صالح يعود من البوابة الخلفية ويعلن الحرب..!
الرئيس صالح يحمل الآن – أو هكذا يفترض - حسب الاتفاق الموقع بين الحزب الحاكم والمعارضة لقب "رئيس شرفي"، فسلطاته جرى تسليمها لنائبه عبد ربه منصور الذي كان قراره الأول تكليف باسندوة - رئيس المجلس الوطني المجمع عليه من المعارضة - بتشكيل حكومة التوافق الوطني، التي ستشرف على الانتخابات الرئاسية المقبلة التي ستنتهي بحمل صالح لقب "الرئيس السابق".
ويعتبر الرئيس "الشرفي" صالح الذي سيغادر السلطة في شهر فبراير من العام المقبل "توقيعه المبادرة الخليجية" بأنها نتيجة التسوية السياسية التي بنيت على قاعدة "لا غالب ولا مغلوب". ويعترف رئيس الوزراء المكلف محمد باسندوة أنه لولا تضحيات شباب الثورة لما حصل التغيير الجزئي في البلاد، ولظلت الأمور على حالها.
صالح - الذي حمل لقب "الرئيس المحروق" كما يطلق عليه شباب الثورة بعد حادثة جامع النهدين وهي الحادثة الذي يجهل الجميع منفذها رغم اتهامات الحزب الحاكم على لسان البركاني ذات تصريح صحفي له بأن وراء هذه الحادثة حميد الأحمر والجنرال علي محسن الأحمر - حصل على ضمانات بعدم محاكمته أو محاكمة أي من أقربائه أو رجالات نظامه، كما يطالب شباب الثورة في ساحات وميادين الحرية والتغيير في مختلف المحافظات بمحاكمته، وهو اتعظ - كما يبدو - من أسلافه بن علي ومبارك والقذافي وآثر أن يتنحى عن الحكم "بطريقة مشرفة"، لكن بعد ارتكابه العديد من المجاز التي أودت بحيات المئات من الشباب والنساء والأطفال أهمها محرقة ساحة الحرية في تعز ومجزرة جمعة الكرامة في صنعاء، كما كان يطالب بعد أن أيقن أن سيل الثورة الجارف سيصل إلى قصره عاجلا أو آجلا ففضل السلامة وعزم السفر إلى نيويورك لاستكمال العلاج، كما أعلن الأمين العام للأمم المتحدة بعد توقيع صالح المبادرة الخليجية في الرياض.
وهو الآن لا يزال في صنعاء وليس في نيويورك حيث تلفاز الفضائية اليمنية يرى أن "الرئيس الشرفي" مازال يمارس مهماته فهو يجتمع مع الجيش ويصدر المراسيم ليقول إنه مازال هنا وانه لم يخسر بعد توقيعه المبادرة الخليجية
صالح حمل الرقم "4" في قائمة الرؤساء العرب الذين جرت الإطاحة بهم من قبل شعوبهم في سنة الربيع العربي، لكنه الأقل خسارة - إن تجاوزنا إصابته جراء محاولة اغتياله - فهو خرج محصناً محمياً رغم مسؤوليته عن الدماء التي سالت في الشوارع والساحات وسيحمل لقب الرئيس السابق سواء ظل في البلد أو فضل العيش خارجها إذا حالفه الحظ بمغادرة البلاد.
ما يعرفه الجميع أن "الرئيس الشرفي" ظل متشبثاً بالسلطة حتى آخر لحظة، رغم خسارته لجميع حلفائه بالداخل والخارج، واختار المواجهة العسكرية مع ثورة الشباب السلمية التي تنادي بالتغيير، وقرر مواجهة الشعب الذي احتشد في الساحات تحت الخيام بالملايين يطالبه بالرحيل عن السلطة، ودليل ذلك حرب الشوارع التي شهدتها العاصمة صنعاء بين القوات الموالية لصالح وأنصار الشيخ صادق الأحمر، والتي أسفرت عن عشرات الضحايا ومئات الشباب الذين قضوا على يد "البلاطجة" في ميادين وساحات الحرية والتغيير، والحرب غير المعلنة التي يشنها صالح على تعز.
ما قد لا يعرفه الكثيرون ربما.. أن الرئيس صالح وقع المبادرة الخليجية التي تنص على تنحيه عن السلطة، بعد أن أيقن أنه خسر جميع أوراقه، وأن استمرار الأزمة السياسية واستمرار مماطلته ورفضه التوقيع على المبادرة مع من وصفهم "بقطاع الطرق" سيجعله مطلوباً أمام المحكمة الجنائية الدولية، بعد أن تخلى عنه جميع حلفائه وبالأخص حليفه في البيت الأبيض الذي كان يرى وجوده في السلطة ضرورة لابد منها للقضاء على "القاعدة".
