أهلا وسهلاً بك زائرنا الكريم
نرحب بك ونتمنى ان تتكرم بالتسحيل
او اذا كنت عضو فعليك بتسجيل دخولك
مع تحيات
منتديات جبل حبشي


منتديات من لا منتديات له
أهلا وسهلاً بك زائرنا الكريم
نرحب بك ونتمنى ان تتكرم بالتسحيل
او اذا كنت عضو فعليك بتسجيل دخولك
مع تحيات
منتديات جبل حبشي


منتديات من لا منتديات له
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

  من هدي القرآن الكريم

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابراهيم الحمادي

 من هدي القرآن الكريم   User10
avatar


ذكر عدد الرسائل : 31
العمر : 38
الدولة : اليمن
تاريخ التسجيل : 22/08/2011

 من هدي القرآن الكريم   Empty
مُساهمةموضوع: من هدي القرآن الكريم     من هدي القرآن الكريم   Emptyالثلاثاء 23 أغسطس 2011 - 0:17



آيات من بداية سورة الحديد




بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى وسلم الله على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.
الكلام من بدايته يتجه نحو محاولة في أنفسنا كيف نـثق بالله سبحانه وتعالى، كيف تعظم ثقتنا بالله؟ كيف تكون ثقتنا بالله قوية؟.
وقلنا بالأمس: بأن الحديث عن نعم الله سبحانه وتعالى يتسع الحديث عنها في مجالاتٍ أخرى, وبشكلٍ آخر, من حيث: كونها مظاهر من مظاهر حكمته، وقدرته، وعلمه، وتدبيره، ورعايته، وملكوته، وألوهيته، وربوبيته.. إلى غير ذلك. وشيء آخر مما يساعد على أن نعرف الله سبحانه وتعالى بالشكل الذي نحصل من ورائه على تعزيز لثقتنا به سبحانه وتعالى هو: حديثه في القرآن الكريم عن ذاته سبحانه وتعالى في الثناء على ذاته، وعن ما ذكره من مخلوقاته الكثيرة باعتبارها مظاهر من مظاهر ملكوته، وأنه هو من له الملك، هو رب العالمين، هو من له الملك، ونفاذ الأمر في العالمين.
منها: ما ذكره سبحانه وتعالى في أول [سورة الحديد]: بِسم الله الرَّحمنِ الِّرحيْم{سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}(الحديد1). سبح لله: نزهه, وشهد بن‍زاهته وقدسيته، نزاهته عن كل ما لا يليق به سبحانه وتعالى، نزاهته عن كل عيب ونقص، نزاهته عما لا يليق بكماله، فكل ما في السماوات والأرض يشهد بنزاهة الله, سواءً من كان ينطق بذلك، أو من كان في نفسه شاهداً على ذلك. هو العزيز: المَنِيع الذي لا يُقهر، لا يُغلَب ولا يُغالَب، هو غالب على أمره، هو العزيز الذي يَمنح مِن عزته من اعتزّ به، يمنح مِن عزَّتِه أولياءَه فيصبحون كما قال عنهم:{أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} (المائدة: من الآية54). الحكيم في ما يصدر منه، الحكيم في تدبيره، الحكيم في هدايته، الحكيم في تشريعه، الحكيم في تدبيره لشئون خلقه.
{لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}(الحديد2) هو مَلِك السماوات والأرض، مَلِكُها ومَالِكُها. قد يكون الإنسان في هذه الدنيا ملكاً فيَحدُث انقلاب فيصبح مطروداً منفياً فيَملِك غيرُه، أمَّا الله سبحانه وتعالى فهو الملك، وهو المالك، هو الملك ذو المُلك الدائم في سلطانه{يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}(الحديد: من الآية2)، كل شيء يريده هو قادرٌ عليه، {وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}، ليس هناك أشمل من هذه العبارة، ولا أوضح منها في: أنه لا أحد يستطيع أن يحول بينه وبين ما يريد أن ينفذه، فهو قادر وهو قاهر في نفس الوقت.
{هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (الحديد:3) هذا ثَناءٌ على الله، وبيان لكماله المطلق سبحانه وتعالى.{هُوَ الْأَوَّلُ} عبارة:{الْأَوَّلُ} تعني: لا شيء قبله، لا أولَ لأوَّلِيَّته، ليس هناك شيء سبقه أبداً في الوجود،{هُوَ الْأَوَّلُ} وهذه العبارة أفضل بكثير من عبارة [المتكلمين] التي يرددونها:[القديم] فيسمون الله قديماً، وهذا - في ما أعتقد - لم تَرِد في القرآن الكريم ولا مرة واحدة: أن يصف نفسه, وأن يجعلها من أسمائه [القديم] ؛لأن كلمة:[قديم] ليست مما يصح أن يُمدَح الله بها سبحانه وتعالى لما فيها من إيهام وهو: أنها تُوهِم العمق الزمني, كلمة: قديم، وهي في نفس الوقت إنما تعني ماذا؟ أنه لم يسبقه عدم، [قديم]: لم يسبقه عدم، بينما كلمة:{الأول} هي أهم بكثير فهي لا تُوهِمُ هذا الإيهَام، وهي تتجه إلى نفس المطلوب بِدَايةً دون ترتيب مُقَدِّمات، الله هو الأول فلا شيء قبله، وهذا هو المطلوب: أن كل من سواه هو مخلوق له سبحانه وتعالى.
{وَ}هو {الْآخِرُ} بعد فناء الأشياء,{وَ}هو {الظَّاهِرُ}، الظاهر لعباده، الظاهر لمخلوقاته، ليس غائباً كما يقول [المتكلمون]! فيقولون: [قياساً للغائب على الشاهد]، يعرف هذا من قرأ في كتب [علم الكلام] هذه العبارة القاصرة ترسخ غياب الله في ذهنية الإنسان، وفعلاً الإنسان الذي يتأمل سيجد كم كان لهذه العبارة من آثار سيئة جداً، ترسيخ في شعور الإنسان لغياب الله بهذه العبارات: [من باب قياس الغائب على الشاهد] وهكذا يكررونها ؛ ولهذا لما جعلوا الله غائباً اتجهوا ليـبحثوا عن وجوده هو، عن هل هو موجود أم لا، فيأتون إلى ترتيب مقدمات معينة تبدأ بالحديث عن [أن هذه الأشياء وجدناها مُحدَثة لكونها ملازمة لعلامات الحدوث إذاً فهي مُحدَثة، إذاً هناك من هو مُحْدِثٌ لها، إذاً هناك مُحدِث]، وعلى هذا النحو يتحركون فيجعلون الله سبحانه وتعالى بالنسبة لنا بحاجة إلى أن نستدل على وجوده بأي شيء من مخلوقاته، بينما هو يصف نفسه سبحانه وتعالى بأنه:{الظَّاهِرُ}، هو أظهر من مخلوقاته، هو من غَرَزَ في نفوس عباده معرفته, المعرفة الجملية, لم يغب اسمه عن ذهنية البشرية.
