عدد الرسائل : 63 العمر : 37 الدولة : اليمن تاريخ التسجيل : 23/10/2010
موضوع: كيف تحقق النجاح الثلاثاء 14 ديسمبر 2010 - 7:29
الفصل الأول : التفكير والتخطيط
قبل أن يفكِّر المرء ويُخطٍّط لأهدافٍ يُراد تحقيقها ، وغايات يُطلَب بلوغها؛ هناك أمران لابدّ منهما ، ولا مندوحة للراغب عنهما ، وهما : أولاً : الاستعانة بالله والتوكل عليه : فلا بد للمرء أن يستحضر فيذهنه ذلك دائماً ، وفي كل خطوةٍ يخطوها ينبغي أن يجعل ذلك نُصْب عينيه، إذ الله هوالمعين على كل مقصد ، ولا حول ولا قوة إلا به ، وهو المستعان ، فاستعن بالله؛ لأنه هو الذي يمنحك القوة لتبدأ ، وتوكلعليه ؛ لأنه هو الذي يهديك وييسّر لك السبل ،اطلب دائماً العون منه والتوفيق ، وأَظْهِر فقرك وحاجتك له في كل الأحوال تكن أغنىالناس وأقواهم ، فمن توكل على غير الله وُكِل إليه ، وكانت نهايته إلى خسار ، ولوحصَّل شيئاً من النجاح في هذه الدنيا. ثم ابذل الأسباب المعينة على بلوغ ذلك الطريق ، واعلم أنه ليس هناك سبب يستقل بإيجاد المطلوب ،بل لابدّ من أمر خالق الأسباب ، فالجأ إليه ، وتوكّل عليه تأوِ إلى ركنٍ شديد . قال ابن القيم رحمه الله : (شهدتُ شيخ الإسلام ـ قدَّس الله روحه ـإذا أَعْيَتْه المسائل واستصعبتْ عليه : فرَّ منها إلى التوبة والاستغفاروالاستغاثة بالله واللَّجَأ إليه واسْتِنْـزَال الصواب من عنده والاستفتاح منخزائن رحمته؛ فقلَّما يَلْبث المَدَدُ الإلهي أن يتتابع عليه مَدَّاً ،وتَزْدَلِفُ الفتوحات الإلهية إليه بأيَّتِهِنَّ يَبْدَأ) .
إذا لم يكنْ عونٌ من اللهِ للفتى
فأولُ ما يَجْني عليه اجتَهادُهُ
ثانياً : الإيمان والرضا بالقضاء والقدر : بعد إتيانك بالأمر السابق ، وبعد أن بذلتَ الجَهْد ، وعملتَ بالأسباب ، فلا تحزن إن فشلتَ أو لم يتحقق هدفك ، بل ارْضَ بما قَسَم الله لك ، واعلم أن الخيرة فيما اختاره الله ، واعلمأنَّ ما أصابك لم يكن ليخطئك ، وما أخطأك لم يكن ليصيبك ، رُفِعَت الأقلام وجَفَّتالصحف .
· ثم هاهنا مبحثان: المبحث الأول : في التفكير : هناك أمور لابد من استشعارها حتى يصبح التفكير ناجحاً ويُؤتي ثماره ، وهيعلى النحو التالي : · أولاً: أن يعلم الإنسان أنَّ من أعظم نعم الله على العبد أن وهبه عقلاً يفكِّر به ،ويميّز به ، فبالتفكير يزداد يقين العبد ، وبالتفكير يعرف العبد آيات الله فيالكون ، وفي نفسه. · ثانياً : أن هذا العقل إنما يستفيد منه حق الاستفادة مَنكان يريد أن يصنع الحياة ، لا مَن يريد أن يكون متفرِّجاً فقط على ما يحدث فيالحياة . · ثالثاً : كثرة التساؤل عن ما يراد تحقيقه مطلب مهم، إذالأسئلة تستثير الأفكار ، وتوقظها وتجعلها في حالة تطور وتكاثر لا يتوقف . · رابعاً : ابدأ العمل من حيث انتهى الآخرون لا من حيث بدءوا، فإن مَنْ يَسِيْر في خُطى الآخرين لا يَتْرُك أثراً مهما طال مسيره ، ثم استغلالأفكار الإبداعية. فهاهو الإمام البخاري ـ يرحمه الله ـ يستغلُّ فكرة عابرة خلَّدتْ ذكره ،ورفعتْ منـزلته رحمه الله ، وذلك لما ألّف كتابه : [ الجامع الصحيح ] . قالالبخاري ـ رحمه الله ـ : "كنت عند إسحاق بن راهويه، فقال لنا بعض أصحابنا :لوجمعتم كتاباً مختصراً في الصحيح لسنن النبيr ، وكانت الكتب قبلذلك تَجْمَع الصحيح والضعيف ، فوقع ذلك في قلبي فأخذتُ في جَمْع هذا الكتاب ـ يعني: كتاب صحيح البخاري ـ" . · خامساً : التفكير هو مبدأ العمل ، ولا يستطيع أحدٌ أن يعملدون أن يُفكِّر ، وبقدر سمو هذا التفكير تَسْموالأعمال . ولا تكون الأعمال رَتِيْبَة مملّة لا تجديد ولا إبداعفيها : إلا بإهمال التفكير وتعطيل عمل الذهن ، والانشغال بالعمل دون تفكير أو رغبةفي التطوير . · سادساً : لا تحتقر أيَّ فكرة مهما بدأ أنها سَطْحية لأولوَهْلَة ، فقد تكون عند التَّمْحِيص فكرة قيَّمة ، أو قد تكون مبدأ لفكرة ذات شأن. · سابعاً: حاول الإبداع ، والارتقاء بالعمل إلى الأفضل . واعلم أن هناك أخطاء تتعلقبالإبداع وهي كما يلي : أولها :الظن أن الفكرة الإبداعية لابد أن تكون جديدة في أصلها .
