*فيصل علياثبت لنا صالح أن وصوله للسلطة كان" تسللا على التاريخ " وبقدرة قادر صار محسوبا رئيسا لليمن بقدرات متطفل، وأعمال سفاح، وأفكار بلطجي، وبتصور مكتوب من قبل سماسرة القتل وتحطيم قدرات الشعوب.. حراس البلد مازالوا مفجوعين من دم الزعيم الحمدي الذي سفك غدرا، فلم يتخيل احد أن يقدم شخص أو مجموعة تنتمي لتراب اليمن بهذا الفعل الشنيع وذبح المشروع الوطني من الوريد الى الوريد..
فذهبت آمال الناس أدارج الرياح بعد أن عاشوا أحلى أيامهم في عهد الحمدي الذي بدا بتحقيق طموحات الشعب في كافة المجالات حتى ارتفعت بورصة اليمنيين في الداخل والخارج، فرفع الناس رؤوسهم واعتزوا بيمنيتهم حتى أجور العمال اليمنيين في دول الجوار ارتفعت ورفض العمال استلام أجور اقل لـن الحمدي رفض ذلك وكانوا يقولونها بالحرف لأرباب العمل :"الحمدي أمر أن لا نقبل بـجر متدني".
ومثلما قضوا على الحمدي كانوا قد قضوا قبله وبعده على الثوار الحقيقيين إما بالاغتيالات المنظمة من قبل ما سمي "فرق الغزاة" وهم من قتل قائد الثورة اليمنية "سبتمبر" علي عبد المغني واغتالوا أبو الأحرار محمد محمود الزبيري مؤسس مناهج الوسطية في اليمن وطردوا الأستاذ النعمان واتهموه بأبشع التهم وطاردوا الثوار وواروهم خلف الجدران فلم نر لهم أثر إلا بعض الحضور الرمزي في احتفالات أعياد الثورة والتي قضي عليها أيضا فمن يحتفل بسبتمبر وأكتوبر؟ لقد حولوها الى ذكريات قديمة .. فرق الغزاة شوهت الوطنيين واغتالت من استطاعت منهم وصمت الباقون وهاهم اليوم عادوا ليفضحوا لنا تاريخ عفاش الأسود ويداه الملطختان بدماء الشهداء كقائد لفرق الغزاة.
لم يرق الحال لإقطاعيي العالم المنتفعين بتخمة أكل السحت إلا أن يتآمر على اليمن فوجدوا ضالتهم المنشودة "شخص أمي لا يفقه شيء ، وليس لديه من القيم شيء" فاختاروه وزودوه بكل الاحتياجات اللازمة في تلك الفترة الحرجة من عمر شعبنا المجيد.. وهيأوا له الأجواء للعودة باليمن إلى مهاوي التاريخ فانخفضت قيمة اليمن واليمنيين وسمعنا مصطلحات أبو يمن و"الهبيلة الزيدي" - هذه مقولة في إحدى دول الجوار لكل يمني- وشعب احمد، وشعب الشمة، وشعب الشتات، وشعب القات، والله كريم يماني مسكين، وخوش أوادم فقراء، يا غبي هو أنت عندك أهل من اليمن؟.
لقد عمل طيلة ثلاثة عقود على تشويه صورة اليمني أمام نفسه وأمام الآخرين، طأطأ اليمانيون رؤوسهم أمام العالم خاصة العمال في دول الجوار وتحملوا من الجور مالا يتحمله بشر فكان ظلم ذوي القربى أهون من ظلم ولي الأمر لشعبه.. وأينما توجه أبناء اليمن عبر مطارات العالم فان الفحص عليهم اشد وأدق فهم- بحسب ولي الأمر صالح- مشبوهون ومتعاونون مع "القاعدة والراهدة وجبل راس" ولا يهم شرطة المطارات ان تكون لابسا جنز او تضع سماطة على راسك فأنت إرهابي حتى "يسلم الله" وتثبت برائتك..
تمنى الشباب اليمني الخروج دفعة واحدة من البلد لكن الظروف حالت دون ذلك، طلبنا من الشباب الذين كانوا على موعد بالهجرة ان لا يعودوا حتى نطلب منهم العودة للديار.. وصلنا إلى مرحلة لا يستطيع احد منا النظر للمرآة حتى لا يكتشف صورته التي رسمها له النظام الفاشل.. العالم لم يقصر معنا في النظر لهذه الصورة الذهنية عن الشعب اليمني البدائي، حيث يربط أبنائه الخناجر على بطونهم لمجابهة الأعداء والوحوش الكاسرة..
