة تعز عبد الله قيران وهو المطلوب الأول في المحافظة بحسب شباب الثورة قال بأن الموضوع كان محض فبركة لا أكثر، وأنه قد تم الإعداد لها سلفاً !!
فيما أسند عبده الجندي نائب وزير الإعلام اتهاماً لشخص اسماه «نبيل الأديمي» بقصف الساحة، هكذا يبقى التناقض سلسلة متواصلة من النطق والتسويغ والبحث عن مخارج تبعد القتلة عن وضعهم المحسوب وهم يرتكبون جرائم بالجملة.
على امتداد الفترة الزمنية للثورة، تجذر حقد ما تبقى من معاوني نظام صالح على مدينة تعز، حيث تقتصر مهمة الحرس الجمهوري وجمع من المرتزقة هناك على رفع أعداد القتلى والمصابين.
أو في استهداف النساء المتزايد، وهو ما يربط الحقد المخبوء عليهن وهن اللاتي أنجبن أجيالاً تمقت أي ممارسة لا تعني بالصواب صلة.
وقتلت القوات الموالية للنظام في شهر أكتوبر المنصرم عزيزة عبده عثمان، لتسجل كأول شهيدة في ثورة اليمنيين المندلعة منذ منتصف يناير الماضي.
وكانت الشهيدة عزيزة قد لقيت مصرعها وهي ضمن مظاهرة نسائية خرجت تطالب بإسقاط النظام انطلقت من ساحة الحرية.
لم تعد مدينة تعز تحتمل من العويل الطويل والتباكي على شهدائها وعلى جراحاتها اليومية، لكن ومع دفعة العنف المخيفة يواصل أبناء المدينة تثبيط الحرب المعلنة عليهم بمواصلة السلوك السلمي كمحاولة للتصدي وإبعاد الأيادي السوداء عن المدينة.
يقول شوقي سعيد وهو أحد الثوّار في ساحة الحرية بالمحافظة: «لقد استعمل النظام ما هو أشرس من مواجهة شباب عزل في استخدامه للعنف والقمع».
وأضاف: «لن ننكسر، سنواصل مسيرة الكفاح».
وذات الجمعة الدامي سقطت أكثر من 15 قذيفة على مستشفى الروضة، قامت على إثرها إدارة المستشفى بنقل عشرات الجرحى إلى مستشفيات أخرى.