وهذا غير صحيح ، بل الأفكار الجديدة تكونبالتعامل مع الأفكار القديمة ، وذلك يكون بإحدى طرق ، منها : 1ـ الاستعارة ، وذلك بأن يَسْتعيرالإنسانُ فكرة مُطَبَّقة في مجال من المجالات ويستخدمها في مجال جديد تكون فيهنافعة ، وتَقْضي على مشكلة كانت موجودة من قبل في هذا المجال. 2ـ الإضافة ، وذلك بأن يأتي الشخصإلى فكرة مطبّقة لكن فيها نقص ، فيأتيفيُكَمِّلها حتى تكثر الفائدة ويزداد نجاح العمل. 3ـ الجمع والمزج ، وذلك بأن يأتيالمرء فَيجْمع بين فكرتين موجودتين ويَمْزِج بينهما ، فَيخْرج بفكرة مركّبة ثالثةتحل كثيراً من الاشكالات . 4ـ التعديل ، وذلك بأن يأتي المرءلفكرة قائمة ، فيعدِّل فيها ، ويهذبها بحيث تناسب وضعاً آخر . وثانيها : الظن بأن العلماء فقط همالذين يمكنهم الإتيان بشيء جديد . وهذا غيرصحيح ، إذ لا يشترط في الفكرة الإبداعية أن تكون علمية بحتة ، بل قد تكون عاديّة،ومن السهولة بمكان . وثالثها : الظن بأن الأذكياء والموهوبين همالذين يمكنهم الإبداع فقط . وليس هذامطلقاً ؛ بل الإنسان العادي يستطيع بالتعلم والصبر أن يمارس التفكير الإبداعي،وأنيستفيد من قدراته العقلية العادية . ورابعها : الظن بأنه ليس في الإمكان أبدع مماكان ، وما ترك الأول للآخر شيئاً . وهذا غير صحيح ، بل إن فرصة المتأخر في الإبداع والابتكار أكبر من فرصةالمتقدمين ، وذلك نتيجة لتشعُّب حاجات الناس ، وتنوُّع وسائل الملاحظة والتجريبوأساليب التفكير ، فكل فكرة تفتح مجالاً لأفكار ، وكل حاجة تدعو إلى ابتكار . · ثامناً: اجعل تفكيرك إبداعيّا : والتفكير الإبداعي هو التفكير الذي يسعى إلى حل المشكلات ، والإجابة عنالتساؤلات بطريقة بديعة مبتكرة . · تاسعاً: حوِّل الأفكار إلى حقائق : فإن الأفكار مهما كانت بديعة ، ومهما كانت عظيمة : فإنها لا تُنَال قيمتهاالحقيقية إلا إذا انتقلتْ من حَيِّز الفكر المجرَّد إلى حَيِّز الواقع المَلْمُوْس، حيث تُصْبح حقيقة يَسْتَفيد منها من يَحْتَاجها ، فالأفكار لا تُرَاد لنفسها ،بل لما يَنْتُج عنها من الثمار .
