السجين/ بجاش الأغبري
لم أكن أرغب في التطرق لما يسمى العفو الرئاسي أو المكرمة الرئاسية السنوية، كون النخبة من المثقفين وحملة الأقلام الحرة يدركون حقيقة العفو والمكرمة الرئاسية السنوية التي مللنا سماعها من أبواق سلطة الدجل والنفاق والتضليل، وهذا ينطبق عليه المثل القائل: اكذب ثم اكذب حتى يصدقك الناس.
بل حتى صدقوا أنفسهم. لذلك أحببت أن أوضح بعض الحقائق عن العفو والمكرمة الرئاسية المزعومة، وذلك من خلال وجودي في السجن المركزي بصنعاء عاصمة دولة الوحدة الموؤودة. منذ خمسة عشر عاماً وأنا أسمع وأتابع كل من يشملهم عفو ومكرمة فارس العرب.
ولكي يكون الجميع على معرفة بحقيقة مكرمة فخامته؛ البداية نحن معشر السجناء جميعاً نتسمر ونكتم الأنفاس أمام شاشة التلفاز من أجل سماع العفو والمكرمة من صاحب القلب الكبير بشير الخير وفارس العرب وباني نهضة اليمن الجديد، وكنت في الثلاث السنوات الأولى من سجني أصدق بأنه يوجد عفو ومكرمة رئاسية، ولكن بعد مشاهدتي للواقع لم أكترث إطلاقاً لكذبة (العفو والمكرمة) كون الواقع يناقض ذلك جذرياً، خصوصاً عندما نسمع في نشرة الأخبار الرئيسية مساء بأن فخامته أصدر عفواً عن ثلاثة آلاف وخمسمائة وأربعة وخمسين سجيناً، بعدها يتحلق السجناء حول بعضهم ويتساءلون ويؤكدون بأن أكثر نسبة ممن يشملهم العفو ستكون من السجن المركزي بصنعاء كونه أكبر سجون الجمهورية.
وتصبح النسبة الفعلية أربعة وسبعون سجيناً غالبيتهم قد دخل في السجن أربع مرات أي من المتمرسين على السجن وقضاياهم سرقة ونشل ونصب واحتيال. كما يتم تطبيق ثلاثة أرباع المدة على القضايا الأخلاقية مثل الزنا واللواط، بل يتم تطبيق ثلثي المدة أو نصفها على هذه القضايا ولا تطبيق على قضايا الحق العام خصوصاً المتصلة بالجانب السياسي. بل ومن خلال وجودي في معتقل صنعاء أوضح حقيقة العفو والمكرمة الرئاسية لفخامة فارس العرب وهي تقديم عميد الأسرى المناضل سمير القنطار دعوة فخامته لإطلاق سراح كاتب هذه السطور وذلك في 17/4/2009 ولم يتجاوب معه بل أصدر في اليوم التالي أمراً رئاسياً بالعفو عن السجين حسين الطحامي المتهم بحيازة اثنين طن مخدرات وصادر حكم قضائي بسجنه خمسة وعشرون عاماً لم يقض منها في السجن سوى ثلاثة شهور.
وتبعها إطلاق سراح السجين صادق جليدان المتهم بحيازة 350 كيلو حشيش والصادر بحقه حكماً بالسجن 25 عاماً، أمضى منها ثلاث سنوات، ومن تسامح فخامته مع خاطفي السواح فقد عفى عنهم جميعاً، بل ويتم صرف مبلغ أربعمائة ألف ريال مصاريف شهرية من مكتب الرئاسة كمصاريف شهرية لعصابات الاختطاف، ويتسامح ويعفو ويكافئ قطاع الطرق، فلا يوجد أحد منهم في السجون. بل إن المرء يتساءل كم عدد المرات التي تم تفجير أنابيب النفط؟ إنها عشرات المرات. وأتحدى أجهزة الضبط القضائي أن تثبت وجود سجين واحد فقط بتهمة تفجير أنابيب النفط.
وخلاصة القول: لا يوجد شيء اسمه عفو رئاسي في اليمن نابع من ضمير وطني أو إنساني أو ديني، وأتحدى جميع أجهزة ما يسمى بالدولة ابتداءً من فارس العرب مروراً بالقضاء والعدل ومصلحة السجون أن يثبتوا حالة واحدة، بل الحقيقة هي أن العفو يتم لمن يتاجر بالمخدرات وقطاع الطرق ومختطفي السواح بل وتعويضهم، وفي السنوات الثلاث الأخيرة عندما بدأت جمعيات المتقاعدين العسكريين لأبناء الجنوب تطالب بالحقوق المشروعة المنهوبة من قبل سلطة 7/7 بدأت بالاعتقال للكوادر العسكرية والأكاديمية وغيرها وطبقت هذه السلطة المثل القائل: ألطمه واعفي عنه.