تعز.. الدفاع المدني مهمة خاصة لحريق الدم
الخميس , 20 يناير 2011 م
"حديث المدينة"
> وجدي السالمي
بعد 50 عاماً من قيام الثورة.. الوضع لم يتغير كثيراً الـدفاع المـدنـي مهمة لـ«حريق دم» خالص!
الدفاع المدني باعتباره أهم المرافق الأمنية، له أهمية بالغة في حياة المجتمع ولا تنحصر مهمته في إطفاء الحرائق فقط كما يتصور البعض، بل مهامه متشعبة الاتجاهات.. في مختلف دول العالم يعمل الدفاع المدني بمهام ثلاثية التقسيم في السلم والحرب والكوارث الطبيعية وهناك أعمال لا يمكن حصرها كإطفاء الحرائق وعملية الإنقاذ وإسعاف المصابين والمشاركة في الإشراف على التطبيق العمراني للمباني والمساكن والمنشآت الخاصة والعامة.. ويتمثل إشرافه على محتويات السلامة من مخرجات الطوارئ وشبكات الإطفاء الداخلية والملاجئ المنزلية الخاصة وأخرى عامة.. كما أن من مهامه الحفاظ على سلامة الأرواح وممتلكات المجتمعات في مختلف الكوارث ..
مرفق كهذا ينبغي أن توليه الدولة عناية خاصة وأن يتم رفده بمختلف الإمكانات والمعدات لمواجهة المخاطر وتأهيل وتدريب أفراد هذه المصلحة بمختلف البرامج الحديثة.. لو فصلنا بالمعنى الواسع عن مصطلح «الدفاع المدني» سنظل نبحث في مختلف محافظات الجمهورية اليمنية ولن نجد ما يسمى بالدفاع المدني ما يوجد على الواقع عبارة عن وحدات إطفاء ليس إلا وهذه الوحدات ليست متكاملة.
تعز وسيارة الامام
تعز كنموذج ـ وهي مدينة تكتظ بالمساكن والسكان وتحتوي على أكبر المصانع والشركات التجارية المختلفة يعمل الدفاع المدني فيها بإمكانيات لا تختلف كثيراً عن إمكانياته في عهد الإمام، فقط حيث تأسس الدفاع المدني بتعز في عهد الإمام بسيارة واحدة «إنجليزية الصنع» و قامت الثورة على الإمام وبقيت سيارته تعمل حتى عام 1968م، ثم انتكست وتقهقرت خدمة الدفاع الوطني ،وفي عهد الرئيس «الحمدي» عادت للعمل من جديد حيث تم رفدها بعشر سيارات إطفاء مع الوايتات نوع «جمس» أمريكية الصنع ، لم تصمد طويلاً صفقة هذه العشر السيارات التي حصلت عليها الجمهورية كهدية من الشقيقة السعودية لأن عمرها الافتراضي كان على مقربة من الانتهاء حسب القائمين على الدفاع في تعز.
سيارتين صنع «مشترك»
بعد الوحدة تم رفد المصلحة بسيارتي إطفاء حديثتي الصنع «أفيكو والجراس» ـ صنع ألماني إيطالي مشترك ـ وظل الحال هكذا حتى كتابة هذه السطور، ومنذ ذلك التاريخ والدفاع المدني في الحالمة يعمل بسيارتين إحداهما تعرضت للعطل عام 2007م فيما السيارة الأخرى ـ الوحيدة ـ لا تتجاوز سعتها أربعة آلاف لتر من الماء... أي لا يمكن لها مواجهة حرائق متوسطة ـ إن لم نقل عادية ـ بهذه السعة ما لم يتم الاستعانة بوايتات المواطنين ...
تحتشد هنا جملةً من التساؤلات كيف يتعامل رجال الإطفاء مع الكوارث إذا كان مصلحة الدفاع المدني تفتقر إلى أبسط المقومات؟ وما إمكانية تجهيزاتهم ومعداتهم لمواجهة الكوارث الطبيعية؟ وماذا بقي لهذه المحافظة النائمة من اهتمام النظام؟ وماذا أضافت الجمهورية لخدمة الدفاع في المحافظات؟...إذا كانت خدمة الدفاع المدني عملت بسيارةً واحدة في عهد الإمام فها هي اليوم تعمل بسيارة واحدة أيضاً.. ما الفرق إذاَ؟ 50 عاماً من الثورة نكتشف بعدها أن الفرق يقتصر على ماركة التصنيع !! تساؤلات لن تنتهي إذا ما فتحنا أبوابها...
بسيارة إطفاء واحدة وأخرى خارج الجاهزية يعمل الدفاع المدني في تعز ولا يستطيع إطفاء حرائق لمبانٍ تزيد على ثلاثة طوابق بسبب عدم وجود سيارة سلالم متحركة تساندها وإن وجدت فهي متهالكة في حوش المرفق المتهالك هو الآخر..لا يمتلك الدفاع المدني وسائل وإمكانيات تجعله مستعداً لمباشرة عمله في مواجهة الكوارث بأي حال بل عمله مقيد ومنحصر في الحرائق البسيطة فقط .. هذا إذا ما استطاع التعامل معها.