المبحث الثاني :في التخطيط : التخطيطيدور على ثلاثة محاور : أولاً : الهدف . ثانياً : الإطار الزمني أو الوقت (المدة) . ثالثاً : الوسائل . وسيكون الكلام عن هذا المبحث من خلال ثلاثة جوانب : الأول : وضع الأهداف : وضع الهدف هو البداية الصحيحة للطريق ، فالسير دون هدف مَضْيَعَة للوقتوالجهد،بل ربما يصبح المرء كالمُنْبتِّ لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى . ثم هناك أمورٌ لابد من مراعاتها عند وضع الأهداف ، وهي كالتالي : 1ـ تحديد الهدفبدقة ووضوح ، وهذا الأمر مهم جداً في تحقيق أي إنجاز . 2ـ كون الهدفواقعياً وملائماً لقدرات صاحبه . 3ـ أن لا يكونالهدف سهلاً جداً بحيث لا يشكِّل تحدِّياً لصاحبه . 4ـ تجزئة الهدفإذا كان كبيراً : إلى أهداف جزئية مرحليّة . 5ـ تحديد وقتمعين لتحقيق هذا الهدف ، فلا بد أن يُقرَّر متى يُبْدَأ ؟ ومتى يُنْتَهى ؟ 6ـ كتابة ذلككله حتى يَتَذَكَّره المرء دوماً . ولْيَعْلَم المرء أن أول خطوة في طريقالنجاح : هي أن يحدِّد الإنسان ماذا يريد ، ثم يَسْعى في أن تَنَاَل الأهداف التييُراد تحقيقها : النصيب الأكبر من الوقت . الثاني : التخطيط : النقطة التي تَلِي وَضْع الأهداف هي : وضع المُخَطَّط المتوقَّع للوصول إلىذلك الهدف . ولكي يتم التخطيط لابد من أمورٍ يجب مراعاتها : أولاً : تقسيم العمل إلى مراحل . ثانياً : تحديد خطوات كل مرحلة . ثالثاً : إعطاء كلِّ خطوة وقتَ بداية ، ووقتَ نـهايةٍ . رابعاً : كتابة الخطة ومراحل تنفيذها ، خاصة في الأهداف الطويلة ليَسْهُل تقويم تَنْفِيذ الخطة . خامساً : البُعْد عن التعقيد والمثالية في وضع الخطة ، بلتكون الخطة واضحة سهلة . الثالث : تنظيم الوقت : للوقت أهمية كبرى ، ومزيَّة عظمى ، فهو غنيمة لمن أحسن استغلاله ، ومَرْبَحلمن أجاد اغتنامه ، بل الوقت هو الحياة . قال ابن عقيل يرحمه الله : (إنّ أجلّ تحصيل عند العقلاء بإجماع العلماء هوالوقت ، فهو غَنِيْمَة تُنْتَهَز فيها الفُرَص ، فالتكاليف كثيرة ، والأوقاتخَاطِفة) . ولابد للوقت حتى يُسْتغلَّ : من تنظيم ، فالخطوة التي تلي التخطيط هي :توفير الوقت اللازم للتنفيذ ، وهذه تكون بأمرين : أولاً : مراعاة حال الشخص وظروفه عند وضع الخطة . ثانياً : المحافظة على ما خُصِّص من وقت لتنفيذ هذا العمل مِنْ أَنْ تَطْغىعليه أعمال أخرى . فالانضباطالذاتي أساس تنظيم الوقت ، بل إنّ أعظم تخطيط للوقت لا يساوي شيئاً ولا يُجْدِيإذا لم يكن من يُنَفِّذه منضبطاً ذاتياً ، ومتقيِّداً بتَخْطِيطه . وشكاية كثير من الناس الجادّين : من ضَيْق الوقت أو عدمتوفُّره هو في الحقيقة من عدم التنظيم، فالعمل الذييسْتَغْرِق لإنهائه : عشر دقائق يُصْرَف في إنجازه : ساعة كاملة ، وما ذلك إلالسوء التخطيط أو عدمه ، أو التسويف أو غير ذلك . فَلْيتخلَّص المرء من مُضيِّعات الوقت ، ولْيُحَاوِل استخدام وقته بشكلفعَّال ، بحيث تُقلَّص نسبة الوقت المصروف دون فائدة ، وذلك إنما يكون بتنظيمالوقت . وإليك قواعد في تنظيم الوقت : أولاً : تحديد الأولويات : فلا بد للمرء من تحديدها حتى يُقدِّم الأهم علىالمهم ، والمهم على غير المهم ، وحتى يحذر من الخَلْط بين المهم والعاجل فلايُقدِّم العاجل غير المهم على المهم العاجل وغير العاجل ؛ لأن هذا يُرْبِك ما سبقأنْ خُطِّط له، ويؤجِّل إتمام كثير من الأشياء المهمة . وليتذكر المرء أنّ اختيار العمل الأفضل أهم من عمل أي شيءٍ فقط ، فلا يخلطالمرء بين الحـركة والتقدُّم ، فالحركة تكون في اتجاهات مختلفة أو متضادة ، بل قدتكون في المكان نفسه ، أما التقدم فإنه يكون دائماً إلى الأمام نحو الهدف . ثانياً : تحديد مواعيد الانتهاء من الأعمال : حيث إن تحديد وقت الانتهاءوالالتزام به تَحَدٍ يَشْحذ الذهن ، ويُعِيْن على التركيز ، بل يهيئ الجسمللانصراف نحو العمل المطلوب. وليُعْلَم أنه يجب عند تحديد المواعيد النهائية أن يكون الإنسان واقعيّاًودقيقاً في تقديره ، بحيث لا يكون الوقت قصيراً جداً فيُصَاب المرء بالإرهاقوالإحباط ، ولا يكون طويلاً ، فيُصاب بالفتور والتواني. ولا بأس بعد تحديد الموعد بأن يُعاد تحديد موعد بديل إذا دعت الضرورة إلىذلك ، لكن لا تُتْرَك النهاية دون موعِدٍ مقدَّر . ثالثاً : العمل بكل وسيلة تساعد في حفظ الوقت ومن الوسائل المساعدة لحفظالوقت ما يلي : 1ـحسن التعامل مع الهاتف . 