تتعاظم الضغوط الدولية والإقليمية على الرئيس صالح من ساعة لأخرى، وبات مؤكدا إن نظام الرئيس اليمني شرع في الدخول إلى مرحلة «العتمة».
الجديد في مواقف الدول الكبرى هذه المرة، إن الضغط بات يستهدف الأولاد أيضا، أولاد الرئيس صالح الممسكين بزمام الجيش والأمن. ففي أحدث موقف للاتحاد الأوروبي، استخدمت الممثلة العليا للسياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي لهجة جديدة أكثر حزما تجاه الرئيس صالح وأبناؤه قائلة :«يجب أن يتوقف صالح وعائلته عن إبقاء مستقبل البلاد رهينة في أيديهم». ووصفت كاثرين آشتون وعود الرئيس صالح بشأن نقل السلطة بـ«الفارغة».
أما وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون فقالت :«إن اليمن اليوم بحاجة إلى زعيم جديد». وأضافت عبارة تنطوي على تحذير وقلق :«إن صالح كما هو واضح ليس مستعد للرحيل والمتظاهرين أيضا ليسو مستعدين للرحيل وتنظيم القاعدة يحاول الاستفادة من ذلك».
وسخر السفير الأمريكي بصنعاء من الكلام الرائج والمتكهن بشأن علاقة واشنطن بـ«أبناء الرئيس» واشتراطاتها غير المعلنة على المعارضة - كما يقولون-ـ ببقاء الأبناء في مواقعهم ، وقال السفير الأمريكي جيرالد فيرستاين ساخرا :«هناك كثير من الناس يتنبأون بحدوث كثير من الأمور ويفترضون أنهم يعلمون كثيرا عن السياسة الأمريكية التي وببساطة لا توجد على أرض الواقع». وأضاف بأن تلك الاعتقادات غالبا ما تكون مبنية على «إشاعات». وأكد السفير الأمريكي في مقابلة مع المصدر أونلاين نشرت هذا الأسبوع بأن علاقة واشنطن وتنسيقاتها الأمنية ليست مع أشخاص «إنما علاقاتنا هي مع مؤسسات الحكومة اليمنية بما فيها العسكرية والأمنية ورغباتنا هي في دعم هذه المؤسسات في المستقبل وليس لهذا الدعم أية علاقة بالشخصيات». وردا على سؤال المصدر أونلاين بشأن غضب العميد يحيى رئيس أركان الأمن المركزي على اثر توقف الدعم الأمريكي المخصص لتدريب «وحدات مكافحة الإرهاب»، قال السفير :«إذا كان يحيى غاضبا فليس بمقدوري فعل شيء له حيال ذلك».
تراهن دبلوماسية الرئيس صالح على توقعات مفرطة في التفاؤل لما يمكن أن يكون عليه الموقفين الروسي والصيني داخل مجلس الأمن الدولي، لكن لا يتوقع كثير من المراقبين أن يرقى الموقف الروسي والصيني تجاه اليمن إلى المستوى ذاته الذي كان تجاه سوريا، خصوصا وإن موسكو وبكين تدعمان المبادرة الخليجية من أول لحظة، وصرح نائب وزير الخارجية الروسي اليوم قائلا: «إن موسكو لا تعارض مناقشة ملف اليمن في مجلس الأمن». مشيدا بتصرف المجتمع الدولي حيال الأزمة اليمنية ، قائلا :«إن المجتمع الدولي يتصرف حيال اليمن بشكل برغماتي وبناء».
التبدل الجديد في المواقف الدولية تجاه المسألة اليمنية هذا الأسبوع، هو أن دول الإقليم بدأت هي الأخرى تتحدث إلى الرئيس صالح بصراحة. فقد دعا وزير الخارجية الكويتي الرئيس علي عبدالله صالح إلى التنحي عن الحكم, قائلا :«مبادرتنا واضحة وعليه أن أن يتنحى». كما تمسكت أبو ظبي بذات الموقف تجاه إجراء أية تعديلات على المبادرة وآلياتها التنفيذية، وأبدت الإمارات العربية المتحدة، استعدادها تقديم دعم كبير لليمن في المرحلة الانتقالية. ولم يتأـكد بعد صحة الأخبار المتداولة بشأن اعتذار الرياض عن استقبال وزير الخارجية أبو بكر القربي، الذي كان مقررا له أن يزور الرياض بعد فشل مهمته إلى الإمارات.