الرئيس الشرفي أكثر من كان يعرف أن إعلان المبعوث الدولي فشل التوصل إلى حل سياسي وتحميله المسؤولية عن ذلك يعني أن رأسه أصبح مطلوباً دولياً، وحينها سيكون مطلبه بتوفير الحصانة القضائية له من المحاكمة مطلباً غير ذات معنى.
لكن قانونيين يرجحون بأن مثول صالح أمام الجنايات الدولية أمر متوقع بل مؤكد لا لبس فيه معتبرين الضمانات التي منحت لصالح في بنود المبادرة الخليجية ليس لها أية قيمة قانونية.
الثورة مستمرة
ثورة الشباب لم تنته بعد، فمازال الثوار في الميادين يطالبون بمحاكمة الرئيس وأقاربه ويرفضون توقيع المعارضة على المبادرة في استمرار للمأزق السياسي؛ فالمسيرات التي تجوب شوارع مختلف المدن لازالت مستمرة تندد بالمبادرة الخليجية وتطالب بالمحاكمة، معتبرة أن توقيع المشترك على المبادرة لا يعنيهم، لكن مراقبين سياسيين يرون أن ما قد يقنع الشباب بالمبادرة الخليجية وإيجابياتها سرعة تطبيقها على أرض الواقع وضمان المجتمع الدولي والأمم المتحدة لحسن تطبيقها وعدم الالتفاف عليها، وما قد يقنعهم أيضاً أنهم نجحوا في إيصال ثورتهم إلى بر الأمان وهو استلام المعارضة للحكم فعلياً والبدء في هيكلة الجيش وأجهزة الأمن "إقالة أبناء الرئيس وأبناء أشقائه" ورحيل صالح عن البلاد إلى نيويورك سريعاً سيخفف من حدة إلحاح الشباب في مسيراتهم المطالبة بمحاكمته.
ما يمكن قوله بأن رحيل صالح عن السلطة إنجاز لثورة الشباب، والإنجاز الأكبر سيكون حينما تكف اليمن عن الانزلاق نحو الفوضى وتبدأ بالفعل مسيرة الألف ميل المتمثلة بالدولة المدنية الديمقراطية دولة المؤسسات والقانون لا دولة العائلة وأبناء الرئيس.
حيث ما تحقق ليس بسيطاً، لكن الطريق مازال طويلاً، فأمام هذا البلد - المليء تاريخه بالحروب - عامان على الأقل ليبدأ بالتعافي إذا حسنت النوايا وطبقت المبادرة الخليجية كما هي، وغادر صالح قصر الرئاسة ولم يحكم العامين المقبلين من خلف الستار أو يمارس السلطة عبر البوابة الخلفية التي يحرسها هادي.
الرئيس يعفو عن الشعب
الموقف السياسي والأمني في البلاد لم يتغير فعقب توقيع صالح على المبادرة الخليجية وآليتها المزمّنة، ظهر يمارس نشاطه السياسي كـ(رئيس) بل وضاعف من حضوره السياسي والإعلامي في وسائل الإعلام الرسمية.
وكعادته - أي صالح - في القفزات فهو لم يكف عن اتخاذ قرارات مصيرية تخص مستقبل البلاد طالما وقد سلم صلاحيته إلى نائبه، خصوصاً بعد إعلانه العفو عن جميع من شارك في عمليات "التخريب" التي صاحبت الثورة منذ انطلاقها في11 فبراير الماضي حد تعبيره.
ولكن صالح أكد أن العفو لا يشمل أولئك الذين استهدفوا قصره الرئاسي في يونيو الماضي، مما أدى إلى إصابته بجروح بالغة.
ولم يحدد صالح ما إذا كان هذا العفو يشمل قوات الأمن والبلاطجة التابعين له الذين قتلوا المتظاهرين، أو أن العفو يشمل المتظاهرين أنفسهم الذين شاركوا في إشعال الثورة ضده!
وأدت مثل هذه القرارات إلى إرباك المعارضة لمعرفة الدور الحقيقي الذي يلعبه صالح، بعد توقيعه على اتفاقية تسليم السلطة إلى نائبه الأيام الماضية.
قال سياسيون معارضون: إن عودة الرئيس المفاجئة وما تضمنه خطابه فيما سماه "عفوا" وتلميح مبطن بتفجير الوضع في البلاد يندرج ضمن سلوكه الرامي إلى عرقلة تنفيذ اتفاق السلطة.