2ـتحديد مواعيد للزيارات الروتينية،وينبغي أن تكون محصورة بين عملين معروفين، كصلاةالمغرب والعشاء مثلاً . 3ـالتخطيط للخروج من المنـزل بحيث يقضي المرء أكبر قدر ممكن من الأعمال في كل مرةيخرج فيها ، ولا يجعل لكل عمل خروجاً مستقلاً . 4ـتفويض ما يمكن تفويضه من الأعمال ، ولو كَلَّفَ ذلك بعض المال،ولْيتذكر المرء أنالوقت لمن يحتاجه ويحسن استغلاله : أغلى من المال . كان الشيخ جمال الدين القاسمي ـ رحمه الله ـ يتحسَّر عندما يَمُرُّ أماممقاهي دمشق ، ويرى الناس يمضون أوقاتهم في لهو وثرثرة ، ويَتَمَنَّى لو استطاعشراء أوقاتهم منهم . 5ـ تحديد مواعيد الالتقاء مع الآخرينبدقة ، وعدم الرضا بالمواعيد المطاطة . 6ـ إدارة الاجتماعات بفعاليّة ،واستثمارها جيداً . ولْيَحْرص المرء على اقتناص دقائق الوقت الضائعة ، ولْيغتنم أوقات الانتظار، بل يغتنم كل دقيقة في هذه الحياة . كان أبو يوسف ـ رحمه الله ـ في مرض الموت ، وعنده أحد تلاميذه ، وقد أُغميعليه ، فلما أفاق قال له : يا إبراهيم ما تقول في مسألة كذا ؟ فقال إبراهيم : فيمثل هذه الحال! قال: نعم ، لا بأس لعله ينجو ناج ! فتباحثا قليلاً ، قال إبراهيم: فلما خرجتُ من عنده سمعتُ الصُّراخ عليه وإذا هو قد مات. وكان سليم الرازي ـ رحمه الله ـ إذا كان يكتب فحفي عليه القلم ، وأخذ فيبريه : حرَّك شفتيه بالقراءة . وقال بعض السلف لأصحابه وقد كانوا عنده : (إذا خرجتم من عندي فتفرقوا لعلّأحدكم يقرأ القرآن في طريقه ، ومتى اجتمعتم تَحَدَّثْتُم) . وقال ابن الجوزي يرحمه الله : (ينبغيللإنسان أن يعرف شرف زمانه ، وقدر وقته ، فلا يُضيع منه لحظة في غير قُرْبة ،ويُقدِّم الأفضل فالأفضل من القول والعمل) . إنَّ ساعة تُنْتَزع كل يوم من أوقات اللهو ، وتُستعَملفيما يفيد : تُمكِّن كل امرئٍ ذي مقدرة عقلية عادية أن يتضلَّع في علم بتمامه . قالابن النحاس :
مِنْ نُخَبِ العلمِ التي تُلتَقَطْ وإنما السيلُ اجتماعُ النُقَط
الفصل الثاني : التنفيذ والإنجاز
هناك أمور تُعْين على تنفيذ العمل وإنجازه وجعله مثمراً ، نذكر منها ما يلي: أولاً : الثقة بالنفس : إن عدم الثقة بالنفس لَتَدْعو الإنسان لَيَثَّاقل بنفسه عن المبادرة ،وتُعْطِيه النتيجة مقدَّماً قبل المحاولة بل قبل التفكير : أنّه فاشل . وليُعْلَم أنّه لا شيء أضرّ على الإنسان من عدم ثقته بنفسه ، ولا شيء يهدمثقة الإنسان بنفسه أكبر من جهله بها ، وأعظم الجهل بالنفس احتقارها والنظرالدُّوْنيّ لها ، ولا شيء يصنع النجاح مثل الثقة بالنفس. كيف تبني ثقتك بنفسك ؟ سؤال تجيب عنهأمور ثلاثة ، وهي كالتالي :
1ـ اعرف نفسك ! أول خطوة في طريقبناء الثقة بالنفس هي معرفة الإنسان نفسه فيتأملها ، ويعرف مميزاته وكيف يستثمرها، ولا شيء أضرّ على الإنسان من احتقاره لنفسه، والنظر السلبي لها . 2ـ طوِّر نفسك ! بحيث يحدِّد الإنساننقاط قوته ويسعى في تطويرها ، ويجتهد في التعلم والتدرب والتمرن. 3ـ تخلّص من عيوبك ! وذلك بتحديدنقاط الضعف وجوانب النقص ، ومن ثمَّ يسعى المرء في علاجها وإصلاحها. ثانياً : علو الهمة : لولا علو الهمة ما سَمَتْ أفكار العظماء إلى إنجاز ، ولَقَنَعَ كلٌ بالموجود، ولَكَان شعار الكل : (ليس في الإمكان أحسن مما كان !) .