والقرآن الكريم أكد هذه، وهو يذكر لنا كيف كان الأنبياء يدعون أممهم إلى الله، وكيف كانت تلك الأمم إنما تنازع في ما يتعلق بالوحدانية، أنها غير مستعدة أن تتخلى عن الآلهة الأخرى لينفرد الله هو وحده بعبادتهم له، وينازعون الأنبياء في أنهم يريدون أن يثبت لهم الأنبياء بأنهم رسلٌ من الله، ليس هناك إشكالية حول وجود الله حتى ولا عند الكافرين{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ} (الزخرف:9) {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} (الزخرف: من الآية87) ولئن سألتَ مَن؟ سألت الكافرين. بل يقول [الإمام محمد بن القاسم بن إبراهيم] (صلوات الله عليهم) في كتاب [الهجرة والوصية]: ((أن الله غرَزَ معرفته في نفوس عباده من الملائكة والإنس والجن )) حتى قال أيضاً: (( بل والطير والحيوانات الأخرى كلها تعرف الله )).
كل ما تشاهده أنت في واقعك تشهد بسبق خالقه، بسبق صانعه في فطرتك قبل أن تنطلق لترتب مقدمات كلامية منطقية نحو: [هذا مُحْدَث فلا بد له من مُحْدِث فثبت أن له مُحْدِث]. من أين قلت: [مُحدَث]؟ أليس بعد أن شهدتَ بأنه فيه علامات التدبير والخلق؟ إذاً أنت تشهد أولاً في فطرتك بوجود الخالق، وتشهد بسبق الخالق وإلا لما عرفتَ أن هذا فعلاً، ولما انطلقت لترتب هذه المقدمة.
الله سبحانه وتعالى هو أظهر من كل مخلوقاته؛ ولهذا - في ما أفهم والله أعلم - لم أجد في القرآن الكريم آية واحدة - على الرغم مما ذكره الله سبحانه وتعالى من مظاهر قدرته ونعمته وحكمته و.. إلى آخره - أن ذكر شيئاً منها بعبارة الاستدلال بها على وجوده مثل: [أليس ذلك يدل على أنني كذا]، لا تجد هذه في القرآن الكريم، ليس هناك آية تقول: [أليس ذلك دليل على أني قادر، أليس ذلك دليل على أني حي، أليس ذلك دليل على أني حكيم، أليس ذلك يدل على أن لها خالقاً]، لم ترد هذه إطلاقاً ؛لأنه هو{الظَّاهِرُ}، هو الذي فطر النفوس على معرفته, بل لم يأتِ أحد من تلك الأمم الكافرة ليسمي صنماً باسمه أو يسمى بشراً باسمه، أو يسمي شيئاً باسمه، الذي هو اسم لذاته سبحانه وتعالى المقدسة: [الله]،{هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً} (مريم: من الآية65) كان المشركون يسمون آلآلهة [هُبَل، اللاَّت، العُزَّي، وُد، وسُواع، يَغُوث، يَعُوق] وغيرها من الأسماء.
الله معروف لدى البشر أنه [الله]، هو الإله, هو الذي خلق السموات والأرض، هو الذي خلقهم، وهم يعرفون هذا لم يأتوا ليسموا صنماً آخر باسمه أبداً، هو إله، بل هو إله مقدس لدى البشر في كل مراحل تاريخ البشرية. بل يقول أحد الكتاب أيضاً: بأنه في هذا العصر ـ في استبيان ـ ظهر بعد أن اُكتشِفت مناطق بدائية، قبائل بدائية، وعرف بأن الله معروف لديها، قبائل بدائية في مجاهل أفريقيا وفي مناطق أخرى في هذا العالم، وما يزال بعضهم شبه عُراة، والله معروف لديهم.
هو{الظَّاهِرُ}؛ لهذا كان هناك تأثير سلبي وسيئ جداً لترتيبات المتكلمين المنطقية لمقدماتهم المنطقية حيث جعلونا نحن نحتاج أن نستدل، أن نستدل عليه بأي شيء من هذا لنعرف وجوده من حيث المبدأ, أن هناك إله موجود, أن هناك [الله]، وكان الأصل لديهم في الإنسان خلُوّ نفسه وفراغ ذهنه من استشعار وجود الله!.
كيف وهو الذي قال سبحانه وتعالى:{وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا}(الشمس:7ـCool فكيف يلهمها فجورها وتقواها ولا يلهمها معرفته، ولا يفطرها على معرفته وهي من أهم ما يمكن أن تسير بالنفس نحو تقواها، وتصرفها عن فجورها، هل مجرد أن تهتدي إلى ما هو تقوى وإلى ما هو فجور أهم من معرفته سبحانه وتعالى؟. فقال: {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} فكيف لا يلهمها ما هو الأساس في أن تنطلق في التقوى وتبتعد عن الفجور وهو معرفته سبحانه وتعالى؟!.
فالمعرفة الجملية لدى البشر قائمة, ومترسخة في ذهنيتهم, بما فطر الله نفوسهم عليه، وبواسطة رسله المتعاقبين جيلاً بعد جيل، وكتبه التي أنزلها إليهم فلم يغب ذكره عن ذهن البشرية, ولا عن مسامعها ؛لأنه{الظَّاهِرُ}. فيجب أن نلغي تماماً استخدام عبارات المتكلمين : [الغائب ..الغائب .. قياساً للغائب على الشاهد]، وأشياء من هذه.
وأول ما يرسخون في نفسيتك: أنك تقوم تبحث عن من هو الذي أسدى إليّ هذه النعمة، نبحث هنا وهنا نجد أن هذه النعم لها محدث، إذاً لها محدث. تمام اتفقنا، إذاً مَن هو ؟. بقي الإشكال مَن هو؟. لم يستطيعوا أن يجيبوا عليه؛ لأن غاية ما يمكن أن تحصل عليه من خلال تلك المقدمات هو: أن لها صانعاً. لا بأس لها صانعاً لكن مَن هو؟ وأي دليل نظري ترتبه على هذا النحو يمكن أن يوصلك إلى الله؟ لا تجد. لا يوصلك إلى الله إلا فطرتك، وإلا أنبياؤه وكتبه؛ ولهذا نجد عبارة: [وهو الله] التي يأتون بها في نهاية مقدماتهم الاستدلالية يقولون هكذا: [فدل على أن لها محدثا وهو الله تعالى] هذه القفزة ليست نتيجة منطقية لترتيب المقدمات هذه أبداً، نتيجةٌ منطقية هو أن لها محدثاً, لكن قولك: [وهو الله] من أين أتيت بها؟ إنما من خلال أنبيائه, من خلال كتبه، من خلال ما فطر النفوس عليه؛ لأن [وهو الله] هو يأتي بعد سؤال: إذاً فمن هو هذا المحدث؟ من هو؟ رتب لي مقدمات توصلني إلى أنه هو الله؛ لأن [الله] هو اسم للذات المقدسة, عَلَم للذات المقدسة[الله] سبحانه وتعالى وهو الأساس لبقية أسمائه, تأتي بقية أسمائه في مقام الثناء بعد أن يكون الأساس الذي تضاف إليه وتستند عليه هو اسمه سبحانه وتعالى [الله].
