ليوم الصراب عند المزارعين شأن وأي شأن. فهم يعتبرونه يوم وليمة بحيث يقوم صاحب المزارع باستدعاء مجموعة من الجيران والأقارب. رجالاً ونساء فيلبون الدعوة مسرورين.
ويأتون للمشاركة منذ الصباح الباكر دون أجر إلا فيما ندر . لأن بعضهم يعمل «سخرة» أي تعاوناً. وبعضهم يعمل ضهاء . أي قضاء يوم بيوم.
ومن العادة أن يهتم صاحب العمل بإعداد وتجهيز وجبة الغداء. ونقلها مع أفراد أسرته إلى موقع الحصاد. وعادة ماتكون تلك الوجبة من الطعام الدسم والسمن واللحم.
وتطلق على تلك الوجبة تسمية «حنذور».
وهذه التسمية لاتطلق إلا على المائدة الدسمة التي تنقل إلى المزارع في موسمين فقط هما موسم الصراب وموسم الذري «بذر الحبوب» لذلك جاءت الأهزوجة النيسانية مؤكدة تلك العادة الحميدة :
(وأرعويه إندي الذري والحنذور واندي الدجاجة اللي جناحه مكسور)
وفي تلك الوجبة دلالة على فرحة المزارع وابتهاجه بذلك اليوم. كما تدل في الوقت ذاته على كرم وأصاله المجتمع الريفي المتمسك بالعادات والتقاليد الحميدة العربية العريقة.
وكأن في تلك الوجبة تكريماً للحاصدين «الصراب» مقابل تعاونهم دون أجر ومكافأة لهم.
وتعويضاً لأجسامهم التي تبذل جهداً ومشقة.. دون كلل ولاملل.
ولايخلو الموقف من الهجيل المصعد للحماس، ولكنه هجيل يعبر عن الواقع المعاش. كالتنديد بالوضع القائم المتمثل بسلطة الدولة وحرصها على تقدير محاصيل الرعية ومايحدثه هذا من ظلم وجور :
وأيا مخمل لك المصائب
سبعة بقصله على الجشائب
وقبل ذلك كانت الهجلة أيام الإحتلال العثماني :
من دولة الترك ياالله الجمائل..
وتصل السخرية أحياناً إلى حد ذكر وإلي أمر الرعية القريب وهو الشيخ وكان ذلك أيام كان الإمام يأخذ أولاد الوجهاء والمشائخ رهائن عنده ليضمن طاعتهم وولاءهم ويأمن عدم تمردهم.
والشيخ يوصي يشا رهائن
الشيخ مزبط يشا نعائم
يامن تشيّخ أندي رهائن
يامن تعقل باع البهائم
كذلك هناك عادات خاصة في موسم الصراب يلتزم بها الرعية كعرف تقليدي ينتظم حياتهم الاجتماعية.
منها أنه في بعض مناطق الحجرية جرى العرف على أن المرأة التي تتشاجر مع زوجها. وتذهب حانقة إلى بيت أهلها أيام الصراب. فإنها تعاد في يومها مكرهة ودون إرضاء. مهما كانت حجتها ولذلك جاء المثل الشعبي مدللاً على ذلك الموقف. وكأنه حكم قاطع.
الذي تحرن أيام الصراب
ترجع بلا رضاء
وفي ذلك الموقف دلالة على قوة الترابط الاجتماعي. لأن في ترك الزوجة لزوجها ولأعماله في جني المحاصيل معنى واحداً وهو عدم تقديرها للمسئولية. وبما أن الأيام تلك في غاية الأهمية. إلى جانب كونها أيام خير. فقد قضى العرف أن ترجع إلى بيت زوجها مرغمة ودون مصالحة وعودة إلى الهجيل فإنه مهما تعددت ألوان المهاجل الزراعية. واختلفت باختلاف المواسم.
فإن قيمتها الجمالية لا تأتي كونها متوارثة وحسب. وإنما تكمن في أجواء الموسم الذي يعيشون أيامه، كما يأتي اختلاف المهاجل ليبين حالة وهيئة الموسم المعاش. ومايتطلبه الموسم من جهود محثوثة يبذلها المزارعون.
فإذا كانت مهاجل الخريف مثلاً تتسم بالنشوة والإبتهاج.. وتنبض بالإبداع المتناغم المنسجم مع تماوج السنابل والأحجان. دلالة على الراحة النفسية للمزارعين فإن مهاجل الصراب تتسم بالحيوية والنشاط دلالة أخرى على الحركة العملية التي تتطلب سرعة انجاز المهمة.
كما يشير هذا المثل الزراعي..
(كن بصرابك مجنون وبذريك عاقل)
لذلك فمهاجل الصراب تنبذ الخمول والكسل:
قم وحّد الله واعبد نائم
واعبد راقد فوق الوسائد
ياراقد اليوم كم لك نائم
ماترقد النوم إلا البهائم