دفاع تعز
في زيارةٍ قمت بها إلى إدارة الدفاع المدني بتعز وما إن وطئت قدماي حوش الإدارة إذا بي وقد دخلت غرفة متواضعة متسائلاً عن مدير إدارة الدفاع ... وكان بحسباني أن أجده في مكتبٍ أنيق وأمامه شاشة كمبيوتر وفي مدخل بابه سكرتارية ..إلخ ، لكني وجدته في غرفة متواضعة لا تمتلك فرش (موكيت) كأقل تقدير وعلى كرسي من الأحجار المنظمة ... هكذا كانت تبدو الإدارة متهالكة وهي عبارة عن (بدروم) رغم مرور سنوات على وضع حجر الأساس في منطقة كلابة للمبنى الجديد .
«الكلام عن واقع الدفاع المدني يُعد مُراً إذا ما قلنا الحقيقة» هكذا بدأ العقيد/ عبد الواسع عبده أحمد الضباب مدير إدارة الدفاع المدني بتعز بالحديث معي حول مهام الدفاع المدني... ويقول بأن المهام لا تنحصر بإطفاء الحرائق فحسب بل من صميم المهام التخطيط والإشراف على مدى تطبيق المواطنين سواءً في المساكن أم في المنشآت لمعدات وآلات السلامة والمحتوي على مخارج الطوارئ وشبكات الإطفاء الداخلية والملاجئ العامة.. وكذا تركيب صفارة الإنذار ومن مهامنا أيضاً توعية المجتمع بمخاطر الحرائق ... ويضيف القانون ترك للمواطن الخيار في استخدام معدات السلامة إذا كان البناء لا يتجاوز طابقين.. أما إذا كان البناء أكثر من ذلك فالقانون يلزم المواطن بتطبيق جميع وسائل السلامة، لكن - والكلام له - مكتب الأشغال العامة يعترض على إشرافنا في تطبيق هذا القانون بحجة أنه سيعرض المواطنين للابتزاز ويقوم ــــ أي مكتب الأشغال ــــ بمنح رخص العمل للمواطنين دون العودة للدفاع المدني.
سيارة الاطفاء بدون ماء
«ما تراه أمامك هو ما نمتلكه من إمكانيات».. بهذه العبارة أجاب المدير عن سؤالي حول إمكانيات الدفاع المدني بالمحافظات.. حينها عيناي لم تريا إلا سيارةً واحدة بجاهزية كاملة وأخرى في (الجرش) عاطلة كما يبدو وسيارة سُلم متحركة تبدو متهالكة وتسير إلى التلف النهائي ويوجد بقايا وايتات قديمة عبرت عليها السنون وأكل الدهر عليها وشرب، وسيارة الإمام التي يجشها الصدأ، وبعد جولة في حوش الدفاع المتواضع للإطلاع على إمكانيات الدفاع عاد المدير للحديث معي حول ما يمتلكونه من إمكانيات فقال: لا نمتلك إلا سيارتي إطفاء صغيرتي السعة مما لا يُمكَّن رجال الإطفاء من إخماد الحرائق الكبيرة.. لذا تجد عامة الناس يتداولون شائعة غير صحيحة وهي بأن سيارة الإطفاء تأتي إلى أماكن الحرائق وخزاناتها فارغة من الماء وهذا غير صحيح... وأضاف أتفق بالتعليق مع الجمهور كون خزانات سيارات الإطفاء التي نعمل بها لا تساوي (أمبولة) إبرة دواء بالنسبة للحرائق الكبيرة .. هكذا كان صريحاً معنا ومتحمساً لعمله لكنه يجد نفسه وأفراده مقيدين بمصلحة الدفاع المدني بوزارة الداخلية التي لا تدعمهم بالإمكانيات لمواجهة الكوارث الطبيعية.. يختتم العقيد الضباب بالقول : يجب أن ترفد المصلحة بالعديد من سيارات الإطفاء وبالعديد من وايتات الماء أيضاً.
فرعين ومعدات
و بروح حب العمل والشعور بالمسئولية يقول المساعد/ عبدالستار الواقدي قائد فرقة الإطفاء ، أن الدفاع المدني في تعز بحاجة إلى فرعين آخرين ، أحدهما في جولة القصر والآخر في جولة الحصب على أن يجهز كل فرع بسيارة إطفاء وسيارة إسعاف وطاقم مؤهل وكذلك سيارة سلم متحركة ومُعدات إنقاذ المتمثلة بالشيول والدقاق والبوكلين والرافعات.
ما يثير العجب هو تجاهل الجهات المعنية لهذا المرفق «المنقذ» حيث يمتلك الدفاع المدني «سيارة أفيكو وسيارتي تربو» بقيمة (150.000.000) تقريباً ، الأولى عطل بسيط جعلها خارج الخدمة وغير مستفاد منها رغم أنها بحالة جيدة وينحصر قطع غيارها بـ (كمبريشن المكينة وفولترات الزيت والديزل وطاقم إطارات)فقط لإعادتها للعمل من جديد ، هذا التجاهل مستمر رغم المذكرات التي ترفعها إدارة الدفاع إلى محافظ المحافظة ومدير الأمن لكن دون جدوى.
< واقع الدفاع في هذه محافظة بحاجة إلى إعادة نظر جادة من قبل الدولة وتحرك وزارة الداخلية بالتعامل بمسئولية مع واقعها.
< الخسائر البشرية (13) حالة وفاة جميعهم في انفجار المسبح + إصابات متوسطة وطفيفة لبعض المواطنين في الحرائق الأخرى.
< الخسائر المادية تقدر بخمسمائة مليون ريال تقريباً منها تكلفة إعادة إعمار المنازل المهدمة بانفجار المسبح وكذلك الحرائق في المحلات التجارية والسيارات والمنازل والحرائق الأخرى.
