زكريا الكمالي
ترفرف الثورة عالياً، ويهوي النظام إلى قاع حُفر الصرف الصحي كي يلوث عبيرها.
لجأ النظام مؤخراً إلى أحقر الأساليب في قمع الثّوار: رشهم بمياه المجاري. ابتدأها في تعز، وكررها في صنعاء الأحد الفائت.
بماذا يريد هذا النظام أن نذكره بعد رحيله؟
لا محاسن تذكر. ولن يتذكر اليمنيون نظام صالح سوى أنه «نظام الصرف الصحي».
أي سقوط هذا، وأي حُسن خاتمة كُتبت للرئيس علي عبد الله صالح.
يخيّل للنظام أن تجربة «المجاري» نجحت في تفريق شباب تعز من حوض الأشراف الأسبوع الماضي، رغم أن شباب الحرية في الحالمة اعتبروا أن النظام الذي كان يوفر لمدينتهم طيلة حكمه المياه المختلطة بالمجاري في غالب الشهور, لم يفاجئهم، ولذلك لم يثيروها إعلامياً. لكن لم يكن أحد يتخيل, تكرار التجربة العفنة في العاصمة صنعاء، وجه اليمن، والمكان الذي يتواجد فيه سفراء الدول الشقيقة والصديقة.
يتعفف المرء أحياناً من الكتابة عن نظام، مشلول، من باب أن «الطعن في الميت حرام». يتغاضى عن جرائم ومآسي خنق الناس بقنابل الغازات السامة، وعن الرصاص الحي، لكن حين يلجأ هذا النظام إلى أساليب وضيعة، من نوعية مياه المجاري في رش شباب خرجوا يقولون له «ارحل»، وخنق الأهالي في منازلهم، فإن ذلك يجعلنا نستعجل رحيل القذارة التي تلّوث بلدنا.
اليمن لا يمكن أن تعيش مع القذارة. لا تقبل أن يذكر المؤرخون يوماً أن نظاماً حكمها، ولجأ إلى أساليب العجزة والجبناء في قمع ثورة تطالب برحيل نظامه القمعي. الأجيال القادمة ستتبول على كتب تاريخ فيها نظام كهذا.
أتساءل فقط: من الذي أوعز للنظام بهذا السلاح الكيماوي دون علم وكالة الطاقة الذرية؟. الشعب يريد أن يمنحه «براءة المستشار الأمين»، يريد تكريمه لأنه أظهر النظام الحالي على حقيقته. أنزله إلى منزلته الطبيعية.
صاحب فكرة «مياه المجاري» كسلاح فتاك لقمع الثّوار هو الجندي المجهول للثورة. البطل الذي قضى على آخر ذرة ود كان يمكن أن يحملها الناس لنظام صالح بعد رحيله، ويجب أن يكرّم.
مع كل يوم يمر من عمر الثورة، سيتأكد الرئيس أن اليمنيين حينما طلبوا منه الرحيل قبل شهر، كانوا يريدون له خروج القائد المنتصر. المراوغة التي يتبعها حالياً لا تعني انتصاراً، ولا يمكن وصفه أنه «ثعلب» ويمتلك قدراً من الدهاء السياسي.
الرئيس يخسر مع مرور الوقت. يخسر كثيراً. الرجل الذي كان يتقدم بمبادرات لإصلاح «الجامعة العربية» ويفكر كثيراً في العمل العربي المشترك، ارتد وأصبح يحارب مناوئيه بـ«مياه المجاري», اختلطت عليه الأوراق، وبات يصدر فتاوى.
الرئيس الذي كان يخطب لساعات في المهرجانات الداخلية والقمم العربية، بات يخطب مرة في الأسبوع، لمدة لا تتجاوز الدقيقتين. ينطق المفردات بالجملة. بالثلاث, على طريقة «يمين الطلاق»: المبادرة القطرية مرفوضة مرفوضة مرفوضة. المشترك قطاع طرق, قطاع طرق، قطاع طرق. الاختلاط، الاختلاط, الاختلاط.
لا نريد أن نشاهد رئيسنا في قادم الأيام، يُلحن كلماته، ويغنيها بأسلوب سعد الصغير. ولا أن يسقط أكثر إلى ما هو أحط من مياه المجاري، فالرجل مازال شريكاً في صناعة إنجاز وحدوي عريق، ونتمنى أن لا يلطّخه بالروائح الكريهة كما لطخه بالدم.
المصدر أونلاين