وإذا كانت النفوسُ كباراً
تَعِبَتْ في مرادها الأجسامُ
كان لعمر بن عبد العزيز ـ رحمه الله ـ همة عالية ، تظهر جليَّة في قولتهالمشهورة : "إنّ لي نفساً توّاقة ! تَمَنَّيْتُ الإمارة فَنِلْتُها ،وتَمَنَّيْتُ أن أتزوَّج بنتَ الخليفة فنِلْتُها ، وتمنيَّتُ الخلافة فنِلْتُها ،وأنا الآن أتوق للجنة ، وأرجو أن أنالها" . قال ابن الجوزي يرحمه الله : (ما ابتُلي الإنسان قطُّ بأعظم من علو همته ،فإنَّ مَنْ عَلَتْ همته يختار المعالي ، وربما لا يُسَاعد الزمان وتَضْعُف الآلةويَبْقى في عذاب) . قال ابن نباتة :
ورعْيي في الدُّجَا رَوْضَ السُّهَادِ فأَهْوَنُ فَائِتٍ طِيْبُ الرُّقَادِ
ثالثاً : الجدّ : الجدّ هو أخذ الأمر بحزم وقوة ، وعدم التراخي في التعامل مع الأشياء ، وهوالروح التي تسري في العمل ، فتجعله يُثْمِر ، وبدون الجد تُصْبِح الأعمال ميّتةمملَّة . قال الشيخ بهجة الأثري : "انقطعتُ عن حضور درس العلاّمة أبي المعاليمحمود شكري الآلوسي في يوم مزعجٍ شديدِ الريح غزيرِ المطر كثيرِ الوحل ؛ ظناً منيأنه لا يَحْضُر إلى المدرسة ، فلما حضرتُ في اليوم التالي إلى الدرس صار يُنْشِدُبلَهْجَة الغضبان : ولا خير فيمن عاقه الحرُ والبردُ .." كيف تكتسب صفة الجد ؟
لكي تُكتسَب صفة الجد لابدّ من بذل الأسباب المعينة على ذلك ، ألا وإن منأهم الأسباب ما يلي : أولها : مصاحبة الجادّين ، إذ الصاحب ساحب ، والطباع سرَّاقة،والإنسان مجبولعلى التقليد خاصة بمن يُعْجَب به أو بصفة من صفاته . ثانيها : قراءة سير العظماء ، فهي من أعظم وسائل حفز الناس على الجد . ثالثها : المقارنة بين نتائج أعمال الجادّين وأعمال غيرهم . رابعها : الابتعاد عن مصاحبة الهازلين ، والفرار منهم فرار الإنسان منالأسد،فإنّ المرء لا يَنَال منهم إلاّ تَثْبِيْط الهمَّة ، وإضاعة الوقت ،والتجافي عن معالي الأمور ، والتَّلهِّي بدَنِيْئِها . رابعاً : الصبر : ويكون بالدوام على الجِدّ . والصبر هو حبس النفس على ما تكره لمصلحة ، وبدونه لا يحصل خير دنيوي ولاأُخْرَوِي ، وقد قيل : (بالصبر واليقين تُنَال الإمامة في الدِّين) . فبالصبر تحصلالبُغية ، ويتحقّق المُراد بإذن الله تعالى . قال المحدِّث أبو بكر الأبهري ـ رحمه الله ـ : "قرأت مختصر ابن عبدالحكم خمسمائة مرة ، والأسدية : خمس وسبعين مرة ، والموطأ : خمس وأربعين مرة ،ومختصر البرقي : سبعين مرة ، والمبسوط: ثلاثين مرة" . وكان الْكِيا الهرَّاسِي يُعِيد الدرس إذا حفظه : مائة وأربعين مرة .
