الهجوم على السفارات الاميركية لعبة سياسية
لا يمكن اعتبار الهجوم على السفارة الاميركية في صنعاء وغيرها من دول ما يسمى الربيع العربي, ردات فعل او محاولة لعرقلة التسوية السياسية في اليمن على سبيل المثال، بل استغلالاً مدروساً للمشاعر الدينية لدى الشعوب العربية المنفرطة من عقالها, لتحقيق أهداف سياسية. فجميع المؤشرات تدل على وجود تواطؤ سياسي في تاجيج المشاعر الدينية والتحريض على العنف بقوة لاستثمارها سياسياً, وتواطؤ امني سهل اقتحام السفارات بسهولة لا مثيل لها.
فمن المستفيد من كل تلك الاحداث في المنطقة؟
من المؤكد ان كل الشعوب العربية لم تشاهد الفلم ولا تعرف محتواه, بل ان منتجي الافلام في الغرب يسعون اولاً الى استرداد ما صرفوه على انتاج افلامهم وجني الارباح سريعاً ببيعها على شركات التوزيع قبل عرضها على دور العرض او القنوات التلفزيونية. لكن تسريب اخبار هذا الفلم قبل بيعه, بل ونشره على المواقع الالكترونية بشكل واسع يثير الكثير من التساؤلات خصوصاً ارتباط اخباره في البلدان العربية بحادثة احراق القنصلية الاميركية في ليبيا ومقتل الدبلوماسيين الاميركيين فيها. الاكثر غرابة هو ما صرحت به الحكومة الليبية من ان القنصلية الاميركية في ليبيا كانت سرية لا يعلم بوجودها احد حتى الحكومة الليبية, وهو ما اكدته الناطقة باسم الحكومة الاميركية التي صرحت بان كتيبة ليبية غير حكومية هي من قام بمساعدة من تبقى من الدبلوماسيين الاميركان على مغادرة القنصلية المحترقة.
ان محاولة توصيف الحدث بردات الفعل الشعبية او الغيرة الدينية, غير منطقي بالمطلق. فلا الاعداد التي هاجمت السفارات تصل الى مصاف التحرك الشعبي, ولا الغيرة الدينية يمكن ان تجمع اشخاص من مناطق بعيدة ومختلفة, في المكان والزمان والهدف نفسه بطريقة مشابهة لعمليات الهجوم والنهب لوزارة الداخلية اليمنية ومهاجمة وزارة الدفاع اليمنية. إضافة الى ذلك تزامن هجوم المقتحمين مع إختفاء الحمايات المحلية غير العادية للسفارات الاميركية والحماية العسكرية الاميركية الداخلية, وانعدام التعزيزات الامنية عند الاقتحام. فالمعروف عن السفارات الاميركية خصوصاً انها تشتمل على قوة حراسة اميركية قوية تبدأ من خلف البوابة الرئيسية وتتوزع في كل مبانيها, ناهيك عن نظام الكتروني متطور للمراقبة الداخلية والخارجية مرتبط بغرفة عمليات ونظام حماية ومناطق متباعدة ومحصنة واسلاك مكهربة وغيرها.
في اليمن استفادت الاطراف السياسية اليمنية المتوافقة من قضية الفيلم في محاولة لتوريط شريكها الخصم في عداء مع الاميركان او اتهامه بالارتباط بهم, بطريقة متعجلة وقد تكون مرتبة مع الاميركان انفسهم, او طرفاً ثالثاً غير ظاهر.
لنحاول النظر الى الحدث بطريقة اخرى لا علاقة لها مطلقاً بالفيلم او الاساءة الى النبي الكريم, عبر الحدث الهام المتزامن في الطرف الاخر من العالم وهو الانتخابات الاميركية. فالمتابع لتلك الانتخابات يشهد بارتباطها دوماً باحداث جسيمة في مناطق اخرى من العالم. كذلك الحال بالمشكلة الايرانية والمطالب الاسرائيلية المتعجلة للقيام بضربة عسكرية ضد ايران, وارتباط الانتخابات الاميركية بتقديم الولاء والطاعة للمطالب الاسرائيلية للحصول على دعم اللوبي الصهيوني. فاذا كانت حكومة اوباما قد فشلت في خلق اجواء مناسبة للقيام بضربة عسكرية ضد ايران, وترددها في تنفيذ ضربة غير مدروسة عواقبها على المصالح الاميركية في المنطقة.
فهل يمكن ان تكون العملية برمتها مجرد لعبة سياسية صهيونية تسقط اوباما من الرئاسة الاميركية؟ ولماذا تم اختيار دول الربيع العربي وثوارها المتحالفين مع اميركا؟ ولننظر الى تاثيراتها على الناخب الاميركي.
الولايات المتحدة الاميركية القوة العظمى الوحيدة في العالم, لم تستطع حماية سفاراتها ودبلوماسييها في دول مدمرة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً, تديرها اميركا عبر سفرائها.
الولايات المتحدة الاميركية القوة العظمى الوحيدة في العالم, تنتهك سيادتها عبر اقتحام سفاراتها ويقتل دبلوماسييها وينزل علمها ويداس ويحرق داخل تحصيناتها امام العالم, دون ان تستطيع منع ذلك ولا الحيلولة دون وقوعه.
الولايات المتحدة الاميركية القوة العظمى الوحيدة في العالم, بكل جبروتها وامكانياتها المادية والعسكرية والاستخباراتية والتكنولوجية, تقف عاجزة امام شعوب دول منهارة لا تمتلك ان توفر حتى لقمة عيشها او تقرير مصيرها دون الركوع لاميركا.
ماذا استفادت اميركا من غزوها لدول ما يسمى بالربيع العربي, ودعمها للاسلاميين فيها غير الذل والعار والخزي والهوان, فمن يتحمل مسئولية ذلك؟ اليس الرئيس الاميركي اوباما الذي خان العهد ونقض الوعد واهان الشعب, فهل يستحق اعادة انتخابه؟
إنها لعبة السياسة الصهيونية الخبيثة وغباء الشعوب العربية.
د. محمد البنا