ملاحظات سريعة على المبادرة الخليجية ومخططاتها
تقدم اخواننا في مجلس التعاون الخليجي مشكورين بمبادرة لحل الازمة اليمنية, تم تعديلها قبل مناقشتها مرات عديدة, وبالمرور السريع على المبادرة بنسختها الثالثة نلاحظ الاتي:
ان المبدأ الخامس من المبادئ الأساسية للمبادرة, يلزم كافة الأطراف بوقف كل أشكال الانتقام والمتابعة والملاحقة من خلال ضمانات وتعهدات تعطي لهذا الغرض. وفي الخطوة التنفيذية الثالثة تطالب المبادرة ليس بضمانات وتعهدات تعطى, بل بقوانين تصدر بتحصين الرئيس ومن عملوا معه خلال فترة حكمه ضد الملاحقة القانونية والقضائية.
مما تقدم نخلص الى:
1. ان مبدأ وقف كل اشكال الانتقام والمتابعة والملاحقة مبدأ عام لكن ربطه بقانون للحصانة ضد الملاحقة القانونية والقضائية يجعل من الملاحقة القانونية والقضائية شكل من اشكال الانتقام, في حين انها تختلف عن الانتقام في انها تستند الى دعوى الخصم القانونية وادلته واسانيده والمواد القانونية المؤيدة لها.
يعرف قانون الاثبات رقم (21) لسنة 1992م وتعديلاته في المادة (1) الدعوى بانها: طريق المدعي إلى القضاء للحصول على الحق الذي يدعيه قبل المدعى عليه والاثبات إقامة الدليل بالطرق القانونية لاثبات الحق المتنازع عليه أو نفيه. ويضيف قانون المرافعات والتنفيذ المدني رقم (40) لسنة 2002م وتعديلاته في المواد (70, 71, 75) بانها: الوسيلة الشرعية والقانونية لكل ذي ادعاء يرفعه إلى القاضي للفصل فيه وفقا للقواعد الشرعية والقانونية, ويشترط لقبول الدعوى أن تكون قد رفُعِت إلى المحكمة بالطريقة والإجراءات الصحيحة والمواعيد المنصوص عليها في القانون, كما لا تقبل أي دعوى لا تكون لصاحبها فيها مصلحة قائمة يقرها القانون.
2. ان وقف كل اشكال الانتقام والمتابعة والملاحقة لا يرتبط بكافة اطراف الاتفاق مثلما جاء في المبادئ, بل ينحصر في المعارضة لان الخطوات التنفيذية لهذا المبدأ اقتصرت على منح الرئيس واعوانه ضمانات بقانون تمنع ملاحقتهم قضائيا. في حين يقوم الرئيس واعوانه باتهام شباب الثورة السلمية وقيادات المعارضة بالتخريب والقتل والانقلاب والانتماء للقاعدة وغيرها من التهم التي لاتنقضي بمضي المدة (التقادم) ولا تشملهم تلك الضمانات, مما يعني تشريع عدم المساواة في حق التقاضي المكفول دستوريا.
3. تشير النقطتين السابقتين بشكل واضح وجلي بان طلب ضمانات عدم الملاحقة القانونية هو شرط الرئيس واعوانه بسبب الخوف من العقاب عما ارتكبوه بحق الشعب اليمني, وهو مايمكن اعتباره اقرارا صريحا بالجرم ودليل ادانة بحقهم, وشهادة لاتقبل التاويل بان مطالب الشعب شرعية وحقيقية.
4. لم تحدد المبادرة نوعية الجرائم وزمنها واعوان الرئيس المشمولين بالضمانات, بل تركت الامر مفتوحا على مصراعيه لكل انواع الجرائم السابقة واللاحقة للمبادرة حتى انتهاء فترة حكم الرئيس.
5. ليس في المبادرة اية الية لمراقبة وضمان التنفيذ, فالرئيس ملزم فقط بتقديم استقالته الى البرلمان. وبدلا من الزام حزب الاغلبية البرلمانية بالموافقة على الاستقالة عند تقديمها او الزام الرئيس باعادة تقديمها مباشرة عند رفضها اول مرة, نجد ان المبادرة تلزم الرئيس بعدم تسليم مهامه الى نائبه الا بعد موافقة البرلمان على الاستقالة, تاركة للاكثرية البرلمانية تقرير ماتراه بخصوص تلك الاستقالة, حيث تعطي المادة (115) من الدستور اليمني للرئيس عند عدم الموافقة على استقالته فترة ثلاثة اشهر لتقديمها مرة اخرى.
6. توضح المبادرة بان مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة ليسوا سوى شهود عليها وليسوا ضامنين لها, متخلين مسبقا عن المسؤولية عند الاخلال بها, تاركين الشعب اليمني لمصيره المظلم مع هذا النظام.
ان المتتبع لمسار المبادرة يمكنه ان يلاحظ بان نظام الرئيس صالح لعب دورا محوريا في جلب الوساطة وصياغة المبادرة لتحقيق الاهداف التالية:
1) كسب الوقت للخروج من الصدمة واعادة تجميع قواه.
2) استعادت الثقة لمناصريه وكذا الراي العام المحلي والخارجي بنظامه والامساك بزمام الامور مجددا.
3) اختراق معارضيه لزرع البلبلة والتشويش بينهم وانتاج خلافات وتناقضات وانشقاقات تؤدي الى اضعافهم وتشتت جهودهم وتؤدي في نهاية المطاف الى انهيار اعتصاماتهم وتحويلهم الى سبب رئيسي لكل فساد النظام.
ان اثبات الاهداف سابقة الذكر لايحتاج كبير عناء فالجميع يعلم بان النظام:
أ) قام بالمماطلة في قبول المبادرة وطالب عدة مرات بتعديلها ووضع شروط اضافية لقبولها كاسبا بذلك وقتا ليس بالقليل.
ب) قام بشكل مفاجئ بافراغ عددا من معسكراته في عدة محافظات وتجميع افرادها في العاصمة واخراجهم في مسيرات مؤيدة له, مظهرا وجود مؤيدين له.
ت) قام بسحب مبالغ مالية كبيرة من خزينة الدولة واستخدامها في الصرف على مخططاته وشراء الذمم وتغيير المواقف والتطبيل الاعلامي.
ث) استثمر قول المعارضة بانها لاتمثل المعتصمين المحددة مطالبهم بالتنحي الفوري للرئيس ومحاكمته مع اعوانه, فصمم المبادرة بشكل معاكس تماما لتلك المطالب حتى ترفضها المعارضة, لذلك اشاع بان المعارضة تركب الموجة وتسرق الثورة وتفاوض على المشاركة في الحكم وليس لاسقاط النظام.
ج) استغل مشاركة ابناء القبائل في الاعتصامات, فقام بتشكيل فرق مسلحة من عناصره الموثوقة لقتل المعتصمين في محاولة لجرهم الى الرد المسلح والثارات القبلية.
ح) استغل ضخامة عدد المشاركين في الاحتجاجات المعارضة له وصعوبة السيطرة الكاملة عليهم وتنوع مشاربهم الفكرية وضعف الخبرة السياسية والتنظيمية للعديد منهم, فاوعز لعناصر تابعة له او موجهة من اجهزته بالانظمام الى تلك الاحتجاجات واثارة خلافات حول قيادة الاعتصامات وتاليب الشباب المستقلين على احزاب المعارضة.
خ) استغل عناصر من بعض الحركات المعارضة له, فقام بتسليحهم للاضرار بسلمية الاعتصامات واهدافها وتشويهها لاخراج العناصر السلمية من الاعتصامات وجر بعض الشباب المتحمس الى تصرفات طائشة تضر بهم وبمطالبهم وبزملائهم.
لقد افشلت الثورة اغلب تلك المخططات, واثبت الشباب والاحزاب حكمة وحنكة فكرية وتنظيمية وسياسية في مواجهة كل الاعيب النظام القذرة, كما اثبتوا تحضر الشعب اليمني ومدنيته, مما دفع بالنظام ورئيسه الى الخروج عن طورهم والكشف عن وجههم القبيح فهاجموا نساء اليمن وهاجموا دولة قطر ولعبوا بالمال العام علنا ومنعوا عن المواطنين اساسيات يومية وتحميلها للمعتصمين لدفع المواطنين الى مواجهتهم, حتى وصل بهم الامر الى استخدم اخر اوراقه وهي اللعب بورقة الارهاب, فنسب الى المعتصمين انتمائهم الى القاعدة والتنظيمات الجهادية لاخافت الاخوة في دول الخليج والدول الغربية كي يقفوا معه ويدعموه. لقد جاء خبر مقتل بن لادن في وقت مناسب للرئيس ونظامه مما يعطيه امكانية استخدمه في فض الاعتصامات وقتل المعتصمين, لكننا نجزم بان الشباب واحزاب المعارضة والمستقلين ومثلما نجحوا بوعيهم ووحدتهم في افشال كل المؤامرات السابقة سينجحون لامحالة في افشال هذه المؤامرة القذرة والخطيرة, وستكون باذن الله المسمار الاخير في نعش هذا النظام الذي لايضع للاخلاق والقيم أي اعتبار.
ان فشل المبادرة الخليجية لم يهز النظام فقط بل ومجلس التعاون الخليجي الذي سارع الى محاولة اخراج النظام من الوضع المحرج. فبعد ان اصر مجلس التعاون على عدم المساس بالمبادرة في نسختها الثالثة, تفاجئنا مؤخرا بنزول النسخة الرابعة متزامنة مع تصريح الامين العام للمجلس عن عدم اجراء أي تعديل على النسخة الثالثة. ان مجلس التعاون الخليجي مازال يتعامل مع الشعب اليمني على انه شعب جاهل ومغفل, فالنسخة الرابعة ليس فيها أي تعديل, وكل ماتم عليها هو تحويلها من اتفاق قانوني الى اتفاق سياسي, ومن اتفاق بين السلطة والمعارضة الى اتفاق بين احزاب المؤتمر واحزاب المعارضة, وبدلا من توقيع واحد للرئيس صار توقيعين احدهما كخصم والاخر كحكم, وبدلا من توقيعات اطراف الاتفاق تحول الى توقيعات وهمية لحزب الخضر وغيره الغير موجودين اصلا في اليمن. الا ترون ان تصريح امين عام مجلس التعاون استخفافا بعقول اليمنيين وبضحايا شبابهم. لكن من ناحية اخرى يمكننا القول بان تصريح مجلس التعاون الخليجي بان المبادرة لم يجري عليها أي تعديل صحيحا, اذا فهمناه في سياقه الصحيح وهو ان امين عام مجلس التعاون الخليجي كموظف دبلوماسي استخدم التعبير الدبلوماسي للقول بان المبادرة الخليجية بنسختها الثالثة قد ماتت وهذه مبادرة اخرى ليس لها علاقة بسابقتها, وسيواصل الخليجيون اتحافنا كل اسبوع بنسخة جديدة الى ان نصل العام 2013م ولو قتل كل الشعب اليمني. فشكرا جزيلا لاخواننا الخليجيين الذين لم يالوا جهدا في مساعدة ابناء الشعب اليمني على علاج ضحايا قمع النظام بعد ان فتحت كل دول الخليج مستشفياتها لاستقبالهم ولم تتوقف طائراتهم عن نقل المصابين اليها. شكرا لكم لن ينسى لكم الشعب اليمني هذا الجميل وهذه المواقف الاخوية والانسانية التاريخية المشرفة.
د. محمد البنا