كان يوم الجمعة من كل اسبوع ..يوما أخر غير الايام الاعتيادية التي كانت ملئيه بالدراسة والجد والتعب والروتين الممل اْحيانا.
وتكمن خصوصية هذا اليوم ،أدة صلاة الجمعة في المسجد المجاور لمنزلنا بصحبة والدي وكذلك وجبة الغداء التي كنا نراها لذيذة وشهية ،وربما كنا نظن أننا الوحيدين بين الجيران الذين كنا نتناول هذه الوجبه كمكافاة من والدي لما قدمناه من دراسه واجتهاد طول ايام الاسبوع.
لم نكن نعلم ما هي هذه الوجبه ،وكل ما عرفناه ..أنها وجبة من اللحم اللذيذ المعجون بالتوابل والروائح الذكية تفوح منها.
كنا صغارا..(نتحزي)بين لحم الضأن ولحم العجل ، ولحم الجمل،وسرعان ما نستغرق في الطعام وننصرف عن الجواب.
ما كان يهمنا من الامر كلهه:أن نملاْ بطوننا الصغيرة من ذاك الطعام سواء كان لحم ضأن أم لحم عجل سمين.
كان كل موقف مهين يشعرنا بالغضب ،وكل امر مشين يجعلنا نستفز ..فيغلي الدم في عروقنا ،ويدفعنا في كثير من الاحيان الى اتخاذ موقع الهجوم للرد،ولم يكن لكلمة الخنوع اي مكان في قاموس حياتنا ،ولم يكن من السهل علينا القبول بأي موقف غير عادى وقول كلمة (ماشي الحال ،مرقها هذه المرة،على شاني ،طنش،فقد كان لكل موقف رد فعل يناسبه،ولم يكن للخواطر اي مجال في امر لايقبل ل المساومة.
بالامس احببت التمتع بأجوا الطبيعه،وذهبت الى حديقة عامة لنيل بعض الهدؤ،وهنا ريت الهاربين الى الطبيعة مثلي ..،كان بعضهم يطالع الصحف اليوميه يقلب الصفحات الواحدة تلو الاخرى،ويمر عليها مرور الكرام..:وقلت في سري:أيعقل انهم لم يجدو موضوعا جديرابالقراءة..؟استعرت من احد الزوار الصحيفة بعد ان وضعها على المقعد بجانبه،وأخذت أقرا العناوين حرب في صعدة ضد المتمردين الحوثيين وأرض محروقة وأنتهاكات سعوديه للارض اليمنيه،وانفجار في الاعظميه بالعراق ،قوات الاحتلال تعتقل تعتقل فلسطينين في الضفة،سقوط عشرات الفلسطينين في اعتدا صهيوني غاشم في غزة ،قتلى وجرحا في اشتباكات في الصومال، ضغوط امريكيه على النضام الايراني بالتخلي على السلاح النووي .
لم تعد أخبار الاحتلال والعدوان تدهشنا!!ولم تعد دماء الضحايا ومنضر الاشلاء المتناثرة على شاشات الفضائيات تثير عواطفنا..!
لم تعد دموع الامهات العربيات تثير حميتنا..!ومشاهدة الكرامه العربيه تحت حذاءالعدو الامريكي والصهيوني ،ونتهاك أعراضنا وأراضينا ومقدساتنا لم تعد تعني لنا شيئا!!
وعرفت ان ما كان يقدمه والدي لنا لم يكن وجبة لحم الجمل فحسب.. وانما كانت وجبة غيرة ونخوة وعزة،فالمعروف عن الجمل أنه يقتل كل من يحاول النظر الى عورته،فكيف بنا وعوراتنا وأعراضنا لعبة في يد العدو..؟
كيف بنا ..وكل ما هو غال بات رخيصا.. في متناول الايادي الاثمة ..؟ترى كم من قوافل الجمال علينا أن نأكل كي ننهض فينا الحميه العربية؟حمية الجاهلي؟حمية المعتصم ؟ترى كم من وجبات اللحم تلك ..نأكل ونطعم أبناءنا كي تجعلنا نغضب ونثور على واقع الذل والخنوع؟!
أما أن لنا ..أننفتح صدورنا لنداءات غزة والقدس والعراق وكل ذرة تراب مغتصبه..
وكرامه مهدورة..!