لكن وكالة الأنباء اليمنية سبأ قالت أمس إن الرئيس صالح أجرى مكالمة هاتفية مع العاهل السعودي ولم يفصح الخبر عن أية تفاصيل لمضمون المكالمة، لكن التفسير الغالب يذهب إلى أن صالح هاتف الملك عبدالله بنفسه بعد اعتذار الرياض استقبال وزير خارجيته.
يبذل أبو بكر القربي جهودا حثيثة هذه الأيام لتلافي أية قرارات قد يخرج بها مجلس الأمن قد تضر بنظام صالح، وهو يلتقي هذه الأيام بشكل مكثف بسفراء العالم وبصورة غير طبيعية.
تتأكد هذه الحقيقة، حقيقة دخول صالح في «العتمة» وان بات على حافة الإفلاس في علاقاته الدولية من خلال تصريحات الرئاسة اليمنية الناقدة لمواقف وبيانات وسفراء عدد من الدول الكبرى.. فقد انتقدت الرئاسة اليمنية تصريحات السفير الأمريكي بشكل غير مباشر، تصريحاته التي تضمنتها مقابلة صحيفة المصدر معه في عددها هذا الأسبوع.. كما انتقدت الحكومة اليمنية حفلة التكريم للحائزة على جائزة نوبل توكل كرمان التي رتبتها سفارات الاتحاد الأوروبي مطلع هذا الأسبوع بصنعاء.
واليوم انتقد بيان صادر عن المؤتمر الشعبي العام أمين عام جامعة الدول العربية للقائه عددا من القيادات اليمنية المعارضة في الخارج.
وكان الناطق الرسمي باسم الحكومة عبده الجندي، قد هاجم في الأسابيع الأخيرة الماضية، موقف الإدارة الأمريكية، بعد مقتل العولقي، التي ثمنت لنظام صالح تعاونه في مكافحة الإرهاب، لكن «لا يعني ذلك عدم التوقيع على المبادرة الخليجية». وقال الناطق باسم البيت الأبيض :«صحيح أن هناك تعاون بين صنعاء وواشنطن أفضت إلى مقتل العولقي لكن لا يعني أن موقف البيت بشأن نقل السلطة سيتغير بعد مقتل العولقي». وقد ردت الحكومة اليمنية على لسان الناطق الرسمي باسمها عبده الجندي، في تعبير استيائي شديد من البيت الأبيض قائلة :«أن الأمريكان لا يحترمون من يتعاون معهم».
وعلى إثر تصريح البيت الأبيض ذاك، خفضت الرئاسة اليمنية البرامج الإحتفائية بمقتل العولقي أحد ابرز قيادات القاعدة في الجزيرة وأخطرهم على مستوى العالم. لكن واشنطن لم تأبه، إذ أكد الناطق ذاته باسم البيت الأبيض، إن واشنطن تأمل أن لا يستغل ويوظف صالح حادثة مقتل العولقي، ضد خصومه، وان لا يستمر في ممارسة «قتل شعبه».
يتابع المجتمع الدولي عن كثب الوضع في اليمن، وجاءت فكرة إسداء نوبل لليمن تأكيدا على اهتمام العالم بما يحصل في هذا البلد.. وإذ تضيق الدائرة شيئا فشيئا على نظام الرئيس صالح، تضيق أيضا الدائرة عليه داخليا، حيث تشهد الساحات اليمنية هذا الأسبوع تصعيدا ثوريا شبه يومي، وأخذت أرواح الثوار تخفق بالأمل.
وتحظى فكرة التوقيع على المبادرة الخليجية بتأييد كبير داخل حزب المؤتمر الشعبي العالم. وزادت الإلحاحات القوية عند المؤتمريين، بشأن التوقيع بعد أن اتجه ملف اليمن إلى مجلس الأمن الخوف من أية قرارات قوية قد يتخذها مجلس الأمن.
وتفاديا لأية احتمالات قد تأتي بها الأيام القليلة من طرف المجتمع الدولي تعقد اللجنة العامة للمؤتمر الحاكم اجتماعات استثنائية برئاسة الأمين العام ، نائب الرئيس.
واللافت أن الرئيس صالح، ومنذ عودته المباغتة ، من الرياض قبيل عيد 26 سبتمبر لم يلتق حتى اللحظة بأية مسئول رسمي لأي دولة، في وقت يستقبل عبدربه منصور هادي يوميا سفراء دول العالم، وبشكل شبه يومي يستقبلهم مكتب اللواء علي محسن صالح وقيادات المعارضة، وهو أمر بات حديث الشارع يراقب حركة الأزمة عن كثب.