> فگري قاسم
< كان الشعب بالنسبة إليهم مجرد سُخرة فقط.. مجرد حناجر للصراخ بأسمائهم الحسنى فقط، ولم يخطر على بال أحد منهم – ولو مرة واحدة - أن الخيام المُحاكة من الخرق ستهدد قصورهم المحاطة بأسوار من الخرسانة المنيعة.
< الخيام المقدسة في شوارع تعز وعدن وصنعاء استطاعت لوحدها أن تسقط غرور القوة، وأصبح العالم كله يعرف الآن جيدًا أن استخدام السلاح في وجه المحتجين صنيعة المخبولين تماماً كمعمر القذافي مثلاً.
< لقد خرجت دودة القز من مخبئها، وأحالت شمس الميادين إلى ظلال، وها هو نظام الرئيس صالح –المغرم طيلة حياته بالحروب وبالقوة العسكرية - يقف تائهاً الآن ومشتتاً، عين على القصر الجمهوري والأخرى على خيام المحتجين في ساحات الحرية والتغيير.
< لم يدركوا بعد أن الشعب استيقظ، وأن شهية التغيير اجتاحت كل ميدان وكل حارة وكل بيت. فإن لم يكن لدى القصر الرئاسي آذان ليسمع بها، لابد أن له عيوناً ترى وترصد وعقلاً ينبغي عليه الآن- تحديدًا- أن ينهي إجازته الطويلة، ويقتنع بالمثل الشعبي الذي أكتبه بتصرف الآن: «شعب ماتقدرش تكسره، بوسه».
< المسافة الفاصلة ما بين القصر الجمهوري وجمهورية المواطنين داخل الخيام المقدسة لا تقاس بما لدى النظام من عتاد وآلة عسكرية منيعة، بل تقاس بما لديه من احترام لشعبه، لكن الواضح والمتكرر دائماً أن سعر الإنسان اليمني بالنسبة للقصر الجمهوري لا يعدو أن يكون أكثر من كونه ثمناً بخس.
في سنوات السلم يهرب اليمنيون - المهانون في الداخل - إلى المنافذ الحدودية بحثاً عن لقمة العيش، وتستقبلهم الإهانات والهراوات والسجون. وفي سنوات حروب النظام ضد شعبه يهرب اليمنيون إلى المعارك طمعاً في الحصول على شيء من فتات نفقات الحرب، لكنهم يُقتلون ويدفنون دون حتى أن يُصلى عليهم صلاة واحدة في مسجد الصالح!
وحتى الشيخ الجليل/عبدالمجيد الزنداني الذي اعتاد دائماً أن يحث الناس على الترحم والتبرع لشهداء غزة وكشمير، هو الآخر لم يدعُ اليمنيين - ولو لمرة واحدة- إلى قراءة الفاتحة على أرواح شهدائنا، وكأن الشبان الذين استشهدوا منذ بدء الاحتجاجات السلمية، والذين قتلوا في كل حروب هذا النظام – من العسكريين والمدنيين - ليسوا بشرًا، لديهم عائلات وأطفال وزوجات وآباء وأمهات، بل مجرد قطط بلا عيون ولا ذاكرة.
< المسافة الفاصلة ما بين دار الرئاسة وخيام المحتجين لا تقاس بالياردة أو بالمتر المربع أو بالقدم، بل تقاس بحجم كرامة الإنسان التي أهدرها القصر، وبدت الآن على نحو وفير جدًا في خيام المحتجين المطالبين برحيل النظام.
< ومن المفارقات الظريفة أن الرئيس «صالح» الذي اتهم أمريكا وإسرائيل الأسبوع الفائت بأنهما تؤججان الاحتجاجات ضده، كان قبلها قد اتهم شبان بلاده بأنهم بلاطجة، لكنه عاد سريعاً ليعتذر للبيت الأبيض، في حين ظل غير آبه بمشاعر شعبه.
< نحن لسنا شعباً «لقيطة» حتى يعتقدوا أن قتلنا سيكون شرفاً لدفن فضيحة. ولا الجيش والأمن اليمني مجرد وفرة من المرتزقة الذين بوسعهم أن يفتحوا النار بدم بارد على أبناء شعبهم المتعب.
< المسافة الفاصلة بين القصر الجمهوري وجمهورية الخيام المقدسة في الميادين لا تقاس بسرعة صوت البندقية، بل تقاس بسرعة الضوء الذي حملته مشاعل الشباب، حتى غدا الحب ما بين الخيمة والأخرى خبزًا وأغنية وورد.
< نحن والشرطة والجيش لسنا ذخيرة حية للدفاع عن عرش نظام ميت من الداخل.
< وما بين القصر الجمهوري والخيمة الفرق واحد فقط.. القصر بات رمزاً لدولة هشة، في حين أن الخيام غدت الآن رمزاً للدولة المدنية وحلم «دولة المواطنين» جميعاً.
< المسافة الفاصلة ما بين القصر الجمهوري -الذي وضع الجمهورية في جيبه – وبين ساحات الحرية التي تزدحم بمئات الآلاف من اليمنيين المطالبين برحيل النظام لا تقاس بالكيلو متر بل بما تبقى لدى فخامة الرئيس صالح من حكمة، والوقت ياسيدي لم يعد سانحاً لأي جهد ضائع.