أبو تمام وعروبة اليوم" للشاعر البردوني

أبو تمام وعروبة اليوم" للشاعر البردوني "

أبو تمام وعروبة اليوم" للشاعر البردوني "
لقد تنبأ الأستاذ/ البردوني بعودة علوج الروم إلى حواضر العرب ومعهم طائراتهم وجيوشهم وطغيانهم وادعائهم بأنهم الأرقى من سائر الأمم. وصور ضعفنا وسيطرة خرافة المنجمين علينا رغم رفض أجدادنا أيام المعتصم لتلك الخرافات، ونقد بصوت عالٍ حُكام العرب لخنوعهم وتسليمهم زمام أمورهم للعداء، بينما هم يُظهرون غير ما يُبطنون، فهم حماة الوطن إن كان خلافهم مع أبناء جلدتهم، بينما يُسلمون الوطن للغزاة بطيب نفس، ويفرشون لهم عيونهم.. وجسد حاله وحال اليمن في صورة شعرية مؤلمة تنبئ عن حقيقة ما كان عليه حال اليمن وحال الشاعر عام 1971م. فاليمن خرجت من حرب استمرت ثمان سنوات، تحاول أن تلملم نفسها لكنها واقعة في براثن التخلف والجهل من جهة، ومن جهة أخرى تعاني من الانشقاق والصراع من قبل الأحزاب السياسية السرية العربية المتنازعة (البعثيون، القوميون، الناصريون، الاشتراكيون، الإسلاميون، الشيوعيون.. الخ) فضلاً عن القوى التقليدية السياسية المتنازعة وأهمها قوة (القبائل، والملكيون) ومن يناصرهم من الأنظمة العربية، فقد انعكست كل تلك الصراعات في نفس الشاعر وعبر عنها بلغة شعرية مأساوية لا يستطيع أي شاعر يمني أن يعبر عنها بمثل ما عبر عنها الأستاذ البردوني في هذه القصيدة.

فتعالوا بنا لنعش معاً مع هذه القصيدة.

أبو تمام وعروبة اليوم

ما أصدق السيف إن لم ينضه الكذب

وأكذب السيف إن لم يصدق الغضب

بيض الصفائح أهدى حين تحملها

أيد إذا غلبت يعلو بها الغلب(1)

وأقبح النصر.. نصر الأقوياء بلا

فهم.. سوى فهم كم باعوا.. وكم كسبوا

أدهى من الجهل علم يطمئن إلى

أنصاف ناسٍ طغوا بالعلم واغتصبوا

قالوا: هم البشرُ الأرقى وما أكلوا

شيئاً.. كما أكلوا الإنسان أو شربوا

< < <

ماذا جرى.. يا أبا تمام تسألني؟

عفواً سأروي.. ولا تسأل.. وما السّببُ

يدمي السؤال حياءً حين نسأله

كيف احتفت بالعدا (حيفا) أو (النقبُ)(3)

من ذا يلبي؟ أما إصرار معتصم

كلا وأخزى من (الأفشين)(4) ما صلبوا

اليوم عادت علوج (الروم) فاتحة

وموطن العرب المسلوب والسلبُ

ماذا فعلنا؟ غضبنا كالرجال ولم

نصدق.. وقد صدق التنجيم والكتب

فأطفأت شهب (الميراج) أنجمنا

وشمسنا، وتحدت نارها الخطب

وقاتلت دوننا الأبواق صامدة

أما الرجال فماتوا.. ثم أو هربوا (5)

حكامنا إن تصدوا للحمى اقتحموا

وإن تصدى له المستعمر انسحبوا

هم يفرشون لجيش الغزو أعينهم

ويدعون وثوباً قبل أن يثبوا

الحاكمون و«واشنطن» حكومتهم

واللامعون.. وما شعوا ولا غربوا

القاتلون نبوغ الشعب ترضية

للمعتدين وما أجدتهم القربُ(6)

لهم شموخ (المثنى)(7) ظاهراً ولهم

هوىً إلى «بابك الخرمي ينتسب

< < <

إذا ترى يا (أبا تمام) هل كذبت

أحسابنا؟ أو تناسى عرقه الذهب؟

عروبة اليوم أخرى لا ينم على

وجودها إسم ولا لون.. ولا لقب

تسعون ألفاً (لعمورية) اتقدوا

وللمنجم قالوا: إننا الشهب

قيل: انتظار قطاف الكرم ما انتظروا

نضج العناقيد.. لكن قبلها التهبوا

واليوم تسعون مليوناً وما بلغوا

نضجاً.. وقد عصر الزيتون والعنب

تنسى الرؤوس العوالي نار نخوتها

ذا امتطاها إلى أسياده الذنب(

(حبيب) وافيت من صنعاء يحملني

نسر وخلف ضلوعي يلهث العرب