وأكدوا أن صالح بات جزءًا من الماضي ولم يعد يملك ما يصدر هكذا قرارات بعد تنحيه بضغط شعبي وتسليم كامل صلاحياته لنائبه الرئيس المكلف بإدارة شؤون البلاد للفترة الانتقالية.
ورجح مراقبون بأن توقيع صالح على المبادرة الخليجية يأتي ضمن سلسلة مناوراته المعهودة الرامية إلى إطالة أمد بقائه في السلطة وأفراد عائلته.
وربما تساهم مناورات "صالح" الجديدة في تعكير صفو الحياة السياسية التي يطمح الفرقاء السياسيون إلى التوصل إليها عبر التنفيذ السريع للمبادرة الخليجية، خاصة وأن المشهد السياسي والأمني في البلاد لم يتغير فيه شيء منذ توقيع الاتفاقية الخليجية من قبل صالح في الأيام الماضية في الرياض.
ارحلوا من شوارعنا!!
نسبة لا بأس بها سُرت بالتوقيع على المبادرة الخليجية من قبل صالح وآليتها التنفيذية، محتسبين بأنها ستضع حداً للانهيار العسكري المتسارع الذي يتجه بالبلاد نحو حرب أهلية قريبة أو أنها كانت قد بدأت، لكن شباب الساحات اعتبروها ضمن محاولاته المتكررة لإجهاض الثورة.
النوايا الصادقة لم تلامس الواقع، ويعزز هذا الأمر العديد من الشواهد أبرزها: الكلمة المسجلة بالصوت والصورة لقائد الأمن المركزي "يحيى صالح"- نجل شقيق صالح – القائل فيها: "ارحلوا من شوارعنا" هكذا قال: يحيى صالح حرفياً للمعتصمين، وأضاف فيها: "انه بعد توقيع المبادرة الخليجية والآلية المزمّنة كفاية، ويجب أن تمتلكوا شيئاً من الحياء والخجل، وترفعوا مخلفاتكم من الأحياء، وأن تعود الحياة إلى طبيعتها، ونقول لكم: ارحلوا من شوارعنا".
وأثارت عبارة يحيى صالح "ارحلوا من شوارعنا" ردود فعل كبيرة وسخطاً واسعاً في أوساط شباب الثورة، وشعروا أن بقاء أفراد عائلة صالح في المؤسسات العسكرية والأمنية الهامة لن يغيّر شيئاً من النظام حتى وإن رحل صالح عن الحكم، ولذا يواصل الشباب ضغوطهم على مختلف الأطراف لإجبار أفراد عائلة صالح على المغادرة العاجلة من مؤسسة الحكم، وعدم إقالة أفراد عائلة صالح من المؤسسات العسكرية يصعب معه على الشباب في ساحات الاعتصامات إخلاء ساحاتهم حتى تتحقق كافة أهداف الثورة؛ لأن بقاء هؤلاء يعني القضاء على رأس الحكم والإبقاء على بقية الجسم قائماً وهو ما لم يقبل به شباب الثورة.
تصعيد أمني
وما تتعرض له أرحب يعد مشهداً آخر يعكس أن صالح سيء النية، لا حسن النية كما قال: في خطابه عقب توقيعه على المبادرة الخليجية، حيث أكدت مصادر قبلية مقتل 10 مدنيين وإصابة أكثر من 30 آخرين بينهم 4 نساء وطفلان في القصف المتواصل على مناطق أرحب القبلية منذ التوقيع على المبادرة الخليجية الأربعاء 23 نوفمبر الماضي في الرياض.
وبعد أرحب في صنعاء أشعل النظام الحرب في تعز من قبل قوات غاشمة، حيث قصفت الأحياء السكنية ومازالت في وسط وغرب وشمال المدينة بالأسلحة المتوسطة والثقيلة بشكل عشوائي من ثكنات جبل جرة وحبيل سلمان ومستشفى الثورة واللواء 33 مدرع، كما تتعرض ستة أحياء وسط المدينة للقصف الذي استمر لخمسة أيام متوالية وحتى الآن أدى إلى استشهاد أكثر من 20 بينهم أطفال ونساء.
وتأتي هذه الخروقات للمبادرة الخليجية في ظل انشغال الوسط السياسي في السلطة والمعارضة بقضية تشكيل الحكومة الجديدة التي كلف بتشكيلها رئيس المجلس الوطني لقوى الثورة محمد سالم باسندوة واختيار أعضائها، والتي من المقرر أن تنظم انتخابات رئاسية في شباط (فبراير) المقبل خلفاً لصالح.
ِ
