في صلاة العصر قبل بضعة أيام .. أخطأ الإمام فقام للخامسة .. ولم يقل أحدٌ سبحان الله إلا شخص واحد .. وبعد أن لفظ الكلمة
انطلقت من أفواه الجماعة بعده !
هذا الشخص .. كان هو الشخص الوحيد الواثق بنفسه وهو الذي عرف أن الإمام أخطأ وحاول تنبيهه لخطأه بالتسبيح كما في السنة ..
حدثني
أحدهم … أنه في أحد المساجد صلوا خمس ركعات .. والسبب أنه لم يجرؤ أحد أن
يسبح على خطأ الإمام .. كل ذلك كان بسبب قلة الثقة بالنفس وعدم التركيز
أثناء الصلاة ولا شك .. ولكن أجزم أن هناك من يعرف أن الإمام أخطأ بنسبة
مائة في المائة .. لكنه لا يجرؤ أن يصحح الخطأ بنفسه ويعدله .. والسبب في
ذلك معروف .. اهتزاز ثقته بنفسه !
حين
أخطأ عليه الصلاة والسلام .. وصلى ثلاثاً في صلاة العصر .. لم يجرؤ أحد في
نفس الوقت أن ينبهه .. وبعد انتهاء الصلاة كان الصحابة جميعاً في حالة صمت
إلا شخص واحد .. قال بكل ثقة : هل قصرت الصلاة يا رسول الله أم أنك نسيت !
فقال عليه الصلاة والسلام : لم تقصر ولم أنسَ .. والحديث مشهور ..
الواثق بنفسه .. يصدر القرار في نفس اللحظة دون الانتظار لمن يشجعه أو حتى يكون القرار جماعياً ..
الثقة
في النفس .. خصلة تربوية غالية .. لا تأتي لنتاج يوم أو ليلة .. بعض الناس
لا يستطيع أن يصدر القرار ولو كان قراراً شخصياً خالصاً .. لا يستطيع أن
يثق بنفسه أو بقدراته .. لهذا تجده يطرق باب المشورة " وإن لم يكن هناك داع
لها " ويحاول أن يجد من يساعده في اتخاذ القرار !!
الثقة
بالنفس .. تأتي من خلال تربية الابن من البداية عليها .. إعطائه كافة
الإشارات التربوية على أنك صاحب قرار واستقلالية ومسئولية عن تصرفاتك مع
عدم إهمال النصيحة وبيان وجهة النظر دون فرض الوصاية .. الثقة بالنفس تأتي
من خلال عدم تكبير الأخطاء الصغيرة بل يجب تحجيمها ووضعها في موضعها
الطبيعي .. وكذا تأتي من خلال زرع الكلمات التي تحيي ثقة المرء بذاته من
خلال تصويب القرار والتشجيع على الفكرة وإن حوت بعض السلبيات وعدم المبالغة
في النقد أو التهديم أو التحطيم ..
الثقة
.. سلعة ثمينة بدأنا للأسف نفقدها في الجيل المتأخر من خلال زعزعة
قراراتهم وعدم إعطائهم كامل الثقة بتحمل تصرفاتهم .. فأصبح بعض أولياء
الأمور يحاولون التدخل في كل صغيرة وكبيرة وفرض الأوامر بحجة حب مصلحة
الابن .. وهو يضره بذلك ولا شك .. حيث يهدم أساس مهم في نفسية الابن وهو
ثقته بنفسه ..
في
الجانب الآخر .. كلما توثقت روابط القلب بين اثنين .. زادت الثقة بينهما
.. زادت ثقة الشخص بكلام الآخر وبمكانته في نفسه ولو تكالبت عليه القلوب
وتكومت عليه الأفئدة .. يبقى ما في القلب حبة أصلها ثابت في القلب وطلعها
بائن على الوجه ..
ثقة الحبيب بمحبوبه .. أشد ما تكون حين يحتاجها .. ولهذا .. فإن المؤمن أشد ما يكون ثقة في الله .. لحظة أن توافيه المنية ..!
كما
أن للثقة شعرة .. إن انقطعت .. أفلتت صاحبها فانزلق في وادي الغرور .. فإن
زادت الثقة فربما تهوي بصاحبها وتهلكه .. ولهذا على المرء دوماً أن يعرف
مكامن الثقة من خلال معرفته لإمكاناته .. وهذه نقطة تحتاج لذكاء حاد وميزان
صادق مع النفس أولاً وأخيراً ..
الثقة
.. قيمة شخصية مهمة للنجاح .. فلا يوجد ناجح مهزوز الثقة في نفسه .. بل
لابد أن يعي أن ما وصل له " بعد توفيق الله " إنما هو بسبب إمكاناته وثقته
بها وعدم ازدراءه لما يملك من مهارات .. ولهذا .. مهزوز الثقة لا يمكن له
أن يرتقي أو يصل لما يريد .. فهو معدوم الأساس للبروز .. وهو الثقة بالنفس
وبالقدرات ..
ومن
فرط الثقة .. تجد أن البعض يحجم نفسه بأكبر مما فيها .. ويضع نفسه في
مكانة لا يمكن له تغطيتها .. ويدخل في تحديات كثيرة .. بغية تثبيت هذه
الثقة أو ترسيخها .. لكنه يفشل بعد ذلك بسبب عدم دراسته بإنصاف لإمكاناته
وطاقاته .. وهذه دوماً تحدث للشباب في بداية حياتهم .. حيث مرحلة التغير من
المراهقة للرجولة .. مرحلة محاولة إثبات الوجود وإثبات الانتقال ..
لكم تقديري وجزيل احترامي