المخرج الذي وهب حياته لمحبيه
بعد أكثر من عام على رحيله يظل محمد سعيد خالدا في أعماله
"الرجال المترددون دائما هم في الحقيقة عاجزون عن الإبداع" تلك العبارة التي قالها يوما ما محمد سعيد الذي مضى على غيابه أكثر من عام تختصر بحد ذاتها حياة المخرج الذي يبقى من كبار المخرجين الشباب في إذاعة صنعاء وأكثرهم حصداً للجوائز خلال فترة قياسية.
فهذا الشاب الذي توفى في سبتمبر 2007 عن عمرا لا يتجاوز 33 عاما ترك أداء خالدا لا يزال يشد أذهان وقلوب العديد من محبيه ومعجبيه المستمعين وذلك لجودة إخراجه للبرامج الإذاعية بمهارة تتخطى المكان والزمان ما جعله يحصد جائزتين إحداها بعد وفاته بثلاثة أشهر.
ولد محمد سعيد اسماعيل عام 1974 في قرية الأشروح ـ عزلة الشراجة ـ جبل حبشي بمحافظة تعز و تلقى تعليمه الابتدائي في مدرسة التصحيح الأساسية ونظرا لعدم وجود تعليم إعدادي فيها آنذاك انتقل إلى مدرسة طارق بن زياد ثم أكمل تعليمه الثانوي في محافظة تعز.
بعد بلوغه العشرين التحق بكلية الإعلام على أمل تحقيق الوعد الذي قطعة على نفسه أثناء طفولته عندما كان مستمعا منتظما لإذاعة ألبي بي سي البريطانية "بان يكون يوما ما واحد من رجال الإعلام".
ووفاءً لهذا العهد قرر الالتحاق في السنة الثالثة من دراسته بكلية الإعلام في قسم الإذاعة والتلفزيون تكللت بحصوله على شهادة البكالوريوس بتقدير عام جيد.
بعدها حصل مباشرة على وظيفة مخرج في إذاعة صنعاء وهي الفترة التي ساهمت إلى حد كبير في صقل موهبته و تفجير طاقاته الإبداعية.
سنحت له الفرصة في النجاح عندما أكتشف زملائه أدائه الجيد ففضلوه مخرجا لبرامجهم عمن سواه ،وعندما تقدم إلى مهرجان القاهرة للإذاعة والتلفزيون بأحد تلك البرامج كان يقول دائما انه متأكد من الفوز بإحدى تلك الجوائز.
في المجال الإنساني كان محمد يعمل بصمت دون إثارة أي ضجيج من حوله حتى انه كان يقوم بحل العديد من الخلافات التي تنشب بين أبناء المنطقة في صنعاء خصوصا العمال من دون أن يعلم احد.
كان كثير التعصب للحق بل ونصيرا له حدا قد يوصله إلى القطيعة مع خصومة، وفي غرفته المتواضعة في العاصمة صنعاء كان الراحل يتبنى مواقف عظيمة حول قضايا المنطقة سرعان ما تتشكل كرأي عام خلال ساعات بين أوساط الشباب.
وما كان يطغى على شخصيته الراحل هو جودة أداءه لصناعة النكتة بمختلف أنواعها وعند رحيله ترك أثرا عميقا وفراغا لدى محبيه ومعجبيه وأصدقائه يصعب ملئه.
في سبتمبر 2007 ودع الوسط الإعلامي واحد من أفضل المخرجين الشباب بعد إصابته بفيروس الكبد ولم يتمكن من مقاومة المرض سوى شهر واحد إلى أن قضى عليه حيث وري الثرى في مسقط رأسه.
وبعد كل هذه الأعمال الحافلة بالإبداع يبقي محمد الأخ والصديق حيا في أذهان محبيه .. مخرجا وهب نفسه بشغف مطلق للعمل الإذاعي الذي تمنى ممارسته منذ طفولته كما قال
في احد اللقاءات الصحفية وكأن حياته برمتها تتوقف على أدائه إمام جمهوره، فعاش عمله بكل أحاسيسه وتعبيره.