أَخْلِق بذِي الصَّبْرِ أَنْ يَحْظَى بَحَاجَتِهِ
وَمُدْمِن القَرْعِ للأبوابِ أَنْ يَلِجَا
ثم ليتذكر المرء أن النجاح يأتي بالمثابرة لا بالسرعة . خامساً : العلم : مَن أراد نيل مراده ، وتحقيق هدفه : فلْيَسْع إلى تعلُّم أفضل طريق موصلإليه ، ولْيَسْتفد من خبرات الآخرين . قال ابن القيم يرحمه الله : (الجهل بالطريق وآفاتها يوجب التعب الكثير معالفائدة القليلة).
الفصل الثالث : عوائق الإنجاز هناك عوائق عدة تحول بين المرء وبين إنجازه لعمله ينبغي عليه التخلص منها .نذكر منها ما يلي: أولاً : الإحساس بالفشل : الفشل كلمة كريهة لا يحبها أحد ، والإحساس به عائق من عوائق التقدّم إلا أنمن خطوات طريق النجاح : الفشل، فالنجاح الكبير غالباً يسبقه فشل ، فليس الناجح هوالذي لا يَسْقُط ، بل هو الذي يقوم من سقوطه سريعاً وقد استفاد من سقوطه ، وكماقيل : (وربما صَحَّت الأجسام بالعلل) ، وكم نرى من الناجحين لم يصلوا إلى ما وصلواإليه من نجاح إلا بعد فشل تعرّضوا له وانتصروا عليه . ثم إنه ينبغي على المرء أن يحسن التعامل مع الفشل ، فما بين الفشل والنجاح إلاّ صبر ساعة، وليعلم المرء أنّ الانهزام المؤقتليس فشلاً . قال ابن سينا : "قرأت كتاب [ ما بعد الطبيعة ] لأرسطو ، فما فهمته حتىقرأته أربعين مرة" . فعلى المرء أن لا يتخلّى عن العمل ، وأن لا يتركه عند حصول انهزام مؤقَّت ،بل يعيد ويكرِّر مرات تلو مرات ، وليبتعد المرء عن أسباب الفشل ، وأن لا يحكم علىنفسه عند الإخفاق بالفشل ، فيترك العمل ، بل يقول : (لكل جواد كبوة) ، ويحاول مرةأخرى بعزيمة أكبر ، وبهمّة أعلى . ثانياً : الالتفات للنقد غير البنّاء : هناك شريحة من المجتمع لا تألوا جهداً في انتقاد الآخرين والسخرية بهم ، وماذلك إلا حسداً وحقداً منهم ، أو تسويفاً منهم لتقصيرهم وكسلهم ، أو تثبيطاً منهمللآخرين حتى لا يتفوقوا عليهم، وغير ذلك ، فعلى المرء أن لا يَلْتَفِتَ إلى أمثالهذه الانتقادات غير البناّءة ، بل عليه أنيتجاهلها أو يحاول أن يستفيد منها في تطوير نفسه ومحاسبتها،ويتذكَّر أنه يستطيع أن يَنْتَـزِع من بين الأشواك وَرْداً، ولْيتذكر أيضاًأنّ من طرق معرفة العيوب : نَقْدَ الأعداء . إن ترك العمل من أجل انتقادات الناس ليس له أي مبرِّر؛لأنك إذا تركت العمللن تسلم أيضاً من الانتقاد ؛ لأنك ستجد مَن ينتقدك ويلومك : لِمَ لمَ تعمل ! لذا يحرص المرء على العمل ، والسير الحثيث حتى يحقِّق هدفه ، ولا يَلْتَفِتإلى انتقادات الآخرين؛ لأن الخوف منها هو أساس قتل معظم الأفكار . ثالثاً : عدم التفكير فيما يساعد على النجاح : لابد للمرء أن يفكّر ويقلِّب النظر فيما يساعده على النجاح ، ألا وإن منأعظم ما يساعد على النجاح : أن يكوِّن الإنسان عادات عمل (روتين) ؛ بحيث يجعلخطواته العملية الصحيحة عادات يسير عليها ، حتى تُصْبِح ضمن (روتينه) اليومي . فالإنسان أسِيْر عاداته، فكثير مما نعمله إنما هو عادات تكوَّنْت على مَرِّ الأيام ، كانت في بداياتهاشاقة حتى اعتاد عليها الإنسان ، فكذلك الخطوات العملية إذا أرادها المرء أن تكونعادة له ، فسيجد ذلك مُمِلاً وشاقاً في بداية الأمر . وليُجاهد المرء نفسه ولْيجتهد في التَّخلُّص من عادات العمل الضارة ، مثل :الفوضوية ـ عدم التخطيط ـ ، أو التأجيل ،أو إضاعة الوقت .. الخ .