فأي متكلم يستطيع أن يوصل بتسلسل استدلالاته المنطقية إلى الإجابة على من هو؟ ثم ليقول لي: [وهو الله]، فالله إنما أتى من خلال الفطرة التي فطر النفوس عليها، ومن خلال أنبيائه ورسله، وليس عندما تقرأ في كتب المتكلمين المصبوغة بأساليب المعتزلة وعباراتهم فيقول لك: وهو الله .. وهو الله .. الخ.
نَعم [هو الله] لكن ليس على هذا الاستدلال الذي ذكرته، هذا الاستدلال يجعل الله بحاجة إلى ابسط مخلوقاته في أن يدل عليه، ونحن - كما قلنا سابقاً - لم نجد في القرآن الكريم آية واحدة بعد أن يذكر الله كثيراً من مظاهر خلقه, ومفردات هذا الكون فيقول: [أليس ذلك دليل على أني موجود، أو أني حي، أو على أني قادر]؟. أبداً يقول لك: {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى} (القيامة:40) أي أليس مَن صنع هذا بقادر على يصنع هذا؟..
لاحظوا حتى في [سورة الحج] لم يفرق بين الموضوع إلا حرف واحد هو حرف [الباء] في قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (الحج:6) بعد أن ذكر في بيان الأدلة التي تقمع كل ذلك الريب الذي لدى المشركين في ما يتعلق بالبعث {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ}، لم يقل: فدل على أن الله هو الحق؛ فتوهم العبارة: أنه استدل على أنه حق بهذه الأشياء، وإنما ذلك بسبب أنه هو الحق، أو لأنه هو الحق كانت على هذا النحو.{وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}، أي ولأنه يحيى الموتى ولأنه على كل شيء قدير.
في آخر سورة [القيامة] قال تعالى:{أَيَحْسَبُ الْأِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى} (القيامة:36ـ 40) هل تستطيع أن تقول: أن ذلك هو إشارة إلى الله؟..لا. أليس هذا دليل على أن من قدر عليه هو قادر على أن يحيى الموتى، فتوجه الاستدلال إلى الفعل وليس إلى الدلالة عليه من هو، من قدر على هذا قادرٌ على هذا، من صنع هذا قادر على صنع هذا, وهكذا تأتي، أي لم تأتِ العبارة أساساً للاستدلال على أنه قادر، وإنما للدلالة على أن ذلك الشيء الذي هو إحياء الموتى مقدور له تعالى.
وتجد أيضاً في [سورة الغاشية] نفس الأسلوب بحيث لو لم تحمله على نفس الطريقة ستقول الاستدلال هذا غير منطقي عندما قال تعالى وهو يبين قدرته سبحانه وتعالى على البعث:{هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ}(الغاشية:1) القيامة ..إلى أن قال:{أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ}(الغاشية:17ـ19) في مقام الاستدلال على أن هناك بعثاً، لا بد من البعث.
ما العلاقة بين الجمل والجبل والسماء منطقياً؟ ـ كترتيب مقدمات منطقية ـ، وبين البعث، ما العلاقة بين قامة الجمل وارتفاعه وطول قوائمه وبين البعث؟. هل هناك علاقة إلا من هذا القبيل: أن من قدر على هذا, وظهر في هذا حكمته وقدرته على كل شيء، هو قادر على هذا الشيء الآخر؛ فلهذا كان الجمل دليلاً على البعث, من حيث أن من قدر على صنع هذا الجمل, وعلى خلق هذا الجبل, وعلى رفع هذه السماء بما فيها من وضوح على أن هناك قدرة لا حد لها، لا يعجزها شيء ..إذاً فالبعث ممكن, مقدور له، فهو قادر على أن يحيي الموتى، قادر على أن يبعث الناس من جديد.
ترسخ هذا الأسلوب حتى لا نستطيع أن نخلص أنفسنا منه، ونحن نتحدث، ونحن نَعِظ، ونحن نرشد، نقول: [فدل على أن الله سبحانه وتعالى على كل شيء قدير، دل على أن الله كذا]، ألسنا نستخدم هذه؟ ترسخت فينا بشكل رهيب، لكن هي خلاف أسلوب القرآن الكريم الذي يوجه نظرك إلى المقارنة بين الأفعال ما في هذا من مظاهر يدل على أن من قدر عليه قادر على كذا, فالمطلوب إنما هو إثبات أن ذلك الشيء مَقدور له. ولا يأتي على هذا النحو: فدل على أنه قادر، فدل على أنه حكيم.
فعلاً بأسلوبنا القاصر ممكن أن نستخدمها، ولكن لأن الله هو الظاهر الذي حكم بأنه ظاهر, لا يحتاج إلى شيء يُسْتدَل به عليه، هو أظهر من كل شيء، فلم يأتِ هو سبحانه وتعالى ليستخدم هذا الأسلوب الذي نستخدمه نحن: [فدل على أني على كل شيء قدير]، [فدل على أني حكيم]، تأملوا هذه، هل تجدوها في القرآن؟ لا أعتقد.
وهي قضية مهمة, قضية مهمة جداً: تذَكُّر حضور الله، وتذَكُّر شهادته هي الغاية المهمة من وراء كثير من الأذكار التي شرعت: التسبيح، التهليل، التكبير، التحميد، تذكر النعم، أن لا تنساه، أشياء كثيرة جداً كلها تصب في هذه الغاية هو: استشعار حضور الله سبحانه وتعالى وشهادته.
فكيف نأتي في الكتب التي موضوعها هو: معرفة الله فنقدمه غائباً!، ما الذي حصل؟ بعد أن فهمناه غائباً وترسخ في مشاعرنا غائباً انطلقنا نحن لنحكم أنه في الواقع غابت أعلام الهدى, فكل واحد منا فليقم ينظر هو من جديد يبحث عن خالقه، كل واحد يقوم ينظر وينطلق يبحث عن ما هي الأحكام التي يدين الله بها؛ لأنه قدم في الصورة: أن الله غاب من يوم مات نبيه (صلوات الله عليه وعلى آله) وانقطع الوحي فغاب.
