صور من الحياة

صور من الحياة

عقارب الساعة تسير ببطء .. أناس تغذُ وآخرون مقبلون .. ضجيج يملأ المكان .. وفي وسط هذا الضجيج انتبهت إلى صوت الممرضة وهي تتكلم الى أحد ما وتقول له : عفوًا لقد انتهى التسجيل قبل قليل لأن المسجلين كانوا كُثر، والآن لا أستطيع أن أسجلك ولكن بإمكانك أن تعود في العصر.
ساعتان من الانتظار مرت حتى أحسست بالسأم يخيم علي والملل يتسرب اليَّ شيء فشيئًا فالساعة الآن العاشرة صباحاً .. تلفت يسرة ويمنة وتمعَّنت وجوه من حولي فكان الجميع يتألم وإن كان بعضهم يخفي ذلك الألم ويحاول كتمانه في داخله، والبعض الآخر كان يطلق العنان للآهات وصرخات الألم غير عابئ بمن حوله من مرضى .. الكل متذمر من الانتظار .. الملل لا غير هو سيد المكان .
سألتني إحداهم عن رقمي فأجبتها 14 , وأنتي أجابت 10 إلى الآن لم يدخل سوى خمسة أفراد..!!
فقلت الله يعيننا على الصبر, وعدت مرة أخرى إلى الملل والسرحان .. فجأة أفقت على صوت احدهم يصرخ بتذمر: هذا حمام خاص بالنساء ..
نظرت إلى مصدر الصوت لأرى رجل في حوالى الثمانون من العمر– مثلي- كسا شعره البياض، يلبس نظارة طبية ذات زجاج سميك, وبدت رجلاه متورمتان، ويتكئ في مشيه على مرتكز من أربعة قوائم، وبجانبه امرأته الطاعنة في السن, نحيفة الجسم قصيرة القامة, وهي الأخرى تلبس نظارة طبية، ظهرها متقوس من أثر السنين..
تأكدت الزوجة أن حمام الرجال لم يشغله احد فأوحت لزوجها للدخول لغرض تجهيز الفحص للمختبر.
مشى الرجل بصعوبة بالغة وهو يتألم وأمرأته تسانده وتشد من أزره, في منظر يوحي بمدى ما بينهم من ود وحب وطاعة ووفاء من الزوجة للزوج ترسخ على مدى عقود من العشرة ..
خرج العجوز من الحمام بعد أن جهز الفحص وامرأته في انتظاره، ومشيا معاً إلى أن وصلا الى صالة الانتظار، عندها حاول الجلوس على الكرسي وهو ممسك بساعديه على المرتكز وزوجته تسانده وكاد أن يسقط أرضًا لولا مساعدة احدهم في اللحظة الأخيرة وساعده على الجلوس ..
استمر هذا الموقف لبرهة من الوقت إلى أن جلس على الكرسي وتمتم بكلمات غير مفهومة وزجته التي أنهكتها السنين واخذت منها جل قوتها إلا أنها زادتها عزيمة وصبرًا فكانت تحاول أن تعين زوجها وتحثه على الصبر بكلامها العذب وتذكره بذكر الله حتى أحست أنه هدأ قليلاً فاستأذنته في الذهاب بالفحص الى المختبر.
ظللتُ أُتابع حركات وسكنات تلك المرأة الوفية فكانت تجر رجليها وتسحب قدميها بمشقة وكأنها تنزعهما من الأرض نزعا تابعتها حتى وصلت الى المختبر وبعدها رجعت بنفس الحالة, وعادت مرة أخرى إلى المختبر لاستلام النتيجة، وأنا أنظر إليها فاستغربت من هدوئها وقوة تحملها وصبرها على فطوال متابعتي لها لم أرَ أي تذمر بادي عليها والأدهى من ذلك بأني لاحظت عكس ذلك تمامًا فلقد رأيت الرضا في محياها!!
عندها دارت في خلدي الكثير من التساؤلات وارتسمت في عقلي علامات الاستفهام, وقلت لنفسي: ربما هذان الزوجان ليس لديهم أولاد أو لديهم أولاد عاقين أو أو أو... ومهما يكن هذه المرأة العجوز ادهشتني بقوة إرادتها ووفاءها وإخلاصها وتحملها كامل المسؤولية تجاه زوجها .
وبينما أنا وسط هذا الذهول والإعجاب هممت بان أطبع قبلة على جبين هذه المرأة الصبورة والزوجة الوفية، تقديرًا وإعجابًا مني لها ولما تحمل من صفات قلَّما نجدها عند غيرها في زماننا هذا .. عندها سمعت صوتاً ينادي رقم 14 .. رقم 14 لقد حان دورك ....

اليمامه 2

[b]

يسلمووووووا اختي صاحبة السمو للمرور

» همس لي الحياة
» حكم من الحياة
» السعاده في الحياة
» تعلمت من الحياة
» علمتني الحياة‎