في إحدى الدول العربية الكثير منا سأله زملائه هناك عن أشياء نستحي من ذكرها مثل :هل لديكم نساء في اليمن؟ فكنا نتندر بإجابات "لا ما فيش معنا" بس نحن نتكاثر عبر الانشطار الثنائي للذرة .. وكيف أتيت من اليمن؟ نرد عبر الطائرات..! وهل لديكم مطارات ؟ فنقول لا" بس نجيب بطانية كبيرة ونفرشها تحت الطائرة ونرفعها مرة واحدة ونرميها في الهواء" واشتهر اليمنيين في دول الجوار بأنهم "بناشرة" وسائقين ، وبكل أشكال العمالة الدنيا وأحسن شيء يذكروه للعمال اليمنيين أنهم أفضل من يقدم الشيشة..
كان شعبنا اليمني موعود مع شخص يعمل على تكسير الإرادة اليمنية ويمحو كل ما فعله الحمدي ومن سبقوه فتحطم التعليم في عهده وان كثرت دكاكينه.. وكذا الصحة وبقية الخدمات لا تجد فيها خير، وأبى إلا أن يحول اليمن إلى دولة فاشلة ومجتمع يبيع بناته سياحيا وشعب إرهابي وحول البلد في النهاية إلى قنبلة موقوته..
لم يكن عفاش يعلم أن هناك من يحاول أن يصنع شكل آخر واتجاه آخر لما يريد صنعه هو، فكانت أول هزة واجهته في انتخابات الرئاسة 2006 ظهور خصوم سياسيين أقوياء كسروا "الصنمية" وصوت أكثر من مليون ومائتين ألف لصالح المهندس فيصل بن شملان، فلم يتوقع ان يقوم موظفي أجهزة الدولة بالتصويت لخصمه برغم ما قام به معهم من ترهيب وترغيب.
فكان الوعي هو الخطر الحقيقي لحكمه فاغرق مؤسسات التعليم بالفساد والفاسدين وعيّن الأسوياء من لديه لإفسادها، لكن للتعليم دوره في تحويل المجتمعات من حالة الكساد الى حالة الغليان والثورة التي نعيشها الآن.. وهذا يجعلنا نقول أن ما يجري اليوم في اليمن من ثورة عظيمة هي نتيجة لجهود بذلت وتحويل جيل من السلبية المقيته إلى جيل قوي خرج مجاهرا بالحق يريد بناء دولته المدنية ولم يعد يهتم لأمر القمع والسجن والموت في سبيل بناء حلمه المنشود.
يحاول صالح ان يقول انه مازال يهتم باليمنيين فتفضحه عباراته ويصدر الفتاوى ضد الاختلاط وبدا مخزونه الفقهي وتبحره في أبواب العلم ينكشف أمام الناس وما بقى إلا أن يفتي بحرمة لبس الكوفية "ابو رفرف" والتشبه بالنصاري لانها تظلل الوجه من أشعة الشمس وان يستدل بما قاله احد شيوخ الوهابية في هذه المسالة.. وحتى قضية الاختلاط التي جاء بها صالح في "خطبة الوداع" قادمة من نفس المدرسة الوهابية التي أنتجت تنظيم القاعدة فيما بعد .. ولا وجود لكلمة" اختلاط" في اليمن ولا في جناحي اليمن ومذهبيها المعتمدين الشافعي والزيدي، فهي غير موجودة في كتاب الإمام للشافعي، ولا في مجموع الإمام زيد، انها جاءت فقط عبر الوهابية القادمة من الصحراء التي كرهت الناس في دينهم ، ومصطلح اختلاط ليس له من العمر الا ما يوازي عمر الدعوة الوهابية الصحراوية واتت عبر فقهاء الحمامات ودورات المياه وهو الفقه الأعوج الأعرج، وعبر من نسميهم بوعاظ السلاطين الذين تطرفوا فكانت القاعدة هي ابرز انتاجاتهم الفقهية، والتي تحولت حصان طرواده لمن يريد ان يمد يديه ورجليه في المياه الدافئة حيث النفظ والثروة و"امة الكبسة والحمص بالطحينة".
