أهلا وسهلاً بك زائرنا الكريم
نرحب بك ونتمنى ان تتكرم بالتسحيل
او اذا كنت عضو فعليك بتسجيل دخولك
مع تحيات
منتديات جبل حبشي


منتديات من لا منتديات له
أهلا وسهلاً بك زائرنا الكريم
نرحب بك ونتمنى ان تتكرم بالتسحيل
او اذا كنت عضو فعليك بتسجيل دخولك
مع تحيات
منتديات جبل حبشي


منتديات من لا منتديات له
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 (سلسلة معرفة الله )معنى (لا إله إلا الله)

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابراهيم الحمادي

(سلسلة معرفة الله   )معنى (لا إله إلا الله) User10
avatar


ذكر عدد الرسائل : 31
العمر : 38
الدولة : اليمن
تاريخ التسجيل : 22/08/2011

(سلسلة معرفة الله   )معنى (لا إله إلا الله) Empty
مُساهمةموضوع: (سلسلة معرفة الله )معنى (لا إله إلا الله)   (سلسلة معرفة الله   )معنى (لا إله إلا الله) Emptyالثلاثاء 23 أغسطس 2011 - 0:48


دروس من هدي القرآن الكريم



أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين. وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين.
إذا تأمل الإنسان في واقع الناس يجد أننا ضحية عقائد باطلة، وثقافة مغلوطة جاءتنا من خارج الثقلين: كتاب الله، وعترة رسوله (صلوات الله عليه وعلى آله)، هذا شيء. الشيء الآخر ـ وهو الأهم ـ أننا لم نثق بالله كما ينبغي، المسلمون يعيشون أزمة ثقة بالله .. لماذا؟ أليس في القرآن الكريم ما يمكن أن يعزز ثقتنا بالله سبحانه وتعالى؟ بلى. القرآن الكريم هو الذي قال الله عنه:{لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} (الحشر:21) قلة معرفة بالله، انعدام ثقة بالله، هي التي جعلت المسلمين يتصرفون بعيداً عن الله سبحانه وتعالى، فلم يهتدوا بهديه، لو وثقنا بالله كما ينبغي لانطلق الناس لا يخشون أحداً إلا الله، لو صدقنا كما ينبغي وعد الله سبحانه وتعالى للمؤمنين، وعد الله لأوليائه، وعد الله لمن يكونون أنصاراً لدينه ما وعدهم به من الخير، والفلاح والنجاح والسعادة والعزة والكرامة والقوة في الدنيا، وما وعدهم به في الآخرة من رضوان، من جنات عدن، لو صدقنا بذلك كما ينبغي لما رغبنا في أحد، ولما رهبنا من أحد، لكانت كل رغبتنا في الله، وفيما عنده، وفي رضاه، وكل رهبتنا من الله ومن وعيده وغضبه وعقابه.
الخطاب القرآني يتجدد دائما يقول للناس:{أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ}(الحديد: من الآية16) ألم يأن، يعني: ألم يحن الوقت للناس أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق، من القرآن الكريم{وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ}(الحديد: من الآية16) تخويف من أن يصير الناس إلى ما صار إليه بنوا إسرائيل، الذين طال عليهم الأمد يسمعون مواعظ، ويقرؤون كتبا، ولكن ببرودة لا يتفاعلون معها، وتتكرر المواعظ وتتكرر النبوات، وهكذا،{فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ} حتى فسق أكثرهم، وحتى استبدل الله بهم غيرهم، وحتى جردهم من كل ما كان قد منحهم إياه: النبوة، وراثة الكتاب، الملك، الحكمة.
نحن المسلمون نتعرض لمثل هذه الحالة فكتاب الله يتردد على مسامعنا كثيراً، والمواعظ تتردد على مسامعنا كثيراً، والعلماء بين أظهرنا يتحدثون معنا كثيراً، ولكن نتلقى الكلام نتلقى آيات القرآن ببرودة لا نتفاعل معها، أصبح تقريبا مجرد روتين استماع القرآن الكريم ، واستماع المواعظ، وحضور المناسبات، لكن دون أن نرجع إلى أنفسنا فنجعلها تتعامل مع كل ما تسمع بجدية، وتتفاعل معه بمصداقية، ولكنا نتعامل ببرودة مع كل ما نسمع، ولم ننطلق بجد وصدق لنطبق، لنلتزم، لنثق.
ستقسو قلوبنا ـ ونعوذ بالله من قسوة القلوب ـ متى ما قست القلوب يصبح هذا القرآن الكريم الذي لو أنزله الله على الجبال من الصخرات الصماء لتصدعت من خشية الله، لكن القلب متى ما قسي يصبح أقسى من الحجارة، فلا يؤثر فيه شيء، قال الله عن بني إسرائيل الذين حكى بأنهم طال عليهم الأمد فقست قلوبهم قال عنهم:{ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً}(البقرة: من الآية74)، من بعد ماذا؟ من بعد المواعظ، من بعد الآيات الباهرات التي لم يتفاعلوا معها، ولم يعتبروا بها، ولم يتذكروا بها فقست قلوبهم، هكذا طبع الله القلب، القلب إذا لم تحاول أن تجعله يلين مما يسمع، يلين لذكر الله، يوجل إذا سمع ذكر الله،يزداد إيمانا إذا تليت عليه آيات الله إذا لم تتعامل معه على هذا النحو فبطبيعته هو يقسو، يقسو.. ومتى ما قسي قلبك سيطرت عليك الغفلة والنسيان لله سبحانه وتعالى، إذا ما نسيت الله نسيت نفسك، ستأتي يوم القيامة فتكون منسيا عما كنت ترجوه من الخير، أو تأمله من الخير والنجاة، والفوز يوم القيامة{نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ}(التوبة: من الآية67) {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (الحشر:19) .
قلوبنا إذا لم نحاول أن نتعامل معها من منطلق الخوف ستصل إلى هذه الحالة السيئة فتصبح أقسى من الحجارة، فحينئذ لا ينفع فيك شيء، لا ينفع فيك كتاب الله، ولا ينفع فيك رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، ولا ينفع فيك أي عظة تمر بك في هذه الدنيا.
والمطلوب من القلوب هو أن تخشع لذكر الله، هو أن تلين، هو أن تصدِّق، أن تثق، أن تمتلئ بالخشية من الله، أن تمتلئ حبا لله، معرفة قوية بالله سبحانه وتعالى، متى ما صلح القلب صلح الإنسان بكله، وانطلق ليصلح الحياة بكلها، وانطلق بإيمان، بثقة، بإخلاص، بصدق، بتوجه حكيم في كل ما يريد الله سبحانه وتعالى منه.
