الإخاء .... عندما يصبح كفراً
في ليلةٍ تغيرت القلوب , واختلت الموازين , وظهرت قراراتٌ تهتك حجاب الشمس ناهيك عن غطاء القرابة العنكبوتي فلقد تم
تمزيقه وإلى الأبد .
قد تغفر لشخصٍ ما قتل أخاك ـ لكن لن تغفر لمن كان أخاك إن ارتكب في حقك ذنباً مدى الدهر , ولو صار الحجر القاسي
غصناً رطيباً , وصارت الشمس في كف عفريت .
أن يرتكب ( من كان أخاً لك ) في حقك ذنباً وجرماً تعيره به الناس فهذا الذي يستحال نسيانه ويصعب تركه , وقد يحلو معه الإنتقام .
في هذا الوقت بالذات وصنعاء ترتدي حلة الثلج , والبرد بلغ منتهاه وانخنقت درجة الحرارة حتى أعلنت أجهزة الإرصاد حالة وفاتها .
وقتها أجد نفسي في الشارع يحتضنني البرد وتستقبلني الثلوج , ويرقص التراب البارد طرباً بقدومي .
ألتفت يميناً وشمالاً لعلَّ الساعات تصرخ بلساني ليتلقاني شخصٌ ما , لكن ................
لا أنكر فقد هيأ الله لي قلوباً مفتوحة تستقبل الدمع , وتأبى الجفاء ..
لا سامح الله الأيام ولا رحم القلوب التي لا تعرف إلا كلمات الثناء الكاذبة .
أبتسم في عنفوان البرد , وشفتاي تهتز كأنها غصنٌ تعبث به الرياح وأضحك حتى يتعجب الزمهرير.
أوصل الحمق إلى درجةٍ تجرؤ بعض الألسن على نطق كلمات الوقاحة ؟؟ والغريب أن هذه الألسن لا تعبر بذاتها لكنها تتلقى إملاءاتٍ
من شياطين خبيثة أشبه بالذباب التي تترك موضع البرء والسلامة وتقع على الجرح والأذى ـ حسب تعبير شيخ اإسلام ابن تيمية .
ليس العيب أن يرتكب شخصٌ ما في حقك خطأً أو جرماً فهذه أشياء بل سنة مؤكدة ...
لكن العيب والجرم هو نوعية هذا الخطأ وأسبابه ونتائجه , وأيضاً مسوغاته وأشخاصه .
ليس الخطأ هو الذي ينتزع دموع العين ويستلب بهجة القلب ولكن مرتكب هذا الخطأ , ومدى صلته بك .
وحين تكون مبتسماً كالصباح فيأتيك ما لم يكن بحسبانك , فتزداد ابتسامتك طولاً وعرضاً حتى تخجل الشمس
وتحرج القمر فعندئذٍ وضعت من غدر بك أو أساء إليك في موضعٍ لا تحسده عليه الدواب ناهيك عن الآدميين .
ربما قد تنتابك النخوة , وتنتفخ في أوداجك الشهامة فتغفر لمن أساء إليك بغض النظر عن حجم الإساءة ...
وخاصةً إذا كانت الإساءة محصورةً بينك وبينه لم تتسخ بها أنسام الآخرين .
لكن أن تعقب تلك الإساءة إساءةٌ أخرى ومن نوعٍ يجعل العاقبة وخيمة فهنا قد يكون المسيء هو من حفر حفرةً فوقع
فيها , وهو الذي أضرم النار فاحترق بها أولاً ..
أما الغفران هنا أظنه في منتهى الصعوبة , وغاية التعقيد .
أقول بعد هذا كله :
كل شيء في الحياة يظهر فجأةً وينمو وينتهي وربما يزول أثره وقد يكون هذا الشيء رابطٌ بينك وبين أناسٍ
, فإذا ما زال الرابط فهيهات أن يعود كما كان .
وإذا ما فررت من شيءٍ فرارك من الأسد الضاري , أو كفرارك من اللهب فلن تعود إليه مهما كان
ثمن هذا الشيء .
وكذلك الكفر ... هذا الوباء المقيت كيف تدخل إليه أو كيف ـ إن أنقذك الله منه ـ تعود إليه ,
وكيف تتحدث بإسمه ؟
لا أظن عاقلاً لبيباً لديه مثقال ذرةٍ من عقلٍ يفعل هذا .
وهناك روابط أشبه بالكفر ـ بعد فكاكها ـ أو حتى قبل , غير أن الوزر والذنب لا يتحتم فيها كما هو في الكفر .
فكذلك الإخاء قد ربطه الله بالإيمان ـ, فقال الله : (إنما المؤمنون إخوة) . فليس هناك رابطٌ يربط الإخاء
غير الإيمان , ونقيض الإيمان هو الكفر , ولن يكون الكفر بعد الإيمان إلا إذا تفككت روابط الإخاء
ـ فهنا يكون الإخاء قد صار كفراً ـ لأن بتفككه تتفكك روابط الإيمان الذي اقترن به ,
فالإيمان لا ينقضه غير الكفر , والإخاء بعد تفكك روابطه يصير كفراً تماماً .........
صنعاء
الإثنين : 2010/1/25م