المجرم لا يولد مجرماً وشخصية الإنسان متغيرة

ديفيد ريستنيو، بروفيسور علم النفس في جامعة نورث ايست المختص في دراسة دور العواطف في المشاركة الاجتماعية والسلوك الاجتماعي، يتناول بالتحليل عقول مجرمين من أمثال جيمس بولغار، المجرم الخطير المتهم بقتل تسعة عشر شخصا، والذي ظلت السلطات الأميركية تطارده لاكثر من ستة عشر عاما حتى تمكنت من إلقاء القبض عليه من خلال المقابلة التالية:
ما الذي يقود الإنسان الى السلوك غير الاخلاقي؟
ــــ لا يمكننا الافتراض ان مجرمين من امثال جيمس بولغار، او انطوني وينر لديهم هذا الانحراف منذ البداية، لقد نشأ وليام شقيق بولغار في البيئة ذاتها، لكنه سلك مسارا مختلفا، وأصبح رئيسا لجامعة ماساشوستس، فما الذي يجعل شخصا انسانا سيئا اذن؟ الاجابة تكمن في كيفية تفاعل الشخصية ذاتها، فقد تبين ان الشخصية لا تتأسس في وقت مبكر وتثبت على ذلك، بل هي متقلبة دائما، ويحدد سلوكياتنا الاخلاقية التأثيرات اللحظية على الآليات المتنافسة في عقولنا لحظة بلحظة، وتركز احدى مستويات الآليات على ما هو جيد في المدى القصير، اما المستويات الأخرى فتركز على المدى الطويل، فالخديعة أو الكذب - على سبيل المثال - قد تؤدي الى مكاسب في المدى القصير، الا ان الافراط في الخداع والكذب قد يعرض صاحبه للضبط والنبذ، أي الخسارة في المدى الطويل.
سلوك عدواني

وكلما امتلك الشخص قوة اكبر، كلما كان الانفصال اكبر بين دوافع السلوك في المدى القصير والمدى الطويل، فمع زيادة القوة، يميل السياسيون ورؤساء الشركات ورؤساء العصابات - على سبيل المثال - الى رؤية انفسهم كأناس محصنون، ويبدأون - في المدى القصير - يكثرون من ممارسات مثل الخداع والاعتداء على الآخرين، ومن ثم فان هذه القوة تغريهم الى الميل لسلوكيات انانية وربما عدوانية.
فالرذيلة والفضيلة موجودتان في اعماق كل منا، واذا نسينا هذه الحقيقة، فسوف نميل الى التصرف على نحو غير اخلاقي.
> بعض سكان جنوب بوسطن كانوا ينتظرون القاء القبض على بولغار بفارغ الصبر، فلماذا ما زال كثيرون ينظرون اليه كبطل محلي ويغضون البصر عن سجله الاجرامي؟
ــــ حكمنا على شخص ما وعلى شخصيته عادة ما تكون له صلة بارتباطه بنا، فقد أظهرت الدراسات ان التنديد بشخص ما ارتكب جريمة لا يعتمد فقط على الحقائق الموضوعية، لقد سألنا الناس في احد الاستطلاعات ان يحكموا على مشهد مصطنع بين ممثلين، وألبسنا جزءا من المستطلعة آراؤهم ربطة معصم اليد، وفوجئنا أن من يرتدون ربطات باللون ذاته من ربطة المعصم التي يرتديها البطل يبدون تفهما أكبر لأولئك الممثلين عند تصرفهم بشكل لا أخلاقي، والعكس تماما كان صحيحا، فالناس الذين يرتدون ربطات معصم لونها مختلف عن اللون الذي يرتديه الممثل جعلتهم أكثر قسوة في الحكم على ذلك السلوك.
دينامية مثيرة

وهذا النموذج يُظهر مدى عمق الروابط الاجتماعية وتأثيرها في تغيير الاحكام الاخلاقية، فالناس الذين ما زالوا ينظرون الى بولغار من سكان جنوب بوسطن على انه بطل، قد ينددون بشخص آخر من نيويورك ارتكب جرائم مماثلة.
> ظل بولغار يعيش مختبئا مع صديقته كاثرين كريغ لمدة ستة عشر عاما، وظل واثقا بأنها لن تسلمه الى السلطات، ما الدور الذي لعبته الثقة في علاقتهما؟
ــــ الثقة هي جزء اساسي من الشرط الإنساني، فعلينا ان نثق بالناس، لأننا نريد البقاء لآخرين، ان الوثوق بشخص ما يمثل دينامية مثيرة، لانه ينطوي على امكانية تحقيق مكسب او مكاسب مشتركة، فاذا كان الاشخاص جديرين بالثقة، فإن الجميع سوف يستفيد من هذه الثقة، ومن ناحية اخرى، اذا غدر احدهم بالآخر، فإنه سيحقق مكاسب على حساب ذاك الطرف. أما حجم الثقة التي نمنحها للآخرين، فيعتمد على عوامل عدة، أهمها مدى المكاسب المشتركة التي يجنيها، او من المؤمل ان يجنيها الطرفان.
وفي حالة بولغار وكاثرين كريغ، كان كل منهما سيتعرض الى السجن لو خان الطرف الآخر، وكل منهما عرف كثيرا من اسرار الآخر وعاداته وتمويله، وبالتالي، فانه اذا لم يدعم الآخر، فسوف يخسر كثيرا. ومع ذلك، فإن الدراسات التي اجريناها تظهر ان الثقة متغيرة، فيمكن ان يكون شخص مصدر ثقة في وقت ما، وفي ظرف ما، لكنه لا يكون كذلك في وقت آخر، فحقيقة ان بولغار وكاثرين وثق أحدهما بالآخر لا تعني انهما أهل للثقة بالضرورة في تعاملهما مع الآخرين.