من أين جاءت أزمة الثقة بالله حتى أصبحت وعوده تلك الوعود القاطعة المؤكدة وكأنها وعود من لا يملك شيئا؟! وكأنها وعود من لا علاقة لنا به، ولا علاقة له بنا.. كيف نعمل؟. نعود إلى معرفة الله سبحانه وتعالى.
نحن في الدرس السابق تحدثنا عن ما عرضه القرآن الكريم عن أولياء الله، كيف يكونون، كيف يكون أولياؤه بعد أن تعرفه ستثق به، فمعنى أنك أصبحت من أوليائه أنك جعلته وليا لأمرك، لكل أمورك، تهتدي به، تسترشد به، تثق به، تتوكل عليه تصدق بما وعدك به، تلتجئ إليه في كل المهمات .
وأهم مصدر لمعرفة الله سبحانه وتعالى هو القرآن الكريم، الذي يعطي معرفة واسعة، معرفة متكاملة، من غير القرآن الكريم لا يمكن أن نحصل على المعرفة بالشكل الذي ينبغي أن نكون عليها، حتى تكون معرفة تدفعنا إلى الثقة بالله أكثر فأكثر.
فالإنسان إذا تأمل القرآن الكريم، فعلاً يستحي، يستحي من الله أنه كيف لا نثق به، ونحن نسمع آياته، ونحن نقرؤها، ونحن نؤمن بأن هذا الكتاب الكريم هو من عنده .. فلماذا.. لماذا لا نثق؟ لماذا نبحث عن هذا الطرف أو هذا الطرف لنتولاه، ثم لا نتولى الله سبحانه وتعالى.
الآيات التي نحصل من خلالها على معرفة لله سبحانه وتعالى بالشكل المطلوب هي آيات كثيرة جداً، جداً في القرآن الكريم، تلك الآيات التي تتحدث عن ألوهية الله، وملكه، وعظمته، تلك الآيات التي تتحدث عن عظيم نعمه علينا، تلك الآيات التي تتحدث بأن له ملك السموات والأرض، التي تتحدث بأنه مالك السموات والأرض وما بينهما، وهو من يملك اليوم الآخر، وبيده مصيرنا، هو من يملك الجنة، هو من يملك النار، هو من يعلم الغيب والشهادة، هو العزيز، هو الحكيم، هو السميع، هو البصير، هو الرؤوف، هو الرحيم.
تلك الآيات التي تتحدث عنه سبحانه وتعالى بأنه جدير بأن يثق به عباده، وأن يخاف منه عباده، وأن يلتجئ إليه أولياؤه.
فمتى ما كان لله سبحانه وتعالى عظمة في نفوسنا، متى ما عرفنا من خلال هذه الآيات الكريمة ماذا يعني أنه ملكنا، وأننا عبيد له، ماذا يعني أنه ربنا، وأننا مربوبون له، ماذا يعني أنه رحيم، ماذا يعني أنه رحمن، ماذا يعني أنه جبار، أنه منتقم؟ ماذا يعني: أنه من يملك السموات والأرض وما بينهما؟ ماذا يعني أن له جنود السموات والأرض؟ ماذا يعني كل ما شرحه وفصله عن شئون ملكه وتدبيره لعباده ومخلوقاته؟ أن نعيها أن نفهمها، لنعرف كيف ينبغي أن يكون التعامل في ما بيننا وبينه سبحانه وتعالى، بحيث لا تبقى الأشياء مجرد أسماء. نحن نقرأ دائما{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (الفاتحة:1 ـ2) ألسنا نقول: رب العالمين؟ لكن لا نعرف ماذا يعني أنه رب العالمين، ما يترتب على هذا من الأشياء بالنسبة لنا!.
{الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (الفاتحة:3ـ5) هكذا نصفه بأنه رحمن رحيم، وأنه ملك يوم الدين، لكن مجرد عبارات نقرؤها، ونقفز من عليها لا نحاول أن نفهم ماذا تعني، أنه إذا كان هو رحمن إذاً فهو عندما ينزل القرآن الكريم ويهدينا بالقرآن الكريم فهو من منطلق أنه رحيم بنا، إذاً فكل ما في القرآن الكريم من توجيهات وإرشادات وهداية هي كلها رحمة بنا.
{مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} إذا كان هو من له الملك وحده في يوم القيامة فهو وحده من يجب أن نلتجئ إليه، ونرغب إليه، ونرغب فيه، ونخاف منه، لأنه يوم لا بد أن نحشر فيه إلى الله سبحانه وتعالى، فإذا لم يكن هناك أي ملك أي مشاركة لأي أطراف أخرى في ملك ذلك اليوم وليس الملك إلا لله الواحد القهار، إذاً هو وحده من يجب أن نخاف منه؛ لأن أعظم نعيم هناك في الآخرة بيده، وأشد عذاب أليم هناك في الآخرة بيده، فهو من يملك الجنة، ومن يملك النار، فهو وحده الذي يمكن أن يمنحنا الجنة، وهو وحده الذي يمكن أن يوصلك إلى قعر جهنم .
لمن الملك اليوم ؟؟ لله الواحد القهار.
{مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} نعبده ولا نعرف ماذا يعني أننا عبيد له! ماذا تعني عبوديتنا له! القرآن الكريم كرر هذا بشكل كبير جداً، تقرير عبوديتنا لله سبحانه وتعالى، وتقرير ملكه علينا، وألوهيته علينا بشكل كثير ورد في القرآن الكريم منها هذه الآية التي هي من أعظم الآيات في القرآن الكريم:{وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} (البقرة:163) .
أليس هو هنا يتحدث عن كماله سبحانه وتعالى بالشكل الذي يجعلنا نلتجئ إليه باعتباره إلهنا، ونلتجئ إليه باعتباره رحمن رحيم، فهو إله ليس إله يتسلط، إله يتجبر، بل هو يرحم عباده، فكل ما شرعه لهم، كل ما هداهم إليه إنما هو من منطلق أنه مسئول عن أن يعمل هذا العمل بهم باعتباره إلههم؛ لأنه إلههم، ولأنه رحيم، فكل ما يأتي من عنده هو من منطلق الرحمة، فعندما يتحدث أو عندما يرشدنا، أو يأمرنا بأشياء قد نراها شاقة، قد تبدو أمامنا وكأنها شاقة فنعدل عنها فنبدوا وكأننا إنما عدلنا عنها لأننا رحمنا أنفسنا، ومن منطلق رحمتنا بأنفسنا لا نريد أن يحصل عليها ما يشق عليها ما يتعبها، أليس هذا ما هو حاصل عند الناس؟.
لا ينطلقون فيما وجههم الله إليه، وفيما أمرهم به فالأشياء التي يرونها وكأنها ثقيلة وشاقة؛ لأنهم رحماء بأنفسهم .. لماذا لا تثق بأن الله هو أرحم بك من نفسك، هو أرحم بك من نفسك، هو أرحم بك من أمك وأبيك، هو أرحم بك من أي قريب لك، هو من يعلم الأشياء التي فيها رحمة لك إذا ما سرت عليها، الأشياء التي إذا ما تحققت هي رحمة لك، هو وحده الذي يعلم.
{وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ}، ليس هناك آلهة متعددة حتى يمكن أن تقول:[والله هذا الإله شاقة تعليماته يمكن أن نرجع إلى الإله الآخر] مثل ما هنا في الدنيا الإنسان، يقطع له بطاقة من المؤتمر، وبطاقة من الإصلاح، وبطاقة من البعث أو من أي حزب آخر؛ إذا رأى أن هذا الحزب ليس له مصالح فيه عاد إلى الحزب الآخر، إذا حصل من جانب هذا الحزب ما يتعبه أو يزعجه عدل عنه إلى حزب آخر، أليس هكذا يحصل؟.
لكن لا.. ليس هناك إلا إله واحد، ليس هناك مفر أبداً منه، لا مفر منه إلا إليه، ليس هناك من يمكن أن ينجيك من عذابه وسخطه إذا ما سخط عليك وحكم عليك بعقوبته، ليس هناك من يمكن أن يسلبك ما قد منحك إياه أبدا، ليس هناك أي طرف يمكن أن يكون قادراً على أن يرد الفضل الذي قد أراد الله سبحانه وتعالى أن يعطيك إياه، الخير الذي أراد أن يمنحك إياه{وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ}(يونس: من الآية107).
ما الذي يحصل في هذه الدنيا في تعاملنا مع الله سبحانه وتعالى عندما نسمع آياته تتلى علينا؟ وفيها تلك الآيات التي تأمرنا بالتوحد وبالأخوة، بالإنفاق في سبيله، بالجهاد في سبيله، بالعمل على إعلاء كلمته، بأن نكون أنصاراً لدينه وهكذا.
كيف يعمل الواحد .. يعود يطأطأ رأسه، ويمشي إلى ما لا أدري، كيف يتجه؟. يريد أن يفر إلى ما لا أدري.. إلى المجهول، يحاول يعرض، تعرض كذا ولا كذا، أين ستذهب؟.
أنت فقط تغالط نفسك، تحاول تتهرب وتحاول أن تتناسى هذا الشيء، وتحاول تنشغل بأشياء تدخل فيها حتى تنسى، وهكذا تساهي نفسك، تساهي نفسك حتى يأتيك الموت، وتجد بأنك إنما كنت تغالط نفسك، وتخادع نفسك؛ لأن الله لا ينسى، لا يغفل، يراقبك سواء وأنت تسير إلى هذا أو إلى هذا، أو حتى تسير تبحث عن أسئلة تنظر هل ستجد لك مخرج من عند هذا أو من عند هذا، يوم القيامة.. لا يوجد.. {أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}(فصلت: من الآية53) هو الشاهد على كل شيء، شاهد على أعمالنا عليم بذات الصدور .
[يوم القيامة سيتبرأ منك حتى أولئك الذين كنت تؤيدهم في الدنيا وتصفق لهم وهم يسيرون في طريق الباطل{إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّأُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ} (البقرة:166 ـ167) ؛ لأنه سيرد وهو مشغول بنفسه هو هالك، هو مذهول، يقول لك اذهب عني، ماذا أفعل لك؟ لا أستطيع أن أعمل لك شيئا.
أنت تتألم، تتألم وتصبح حسرات تقطع قلبك، عذاب نفسي، هذا الذي كنت في الدنيا أصفق له، وكنت في الدنيا أتبعه، وكنت في الدنيا أحاول أن أرفعه، وأقول أنه .. وأنه... إلى آخره.. ها هو يتبرأ مني الآن، ليت أنه يمكن أن أعود إلى الدنيا ثانيا حتى أتبرأ منه وألعنه من فوق كل منبر .
{بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا}(الزمر: من الآية59) ترى هكذا ياتي بعد كل آية تتحدث عن النسيان{أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا}(طـه: من الآية126) كنا في الدنيا نقول لك تبرأ من المجرمين تبرأ من الظالمين تمشي على هدي الله، لا ترتبط بغير هدي الله والهداة إلى دين الله .
أليست حسرات شديدة على الإنسان يوم القيامة، وهو هنا كان يعرف في الدنيا ويبحث عن من يتمسك به فيأتي يوم القيامة يتبرأ منه.
أليست هذه الآيات تعني أنه سيكون حسرة شديدة عندما يقولون:{لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّأُوا مِنَّا}(البقرة: من الآية167) عبّر الله عن أن هذه الكلمة انطلقت من نفوس تتقطع حسرات {لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّأُوا مِنَّا} غيض شديد وتألم شديد من أولئك الذين كنا في الدنيا نصفق لهم، وكنا في الدنيا نؤيدهم، وكنا في الدنيا نمشي على توجيهاتهم، وهم كانوا هكذا، توجيهاتهم ليست على وفق كتاب الله سبحانه وتعالى! حسرات عندما قال الله:{كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ}(البقرة: من الآية167).
{وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ}(البقرة: من الآية163) إله واحد نبي واحد، وكتاب واحد، ومنهج واحد، وطريق واحد لغاية واحدة، هي رضا الله والجنة.
آية الكرسي التي نقرؤها وهي من أعظم آيات القرآن الكريم يقول الله سبحانه وتعالى فيها:{اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ}(البقرة: من الآية255) .. ثقوا به، لأنه الله الذي لا إله غيره أي هو من يملك شئونكم، من بيده شئونكم وأموركم، هو من يدبر أموركم، هو وحده الذي يمكن أن تألهون إليه، وتلتجئون إليه، هو الحي لا يمكن أن تقول:[ربما قد مات، الله يرحمه، ما يمكن أن يعمل لنا]؟ لا، هو الحي.. هو الشاهد على كل شيء.
قيوم، هو القيوم على كل شيء بل هو قائم على كل نفس بما كسبت. هو القيوم هو الشاهد على هذا العالم من يقوم بتدبير شئونك، هو من يقوم بتحقيق ما وعدك به، بإنجاز ما وعدك به.
هو أيضاً{لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ}أول النوم، أو نوع من الغفلة،{وَلا نَوْمٌ}يمكن أن يهاجموك وهو نائم .. لا، الله سبحانه وتعالى لا يغفل، لا ينام، لا يسهو، لا ينسى عندما تثق به فأنت تثق بمن لا يغفل عنك لحظة واحدة، بمن هو عليم بذات الصدور، صدرك أنت وصدر عدوك فثق بمن يستطيع أن يملأ قلبك إيمانا وقوة، ويملأ قلب عدوك رعبا وخوفا{سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ}(لأنفال: من الآية12) ، من هو الذي يمكن أن تتولاه وله هيمنة على القلوب؟. من هو الذي يمكنه هذا؟. لا زعيم، لا رئيس، لا ملك، لا أي أحد في هذا العالم له هيمنة على القلوب.
ألم يقل الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله)Sad( نصرت بالرعب من مسيرة شهر))؟ من أين جاء هذا الرعب؟ من قبل الله سبحانه وتعالى، هو الذي هو مطلع على القلوب، والقلوب بيده، يستطيع أن يملأها رعبا ويملأ تلك القلوب قوة وإيمانا وثقة، وعزما وإرادة صلبة، لأنه قيوم لا تأخذه سنة ولا نوم .
ممكن أن يكون معك وأنت في الدنيا هذه صديق مسئول أو تاجر، يحصل موقف، ثم تذهب إلى عند باب بيته فقالوا لك: لحظة لا يزال نائما [يا جماعة نحن عجّالين]، بلغوه عنا. قالوا ما يمكن لأنه عادة كل من هو كبير في هذه الدنيا فقد يكون أكثر ابتعادا عن الناس.. نائم! يقول: هذه ورقة نريد أن يعمل فيها توجيها إلى عند فلان، معنا مشكلة كذا وكذا، ونريد.. قالوا: لحظة هو نائم، ولكن يمكن أن تترك الورقة عند الحارس وتعود لها في الغد؛ لأن وليك هذا هو يسهر مع الفيديو إلى ما قبل الفجر، ويتابع الفضائيات إلى ما قبل الفجر، ثم ينام ويواصل نومه إلى الظهر، وهناك من يذهب يشتري له قات، ويذهب ويشتري له مصاريف البيت، وهو يصحو فقط في الظهر، وأنت منتظر له عند الباب، لأن وليك هذا نائم، تأخذه ساعات من النوم، وورقتك عندما توصلها إليه يقلبها قليلا، وهو متأثر بعد النوم، أو لا يزال [مبخر] بعد الغداء، وإن شاء الله عندما يصحو بالقات قبل المغرب يتجه ليرى ورقتك، ثم يحولها: [الأخ الفلاني اطلعوا على قضية الأخ فلان وانظروا فيها على حسب ما بدا لكم]. مثل هذا ليس جديراً بأن تتولاه وأن تثق به بعيدا عن الله سبحانه وتعالى .
أما الله عندما تتولاه هو الشاهد على كل شيء والحاضر على كل شيء{مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا}(المجادلة: من الآية7) ،{عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}(الحديد: من الآية6)،{لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ}(البقرة: من الآية255). هو إلهك، وليس إلها من تلك الآلهة التي شراها جدك من الهند ووضعها في الساحة قرب بيتك، تحتاج أن تنظفه وتبخره ـ مثلما كان يفعل العرب سابقا ـ وهو لا يملك حتى المكان الذي هو منصوب عليه.
أما هذا الإله العظيم، هو من له ملك السماوات والأرض وكونه مالك من في السماوات والأرض ملك نافذ لا أحد يستطيع أن يتمرد على إرادته، لا أحد يستطيع أن يغالبه إذا ما كان معك فسيجعل الكون بكله معك، وهو من يستطيع أن يهيئ ويدبر ويستطيع أن يسخر.
{مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ}(البقرة: من الآية255)، حتى لو ظننت من منطلق آخر بأن ذلك الشخص الكبير في الدنيا يمكن أن يكون كبيراً في الآخرة، فيشفع لك، لأنه كان وجيها في هذه الدنيا، ولديه ممتلكات كثيرة، وكان له سلطة عظيمة يمكن أن ينفع يوم القيامة.. كانت هذه نظرية عند العرب السابقين، عند الجاهليين السابقين، كانوا يعتقدون أن الشخص الوجيه في الدنيا يمكن أن يكون أيضا وجيها في الآخرة، هذه ـ لو فرضنا أن هناك آخرة ـ سوف نكون نحن من المقربين؛ لأننا نحن هنا في الدنيا عظماء{وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْهَا مُنْقَلَباً}(الكهف: من الآية36) .
في يوم القيامة لا تكون شفاعة إلا لمن ارتضى، ولا شفاعة إلا لمن يأذن، فمن يشفعون هم أولياؤه، هم أنبياؤه، هم من هم في طريقه الذي رسمه، وليسوا ممن يفرضون أنفسهم عليه،{وَلا يَشْفَعُونَ}أيضاً{إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ}(الانبياء: من الآية28) .
{يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ}أي: عندما يقول لك: ليس هناك من يشفع إلا بإذنه أنه فعلا يعلم أنه لا أحد يشفع إلا بإذنه هو{يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ} هو يعلم حاضرهم وماضيهم ومستقبلهم،{وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ}(البقرة: من الآية255) ، هو الذي أحاط علمه بكل شيء، وهو يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم.
أي لا تقل ربما الله قال أنه لن يشفع أحد إلا بإذنه، لكن هذا ربما يكون الباري قد بدا له شيء لأنه لا يزال هناك زمان طويل إلى القيامة، احتمال يغير رأيه.. وقد كرر هذه الآية حتى مع الملائكة في مجال الشفاعة،{يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ}،{يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ} في أكثر من آية في القرآن الكريم يقول إنه يعلم ما سيقع، ويعلم الحدود التي لا يمكن أن يتجاوزوها، والصلاحية في مجال الشفاعة التي تعطى لهم فقط، ولمن تعطى فقط، فلا يتخلف الواقع عما علمه يوم القيامة.
{وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ}(البقرة: من الآية255) يقال: علمه، ويقال: ملكه، معنى كلمة:{وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ}، وأظهر ما تكون أنها بمعنى علمه بعد أن قال:{وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ}(البقرة: من الآية255) لأنه هو من أحاط علمه بالسماوات والأرض {وَلا يَؤُودُهُ}(البقرة: من الآية255) : لا يثقله، لا يتعبه، لا يشق عليه{حِفْظُهُمَا}حفظ السماوات والأرض{إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا}(فاطر: من الآية41) .
{وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ}(البقرة: من الآية255) أنت إذا كنت متوليا له فهو العلي، هو القاهر فوق عباده، هو العزيز وهو العظيم، العظيم في شئونه، العظيم في أفعاله، العظيم في كماله، فهو من هو جدير بأن يتولى، من هو جدير بأن يعبد.
وأنت ترى هذه الآية كثير في القرآن الكريم التي تتحدث من مثل قوله تعالى:{هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ}(آل عمران: من الآية6) يتحدث أنه هو الذي يصورنا، هو الذي ينزل المطر لنا، هو الذي ينبت الزرع لنا، هو الذي.. كثيرة في القرآن، لاحظ كم تتكرر{هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ}أليس يكرر هذه في القرآن الكريم ؟{لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}(آل عمران:6) تعبير عن ملكه لنا، ونفاذ أمره فينا لأنه هو الذي يصورنا ونحن لا نزال في أرحام أمهاتنا، كيف يشاء، لأنه إلهنا هو إلهنا من يملك التصرف فينا، بتدبيره وتشريعه وهدايته.
{شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (آل عمران:18) . لاحظ تتكرر عبارة:[لا إله إلا هو] يتقرر في نفوسنا في أعماق قلوبنا ألوهيته، تقرر ألوهيته في أعماق قلوبنا، في نفوسنا، وتترسخ بشكل صحيح أنه وحده إلهنا، فنرفض ما سواه، نرفض كل من يقدم نفسه كإله لنا، نرفضه.. الله هو وحده إلهنا، فهو الشاهد على وحدانيته والملائكة تشهد وأولوا العلم بأنه القائم بالقسط في عباده في خلقه، والقسط هو العدل{لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} هو العزيز الذي لا يمكن لأحد أن يغالبه، فيرد ما شاء نفاذه من أموره، وهو حكيم في أفعاله في تدبيره، في تشريعه.
{إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}(آل عمران:62) ألم تتكرر هذه المفردات التي تدل على كمال الله سبحانه وتعالى؟ مثل قوله:{وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ}(البقرة: من الآية255).{لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}{وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}فأنت عندما تتولاه هو العزيز، أنت توليت من لا يقهر، وهو الحكيم أنت توليت من يكون تدبيره فيك، من يكون عملك له كله قائما على الحكمة، كله لا حماقة فيه لا عبث فيه، لا جهالة فيه، لا خطأ فيه فهو حكيم، فإذا ما دبرك إنما يدبرك إلى ما هو حكمة، إذا ما أرشدك إنما يرشدك إلى ما هو حكمة، فهو عزيز حكيم .
وعادة ما يحصل بالنسبة للإنسان عندما يلمس لنفسه في هذه الدنيا عزة وهيمنة أن تنطلق منه الأعمال العشوائية والتوجيهات العشوائية التي تعكس جبروته، أما الله سبحانه وتعالى فهو حكيم ليس هناك حماقة، ليس هناك توجيهات هكذا، أوامر بحماقة وعبث لا يهمه إلا أن تنفذها، هو حكيم كلما دبرك إليه، كلما وجهك إليه كلما أمرك به هي أوامر حكمة، توجيهات حكمة، إرشادات حكمة؛ لنثق به.
لاحظ.. نحن تقريبا لا نثق عندما قال الله للمسلمين وهو يتحدث معهم عن الجهاد ويرشدهم إلى الجهاد وأنه تجارة تنجيهم من عذاب أليم وأنه كذا وكذا، عندما قال:{ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}(التوبة: من الآية41) كيف هذا الخير الذي تذهب ليرموك بالرصاص!! هل هذه حكمة!!؟ نعم هذه حكمة، حكمة أوامر حكيمة فيها رحمة لك، وفيها خير لك، وفيها شرف لك.
حتى وإن كانت الجنة بيده، هو لم يأت ليرسم توجيهات معينة يقول: امشوا عليها من مشى على هذه سيكون له كذا كذا.. مثل المسابقات التي يعملونها في التلفزيون، أو يعملونها بالمدارس من يمشي على هذه نحن سنعطيه الجنة، والذي لا يمشي عليها سندخله النار.. هكذا أوامر معينة وتوجيهات معينة وانتهى الأمر. صلحت أم لا فيها خطأ أم ليس فيها خطأ.. لا. الله هو الحكيم هو الحكيم في كل شيء، فكل توجيه من توجيهاته، كل إرشاد من إرشاداته، كل أمر من أوامره، كل نهي من نواهيه هو ينطلق بحكمة، ينطلق من الحكيم سبحانه وتعالى. والحكمة ما هي؟ وضع الشيء في موضعه، أن هذا هو وحده الذي فيه الصلاح لك، لا غيره هو وحده الذي فيه الفلاح لك، لا غيره، هو وحده الذي فيه نجاح وفوز لك لا غيره.. وضع الشيء في موضعه لا يصلح إلا هو.
لم نثق بكثير من أوامره لأنها تبدو وكأنها شاقة، فنقول: لماذا تبدو وكأنها مجرد أوامر هكذا جزافا؟! لكن حتى عندما يأمرنا لاحظوا.. لأنه يأمرنا وهو في نفس الوقت الحكيم الرحيم أيضا، متى ما أمر بشيء وبدا لنا شاقا فهو يضع في تشريعاته وفي المنهج التربوي لكتابه الكريم يضع الأشياء الكثيرة التي هي سهلة في متناولنا فتجعلنا بالشكل الذي يمكن أن نصل إلى هذا الشيء الذي يعتبر مستبعدا أمامنا، والله سبحانه وتعالى يجعل تشريعه بالشكل الذي يهيئ بعضه لبعض ويخدم بعضه بعضا، ويسهل بعضه تطبيق بعض.
ومع أن تشريعه حتى لو لم يكن وراءه جنة، كل ما هدانا إليه في كتابه الكريم حتى لو لم يكن وراءه جنة لكان هو وحده المنهج الصحيح الذي لا تستقيم حياة البشر إلا به، ولا تستقيم الدنيا إلا بالسير عليه، حتى لو فرضنا بأنه ليس هناك جنة. أما عندما تكون المسألة بأن ما هدانا إليه هو وحده الذي لا منهج أقوم منه ولا شيء أفضل للحياة، وفي الحياة منه ثم يثيبنا عليه، ثم يعطينا الجزاء العظيم عليه، هذا هو من أبلغ مظاهر رحمته، من أبلغ دلائل سعة رحمته لعباده. أنك لا تكاد تجد شيئا مما أرشد الله إليه في القرآن الكريم إلا وهو يؤكد أن فيه صلاح الحياة، هنا في الدنيا، لأنه هو الذي خلق الدنيا وخلق الإنسان وهو الذي يعلم السر في السموات والأرض ايضاً يضيف إلى هذا أجراً كبيراً وفوزاً كبيراً، ويمنحك الجنة في الآخرة، النعيم الأبدي، النعيم العظيم، والدرجات العالية في الجنة.. أليس هذا من سعة رحمته؟.
فلهذا قال الله:{وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (آل عمران:107)، أنهم في مواقفهم هذه في الدنيا التي تبيض وجوههم هي مواقف لا بد منها في أن لا يظلموا ولا يقهروا، ولا يذلوا، وأن يعيشوا أحرارا في الدنيا، وأن يعيشوا كرماء وأعزاء وأقوياء، وتسعد حياتهم فتصبح الجنة زيادة خير بالنسبة لهم، فسماها رحمة {فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} .
{اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً} (النساء:87) . وكيف تتكرر كلمة:[لا إله إلا هو] من أجل أن تقتنع أنه لا مفر ولا ملجأ، لا من يُلْجَأ غيره ولا من تلتجئ إليه غيره، وهو هو، {لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ}، ومن الذي يستطيع أن يتهرب عن الحضور يوم القيامة..{يَقُولُ الْأِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ كَلَّا لا وَزَرَ) (القيامة:10 ـ11) لا يوجد مفر عندما تقوم من قبرك{مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ} (يّـس:52) .
إذاً فتذكر أنه لا بد أن أحشر أنا فلان بن فلان الذي بيتي في محل كذا، بالتأكيد لا بد أن أحشر يوم القيامة. نسيان يوم القيامة حالة خطيرة على الإنسان، ولهذا تكرر في القرآن الكريم بشكل كبير، نسيان يوم القيامة، غفلة شديدة، تنسيك عن الإعداد لهذا اليوم، تؤمِّن نفسك في الدنيا فلا تعيش الخوف من القيامة فتحشر يوم القيامة خائفا.{لا رَيْبَ فِيهِ}لا شك فيه، لا بد منه لكل شخص، لكل شخص لا بد أن يحشر{إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً} (مريم:93 ـ94) واحد.. اثنان.. ثلاثة، كل إنسان يعرف كل واحد، وسيحشر كل واحد لا ينسى{وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً} (مريم:95) فرداً، فرداً كلهم، لا ينسى أحداً ولا يبقى قبور هناك لا أحد منها يخرج، نسيوهم! أبداً{وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} (الزمر:68) كل من في السماوات ومن في الأرض،{لا رَيْبَ فِيهِ} لا شك فيه.
هذا اليوم يوم القيامة هل هو عبارة عن اجتماع عام أو حفل عام؟ أو يوم ماذا؟ يوم الفصل{إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتاً يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً} (النبأ:17 ـ18). جماعات يساقون إلى الحشر، سماه يوم الفصل يفصل فيما بين الناس فيما كانوا فيه يختلفون، يفصل، فيبين كل القضايا التي كان الناس فيها يفرطون فيتجلى هناك عظم تقصيرهم، يتجلى هناك سوء آثار أعمالهم، آثارها السيئة البالغة السوء، يتجلى لك تفريطك فترى كيف كنت غافلا، ترى ما جره تقصيرك، ترى ما جرته جهالتك، حتى تساق إلى جهنم، وأنت ترى بأنك أصبحت مستحقا لجهنم، عندما تساق إلى جهنم فيقال:{أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ}(الأنعام: من الآية30).
حتى الملائكة يبدو أنها تستغرب جداً والناس مزدحمين على أبواب جهنم{أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى}(غافر: من الآية50) نعم كانوا يأتوننا بالبينات!{أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ}(الزمر: من الآية71) هذه ليست من كلمات الكافرين هي من قبل الله سبحانه وتعالى، بلى كان يأتينا كل شيء، ويهدونا لكل شيء، وأرشدونا إلى كل شيء لكن كنا ننسى، وكنا نتناسى، وكنا نهمل، وكنا لا نبالي، وكنا نقول: يمكن أنه ليس صحيحاً.
{وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً}(النساء: من الآية87) هل هناك أصدق حديث من الله؟ أليست هذا واحدة من العبارات التي تخاطب أعماق نفسك لتؤمن فيكون إيمانك صادقا أنه ليس هناك أصدق من الله حديثا؟ لتأخذ هذه العبارة لتأخذ هذه الآية فتكتبها في جدار قلبك، فتجد في الآيات الأخرى عندما تجد وعود الله، ووعده ووعيده، تجد فعلا أنه ليس هناك أصدق من الله حديث، ومن أصدق من الله حديثا؟ عندما يقول:{وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ}(لأنفال: من الآية60) فكن أنت في نفسك مرسخاً:{وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثا}.
{وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}(الحج: من الآية40) أليس هذا وعداً إلهياً مؤكداً؟ {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثا}.{لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ} (آل عمران:111) أليس هذا وعداً؟ فقط يطلب منك إيمان يجعلك أنت تخاطب نفسك بأنه{وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيث}. {إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} (محمد:7) ماذا أقول أمام هذه؟ فعلا أثق؛ لأنني أعلم أنه ليس هناك أصدق من الله حديثا.
وهكذا تأتي إلى آيات الوعد والوعيد بالنسبة للآخرة:{وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} (طـه:124) أليس هذا قولاً من قول الله؟ أليس هو حديثاً من حديث الله سبحانه وتعالى؟ أليس هو وعيداً؟{وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى}{وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثا}.
نحن نريد أن نصل إلى هذه الدرجة، إلى درجة أن ننظر إلى كل وعد من وعود الله، إلى كل وعيد من وعوده، لأنه يأتي ممن؟ ممن ليس هناك من هو أصدق منه حديثا، والأصدق حديثاً أنه من لا يأتي الواقع أبداً متخلفاً عما أخبر به عنه، الذي لا يتخلف إطلاقا. المصداقية هي بالنسبة للواقع أن يكون متحققاً {لا رَيْبَ فِيهِ}، لا شك في تحققه، فعندما قال:{اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ}(النساء: من الآية87) فهو يخبر عن واقع سيحصل، يوم اسمه يوم القيامة، ويجتمع الناس فيه، أليس هذا إخباراً عن واقع سيحصل؟.