مشكلتنا في هذه المنطقة وقوعنا ما بين "حمار وحرام" فحاكم جاهل لا يملك أي مشروع تنموي لبناء الدولة و الأمة يحق لنا كشعوب أن نطلق عليه لفظ حمار ولنا سوابق في تسمية حكامنا بهذه التسمية المميزة.. وقد استفاد هذا الحاكم من وعاظ السلاطين وشيوخ الحرام في خنق الناس وإلهائهم عن بناء الدولة والأمة ، وكل ما فعلوه حرموا علينا كل شيء بدءا من الصورة، والصوت والابتسامة، والأكل بالملعقة ،وتحريم معجون الأسنان، وتحريم كل ما لم ينزل فيه نص بالتحريم، وتركونا طيلة الفترة خارج الملعب في الاحتياط بحسب العمل بفقه "الأحوط" فحار الكثيرين من الشباب، ولبسوا علينا ديننا، ولم يخوضوا معنا لأننا عامة فحذفوا ما شاءوا من النصوص الصريحة واستندوا على ما أرادوا من النصوص الضعيفة والموضوعة لتضييق الخناق علينا فكان ان انفجرنا منهم ومن خزعبلاتهم فسخرنا منهم ومن فتاوى تحريم المظاهرات والاعتصامات وصارت فتاويهم ترمى على الأرصفة وتدوسها الأقدام فقد مللنا من التدين المغشوش والسياسات الفاشلة معا، وخرجنا نبحث عن بناء بلداننا وذواتنا من جديد فكانت ثورتنا رمزا لهذا الانفجار العظيم الذي أحدثه "الحمار والحرام " ولهذا شعبنا في اليمن يرنوا ببصره الى دولة مدنية ولن يقبل بدولة دينية مهما كلف الامر فنحن الان نخرج عبر ثورتنا من دولة استغلت الدين في مصالحها الدنيئة.. دعونا نخبركم ان المسالة لدى صالح ليست الاختلاط فحسب بل ان صاحب الفخامة صار "يخلط ماء وصليط".
لا يزال صالح قابعا في دار الرئاسة منتظرا نتائج الحوارات والمبادرات وهو يعلم علم اليقين انه غير مقتنع بأي منها وما يبقيه دون الرحيل هو من يستطيع جمعهم من كل أنحاء اليمن مستغلا ثلاثة قضايا في جمعهم، يراهن عليها وهي :الخوف والفقر والجهل.
فعبر تخويف الناس من القادم الذي سيحكمهم يستطيع أن يأتي بالمعوزين من أنحاء اليمن ليقفوا أمامه ويحجبوا بينه وبين الرحيل والمحاكمة العادلة لكل تاريخه، فهو اليوم يحتمي بهم وبمن تبقى له من جنود أيضا يستغل فقرهم واحتياجاتهم "لدبة زيت وقطمة سكر وأخرى رز" ليطلقوا النار على الشباب، انه يستثمر فقرهم وامتلاكه للثروة التي مازال يجمعها من عرق شعبنا طيلة ثلاثة عقود عمل من خلالها بكل ما يقدر على تجهيل المجتمع وإنتاج الجهل عبر مؤسسات تعليمية يحكمها الفساد من الإدارة الى المناهج.
انها الثلاثية المرعبة التي تطيل بقائه الفقر والجهل والخوف لا سواها كما انه ينتظر ان يمل الشباب ويغادروا الساحات لينزل بما تبقى لديه من خردة الدبابات والمدرعات الروسية القديمة للساحات ويرسل بلاطجته وجنده للحارات ليمنعوا الناس من الخروج ثانية، وهو يحاول كسب الوقت وملل الناس من التظاهر ليعود بشكل اخر لحكم اليمن بالحديد والنار، لكن ما دام الوعي موجود وإصرار الناس اكبر مما سبق على مواصلة المسيرة الثورية حتى النصر.. وهذا ما نراه ونبشر به ، فان قيام دولتنا المدنية صار وشيكا ومن الآن نقولها له بلهجة إخواننا المصريين " حتوحشنا يا عمو علي كثيرا".
*صحفي يمني- ماليزيا
المصدر
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] 
