تعز ساحة مفتوحة للحرية
وجدي السالمي (حديث المدينةالعدد 94)
قرابة 3 أشهر عاشتها ثورة الــ11 من فبراير تحت الخيام في ساحة الحرية بتعز و في الأسبوع الماضي تمرد الثوار عن التكلس داخل الخيام ونفضوا عنهم بعضاً من الكلل والملل الذي كان قد بدأ يدُبُ إلى نفسوهم فخرجوا إلى مربع التصعيد في أسبوع غَيَر حسابات الساسة ونصوص المبادرين وخطط المنظمين والأحزاب.
مغلق من قبل الشعب:
الأحد الماضي - سلاماً على ذلك اليوم - الذي كان مختلفاً عن ماضي أيام الثورة حيث كان يوماً تصعيدياً جر خلفه أيام ثورية غير مسبوقة، حيث ساحة الحرية في تعز مدت رقبتها إلى شريان المدينة (شارع جمال) الذي أصبح ساحة التصعيد لشباب الثورة.. الحواجز الشبابية تسد معظم مداخل الشارع..ودخان الإطارات يتصاعد، و وجوه تبتسم وهي تمر في جمال .ترى خيام منتصبة أمامك على بعد أمتار من مبنى حكومي مكون من أربعة طوابق بابه صفد بسلاسل الثورة وقد أغلق بإحكام بعد أن كتب عليه باللون الأحمر عبارة "مغلق من قبل الشعب" المبنى الحكومي يعد الأهم في تعز العلم والثقافة (مكتب التربية والتعليم بالمحافظة) والذي قرر الثوار والتربويون إغلاقه بعد قيامه بإصدار قرار بدأ الاختبارات، وكذلك لقيامه باستقطاع مبالغ مالية من رواتب المعلمين وصلت إلى أكثر من النصف ومن أجل ذلك كان المعلمون قد اعتصموا أكثر من مرة أمام المكتب لكن دون جدوى.
ليأتي يوم الأحد وهو اليوم المشهود في تاريخ الثورة بعنفوان الشباب الذين قرروا التصعيد، حيث صنعوا ساحة جديدة في شارع جمال، -وهو الشارع ذاته التي بدأت منه التظاهرات في 11فبراير- و أول خطوة قام بها الشباب هي إغلاق مكتب "عبدالكريم محمود" كأول مرفق حكومي يتم إغلاقه من قبل الثوار ليتبعه مرافق أخرى في ذات الشارع بات الشباب في ساحة التصعيد وعاشوا ساعات ثورية مصحوبة بالفرحة التي باركها الجميع لكن الوضع لم يهدأ ولم يمر دون سفك دماء حيث حشد قيران ونائبه عبدالله مرعي الوحدات العسكرية على مختلف مسمياتها بما فيها الفرقة الأولى مدرع القسم التابع لجبران الحاشدي القريب لأحمد علي عبدالله صالح لقمع وتفريق الشباب في ساحة الشباب ( شارع جمال سابقاً) ،الكلاشنكوف لم يكن هو سلاح المواجهة إلا نادراً بل كانت الأسلحة الثقيلة هي من أوكلت إليها تلك المهمة التي بدأت في الساعة الخامسة من عصر الأحد حين كانت سيارات خراطيم المياه المنتنة بمياه الجاري تتقدم أكثر من 12 طقماً لتفريق الشباب المرابطون في ساحة جمال عبدالناصر في مشهد تراجيدي أسفر عن استشهاد اثنين وجرح العشرات من الشباب.
إطلاق النار استمر حتى الساعة السادسة عشية يوم الأحد ولم يتوقف إلا بعد نفاذ الذخيرة التي قهرتها أحجار الثوار وأجبرت المهاجمين على الفرار.
الرصاص يُقض مضاجع المدينة:
استمر الشباب في ساحتهم رقم (2) في يقظة طوال ساعات الليل مترقبين لأي هجوم ليلي قد يخطط الأمن له لكن رحل ظلام الليل وأقبل فجر يوم الاثنين بدماء جديدة وشدو عصافير الصباح التي لم تكن هي من أيقظت المدينة كما لم تكن روائح الأطعمة المتصاعدة من المطاعم والمنازل هي السائدة بل كان أزيز الرصاص وروائح القنابل السامة هي من أقظت مضاجع أهل المدينة فقد كان الأمن يتولى تنفيذ مهمة قتل جديدة حيث حصدت آلياته فجر ذلك اليوم أربعة شهداء وعشرات الجرحى المصابين بالرصاص الحي والاختناق الغازي ، ناهيك عن اختراق الرصاص إلى العديد من المباني جراء الاستخدام المفرط للقوة ورغم ذلك إلا أن الثوار اختفوا في الأزقة الفرعية للمدينة ليلملموا شتاتهم قبل ظهر يوم الاثنين ويعودون إلى ساحتهم الجديدة ويفترشونها مرة أخرى.
في شارع جمال يعشق الثوار المبيت مع أصوات الرصاص الموسيقية ومسار التصعيد الثوري يستمر ويرافقه القمع العسكري والقتل القبيح.