بينما هو يذكِّرنا بأنه لم يغب في قصة عجيبة في القرآن الكريم قصة الغنم التي رعت الزرع في أيام داود وابنه سليمان (عليهما السلام) عندما قال تعالى:{وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ} (الانبياء:78) لا حظوا العبارة هذه:{وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلّاً آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً} (الانبياء: من الآية79) فيأتي الآن مجتهدون وعلى طول تاريخ الإسلام ويتعاملون مع القضايا وكأن الله غائب, وكأنه ارتفع عن هذا العالم وانقطع بانقطاع الوحي الاتصال به, ولذلك تراهم لا يلحظون قضية [التفهيم الإلهي] عندما يتحدثون عن مؤهلات الاجتهاد وشروط المجتهد، بأن يقولوا مثلاً: [وأن يكون مظنة التوفيق الإلهي في فهم الحكم] أو نحو هذا.
هو تعالى يذكر أن قضية بسيطة قضية غنم رعت قليل زرع، داود وسليمان داود نبي وسليمان ابنه قبل أن يكون نبيا لكن المصطفين الأخيار ليسوا ممن يجول في أذهانهم أو يتراددون الكلام كيف يحكمون فيها على النحو الذي يقوم به المجتهد. الله قال: {وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ} بالطبع بعد أن ترفع القضية إلى داود وسليمان بالطبع أن الذي يجول في خاطره هو: ما هو الحكم فيها؟ حتى وإن كان في قرارة نفسه مُربىّ على أن ينتظر الوحي هذا بالطبع يجول في نفسه يتساءل كيف يكون الحكم فيها؟ هو نبي عن طريق الوحي يوحى إليه، وابنه سليمان من ورثة الكتاب هو ممن اصطُفي ليكون من ورثة الكتاب {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ}ألم يقل الله: أنه تدخل هنا؛ لأنه شاهد؟ تدخل في الحكم في قضية زرع لشخص رعته أغنام آخرين؟ فَهَّم الحكم في هذه القضية سليمان، هو يوحي إلى داود وهو أيضاً يفهم سليمان فهو يوحي إلى أنبيائه وهو يفهم أعلام دينه.
وهذا هو ما قاله [الإمام الناصر الأطروش] فيما حكى عنه شارح الأساس أنه يقول: (( أن الاجتهاد في القضايا هو من اختصاص أئمة أهل البيت صلوات الله عليهم )). ولكن وفق الثقافة التي قُدمت في مجال معرفة الله قُدم غائباً، وارتفع عن هذا العالم، فعلى الإنسان أن يبحث هو حتى عن الله، كل واحد ينظر ويبحث ..الخ.
هل يمكن في قضية زرع بسيطة أن يقول الله بأنه كان شاهداً {وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ}، هو لا يغيب، وأن يتدخل فيها ففهمها سليمان وهناك أبوه داود نبي، ولم تُترك المسألة للاجتهاد من قِبل هذا أو هذا، على الرغم من أنهم كما قال: {وَكُلّاً آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً}، ثم يهمل هذه الأمة وهي ستواجه قضايا كبرى ومستجدات كثيرة جداً وأحداثاً رهيبة وأحداثاً كبيرة يتركها وهي آخر الأمم، ويبعث إليها نبياً واحداً ثم يقول: هذا خاتم الأنبياء، وكتاباً واحداً ثم يقول: هذا آخر الكتب، ثم يقفل الملف وينطلق الناس كل واحد يبحث عن إلهه وعن ما يتعبد به ؟!.. يهمل الأمة وهو لم يهمل رجلا فلسطينيا رعت زرعه أغنام آخرين فتدخل هو في القضية، وقال: أنه هو شاهد على حكمهم، وأنه فهم سليمان كيف يكون الحكم؛ لأنه تعالى شاهد، وهي قضية فرعية، والتي يمكن أن يقال فيها: يا أخي مسموح أو يقول فيها أحد الناس: أعطه قليلاً من [حب] بدل الحب الذي كان سيحصل منها، أو بعبارات من هذه.
هو سبحانه شاهد، {أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} (فصلت: من الآية53) الله في القرآن الكريم يؤكد لنا بأنه شاهد على كل شيء, وحاضر على كل شيء، ولو أنه ترسخ في ذهنيتنا ما رسخه القرآن الكريم لتفادينا كثيراً من الإشكالات, وكثيراً من هذا الانحطاط الذي وصلنا فيه؛ لأنه بسبب أننا لم نثق بالله ؛لأن الله لم يعد له حضور في نفوسنا، لم يترسخ في أنفسنا شهادته وحضوره، وهو يقول في آيات كثيرة:{أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}.
وهو سبحانه وتعالى:{ الْبَاطِنُ} فيما يتعلق بذاته فلا تدركه الحواس، ولا يمكن أن تقف الأذهان منه على كيفية، ولا يمكن أن يُرى، ولا يمكن أن يُحس، ولا يُجَس، ولا يُمس [هذا مما تفَسَّر به].
{وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} هو باطن لكن لا يعني ذلك بأنه غائب عن الأشياء، بل هو كما قال تعالى بعدها:{وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}هو إذاً باطن فيما يتعلق بذاته سبحانه وتعالى, لا يمكن أن نتخيل له كيفية، ولا أن نقول بأن بإمكاننا أن نراه أبداً بأبصارنا {لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} (الأنعام:103) هو بكل شيء عليم.
{هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} (الحديد: من الآية4) خلق السماوات والأرض، هذا العالم الكبير المترامي الأطراف ـ كما يقولون في هذا العصر وهم يقدرون المسافات فيما بين الكواكب بملايين الأميال، والمسافاتُ ما بين الكواكب داخل هذا العالم الواسع ـ{فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} فيما يقدر بستة أيام من أيامنا وإلا فليس هناك زمن، الزمن بالنسبة لنا في الأرض هو حركة الأرض التي يتألف معها الليل والنهار، حركة الليل والنهار، وحركة الأرض هذا هو الزمن، فهو قادر على كل شيء، من خلق السموات والأرض في ستة أيام هو القادر على كل شيء أفلا يكون قادراً على أن ينجز لأوليائه ما وعدهم به في الدنيا؟! لكن من الذي يثق؟. الذي يثق من يعيش حضور الله في ذهنيته وشهادته على كل شيء، من يكرر تدبره في القرآن الكريم وتأمله في القرآن الكريم، ويلغي عبارات الآخرين القاصرة في مجال معرفته، اللهم إلا من كان أسلوبه يدور حول أسلوب القرآن الكريم مثل أئمة أهل البيت القدامى الذين لم يتأثروا بالمعتزلة ولا بغيرهم، كالإمام الهادي والإمام القاسم بن إبراهيم، وفي ما نجد في [نهج البلاغة] من فقرات جميلة جداً في الحديث في مجال معرفة الله سبحانه وتعالى هؤلاء هم من يدورون حول القرآن.
{ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ}الآيات من أولها هي تتحدث عن ماذا؟ عن عظمة الله سبحانه وتعالى، عن مظاهر قدرته العجيبة، هو خلق السماوات والأرض تحدث عن خلقها عن تكوينها، أليست هذه آية عظيمة على قدرته؟ على حكمته؟ وأنه وحده الذي له ملك السماوات والأرض؟.
{ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} نأتي إلى الحديث عن كلمة:{اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} بالمعنى الذي يقول الآخرون، أي: هناك عرش استوى عليه استواءً يليق بجلاله! لاحظ كيف ستهبط الآية إلى أحط مستوى؟ ما قيمة أن يقول الله لنا الله سبحانه وتعالى بأن هناك عرشاً هو يستوي عليه؟. ما قيمته بالنسبة لنا في مقام الدلالة على قدرته سبحانه وتعالى على تدبيره، على حكمته، على عظمته وجلاله!، هل يمكن لأي شخص منا أن يتحدث بأن له سرير نوم ينام عليه في بيته ما قيمة هذا؟ أن أقول: فلان عظيم وهو من أولياء الله وهو كذا وهو كذا ومعه أيضاً سرير في غرفته ينام عليه. هل لهذا الكلام قيمة؟. أو له كرسي في صالته يستوي عليه!. القرآن الكريم كل مفردة داخله لها أهميتها{كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ} (هود: من الآية1) يتحدث عن خلق السماوات والأرض ويقول: ولـه أيضاً عرش يجلس عليه! ما قيمة هذا في مجال حكمته؟ في مجال قدرته؟ بل قد تستوحي منها على هذا النحو: بأنه ثم تعب ورجع يستريح قليلاً على كرسيه كما نقول نحن: [عملتُ إلى بعد العصر وعدت إلى البيت لأستريح فألقيت بنفسي على الكرسي] . أليس الإنسان يقول هكذا؟. حينئذٍ يكون كلامك عن الكرسي في مكانه لكن في الدلالة على ماذا؟. على التعب، أنك قد تعبت.
{ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} عندما يقولون: هناك عرش يعني: سرير أو كرسي الله استوى عليه. ولكن قالوا: كيف استوى عليه هل جلس كذا أو كذا؟ قالوا: استواء يليق به، لكن ما الذي قد ثبت في الصورة؟. هو أن هناك عرشاً والله جاء فوقه لكن ما عرفنا كيف يكون استواؤه فوقه؟.. أليس هذا الذي يحصل في الذهنية؟. هناك عرش وهناك جلس فوقه ـ على حد عبارة من يقولون استواء يليق به ـ.
كلمة: استوى على العرش تبين لك أن الله من حيث المبدأ خلق السماوات والأرض, كوّنها, لكن السماوات والأرض شؤونها واسعة، مملكة عظيمة، مملكة واسعة، شئونها كثيرة جداً{كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} (الرحمن: من الآية29) {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ} (السجدة: من الآية5) شئون مملكته في اليوم الواحد ينجز فيها ما لا ينجز إلا في ألف سنة مما نعد، فهذا الكون الذي خلقه لم يخلقه ثم يرمي به هناك، خلقه ثم اتجه إلى تدبيره، اتجه إلى تدبير شئونه, تدبير شئون هذا العالم الفسيح، وهذا هو ما يعبر عنه [بالعرش] الذي يعني: السلطان والمملكة، الاستواء على العرش معناه: ثم اتجه نحو تدبير شئونه, هو خلقه ثم دبره، وجاء صريحاً هذا في أول [سورة يونس] ـ ومعظم ما تأتي عبارة استوى على العرش تأتي في مقام عرض لمظاهر قدرته سبحانه وتعالى ـ في أول [سورة يونس] يقول تعالى:{إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ} (يونس: من الآية3) .
وهم يقولون: استواء يليق به، وفي الأثر: استواء يليق به!! وأينما وُجدت كلمة: [استوى على العرش] يقولون: استواء يليق به! فهم مغلوط للقرآن، بل حط لعظمة القرآن وحكمته. أي: أنه خلق وعندما خلق هذا الكون الفسيح ذو الشئون الكثيرة لم يتخلّ عنه، هو وليه،هو ملكه، هو من يدبر أمره، هو حكيم لا يخلق شيئاً هناك ثم يرم به ولا دخل له في شئونه.
اتجه إلى تدبير شئونه, وهذا ما يعني في اللغة العربية, العرب يعبرون عن المُلك والسلطان, ولاية الأمر بالعرش، عرش المملكة، هو أساساً مأخوذ في لغة العرب, وفيما هو معروف من الأشياء عند الملوك هو أن يكون للملك عرش يجلس عليه لا يجلس عليه إلا الملك، حتى ولي العهد يكون له مقام آخر، هذا العرش الذي هو أصله كرسي مزخرف كبير يضفي على الملك هيبة أيضاً. عرش، عرش تكرر في الذهنية استخدام [عرش .. عرش..] ثم أصبح في الذهنية يعني: المملكة والملك، والقرآن الكريم هو قرآن عربي, بلسان العرب, وبأساليب العرب يتحدث، فقال: هو خلق هذا العالم السموات والأرض ثم اتجه نحو تدبير شئونها لأنه ملكها، عبر عن المسألة بالعبارة المعروفة لدى العرب [الاستواء على العرش]. أذكر أنه في الأردن قبل فترة طبع دينار أردني مكتوب فيه: [بمناسبة مرور خمسة وعشرين عاما من الاستواء على العرش] أو بعبارة تشبه هذه في الدينار الأردني طبعوها, معروف إلى الآن.
ألسنا نقول: أن المسئول همه الكرسي، ماذا تعني: أن تقول عبارة: [كرسي]؟ المنصب، المقام، الرتبة التي هو فيها، لا تزال الكلمة معروفة لدينا إلى الآن تستعمل، التعبير عن الملك, عن المنصب, عن المقام بما هو عادة يكون متوفراً لدى الملوك ولدى المسئولين، فنقول: الرئيس ما همه إلا الكرسي, رئيس الوزراء همه الكرسي، وزير الخارجية همه الكرسي، ألسنا نقول هكذا؟.
الذي يسمعك تقول ما همه إلا الكرسي هل ممكن أن يقول لك: يا أخي نحن سنبحث له عن كرسي ونوصله إلى بيته من غير أن يزعجنا، هل أحد سيقول كذا؟. لا أحد يقول لك هذا، هو فاهم أنه يعني: همه المنصب, همه الملك، همه الزعامة.
تأمل أن قولـه تعالى في [سورة يونس]:{إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ}(يونس3) مثل هذه الآية التي مرت من [سورة الحديد]، وأن قولـه في [سورة يونس]:{يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ} (يونس: من الآية3) شبيه في معناه بقوله هنا في [سورة الحديد] {يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}(الحديد4) أليس هذا هو تصرف الملك؟. هذا معنى{يُدَبِّرُ الْأَمْرَ}.
{وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}(الحديد: من الآية4) هو معنا، عندما يحاول المتكلمون دائماً أن يعملوا التعريفات لكل شيء فلا يدعوا الموضوع للمعرفة الفطرية الجُمْلِيَّة تحدث إشكالات أقل ما يحدث فيها هو تضييق المفهوم الذي فيما لو تركت المفردة تتجه نحو الوجدان سيكون بالشكل الذي أيضاً لا يكون فيه ما يتنافى مع توحيد الله سبحانه وتعالى, ما لا يكون فيه ما هو تشبيه لله.{وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} لا يغيب عنكم، رقيب عليكم، عليم بكم، يحصي عليكم كل شيء، قادر على أن يرعاكم، يعلم كل الحالات والظروف التي تمرون بها، هو عليم بذات الصدور. {وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} لا يخفى عليه شيء من أعمالكم، هو يعلمها ويعلم ملابساتها، ويعلم دوافعها، ويعلم غاياتها. {لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ} (الحديد:5) هذه الآيات هي تختلف عن الآيات التي يعدد فيها النعم، أليس كذلك؟. في نفس الأسلوب يتحدث عن ذاته سبحانه وتعالى باعتباره هو ذو الكمال المطلق، وهو الملك لهذا العالم، وهو رب العالمين، وهو ملكهم.
{لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} له وحده ملكها، أليس هذا هو الدليل الكافي على أنه لا يجوز لأحد أن ينطلق نحو التحكم في شئون عباد الله دون أن يكون له شرعية من عند الله؟. إذا كانوا يقولون: يجوز هذا، إذاً فيجوز لأي شخص أن ينطلق إلى مركز المحافظة فيتحكم فيها، إلى مركز المديرية فيأخذ المبنى ويتحكم فيه دون إذن من رئيس، ودون إذن من ملك، ودون إذن من رئيس وزراء ولا غيره، هل هذا مقبول في عالمنا؟. ليس مقبولاً. لماذا نقبله بالنسبة لله سبحانه وتعالى؟. نحن في أعمالنا نشهد على أنفسنا بأننا نجوِّز على الله سبحانه وتعالى، وفيما يتعلق بشأنه، وفيما هو من اختصاصه ما لا نجوزه ولا نسوغه في ما يتعلق بعالمنا، وفي أنفسنا، هو له ملك السماوات والأرض ما معنى ملكها؟ من فيها هو الذي له الحق في أن يلي أمرهم، أن يدبر شأنهم أن يشرع لهم، أن يرسم هدايتهم، أن يوجههم هو.
عندما يقول: بأن له ملك السماوات والأرض ليس ملك كأي ملك من الملوك الآخرين هو ملك رحمن رحيم رؤوف رحيم. يعرض القرآن الكريم في آيات أخرى كيف تدبير الله لشئون خلقه، ما هو الأساس الذي يقوم عليه تشريعه لعباده ورعايته لشئونهم، وهدايته لهم، من منطلق رحمته بهم، هو رحمن رحيم, له ملك السماوات والأرض، إذاً فلا شرعية لأي شخص يتحكم على رقاب الناس، أوَليس الناسُ هم ممن داخل السماوات والأرض؟. أو أنهم هم العنصر الأساسي داخل السماوات والأرض، هم من استخلفوا على هذه الأرض فسخرت لهم السماوات والأرض وما فيها, حتى كثير من الملائكة أعمالهم مرتبطة فيما يتعلق بالناس فيما يتعلق بالأرض {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ} (الشورى: من الآية5) كثير من شئون الأرض مرتبطة بهم، تأتي من جهتهم ممن اصطفاه الله من داخلهم يقوم بإبلاغ وحيه بإنزال كتبه، ومع عباده حفظة، ومع عباده كُتَّاب، الكل حول الإنسان.
ثم إذا انتزعنا ملك الله من هذا الإنسان وقلنا لا حاجة إلى أخذ شرعية من جهة الله سبحانه وتعالى فيما يتعلق بالحكم لهذا الإنسان، والهيمنة عليه, والتحكم في شئونه، فماذا بقي لله؟ تركنا لله الأشياء الباقية! تركنا له الأشياء الباقية! ثم نأتي إلى المخلوق الرئيسي الذي هو خليفة لله في هذه الأرض, وسخر له الأرض والسماوات وما فيهما فننتزع سلطان الله منه، ونأتي نحن ولا نربط أنفسنا بالله بل نأتي لنقول: السلطة ملك للشعب يمنحها من يشاء، هكذا في دساتيرنا العربية عبارات كهذه بالتصريح أو ما يُفهم معناها وهو الذي يقول:{قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ} (آل عمران: من الآية26) لا. السلطة ملك للشعب, هكذا نقول! هذه العبارة ليست سهلة، هذه عبارة خطيرة جداً على الأمة، أن تدين بها دولة، وأن يدين بها شعب عبارة خطيرة.
{لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} إذاً فهو هو من له الحق أن يدبر شأنهم ولا شرعية لمن لا يعتبر في حكمه امتداداً لشرعية الله سبحانه وتعالى الله الذي هو ملك السماوات والأرض, ولا يجوز أن ندين بشرعية أي شخص تحت أي مسمى كان حتى ولو كان تحت اسم [إمام] لا يكون حكمه امتداداً لشرعية الله سبحانه وتعالى.
{وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ} هو ملكها، ما أكثر الملوك في هذه الدنيا والرؤساء، لكن أليست الأمور تخرج عن أيديهم في كثير من أحوالهم، وفي كثير من أحوال شعوبهم؟ تخرج الأمور عن أيديهم، ملك القاصرين، ملك الناقصين، ملك من لا يعلم سر السماوات والأرض، ملك من لا يعلم بعضهم بكثير مما يخص شعبه، فكثير من الأمور تجري على خلاف ما يريدون، والزعماء العرب الآن هل الأمور تمشي على ما يريدون؟، هكذا تمشي الأمور ويتغير الزمن من حيث لا يشعرون، فهو لا يدري إلا وقد أصبح ينادي بالديمقراطية، وهو من كان لا يريدها، أصبح ينادي مثلاً بضرورة أن يكون هناك مجلس شورى وهو ممن كان لا يريد أن يكون هناك أي شخص آخر يحتاج إلى أن يشاوره في أموره، تُفرض الأمور من هنا إلى هنا، أما الله سبحانه وتعالى فهو وحده الذي إليه ترجع الأمور، وهو الذي يستطيع أن يخلق ويهيئ المتغيرات. وفي الدنيا ـ عندما تتأمل ـ أحداثٌ تحصل، متغيرات عجيبة،تحولات بنسبة مائة في المائة في بعض الأمور، الله هو سبحانه وتعالى من هو غالب على أمره، من هو قادر على كل شيء.
