كتب / مروان الغفوري
أخي نبيل الصوفي ...
طبعاً أنت تعرف الآن، بالضبط، أن ثورة الشباب اليمني 2011 تختلف بكل المعايير والمقاييس عن ثورة الشباب الفرنسي 1968م
يعني بالله عليك تخيل ثورة الشباب الفرنسي وهي تطيح بـ "البنيوية" وتجبر ليفي شتغاوس على العودة للكتابة حول الأنساب، وتدفع رولان بارت إلى ما بعد البنيوية، التفكيكية. وحتى ميشيل فوكو طلع يحلف إنه مالوش علاقة بالبنيوية بالمرّة. مع إنها كانت ثورة سياسية في صميمها، رأت أن البنيوية، كنظرية نقدية تبحث في الأنساق العامة، تتيح تبريراً سياسياً غير أخلاقي لفساد السلطة السياسية!
يعني إحنا طالعين نداهف مداهفة طبعاً. لا إحنا خريجين السوربون، ولا عبده بورجي يمثل كلود ليفي شتغاوس.
في مقابلة، قبل شهرين، مع الشيخ خالد العواضي أكد بلغة شديدة الرصانة والتماسك على أن أعلى طموح للقبيلة أن ترى دولة مدنية تحمي مستقبل أبنائها وتوفر لهم فرص الكفاءة والجدارة بدلاً عن حمل السلاح في الآكام والضراب. لكن أهم ما قاله هو أن القبيلة لكي تستمر في الإيمان بالثورة لا بد أن ترى زعيمها في مقدمة مجالس الثورة يحمي مستقبلها. لن تثق القبيلة، بحسب ما يفهم من كلام الشيخ العواضي، بمروان الغفوري. شاب طايش، محناش داريي من أين نبع لنا!
وهذا حق. وهو أيضاً: حقيقة. تجاوز مثل هذه الحقيقة يعيدنا مرة أخرى إلى السطر رقم واحد: هاتوا لي ميشيل فوكو وأنا باجيب لكم خريجي السوروبن الآآآآن حالاً بالاً.
هذا الموقف، في تقديري، غير صالح للنقد العميق راهنا. يعني صعب واحد يقول: وليش القبيلة تعمل كذ، إذن مشكلتنا مع القبيلة قبل صالح. طبعاً على اعتبار إنه تربّى في بانكوك مثلاً. وجنسيتة سنغفوري. بنتي يعني.
شوية وباينط لنا خالد الآنسي وكريم الخيواني: وإحنا. الجواب: في إيه؟ طب ما نحط الستة مليون في الليستة ونخلص. كلهم ثوّار، وإلا كيف.
شقيقي عيدروس غفوري تخرّج من الثانوية العامة بتقدير 94%، وبالنسبة لنا كأسرة كانت هذه النسبة فاجعة بجد. حصل على منحة دراسية لأوروبا. ومع ذلك توقف عن كل شيء، كل شيء تقريبا. ونام وصحي في ساحة التغيير. تخانق مع ساره الياسين، مراتي طبعاً، ليوم الدّين. مش راضي يشوف موضوع سفره بالمرّة. رده الطبيعي: تعاهدنا على حماية دم الشهداء. لا أزال أشعر بقشعريرة وأنا أستعيد هذا النص في ذاكرتي: حراسة دم الشهداء!
ما شفتوش في القائمة تبع المجلس، ولا أشتي أشوفه. مع إنه أذكى بعشر سنين ضوئية من الخيواني والآنسي، وعلى مسؤوليتي. ويا ما شنّف وجداني في الرياضيات والفيزياء، مش بالهدرة.
أنا مش ضد الخيواني ولا الآنسي. بالعكس ناس قدمت موقفاً سياسياً ينتمي للمستقبل. بمعنى: قرروا أن لا يكونوا شديدي السوء، وفقاً للمنطق الثور. بس هذا اللي عملوه: إنهم ما كانوش سيئين. يعني مش واااااو! أوه ماي كاد.
أن الواااو هذي تقال مرّة واحدة فقط، لجهة واحدة فقط اسمها: الثورة اليمنية. بس. مش ثورة ونقسمها إلى ثورة لكل نفر. وطبعاً عاملين فيها: وابني يزيد، وابني معاوية. لا ما ينفعش، لا ابني يزيد ولا ابني معاوية.
مثلاً: ليه ما اختاروش مروان الغفوري. ينعل أبو مروان الغفوري. مين هو أساساً مروان الغفوري عشان ما اختاروهوش في المجلس الوطني. مروان غفوري كتب لما طلعت عينه في موضوع الثورة. حتى إنه في مرات مش قليلة كان يكتب كلاماً شديد السذاجة لمصلحة الثورة.
برضه أنا مش قادر أتخيل إن كل شخص قال " هييييي يللا نثور" يشتي يشوف اسمه في الليسته: أنا اسمي مكتووووب؟
أذكر صديقي نبيل بهذا الموقف الرائع في الإلياذة، قبل 3 آلاف سنة. يسيطر اليونان على الساحل قبالة طروادة بقيادة أخيليس. بعد ساعات يقف القائد اليوناني الغبي أغاممنون يتلقى التهاني بهذا الفوز، رغم إنه عارض المغامرة التي أقدم عليها أخيل منذ البداية. غضب أخيل وانسحب من قاعة التهاني، فلحقه "عوليس" في الباب. قال له: تجاهل السياسة، هكذا هي دائماً. يصنع الشباب الانتصارات ويجني ثمرتها الكهول. هكذا هي السياسة يا أخيل، وأنت تعرفها جيّداً.
يعني حتى عوليس، أوديسيوس، استنبط قبل 3 آلاف سنةاللي جماعتنا مش قادرين يستوعبوه اليوم! وقال لك حداثة.,
وإلا كيف؟
يعني هو غاندي اللي كان يمشي عرطوط لوحده في الهند، ويبول قدام كل مكاتب انجلترا في مومباي منشان يطفشهم، والا الشعب الهندي كله؟
ومع ذلك مفيش غير صور غاندي وبنته كمان! وعيااااله يا سيدي عشان ما حدش يزعل.
كان الثوار في جنوب أفريقيا يفتحسوا ويشنقوا لأجل العدالة والحرية والشيبة مانديلا يأكل دجاج ورز في السجن أكثر من عشرين سنة لا ينظر ولا يكتب. ممنوع عن كل الناس. ومع ذلك خرج سمين من الدجاج والرز وأعلنوه زعيم على مستوى العالم.
ولم يتذكر الشباب أحد.
الشباب خرجوا من أجل المستقبل، مش من أجل الليستة.
ولو ما بعد الثورة ما انعدلش هنعدّله يا بيه، والنعمة الشريفة.
وعلى رأي عمنا اليوناني العظيمى قسطنطين كفافي:
وإذا لم تصل إلى إيثاكا (المدينة المنتظرة ) فقد عرفت الطريق إلى إيثاكا!
وإلا كيف الخبر؟