رابعاً : عدم استشعار ثمرات العمل ، والاستسلام للملل والكسل: ما من سلوك يصدر من الإنسان إلا وله دافع ما ، وبقدر هذا الدافع تكون قوة الحركة ، والنفوس مهمابلغت من الجد لابد وأن تمل وتكل ، فعلى المرء أن يتعاهد نفسه ، ويستثير دافعيَّتهلإتمام أعماله بأمور : أولها : ربط جميع الأعمال بنيل الثواب من الله تعالى . ثانيها : استعراض ما تمّ القيام بإنجازه من العمل بين وقتٍ وآخر ؛ لأن رؤيةالثمرة أو جزءٍ منها يدفع النفس لبذل المزيد ، ولينظر المرء إلى كل إنجاز جزئيبأنه إنجاز مرحلي . ثالثها : إذا كان في عمل الإنسان نفعٌ للناس ، فليستشعر المرء ما يقدمه هذاالعمل من فائدة ، وكم له من الأجر العظيم والخير العميم إذا أخلص لله النيَّة ،وسَلِمَتْ له الطويّة. رابعها : عَرْضُ الأعمال على أهل العلم والمعرفة أصحاب الهمم العليّةلترشيدها ولشحذ الهمة ، وتشجيع المرء على إتمام عمله . خامسها : تحديد أوقات نهاية للأعمال لتدفع المرء للجد في العمل . سادسها : السماح للنفس بشيء من الراحة والاستجمام ، حتى تحصل الرغبة فيالاندفاع مُجَدَّداً في العمل ، ولابد حينئذٍ من مراعاة أمرين : أولهما : التخطيط لفترة الراحة بحيث لا تكون عشوائية ، فيحصل إرباك في المُخَطَّط . وثانيهما : المحاولة بأن تكون فترة الراحة فيما يفيد ويوفِّر الوقت ، كقراءة القصصالتاريخية، وصلة الرحم ونحوها. خامساً : التأجيل والتسويف : من أعظم الأشياء التي تثبطالهمة وتفسد الأعمال : التسويف وتأجيل البدء ، وللتأجيل أسباب عدة : أولها : عدم الرغبة في العمل . ثانيها : صعوبة العمل . ثالثها : عدم وجود العزم الصادق على البدء . رابعها : الانشغال عن البدء في العمل المُؤَجَّل بأعمال تافهة مُحَبَّبةللمرء . خامسها : عدم وضع العمل في خِطَّة العمل . وثَمّ طرق لِلتخلُّصِ منالتأجيل وأسبابه : 1ـ إذا كان التأجيل عادة ،فلا بدللتخلص منها بالمجاهدة في إيقافها ، وإحلال عادة العزم والحزم والإقدام مكانها ،ولابد من وضع عادة التأجيل في رأس القائمة في جدول العادات التي يُراد التخلص منها. 2ـ معالجة التأجيل من خلال إزالةسببه ، فإذا كان العمل غير محبَّب لك ، فتذكَّر أنه ما نال إنسانٌ ما تمناه إلاّبقَسْرِ نفسه على ما يِكْرهه . قال ابن القيم رحمه الله : (عامة مصالحالنفوس في مكروهاتها ، كما أنّ عامة مضارها وأسباب هلكتها في محبوباتها) . 3ـ معالجة صعوبة العمل تكون بأنيتذكَّر الإنسان أنّه: (لولا المشقة ساد الناس كلهم) ، وبأن يسلك المرء طريقة(التفتيت) ويَتّبِعُها ، فالعمل الصعب يَسْهُل كثيراً إذا قُسِّم إلى وُحْدَاتصغيرة،ومن ثَمّ يُتعَامَل مع كل وحدة كإنجاز مستقل . 4ـ معالجة عدم وجود العزم تكون بطرد التَّرَدُّد ، وألا يُقْدِم الإنسانعلى العمل إلاّ بعد رويَّةٍ وشعور بالحاجة لذلك العمل ، وتخطيط له . ثم لا يسمحبعد ذلك لنفسه بالتردد . قال تعالى: (فإذا عزمت فتوكل على الله) ، وقال النبيrقبيل غزوةأحد بعد ما راجعه بعض الصحابة في ترك الخروج : (ما يَنْبَغي لنبي إذا وَضَعَلأَمَةَ الحرب أن يِنْتَزِعها حتى يفصل الله بينه وبين عدوه) .