نعم .. الخبر قد يكون صدقا، وقد يكون كذبا باعتبار الواقع عندما يأتي الواقع متخلفا عنه فيكون غير صادق، والصدق هو: أن يكون الواقع وفقا لما أخبر به عنه. فمن أصدق من الله حديثا؟ لأن هذا الكلام لا يتخلف وواقع لا يتخلف، لأن من يقول هذا هو من يعلم الغيب والشهادة، ومن يقول هذا هو من يفعل هذه الأشياء هو، وهو العزيز، وهو الحكيم، وهو الملك، وهو القاهر فوق عباده، ليس إخباراً بأن هناك إله آخر سيعمل يوما يسمى يوم القيامة ثم يمكن أن هذا الإله الآخر يتكاسل فلا يعمل شيئا.
الله يخبر عن أفعاله هو ما سيفعل، وما أخبر عنه من أفعاله فلن يتخلف،{لا رَيْبَ فِيهِ}(البقرة: من الآية2) {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً}.
يوم القيامة ... يوم لو ترسخ في نفوسنا الخوف منه، يوم شديد الأهوال يوم وراءه جهنم، إذا لم يكن الإنسان هنا في الدنيا متنبها متيقظا متذكرا يحذر، يخاف وهو لا يزال هنا في الدنيا يوم القيامة لا يجد مخرجا، لا يجد شيئا يمكن أن يفدي نفسه به، ولا تقبل منه حتى لو ملك ما يمكن أن يفدي نفسه به، لا يقبل منه، في الدنيا هنا متى ما تأزمت على الإنسان حتى وهو في السجن يمكن يعطي خمسة آلاف أو عشرة آلاف وأخرجوه، أما هناك لا تقبل فدية ولا تقبل رهينة بدلك، هنا في الدنيا يمكن إذا سجن واحد أن يعطي رهينة بدله ويخرج، أو يداول بينه وبين رهينة أخرى، أو يعطي مالا ويخرج، أو يحصل على وسيط ويخرجه، أما هناك لا يمكن{كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} (المدثر:38){لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى}(طـه: من الآية15) تجزى كل نفس بما تسعى.
ما الذي ينسينا عن يوم القيامة؟
هي أشياء تتوالى: قلة معرفتنا بالله يؤدي إلى نقص في خوفنا منه، إلى ضعف في خشيتنا منه، فيؤدي هذا إلى غفلة ونسيان، تؤدي الغفلة والنسيان إلى غياب حالة الخوف من يوم القيامة، ومتى ما ذكر الإنسان أحيانا تذكر، أو رأى ميتا تذكر أو سمع مرشدا، أو استعرض سورة من سور القرآن الكريم تذكر لكن ويحاول أن يعيد إلى ذهنيته الحالة السابقة حالة اللاشعور بشيء من هذه الأشياء، غفلة.
فمن يعرف الله سبحانه وتعالى معرفة كافية لا بد أن يخشاه، لا بد أن تعظم خشيته منه، وتعظم أيضا رغبته فيه، فيكون دائما متذكراً، متذكراً يحرص على أن يعمل في هذه الدنيا ما يقربه إلى الله، ويحصل يوم القيامة ـ من خلال عمله هذا وبرحمة الله ـ على الفوز بالجنة، وعلى أن يحاسب في يوم القيامة حساباً يسيراً، فيكون من أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، لأنه متذكر للقيامة، تذكر القيامة له أثره العظيم جداً، جداً في المجالين: في مجال أن تنظر من الأعمال إلى ما فيه نجاتك يوم القيامة فتنطلق فيه، وتبتعد عن الأعمال أو عن التقصير الذي فيه هلاكك يوم القيامة فتبتعد عنه.
يوم القيامة خوف الله به عباده في القرآن الكريم تخويفاً شديداً؛ لأنه يوم شديد الأهوال في حد ذاته، وفيه حساب عسير جداً للظالمين، حساب عسير جداً للمعرضين عن ذكر الله، حساب عسير جداً لمن لم يكونوا يهتدون بهدي الله.
في [سورة الحاقة] يتحدث عمن أوتي كتابه بيمينه، وعمن أوتي كتابه بشماله،{فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَأوا كِتَابِيَهْ إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ} (الحاقة:19 ـ22) يسأل من يؤتى كتابه وراء ظهره ماذا يقول؟ {يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ}(الحاقة:25 ـ27) ليت أن تلك الموتة الأولى كانت هي القاضية فلا أبعث ولا أحشر{هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ} (الحاقة:29) السلطان الذي كنت فيه، أو السلطان الذي كنت ألتجئ إليه في الدنيا هلك عني.{مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ} (الحاقة:27ـ28). مالي لم يغن عني، لم يدفع عني شيئا، الذي كنت أجمعه في الدنيا وأحرص على جمعه من حلال ومن حرام، وكنت أبخل أن أصرف منه وأنفق منه في سبيل الله لم يغن عني شيئا، لم يدفع عني شيئا.
{خُذُوهُ فَغُلُّوهُ}(الحاقة:30) يقال للملائكة خذوه فغلوه، وكانت هذه الآية من الآيات التي يصرخ منها الإمام علي عليه السلام وهو يتأوه، يتصور خطورة الموقف عندما يقال للملائكة:{خُذُوهُ فَغُلُّوهُ}. قال: فيا له من مأخوذ. حالة شديدة جداً، وحالة رهيبة جداً، عندما يقال للملائكة:{خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ إِنَّهُ كَانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ وَلا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ لا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ} (الحاقة:30 ـ37). كان في الدنيا لا يؤمن بالله العظيم.
نحن نؤمن بالله، أليس كذلك؟ لكن كيف هذا الإيمان؟ إيمان لا يساوي شيئا، الإيمان بالله الذي يجعلك تخاف غير الله أكثر مما تخاف من الله ليس إيمانا بالله، الإنسان المؤمن بالله هو من يكون خوفه من الله أعظم من خوفه من غيره، هو من يكون رجاؤه في الله أعظم من رجائه في غيره، المؤمن بالله هو من يعيش دائما حالة التذكر لله، الحرص على رضا الله، الخوف من بطش الله، الرغبة فيما عند الله، الإيمان بالله هو إيمان عملي يبعث ـ متى ما كان إيمانا صادقا ـ هو يبعثك على العمل، يبعث في نفسك الخوف، يبعث في نفسك الرجاء، يبعث في نفسك الرغبة.
أما إيمان من هذا النوع مجرد تصديق، نحن نقول: كان الكافرون مؤمنين بالله على هذا النحو، ألم يكونوا مؤمنين بالله؟{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ}(الزخرف: من الآية87) كان الجاهليون يؤمنون بالله بمعنى أنهم عارفون بأن هناك إله اسمه:[الله]، هو الذي خلق السموات والأرض، وهو الذي يدبر شئون السماوات والأرض، وهو الذي ينزل المطر، كل هذه الأشياء هم كانوا مؤمنين بهذه، فقط كانوا يقولون: لا، ليس وحده، بل هناك آلهة أخرى.