صبيحة يوم الثلاثاء:
في اليوم الثالث من أسبوع تعز التصعيدي الذي بدأ الأحد على غير العادة وهو الأسبوع الذي حرك الميادين والساحات في بقية المحافظات حيث جن جنون الأمن و ازداد توحشه ليقوم بما يشبه المعركة العسكرية حيث لاحق فيها الثوار إلى الأزقة والأحياء السكنية في المدينة... في مشهد ينقل المشاهد إلى مصراته في ليبيا مع فارق التسليح طبعاً للثوار الليبيون المسلحون بمختلف الأسلحة عكس الثوار التعزيون المسلحون بالبصل.
المهم تلك الملاحقة والكر والفر وصلت إلى حد اقتحام المساجد ففي حي المسبح اقتحم الأمن مسجد الرحمن بعد أن كان الثوار قد اتخذوا منه ملجأ لهم حيث اخذوا المصاحف و شرعوا في قراءة القرآن لكن كتاب الله لم يشفع لهم فتم اعتقالهم وإجبارهم على ترك المصاحف وترك أحذيتهم كذلك (بعض المختطفون لم يعلم أماكنهم حتى الآن).
و بعد أن لملمت الشمس بقايا أشعتها المخضبة بدماء الشهداء أخر نهار الثلاثاء تبينت إحصائية الملاحقة التي أوضحت استشهاد 4 من الشباب وإصابة العشرات بالرصاص الحي، فيما كان هناك 420 حالة اختناق بالغازات السامة وحوالي 70 مختطف.
أحداث الثورة تتوالى يوماً بعد آخر حاملة معها الشهداء والجرحى.. التجار يغلقون محلاتهم التجارية في أرجاء وأنحاء تعز التزاما بالعصيان المدني الشامل والذي بدءوه من يوم الأحد، ولازال حتى لحظة كتابة هذا حيث لا نشاهد محلاً صغير أو كبيراً إلا وقد وأغلق أبوابه ذاتياً التزاماً بالعصيان المدني تضامناً مع شباب الثورة.
يا عيباه يا عيباه علي قتل الشيبة:
أما يوم الأربعاء فلم يكن استثناءً بعد أن أصبح القتل مهمة يجيدها رجال دورهم حفظ الأمن لكنهم يقومون بتقديم الرصاص كجرعات العلاج الوقتية صباحا ومساء للثوار.
وفي الأربعاء كذلك تم إغلاق ثلاثة مرافق بعد مكتب التربية من قبل الثوار بعد أن غادر الموظفون عملهم طواعية و تم كتابة عبارة "مغلق من قبل الشعب" على مرفق الخدمة المدنية والشئون الاجتماعية والعمل وفرع وزارة النفط ،في خطوات تشابه سيناريوهات الثورة المصرية أقدم الثوار في تعز على إحراق قسم الجديري بعد أن كان مصدراً لإطلاق النار الذي أدى إلى استشهاد مسن في السبعين من عمره.
النساء في تلاوة لسورة ياسين أثناء مسيرة صامته:
يرحل يوماً حاملاً أخبار شهداء وجرحى ومختطفين ويأتي يوماً آخر بأحداث جديدة، يوم الخميس كان يوماً خالياً من القتل أما أخبار الجرحى أصبحت حديث الساعة، و كالعادة ففي مسيرة انطلقت من ساحة جمال إلى مكتب المالية قابلها الأمن بالرصاص الحي ما أدى إلى سقوط 20 جريحاً بالرصاص الحي وإصابة 110 بالاختناق الغازي السام وفي الاتجاه الأخر كانت مجموعة من البلاطجة وبمساندة من الأمن العام قد حاولوا اقتحام ساحة الحرية في صافر لكنهم لم يستطيعوا بسبب تصدي الثوار لهم .
وفي ساعات العصر نظمت حركة المرأة الحرة مسيرة نسائية حاشدة بشعارات صامتة انطلقت من جمال أيضاً باتجاه المحافظة النساء،المشاركات رفعن خلالها القرآن الكريم وكممن أفواههن باللاصق، وكما هو معتاد اعترض مسار المسيرة حيث منع وصولها إلى المحافظة سياج من أفراد الفرقة الأولى مدرع حينها قمن بتسليم رسالة إلى أفراد الجيش ..مكتوبة بدم الأمهات استحلفن فيها الأمن العمل على إيقاف قتل الشباب باعتبارهم حماة للوطن والمواطن وجلسن يقرأن سورة ياسين ومن ثم اتجهت المسيرة بعد ذلك إلى ساحة الحرية لتفادي المواجهة مع نساء أخريات كان النظام قد جندهن لمواجهات الثائرات من نساء الثورة.
بمسيرة النساء انتهى يوم الخميس مع استمرار الثوار في ساحة شارع جمال الذين دعوا إلى إقامة صلاة الجمعة في الشارع نفسه ولم ينتهي الأسبوع التصعيدي في تعز انطلاقة الثورة ورائدتها بعد.