الصداقة هي التقاء نفسي وفكري يربط بين الأشخاص، ويوحِّد المشاعر والعواطف بينهم، وهي ألفة ومحبة بين القلوب، وقديما قيل "قل لي من صديقك أقل لك من أنت" ولذا يجب على المرء التأني في اختيار أصدقائه كما أوصانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قال في حديثه الشريف "المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل".
وفي التراث اليوناني يعرف أرسطو الصداقة بأنها حد وسط بين خلقين، فالصديق هو الشخص الذي يعرف كيف يكون مقبولا من الآخرين كما ينبغي، أما الشخص الذي يبالغ حتى يكون مقبولا من الجميع للدرجة التي تجعله لا يعارض أي شيء فهو المساير، وعلى الضد فالشخص الذي لا يكترث بالقبول من الآخرين فهو الشرس والصعب في المعيشة، ويضيف أرسطو إلى تعريف الصداقة إلى أنها عطف متبادل بين شخصين حيث يريد كل منهما الخير للأخر.
ويجمع اختصاصيو النفس والإرشاد على أن أهم ما يمكن أن يعين الإنسان في حياته، هو وجود الأصدقاء، وخصوصا النساء اللواتي يحتجن إلى مساندة في حياتهن أكثر من الرجال. وتشير الدراسات الطبية إلى أن الصداقة ضرورة حياتية تساعد على إيجاد نوع من التوازن النفسي، فهي تغذي قيمة الإنسان، وتشعره بأهميته.
وتكمن أهمية وجود صديق في حياة الإنسان في الطبيعة البشرية التي تحتم عليه أن لا يكون وحيدا، لأن أساس الاستمتاع بالحياة يكون من خلال صحبة إنسان آخر دائما. لذلك يستوجب على المرء اختيار خمسة أنواع من الأصدقاء، وإذا تمكن من إيجاد صديق واحد من هذه الأنواع، فيمكن أن يعتبر نفسه محظوظا.
أنواع الأصدقاء
صديق يرفع المعنويات: وهو الصديق الذي يدفع المرء للقيام بكل الأمور التي تسعد، مهما كانت العواقب ويقوم بالمدح وإعطاء الدفعة للمضي قدما.
صديق السفر: وهو الصديق الذي يمتلك صفة المرونة ويجعلنا نتحمل الصعاب وتقبل الأوضاع السلبية في حياتنا.
صديق الانتقاد: هو الذي ينتقد بكل صراحة، ويعطي رأيه بموضوعية ومن دون تحيز، وهو الصديق الذي يعرف مصلحتنا أين تصب.
صديق المتعة: وهو الصديق الذي يجيد فن نشر السعادة والبهجة والمرح، وينسي المرء همومه بمجرد الجلوس معه.
صديق الثقافة: وهو الذي يضيف على الثقافة، ويجب ألا يكون بالعمر نفسه، وقد يكون من بلد وثقافة مختلفة تماما عن ثقافتنا.
وعلى المرء محاولة إحياء صداقاته القديمة، لأنها تكون حقيقية، وبجهد بسيط يستطيع المرء العودة للتحدث مع أصدقائه أيام المدرسة أو الجامعة.
صداقة العقل
ذات يوم سئل أبو حيان عن أطول الناس سفرا، فقال: "من سافر في طلب صديق"، وقد شغلت الصداقة فكر أبي حيان حتى أنه ألف عنها كتابا كاملا يقع في 469 صفحة .. جاءت كلها رفضا لوجود معنى للصداقة، ولوجود الصديق، فيقول في صفحات من كتابه رسالة الصداقة والصديق: "ينبغي أن نثق بأنه لا صديق ولا من يتشبه بالصديق.. وإذا أردت الحق علمت أن الصداقة والألفة والأخوة والرعاية والمحافظة قد نبذت نبذا ورفضت رفضا، ووطئت بالأقدام ولويت دونها الشفاه، وصرفت عنها الرغبات".
ويتفق في ذلك العالم ديوجانس الذي يقول "صديقي هو العقل .. وهو صديقكم أيضا. فأما الصديق الذي هو إنسان مثلك فقلما تجده، فإن وجدته لم يف لك بما يفي به العقل، فاكبحوا عنتكم عن الصديق، الذي يكون من لحم ودم، فإنه يغضب فيفرط، ويرضى فيسرف، ويحسن فيعدد، ويسيء فيشجع، ويشكك فيضل".
ويرى سقراط أن "مما يدل على عقل صديقك ونصيحته لك انه يدلك على عيوبك، وينفيها عنك ويعظك بالحسنى ويتعظ بها منك، ويزجرك عن السيئة، وينزجر عنها لك".
مبادئ أساسية
للصداقة مبادئ أساسية من خلال تطبيقها على علاقاتك المختلفة تستطيع أن تميز من بينها الصداقة الحقيقية، والتي تتمثل في:
- العطاء: قانون الصداقة الأول هو كن معطاء مع الآخرين قبل أن تتوقع منهم عطاء لك. اكبر خطأ هو أن يعتقد الإنسان إن الصداقة ستأتي له بلا مقابل فالصداقة هي علاقة ديناميكية من خلالها يجب ان تعطي شيئاً من نفسك قبل أن تأخذ من الآخرين.
- المشاركة: الصديق الحقيقي يشاركك لحظات فرحك وانتصارك أوقات الحزن في حياتك .. عندما يحدث شيء رهيب فإن الصديق الحقيقي لا ينصح .. بل يستمع ويتعاطف أولاً.
- التواصل: الأصدقاء الحقيقيون يتواصلون، يكون هناك نوع من الفهم المتبادل بينهم، ان كل انسان يكون بحاجة الى وجود شخص آخر بقربه يتحدث معه عن كل شيء وأي شيء عن تفاصيل حياته اليومية الصغيرة ويكون الأمر بمثابة كتابة اليوميات ولكن دون الإمساك بورقة.
- تقارب رغم الخلاف: الأصدقاء الحقيقيون يظلون بالقرب من بعضهم البعض حتى لو كان هناك سوء تفاهم بينهم ولا يتركون بعضهم أبداً في وقت الأزمات.
- الوفاء بالوعد: الصديق الحقيقي لا يخلف الوعد ولا الموعد.
- لا ضرورة للتجمل: مع الصديق الحقيقي لا تحتاج للتصنع أو التجمل إذا شعرت بأنك تكون نفسك وأنت مع صديقك فهذا يعني أن صداقتكما قوية.والأصدقاء الحقيقيون يتحملونك عندما تكون حالتك المعنوية مرتفعة أو منخفضة عندما تكون حزين أو غاضب .
- الثقة: الصديق الحقيقي هو الذي لا تشك للحظة في أمانته تقول له سرك فيحفظه ويكتمه إذا علق على أن ثوبك لا يناسبك فأنت واثق إنه لا يفعل ذلك بدافع الغيرة وإنما برغبة أكيدة في مصلحتك.
تخلصوا من هؤلاء
إذا كانت الصداقة ضرورة لكل إنسان فهناك أصدقاء يجب قطع الصلة معهم لأنهم مصدر الطاقة السلبية، ومنهم الصديق الذي يقدم اللوم باستمرار بسبب مشاكله الشخصية، والابتعاد عن الصديق الذي يمكن أن يخون بسهولة لأنه يبث الدسائس والإشاعات من حولنا، ويجرح الآخرين من دون اكتراث.
كما يجب الابتعاد عن الصديق الذي لا يتصل أو يتواصل، إلا إذا كان يريد مساعدة أو مصلحة ما، والصديق الثرثار الذي لا يمكنه أن يكتم السر، فهذا النوع من الأصدقاء لا يشعر بالراحة إلا بعد أن يبوح بالسر ويتخلص من هذا العبء.