إذا ما أصبح إيماننا في واقعه كإيمان الكافرين، أي: إيمان بمجرد وجود الله، وليس وراء هذا الإيمان أي شيء في نفوسنا، في واقع حياتنا، فعلا يكون الناس ممن لا يؤمنون بالله العظيم،{وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ} (الحاقة:34) كان في الدنيا بخيلا، ولا حتى يحث الآخرين على إطعام المسكين؛ لأنه لضعف إيمانه بالله، أو لانعدام إيمانه بالله لا يتذكر مسألة ثواب فيرجو من عمله هذا ما يقربه إلى الله ويحصل على الأجر عند الله.{فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ}(الحاقة:35) أي مقرب في القيامة يمكن أن ينفعك،{وَلا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ لا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ}(الحاقة:36ـ37) يقال: الغسلين هذا هو: عصارة أهل النار من القيح والصديد، نعوذ بالله.
يوم القيامة.. يجب أن نتأمل كثيراً في كتاب الله، فنرجع إلى القرآن كم ورد في شرح تفاصيل ذلك الموقف الرهيب، كيف تناول القرآن الكريم الحديث عن جهنم، حتى صورها وقدمها بصورة كاملة، تشخيص كامل لجهنم حتى كأنك تراها، تحدث عن وقودها، تحدث عن لهبها، تحدث عن شررها، تحدث عن أهلها وهم يصطرخون فيها، تحدث عن أبوابها، تحدث عن مغالقها، تحدث عن دخانها عن طعامها، عن شرابها، تصوير كامل.
لو تأت أنت أو أي واحد منا يحاول أن يجمع ما ذكره القرآن الكريم من الآيات في جهنم، ثم ضعها في ورقة تكون أمامك ترى كيف تتصور جهنم وتراها صورة متكاملة، تبرز لك صورة ذهنية من خلال هذا التشخيص القرآني في آيات متعددة.
عندما عرفت أن جهنم هذه المهولة الشديدة، وأيقنت بأن هذه جهنم التي من دخلها لا يخرج منها أبدا{إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ} (الانفطار:11 ـ16) خلود.
قالوا عن أحد العلماء ـ وقد مات قبل فترة رحمه الله ـ قالوا عنه: كان ينظر إلى مسألة الخلود في جهنم هذه فيقول هي وحدها الشيء الذي يخيف. الخلود في جهنم هو الشيء الذي يخيف جداً. لو أن البقاء في جهنم ألف سنة، خمسة آلاف سنة، وهناك أمل في الخروج منها لكانت المسألة ما تزال هينة، لكن الخلود ـ نعوذ بالله من الخلود في قعر جهنم ـ وهو الشيء الذي تؤكده الآيات الكريمة:{خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً}(النساء: من الآية57) {خَالِداً فِيهَا}(النساء: من الآية14) الخلود معناه: أن تمر آلاف السنين{لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً} (النبأ:23) أحقاباً متتابعة، آلاف السنين، مليون سنة، مليونين سنة، مليار سنة، الخلود في جهنم ـ نعوذ بالله ـ هي الحالة المزعجة.
ولهذا تجد الآخرين من عبيد الدنيا كيف يحاولون أن يتهربوا عن الخلود في جهنم فينطلقون إلى الشفاعة لأهل الكبائر، أو البقاء في جهنم فقط بمقدار ما عمل، وأشياء من هذه يدل على فهم مغلوط للقرآن الكريم ولمنهجية القرآن الكريم، في حديثه عن العقوبات بما فيها النار، فأنت لن تقعد في جهنم إلا بمقدار ما عملت، ليست المسألة على هذا النحو، أنت عملك هو الذي أوصلك إلى جهنم حقيقة، لكن ماذا؟.
هل تظن بأن الأعمال تصدر ثم ينظر إلى كم يساوي، كم العقوبة اللازمة على هذا العمل الفلاني، فيضاف هذا إلى هذا ثم ينظر كم ستبقى.
إن المسألة من أساسها هو أنك عندما تعرض عن هدي الله ـ كما قلنا في جلسة سابقة ـ عندما تعرض عن هدي الله تتحول إلى إنسان خبيث، هل تعلمون أن كل معصية ليس فقط ينظر إليها من خلال أنها مجرد اقتراف لعمل في خارج إطار شخصيتك، كل معصية تترك أثراً على نفسك، كل معصية ترسخ نسبة من الخبث في نفسك، وهكذا واحدة بعد واحدة حتى تحيط بك خطيئاتك، فتصبح خبيثا، تصبح خبيثا فعلا.
الله في يوم القيامة تحدث بأنه سيكون تمييز الناس على أساس خبيث أو طيب في الأخير، أهل المحشر يتميزون إلى فريقين فقط، خبيث وطيب، الخبيث كله يجمعه فيركمه فيجعله في جهنم جميعا، يجعل الخبيث مقره جهنم.
ولأنه فعلا المسألة هي مرتبطة بهذا هو بخبثك أنت، أصبحت إنسانا خبيثا، ليست المسألة أعمال اقترفتها ينظر إليها من خلال أنها أشياء في خارج إطار شخصيتك، لا ؛ لأنها قد تركت أثرها الكبير في نفسك حتى أصبحت خبيثا إلى درجة أن جهنم لو تبقى فيها مليار سنة ثم تخرج لعدت إلى ما نهيت عنه سابقا، ألم يقل الله عن أهل النار{وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ}(الأنعام: من الآية28)؟ لماذا؟؛ لأن نفوسهم قد خبثت، نفوسهم أصبحت خبيثة، فإذا ما خرجوا أليسوا قد نسوا الأعمال السابقة، وقد لبثوا في جهنم حتى مليار سنة في جهنم، لكن النفوس كانت قد بلغ بها الخبث درجة أن جهنم لا يمكن لجهنم نفسها أن تطهرها فتحولها إلى نفوس طيبة فعلا.
ولهذا الله يحذرنا عن قسوة القلوب، قسوة القلب{فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَ
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
(سلسلة معرفة الله )معنى (لا إله إلا الله)
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
»  سلسلة معرفة الله
» سلسلة معرفة الله
» (سلسلة معرفة الله )
» سلسلة معرفة الله )
» سلسلة معرفة الله

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
 :: الملـــتـقى الإســـلامـي :: الشريعة والحياة-
انتقل الى: