عُرف عن الرئيس علي عبد الله صالح بأنه يمتلك مهارات متعددة, وأعني هنا المهارات الحقيقية وليست الأوصاف المعنوية التي يخلعها الآخرون عليه؛ كالمعلم الأول, والأديب الأول, والوحدوي الأول’ والمحارب الأول.. والكابتن الأول ..الخ.
وأبرز تلك المهارات القيادية والإدارية مهارة التعامل مع الآخرين بمختلف تناقضاتهم, فتستهويه لعبة الإمساك بكل الحبال السياسية والاجتماعية المتماثلة منها والمتباينة. فمثلاً نجده في محافظات تعز وإب والحديدة وريمه يصرخ في أبنائها خطيباً يطلق لاءاته المتراصة " لا قبلية .. لا مناطقية .. لا مذهبية .. لا جهوية", لكنه حين ينزل في ضيافة المحافظات القريبة من المركز"صنعاء" فإنه يمارس حقه الكامل من الخطابات المرتجلة التي دائما ما يستهلها بياء المنادى والمخاطب "يا أبناء منطقة خولان.. يا أبناء قبائل مأرب".
يتسم بـ"خيرية البدء"؛ فيبدأ بالسلام مع خصومه, إلى درجة أنه قد يصدر سبعة قرارات متتالية لإعلان الحرب في صعدة, ثم تنتهي بمها تفة مفادها " لا هانا وبس"!
إنه باني الأبناء في سنحان, وخصيم مبين للأبناء في صعدة, ومشيد القبيلة في حاشد, وصانع الوحدة في الشمال, وبطل النهاية في الجنوب, ومنتج أزمات المعارضة, ومفتاح حل الحزب الحاكم.. هو عدو المناطقية في تعز، وهو داعم لـ" الخُبرة" في صنعاء, ومكافح رهيب للشللية في حضرموت, وهو في الضالع محفوفاً بالمعسكرات والدبابات والمدافع, غير أنه بلا عسيب في مأرب وبدون شال في أبين.
كان الناصريون في عهد الحمدي يظنون الرائد علي عبد الله صالح عنصراً ناصرياً, وكان بعثيو اليمن يصدّقون الرئيس الراحل صدام حسين بأن الرئيس صالح"صدام الصغير" باعث البعث في اليمن. وحين كانت علاقته بالإخوان المسلمين "سمن على عسل" كانوا يرون فيه الحاكم بشرع الله، وداعية إسلامياً من الطراز الأول، ومرشداً سياسياً بامتياز, فكانوا له حزب الشدة, وكان لهم مجرد مستهلك كروت بعضها قد لا تقبل الخدش. أما عند إخواننا السلفيين" الوهابيين" فهو ولي الأمر المطاع, ولدى الصوفيين سيد الرؤساء وحبيب المرؤوسين وصفي الزعماء, لكنه من وجهة نظر سابقة للاشتراكيين بمثابة " رئيس مؤقت," وكانوا يتنبئون بقرب انتهاء صلاحية رئاسته لكنه أنهى صلاحية دولتهم وخلع على نفسه لقب " الرئيس الصالح" لكل زمان ومكان وفي كل الجهات الأصلية والفرعية.
أما مع الشيعة فحكايته حكاية.. فهو يدعمهم بالمال ويندعهم بالفرقة الأولى مدرع, ويحاربهم بالطيران السعودي, ويجاهدهم بسلفيي دماج, ويشتبك معهم بقبائل حاشد, ثم يرضيهم من الخزينة العامة. ومع بلوغ الدماء إلى "فوق الركب" واختفاء المنازل إلى حد التراب, لا يتردد في التواصل معهم، وإجراء الاتصالات الهاتفية مع قياداتهم, وبناء صلات وثيقة بهم, واستجلاب محاضريهم إلى قاعات "العرضي", واستقبال إمامهم الجديد في مقيله الرفيع ,بل ويتيح لهذا الضيف حرية أن يمارس -عن كثب- عملية نسف شرعية الحاكم "المضيف" دون أن يمنحه حتى جواز إمامة الرئيس المفضول.
تارة يوسع صدره إلى آخر "زرار" ويستقبل المسؤولين الإيرانيين ويهدي لهم مصحف الإمام علي، وجنبية الإمام الهادي, وتارة أخرى يقلب لهم الوجه الثاني ويغلق مستشفياتهم ومراكزهم الصحية.. وينطبق الحال في تعامله مع جماعه الحوثيين وأصحاب المذهب الزيدي؛ فتارة يشمل الجميع بغضبه الملتهب ونيرانه المستعرة, وفجأة يعلن عودة المياه إلى مجاريها والعمائم إلى رؤوسها, ويتحول الرئيس من حاكم أموي ضد الإمامة إلى رئيس علوي ولو من بطن واحدة!
يسمونه في مأرب "الريّس", وفي حضرموت "أبو احمد", وفي سنحان "علي عبد الله" بدون صالح, وفي الإعلام الرسمي فخامة الرئيس الصالح, وفي إعلام المعارضة الحاكم الفرد . وهو "ألي أبد الله صالح" في تهامة, وأحمر عين في عيون القبائل, و "رجال ذيب" عند الجبليين, وهو رئيس صنعاء حسب الحراك الجنوبي, ورئيس سنحان وفق شعراء الزوامل الشعبية في خولان, ورئيس آل الصالح, كما يقول بعض أولاد الشيخ الأحمر- رحمه الله. وهو عند الشوافع"الرئيس الزيدي" ،ومستقبلاً لا يستبعد أن يطلق عليه أخواننا الزيود إسم " علي بن أبي صالح" كرم الله حكمه من الانقلابات " حتى الآن" ختاماً: قد يفسر البعض ما سبق بصورة سلبية على أنها تحمل أكثر من وجه أو أنها منافية لقيم المصداقية والثبات, بينما الحقيقة أنها قدرات في معظمها زعامية إيجابية هامة توفرت في شخص الرئيس علي عبد الله صالح، ولعلها شكلت العامل الأبرز في استطالة بقائه متربعاً على كرسي الحكم وممسكاً بمنتصف عصا التوازنات وبزمام الأمور. فهل يمتلك الصالح الصغير بعض من هذه القدرات, التي لا تورث بالضرورة.
عن صحيفة اليقين (العدد الأول) |