عبد الحافظ الصمدي
وحدها قيادة المشترك ما زالت ترفض الخروج من ارتباكها المعتاد، لا تملك موقفاً موحداً أو رؤى متوحدة، فضبابية الساسة في هكذا ظروف تغتال وطن ما لم يلفظ الشارع كل الضبابيين وينظر للواقع بعين منصفة لا تفرق بين فساد سلطة وضبابية معارضة..لقد أصبحت المعارضة ذاتها تعمل على إجهاض الثورة وقد ساهمت بتحويلها إلى أزمة من خلال تسويقها للخارج والمجتمع الدولي والإقليمي والإعلام الخارجي بأنها أزمة بين أحزاب سياسية يمكن أن تحلها مبادرة خرجت من جعبة أنظمة الملوك بالخليج، تحمل في طياتها أسباب فشلها، والملوك طبعاً إذا دخلوا قرية أفسدوها ولكن هيهات لهم أن يجعلوا أعزة ثائريها أذلة ولبئس موقف ساسة المعارضة وما يفعلون..
يبدو أن غبار التغيير المتطاير من ساحات مدننا أعمى أبصار قيادة المعارضة وجعلها تفقد اتزانها شأنها شأن النظام، لقد بأن جلياً كيف أصبحت السلطة مهزوزة والوقت لم يعد يسعفها لرتق الثغرات التي أحدثتها الثورة في النظام، فالصعوبة تلازم الخيارات جميعاً، والتغيير من الشارع طيفاً كل ألوانه مرة.. كما أن المعارضة هي الأخرى بدت أكثر تذبذباً عن ذي قبل، في ظل الاحتجاجات المطالبة بالتغيير بتغيير النظام يعنيها التي هي جزء منه في المفهوم الديمقراطي للتعددية السياسية.
ثورة التغيير في الوطن العربي عموماً أعلنها الشارع صراحة، وقف بصلابة لم نعهدها منذ عقود من الزمن، ضد الاستبداد والتسلط والفساد والمهزوزين وضد كل المتذبذبين، قهر أنظمة بعد عقود من الحكم وسيلفظون المداهنين بعد شهور من الثورة مهما أرادوا إذلال شباب الساحات التواقين للتغيير، فالقادرون على النيل من مروضي الثعابين لا يعجزهم الفاشلون..ما قام به المشترك يمثل استهدافاً لثورة الشباب ولو كان غير مقصود في تحويلها إلى أزمة.. المعارضة اليوم تفتقد لموقف نهائي، يأتي في وقت كان الوطن يحتاج لقرار أكثر جدية، لموقف موحد الرؤى والتطلعات مع الشباب .. وقت يتطلب من المعارضة أن تتخلص من كل المصطلحات الفضفاضة التي أدمنت عليها وتحاول دائماً من خلالها الخروج بموقف يستوعب كل متناقضات أطرافها، ينبغي عليها انتشال نفسها من دوامة الارتباك المعهود في تخلخلها والذي شل حركتها في الساحة لسنين، كان عليها أن تثبت للشعب أنها صارت بديلاً أهلاً للسلطة أو عليها ألا تفكر بالتسلق على أكتاف المحتجين للوصول إلى الكرسي وهي ما زالت تناور والمناورة في هكذا ظروف عبث سياسي قد يوقعها في بئس المصير اليوم أو غداً القريب.
المشترك دائماً كما عهدناه لا يرفض أي مبادرة للحاكم أو لإنقاذ السلطة لكنه لا يفصح عن القبول بها، يراوغ الشعب المهروس بالأوضاع القائمة حينما يكون على موعد مع الحاكم ينشد مصلحة سياسية من خلال التفاوض، ويدعو أنصاره للالتحام بالشارع ليذهب بقيادات قد عاف الزمن أدمغتها المتعفنة إلى طاولة للمناورة سبق لأحد طرفيها أن دوخها في سياسته الرقص على رؤوس الثعابين، فيما المعارضة ما زالت تكابر على الانتصار عساها تنفض غبار الفشل وتساورها غبطة الشعور ولو لمرة في التاريخ في التغلب على "صالح" في سياسة لا تتحدث عن إتقان فنها إلا بعد احتساء مرارة الهزيمة..
فعلاً وكما أكد قيادي في المشترك في وقت سابق فليس هناك موقف نهائي في سياسة المعارضة، كما ليس هناك ما يفسد الرأي سوى التردد، لذلك ورغم عمر الأزمات في بلادنا يصعب علينا أن نلتمس موقفاً واحداً محدداً للمعارضة إزاء ذلك إلى اليوم، كما هو الحال في تمرد صعدة وحراك الجنوب وغلاء الأسعار والفساد باستثناء موقف المعارضة وكتلها البرلمانية من قضايا ختان المرأة وزواج الصغيرات ونقاب القاضيات، فالمعارضة تبدو مع الشعب وضده في آن، مراراً تنشد مصلحة ذاتية تخدم أجنداتها لا الشعب، تحاول لملمة ذاتها المتبخر الوجود في موقف تحرص أن يرضي زخم اختلافاتها ورؤاها المتباينة وحين يرى الساسة في المعارضة من السهولة مراوغة الشارع ، فذلك دمار لا يقبله الشعب وترفض الجماهير قدومه من سياسة الأنا ودوافع السياسة..
ولعل تطلع المعارضة لكرسي السلطة من خلال الشارع في هكذا مناورة، يعد بكل المقاييس انقلاباً صريحاً على السلطة والشعب معاً وبطريقة غير شرعية.. وهنا على الشارع أن يصعد مطالبه ويهتف ضد السلطة والمعارضة معاً، فهي جزء لا يتجزأ عن النظام يجب رحيلها معه، ذلك إن أردنا استعادة زمام الثورة بعد أن أصبحت أزمة بفعل المشترك ومناورته العبثية.