إِذا كنْتَ ذا رَأيْ فكُنْ ذا عَزِيمةٍ
فإنَّ فَسادَ الرأي أَنْ تَتَرَدَّدا
5ـ معالجة : الانشغال عن البدء في العمل المؤجَّل بأعمال تافهة، وعدم وضعهفي خطة العملَ ـ تكون بالانضباط الذاتي بتخطيطتنفيذ الأعمال والتقيُّد بذلك . قال ابنحزم رحمه الله : (قَلَّما رأيتُ أمراً أَمْكَن فضُيِّع إلاَّ وفَاتَ ولم يَكُنبَعْدُ) . سادساً : عدم تحديد الأولويات : لابد للمرء من أن يرتِّب أعماله بحسبالأهمية ، فيقدِّم الأهم على المهم ، والمهم على غيره وهكذا ، كما أنه ينبغي عليهأن لا يَخْلِط بين المهم وبين العاجل ، فيؤدِّي العاجل من الأعمال ويؤجِّل المهم ،ومن النادر أن تكون الأمور المهمة عاجلة ، إلاّ إذا وصلنا ـ بتأجيلنا ـ إلى مرحلةالأزمة ، فبتأجيل المهم وتعجيل العاجل نسمح للأزمات بالاستمرار فيحياتنا . سابعاً : تشتيت الجهد وتَشَعُّبه : لا شيء أضرَّ على العمل من تشتيتالجهد ، فمهما كان العمل جادّا ودؤوباً إلا أنّ تفريقه على مسارات متنوِّعة :يفقده كثيراً من فعاليَّته ، بل ربما يجعله غير مثمرٍ تماماً . ثامناً : المبالغة في تطلُّب الكمال : إنّ الكمال عزيز ، ومن تَطَلَّبَالكمال في كل عملٍ يعمله فإنه قد رَاَمَ أمراً مستحيلاً ، ومع ذلك فإنه لا يستطيعأن يُنْجِز شيئاً ، ثم إن الكمال لا يكون في عمل البشر ، ولكن حَسْب المرء أن يبذلجهده في إنهاء العمل وإتقانه ، وما لا يُدْرَك كله لا يُتْرَك جُلُّه . ثم إنّ تطلُّب الكمال في كل عمل ربما أَوْدَى بصاحبه إلى الكسل والإنهزامية، فكم دَفَنَ تطلُّب الكمال المثالي أعمالاً كانت تستحق أنتظهر في الوجود . كما ينبغي على المرءأن لا يطلب النجاح في كل عمل بنسبة مئة بالمئة،وإذا لم تَتَحَقَّق هذه النسبة تركالعمل كليَّة ، بل لابد من أن يجعل النجاح متدرِّجاً ، فبدلاً أن يقول في عملٍأنهاه : (إنَّه فَشِل ، يقول : (إنه نَجَح مثلاً بنسبة ستين بالمائة) . خـــاتمـــة
ونختم هذه الورقات : بقولتين عظيمتين ، فأما الأولى : فقال ابن القيم رحمهالله في : [الفوائد]: (طالب النفوذ إلى الله والدار الآخرة ، بل إلى كل علم وصناعة ورئاسة بحيثيكون رأساً في ذلك مقتدى به،يحتاج أن يكون شجاعاً مِقْدَاماً حاكماً على وَهْمِه ،غير مَقْهور تحت سلطان تَخَيُّلِه، زاهداً في كل ما سوى مَطْلوبه ، عاشقاً لماتوجَّه إليه ، عارفاً بطريق الوصول إليه والطرق القواطع عنه ، مَقْدام الهمة ثابتالجأْش ، لا يَثْنِيه عن مطلوبه لَوْمُ لائم ، ولا عذل عاذل ، كثير السُّكُون ،دائمُ الفكر، غير مائل مع لذَّةِ المدح ، ولا ألم الذم ، قائماً بما يحتاج إليه منأسباب مَعُوْنَتِه ، لا تَسْتَفزُّه المعارضات، شعاره الصبر ، وراحته التعب ،مُحِبّاً لمكارم الأخلاق ، حافظاً لوقته ، لا يخالط الناس إلا على حذر ، كالطائرالذي يلتقط الحب من بينهم ، قائماً على نفسه بالرغبة والرهبة ، طامعاً في نتائجالاختصاص على بني جنسه ، غير مرسِلٍ شيئاً من حواسِّه عبثاً، ولا مسرِّحاً خواطرهفي مراتب الكون ، ومِلاك ذلك هجر العوائد وقطعالعلائق الحائلة بينك وبين المطلوب) . وأماالثانية : فقال ابن الجوزي رحمه الله في : [صيد الخاطر] : (الدنيادار سباق إلى أعالي المعالي ، فينبغي لذي الهمة أن لا يقصر في شَوْطِه . فإنْسَبَق فهو المقصود ، وإن كَبَا جواده مع اجتهاده لم يُلَمْ) . والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلىآله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .. آمين .وكتبه : متعـب بن مسعـود الجعـيـد
زهرة الشام
عدد الرسائل : 3865 العمر : 44 الدولة : سوريا تاريخ التسجيل : 22/04/2010
موضوع: رد: كيف تحقق النجاح الأربعاء 15 ديسمبر 2010 - 11:25