فكل عبارة من هذه تأتي في القرآن الكريم مثل:{وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ}{وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ} (هود: من الآية123) هو يقول لعباده يقول للمؤمنين :ثقوا بي، انطلقوا في عبادتي، انطلقوا في نصري، وفي العمل لإعلاء كلمتي، وأنا من إليّ ترجع الأمور فلا أدع المجال يقفل أمامكم، هو من سيهيئ، من سيخلق المتغيرات، من سيهيئ الظروف.{وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ}حتى وإن كان الناس هنا في الدنيا يتصرفون بعيدين عن الله سبحانه وتعالى، فهذا يتزعم على هذا الشعب، وهذا يتملك على ذلك الشعب، وهذا يقفز على هذا الشعب وهكذا هم ما زالوا في داخل محيط قدرته سبحانه وتعالى {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} (الأنعام: من الآية18) بل كثير من الأمور تفرض عليهم بتهيئة من الله، من حيث لا يشعرون.
ولو تأملنا لوجدنا أنه حتى أعداء الإسلام أنفسهم الذين يحاولون أن يقفلوا كل شيء بالنسبة للمسلمين ينطلقون في مجال ولا يدرون بأنهم يهيئون أجواء عظيمة جداً للمؤمنين من خلال ما يتحركون فيه؛ لأن الله غالبٌ على أمره .. جاءوا بالديمقراطية لتكون بديلاً عن نُظُم الإسلام، وعن نظام الإسلام، ولنكون نحن المسلمين من يمسح من ذهنيتنا أن هناك في الإسلام نظاماً، هناك ولاية أمر، هناك دولة فيأتون بالديمقراطية، الديمقراطية نفسها ما الذي حصل يُفرض داخلها حرية رأي، حرية التعبير، حرية الكلمة، حرية التحزب، حرية التجمع، حرية القول، أليس هذا هو ما يحصل؟. فكم أعطوا الناس من متنفس عظيم، من أين جاء هذا؟. هل نقول أنهم جاءوا بالديمقراطية رحمةً بنا؟. من أجل أن لا يكون هناك كَبْت ولا قهر؟ لا. لهم أهداف أخرى وغايات أخرى، لكن الله يهيئ حتى من خلال ما يفرضونه هم، وهم يتجهون نحو طمس معالم الإسلام حتى يغيب عن أذهاننا اتصاله بأي شأن من شؤون الحياة بما فيها شأن ولاية الأمر، فلا يدرون بأنهم يمنحون من حيث يشعرون أو لا يشعرون أن الله يهيئ من خلال ما أرادوا أن يفرضوه أن يكون هناك متنفساً لأوليائه، وما أكثر - لو تأمل الإنسان - ما أكثر الإنفراجات التي تأتي، ما أكثر الإنفراجات التي تحصل، لكن من لا يهيئ نفسه لأي عمل في سبيل الله تمر الأشياء ولا قيمة لها عنده، ولا يبالي.
{يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} (الحديد:6) هو من يدبر كل شيء، الليل والنهار هو الذي يدبره فيولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل، يتعاقبان ويتداخلان فينقص هذا حيناً ويطول هذا حيناً آخر، في حركةٍ مستمرة منظمة ومدبرة بأمر الله سبحانه وتعالى، هذا مظهر من مظاهر ملكه أن له ملك السموات والأرض هو خلقها ثم تحدث عن استوائه على العرش ليدبر شئونها، ثم ها هو يذكر كيف يدبر شئونها، وكيف علاقته بها كملك للسماوات والأرض وما بينهن وما فيهن.
{وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} هذا الليل الذي يُجِنُّ هذا العالم, أو قطعة من هذه الأرض بظلامه فيبدوا أمام الأنظار وكأنه يخفي أشياء كثيرة عن الله، يقول الله: إنه{عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} تلك الصدور التي هي ظلمة في داخلها، تجويف الصدر في داخله مظلم، وداخله ماذا؟ داخله هواجس من النفس أشياء داخل النفس، الله يعلم بذات الصدور نفسها، فلا يمكن لليل أن يخفي شيئاً من ما يحصل من عباده، ولا أن يخفي أي شيء من أشياء هذا العالم عنه.
في هذه الآية قوله تعالى:{يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ} ما نفهم منه بأن الليل والنهار موجودان مع بعض، ويحصل بينهما تداخل، فنشهد بأن الحركة حركة مستمرة الليل والنهار وبشكل دائري، كما اكتشف أخيراً وأصبحت الأشياء واضحة فعلاً، قد تتصل بشخص إلى منطقة أخرى في العالم فيكون الوقت عندك نهاراً وعنده ليل أو العكس. اتصل بأمريكا تجد الوقت هناك ما يزال نهاراً وأنت في الليل. فأولئك الذين كانوا يقولون أن الأرض لها تكوير معين وأنها فوق قرن ثور وأشياء من هذه هي خرافات، بينما في القرآن ما يرشد فعلاً أو ما يشير إلى أن الأرض بهذا الشكل الذي اكتشفت أخيراً وصورت من بُعْد، وأنها كروية الشكل أو بيضاوية الشكل، وأنها تتحرك بصورة مستمرة، ولها حركة حول نفسها، وحركة حول الشمس. والليلُ والنهارُ في هذا العالم متعاقب على هذا النحو.
{آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ}(الحديد7) بعدما تحدث, أو بعدما قررت الآيات الأولى في ما يتعلق بكمال الله سبحانه وتعالى ثم خلقه للسماوات والأرض ثم ملكه للسموات والأرض، وما فيهما .. إذاً آمنوا به, من هو ذلك الذي يمكن أن يكون له هذا الكمال، أن يكون له هذا الملك فتروا أنفسكم ملزمين بأن تؤمنوا به، أو تروا أن عليكم حقاً أن تؤمنوا به من هو هذا غير الله سبحانه وتعالى؟.
ثم من هو الذي يمكن أن تخافوه من ملوك الأرض, من رؤساء الأرض، وهم من هم .. من هم بالنسبة لملك الله سبحانه وتعالى؟. من هم بالنسبة لكمال الله سبحانه وتعالى؟ من هم؟ من منهم يستطيع أن يغالب الله سبحانه وتعالى؟. من منهم يستطيع أن يخرج عن دائرة قدرته وجبروته وقهره لعباده؟. فكيف تخافونهم أكثر مما تخافوا الله؟.
كل حديث أو كل آية من هذه الآيات كلها تتجه نحو نفسية الإنسان لتعزز داخلها الإيمان والثقة المطلقة بالله سبحانه وتعالى.
{آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ} (الحديد:7) لاحظ، تحدثت بداية الآيات عن تدبيره لشئون مخلوقاته فيما يتعلق بحركة الكون{يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا}،الليل والنهار في حركتهما المتعاقبة، هو نفسه الذي يحرك الليل والنهار فيولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل ..أليس هذا جانبا من شئون مخلوقاته؟. ثم يتجه إلى الجانب الآخر وهو الجانب التشريعي جانب الهداية بالنسبة للإنسان ليقول لنا: بأنه من اختصاصه هو، هذا كله هو من اختصاصه هو سبحانه وتعالى؛ لأنه هو الملك, فهو من له الحق أن يشرع لعباده، من له الحق أن يأمرهم حتى فيما يتعلق بأغلى الأشياء لديهم وهو المال:{وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيه} هو من له الحق أن يصطفي من عباده رسولاً لعباده فيبلغ شريعته وهديه إليهم{آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ} بعد أن قرر لكم بأنه هو الذي خلق السماوات والأرض, وأن له ملك السماوات والأرض، إذاً فما أنتم إلا عبارة عن مستخلفين فيما بين أيديكم من أموال, هو المالك الحقيقي, هو الخالق لها, وهو المالك الحقيقي لها.
من يحاولوا أن يفصلوا سلطان الله عن عباده فيما يتعلق بالتشريع والهداية, وتدبير شئونهم, وولاية أمرهم يسيئون إساءة كبيرة إلى الله سبحانه وتعالى، فكأنهم إنما يعتبرون الله - وسبحان الله أن يقول الإنسان عبارة كهذه مهما كانت لكن الحاجة إليها - شغالاً لديهم، يولج الليل في النهار، ينزل مطر، وشغال لديهم، وهم الذين يتحكمون في شئون عباده كما يشاءون، فهم الملوك وهو عامل لديهم سبحانه وتعالى، هذه إساءة عظيمة إساءة بالغة إلى الله.
فِعلاً كما يقول بعض العلماء: أن هذا شرك، فكيف لا يكون شركاً وهو يقول للمؤمنين في ما يتعلق بالميتة عندما كان يجادلهم الكفار حول الميتة, كانوا يأكلون الميتة فجاء الإسلام يقول: لا يجوز أكل الميتة، فكانوا يجادلونهم ويقولون: كيف نأكل ما قتلنا ولا نأكل ما قتل الله{وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} (الأنعام: من الآية121) أن تطيعوهم في شأن واحد من شئون مخلوقٍ واحد من مخلوقاته إنكم إذاً لمشركون؛ لأنكم قبلتم حينئذٍ ما قرروه هم فيما يتعلق بالميتة من أنه لا مانع من أكلها بناءً على أنه [كيف نأكل ما قتلنا ولا نأكل ما قتل الله]، أليسوا بقولهم هذا قد قرروا حكماً فيها؟ لكن لا. من هو الذي له الحق أن يقرر في شئون عباده, ويحكم فيهم بما يريد؟ من هو؟ الله سبحانه وتعالى إذا أطعتموهم في شأن ميتة، نعجة ميتة أو أي حيوان من الأنعام تطيعوهم فتقبلوا حكمهم، ولا تقبلوا حكم الله تكونون أنتم إذاً مشركين، جعلتم ما هو من اختصاص الله وما هو حق لله جعلتموه للآخرين فأصبحتم مشركين به، مشركين به في ملكه، جعلتم هؤلاء هم الملوك فهم الذين يقررون ما يرون في شأن هذه الميتة والحق فيها إلى الله.
هذا مثال واحد في شأن ميتة, فشأن أمة تقرر أنت, وتقبل أنت بأن لطرفٍ آخر الحق أن يقرر ما يريد، وتفرض على نفسك أن تطيعه وتؤمن بما قرره في شئون أمة! أليس هذا أعظم من شأن ميتة؟, فإذا كان أولئك السابقون الذين نقول عنهم: صحابة، صحابه سيكونون مشركين فيما لو قبلوا قرار الكافرين في حكم الميتة؛ لأن الحكم والتشريع من اختصاص رب العالمين وملكهم سبحانه وتعالى, فما أسوء الإنسان أن يكون في واقعه ممن يقدم إلهه عبارة عن عامل لدى الآخرين، ويكون الملوك هم الآخرون الذين لا نفترض أن يكون لملكهم شرعية من قبل الله سبحانه وتعالى، بل هم لا يفرضون أن لأنفسهم شرعية من قبل الله سبحانه وتعالى، وإنما شرعية نظامية وفق قانون الديمقراطية، أو وفق قانون الوراثة في التعاقب على السلطة في البلد هذا أو ذاك، فيصبح هو من له الحق أن يحكم، وتصبح أنت من عليك الحق أن تسمع وتطيع، فالخطورة عليهم أشد، والإساءة من جانبهم أكبر عندما يحكمون رقاب الناس ويتحكمون في شئونهم دون أن يستندوا على شرعية إلهية.
بل قُدِّمَ هذا المنطق بأنه منطق مرفوض، هو ما يسمى بالحكم [الثيوقراطي] ما يقابل [الديمقراطي]، هناك [الثيوقراطي] أي الحكم الإلهي، الله لا دخل له في العالم ومن ينادون بأن يكون الله هو من يحكم عباده، وأن لا نقبل إلا من له شرعية من الله أن يحكم في أرضه، قالوا: ربط الحكم بالله ربط السلطة بالله، هذا هو نظام [ثيوقراطي] وهو نظام مرفوض! بدلاً عنه النظام الديمقراطي الذي يجعل السلطة ملكاً للشعب، هذا هو النظام التقدمي والنظام الأفضل، هكذا يقولون.
مع أن النظام الديمقراطي أو هذه العناوين هي من قبل الإسلام بفترة طويلة عند اليونانيين، وعند الإغريق، عند فلاسفتهم هم من تفلسفوا وحللوا ما يتعلق بالأنظمة فقدموا عناوين وقسموها إلى تقسيمات معينة، لكن الإسلام أصبح تخلفاً والديمقراطية هي تقدم، وهي من عمرها قد يكون ربما نحو ألفين سنة أو أكثر من أيام الإغريق، ثم يأتي الإسلام دين العالمين ورسوله رحمة للعالمين ثم لا يكون لديه أي نظام يكون امتداداً لسلطان الله في أرضه، إذا كان تدبيره في ما يتعلق بالإنزال للهداية إلى خلقه لا بد أن يرتبط بشخص،{اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ} (الحج: من الآية75) فولاية شأن عباده في هذا الجانب لا بد أيضاً أن تكون مرتبطة بأحد من عباده، وهو هو من له الحق أن يصطفي ويختار ويعيِّن ويحدد هو سبحانه وتعالى.
فنحن عملنا نحن المسلمين عملنا ثورة على الله - إن صح التعبير - ونزعنا سلطاننا من يده، وجئنا لنقول: الأمر لنا, والملك لنا, والزعامة لنا ونحن من نتحكم فيها ونمنحها من نشاء!، بينما هو في هذه الآيات يتحدث معنا بأنه هو من ـ بعد أن قال:{ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} ـ يدبر شئون مخلوقاته, سواء ما كان حركة هذه العالم بكله بما فيها إمساك السماوات والأرض أن تزولا{إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ} (فاط
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
من هدي القرآن الكريم
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
 :: الملـــتـقى الإســـلامـي :: الشريعة والحياة-
انتقل الى: