إن اليمن في بحثها عن مخارج من أزماتها لاتكاد تفعل إلا وتفتأ تذكر أهمية دور مجلس التعاون الخليجي في المساعدة على الخروج من تلك الأزمات وامتد بها الأمل لتسعى للانضمام إلى المجلس كعضو سابع رغم أن نظام المجلس قد حصر العضوية في الأعضاء الستة منذ نشأته ولا يزال الغالب في الأمر أنه يفضل الاحتفاظ بنكهته ولا يميل إلى تبديلها بنكهة أخرى إلى حين تستجد أوضاع على المستوى الإقليمي والدولي تقتضي قيام دول المجلس بتغيير طبيعة المجلس ونظامه لتنطلق إلى محيط أوسع وأهداف أشمل.
وفي ظل الوضعية الحالية لمجلس التعاون الخليجي فإن دوله وشعوبه لا يمكن أن تهضم اليمن حقها فتتركها لتغرق في مشاكلها دون أن تجد النجدة منهم أولاً قبل غيرهم، فالرغبة لدى الأشقاء مؤكدة في أنهم يريدون مساعدتنا أضعافاً كثيرة على المساعدة الحالية وأن قلقهم يتزايد على اليمن مع تزايد التحديات التي تواجهها اليمن خاصة مع تراجع الإيرادات النفطية بسبب انخفاض الأسعار العالمية من جانب وتناقص الكميات المنتجة من النفط من جانب آخر وحيث يتوقع نضوب المخزون النفطي المكتشف في اليمن خلال بضع سنوات إلا من القليل، وفي ظل توقعات ضعيفة بحدوث استكشافات نفطية جديدة ذات أهمية.
إن دواعي القلق الخليجي على اليمن متعددة ومتزايدة بتعدد مشاكل اليمن وتزايد حدتها كما أن إدراكهم لعجز اليمن عن مواجهة التحديات المختلفة الكبيرة لم يكن خافياً وخشيتهم واضحة من الانعكاسات السلبية لمشاكل اليمن المتفاقمة على أمن واستقرار بلدانهم وفي مقدمة الجميع المملكة العربية السعودية ومثل هكذا وضع يشكل حافزاً آخر لزيادة المساعدة الخليجية واستدامتها.
إذاً فأين المشكلة؟
المشكلة تكمن أساساً في اليمن ويكفي أن نشير إلى الاجتماع الأخير للمانحين في صنعاء والذي كشف حقيقة عجز اليمن حتى عن الاستفادة من الأموال المقدمة من المانحين والتي تم تخصيص أكثر من 90% منها ولم يتم سحب سوى ما دون 10% من تلك الأموال بسبب ضعف القدرة الاستيعابية لليمن التي طالما عجزت عن الاستفادة من الكثير من القروض أو أساءت استخدامها فضلا عن تبديدها وهدرها لمواردها الذاتية المحدودة والأمثلة على ذلك كثيرة لا تعد ولا تحصى.
إن اليمن تعيش لحظة حرجة جداً تقتضي أن تساعد نفسها أولاً بإجراء الإصلاحات المؤسسية المطلوبة والتي تسمح باستغلال مواردها المالية والمحتملة بكفاءة وفعالية وكذلك فإن هذه الإصلاحات تعبد الطريق لوصول مساعدات الآخرين والاستفادة منها وإذا كانت الموارد المحلية غير كافية فإن الوقت لم يعد كافياً أيضاً للقيام بالإصلاحات الضرورية ومن ثم الحصول على مساعدة الآخرين في الوقت الحرج على الأقل وهو ما يتطلب من اليمن اتخاذ قرارات كبيرة وجريئة وعاجلة وبذل جهود مضاعفة لتطيق الأخطار المحدقة بالبلاد وتحويل المسار الكارثي إلى مسار آمن بعون الله.
لقد بدأت اليمن إصلاحاتها الاقتصادية والمالية والإدارية في عام 1995م ولم تنجز إلا القليل مقابل بروز الكثير من العوائق والاختلالات التي لم تكن موجودة سابقاً إلى جانب زيادة حدة بعض الاختلالات القائمة بسبب غياب الإرادة السياسية وانعدام الجدية وعدم شمولية تلك الإصلاحات.
وهانحن بعد أكثر من 13 عاماً من بدء الإصلاحات نجد أنفسنا أمام أجندة إصلاحات وطنية أوسع وأكبر فقد أضيفت مشاكل وتحديات جديدة إلى تحدياتنا السابقة فمن نضوب النفط وتحدي الفقر والبطالة إلى مشكلة صعدة وقضية الجنوب وتحدي مكافحة الفساد ومن تحقيق الأمن المائي والأمن الغذائي وتوفير الأمن في البلاد إلى تحقيق الإدارة الكفوءة والحكم الرشيد ومن إصلاح القضاء إلى إصلاح الاقتصاد والتعليم وفي كل هذه التحديات وغيرها علينا أن نختار مسافات كبيرة ونتغلب على عوائق عديدة ولحشد موارد كافية وإن كان تحدي الوقت هو التحدي الأكبر والمورد الأقل توفراً.
وإذا كانت الإصلاحات المؤسسية الشاملة هي الشرط الضروري توفره لمواجهة مختلف التحديات فإن المشورة والنصح لليمن من إخوانه في الخليج أمر مطلوب ومرغوب فهم الشريك الأول لليمن التي ما انكفت تتلقى الشروط تلو الشروط من قبل المانحين الدوليين الذين يقرنون مساعداتهم لليمن باشتراطات تعتمد أهداف مالية ونقديه صارمة بجانب معايير أخرى تلتزم اليمن وغيرها من الدول المستقبلة للمساعدات.
ومن امثلة تلك المعايير الحكم الجيد ومكافحة الفساد والحرية الاقتصادية والشفافية والمساءلة والتخفيف من الفقر.
وبعض هذه المعايير فضفاضة بعضها قد توغل في التجاوز على سيادة الدول وهو ما لا يحتاجه الأشقاء ولا ترغبه اليمن.
إننا بحاجة إلى إحداث ثورة في نظامنا التعليمي ليتناسب مع حاجة السوق الخليجية فضلاً عن متطلبات التنمية من الموارد البشرية فلتكن هذه واحدة من الشروط الخليجية التي على اليمن الالتزام بإنجازها وبمساعدة خليجية، وبالمثل تحسين بيئة الاستثمار لغرض جذب الاستثمارات الخليجية وغيرها من الاستثمارات الخارجية إلى اليمن.
وهكذا يمكن أن تقيم اليمن شراكة فعالة ومتنامية مع جيرانها وتأتي البيوت من أبوابها وليس القفز على أسوارها وهو أمر غير ممكن ولا مستحب.
لقد فوتنا على أنفسنا فرصاً كبيرة وفي مراحل مختلفة ولم نخطط للمستقبل وجاءت العمالة الآسيوية لتستحوذ على سوق اليمن الخليجية التي تستقطب أكثر من عشرة ملايين عامل يستنفذون أكثر من 25 مليار دولار سنوياً وعلى مدى ثلاثين عاماً لم نفعل شيئاً إزاء ذلك بإعداد العمالة المدربة والمتخصصة واكتفينا بالتعلق بأستار الاتفاقيات ذات الطبيعة السياسية المتقلبة تارة وتارة أخرى نستنهض روح الأخوة وحقائق الجوار التي لا تمثل جوهر الطلب والحاجة دائماً تعبر عن أرضية مناسبة ومناخ موات للانطلاق باستراتيجية مصوبة باتجاه حقائق التطور الاقتصادي لدول مجلس التعاون الخليجي فتصدير العمالة اليمنية إلى سوق العمل الخليجي واستقطاب المزيد من الاستثمارات الخليجية إلى اليمن محددان رئيسان لشكل العلاقة بين اليمن ودول الخليج على المدى المنظور وهو ما ينبغي التركيز عليه في ظل تظافر الحلول العملية الواقعية مع الحلول الأخوية والسياسية مع التسليم بأن قاعدة المصالح المتبادلة هي الأساس في العلاقات بين الدول والدعم والسند يأتي أولاً من التفاعلات الإيجابية المنبثقة عن هذه العلاقة ومن شواهد النجاحات المتواصلة وعنده يكون أسهل على الجميع أن يستنجد بمعاني الأخوة والأواصر المشتركة لإكمال قوة الدفع في اتجاه تنامي المنافع المتبادلة وحتى الوصول إلى الهدف النهائي وهو العضوية الكاملة في المجلس الخليجي التي سوف تفتح لليمن آفاقاً كبيرة تأخذه من وهدته وتمنحه فرصة النهوض الكبير. 5/05/2009 الصحوة نت – خاص: