..(( نــداء الــرحــــيــل .... قصة مثيرة من عدة أجزاء ))..

نداء الرحيل(1)

تردد صوت المذيعة الداخلية عبر سماعات مطار لارنكا القبرصي معلنا النداء الأخير لقيام الرحلة رقم ..... المتجهة للبحرين كان النداء يتكرر بين الفينة والفينة... لكنه النداء الأخير الذي يذكرني دائما بإبتداء المعاناة في كل رحلاتي عبر العالم ..

لحظات وكنا ننتظر في طابور طويل أرى الفرحة في عيونهم فبعضهم كان عائدا من رحلة استجمام والبعض الآخر من رحلة علاج وبعضهم طلاب ..الخ، وينتظرهم احبائهم واهلهم إلا انا فقد كان فكري مشغولا في أمور اخرى لا يفكر فيها إلا من كان مثلي لا يملك حتى وطنا يشكو له ولا يملك أكثر من وثيقة سفر للاجئين الفلسطينيين لا يعترف بها أحدا إضافة لكوني فلسطينيا فهذا يعني أشياءا اخرى......لا أحد غيري يحس بها،،،،
كنت أحمل عقداً للعمل بأحد دول الخليج موجودا في جيبي اتحسسه أحيانا لأتاكد من وجوده لأن ضياعه يعني ضياع أمل كبير وضياعي وضياع أسرة تنتظرني....

لا أحد يحس من هؤلاء المتناثرين في طابور الدخول للطائرة ما كان يختلج في نفسي من رهبة وخوف وانفعالات وكيف هم يحسون ؟ ولماذا يحسون؟ فهل عاش منهم أحدا فاقدا وطنه مثلي؟ ..وما دخله في أحاسيسي فهي خاصة بي ، فلهم احاسيسهم الخاصة بهم والتي هي من نوع آخر ربما لا أعرفها ولا أريد حاليا ان اعرفها،،،،،،
لحظات وأعلن : اربطوا أحزمتكم وامتنعوا عن التدخين وتعليمات السلامة التي لا ألتفت إليها عادة في كل رحلاتي لأنها لا تعني شيئاً وليست بذي قيمة ولم نعرف أن احدا قد استخدمها مرة ...او َبَّلغَ أحداً أنها أستخدمت يوما ما ...

بدأت الطائرة في زيادة ضجيجها وسرعتها على المدرج المخصص لها وازدادت ضربات قلبي ضجيجا بنفس إيقاع ضجيج الطائرة حتى بدا لي أن ما يسمع من صوت هو ضجيج قلبي وأعصابي وأن ما يصدر من الطائرة لم يكن الا صدىً لما كنت احس به ، دقائق معدودة وارتفعت الطائرة مخلفة ورائها مدينة لا رنكا القبرصية التي بدأت في الغروب كأشباح ٍ متناثرة مختلفة الأشكالٍ والألوان... والبحر يمتد تحتنا إلى ما نهاية تحجبه غيوم المساء الملونة بالشفق...

طائرة الخطوط البريطانية تطير على ارتفاع عالٍ مخلفة ورا ئها خيطا من اللهب، لم يكن هناك شيء غير عادي كما في كل الطائرات وجبة طعام يعتقد الإنسان وهماً أنه شبع بعد تناولها، والباقي عبارة عن مجاملات وترحيبات لا تنتهي ولا تعني شيئا البتة... ففؤادي كان مشغولا بأمورٍ اخرى، أحيانا كنت أسمع ما يقولون واحيانا كنت غائبا عنهم بما احمل من هموم ٍ وتخوف...
بقايا من شفق المساء تنعكس على الغيوم العائمة أسفلنا فتزداد كثافة وظلاماً وتترك في النفس قتامة فوق قتامة...

الرحلة من مطار لا رنكا للبحرين حوالي ستة ساعات قضيتها أحيانا في قراءة بقايا جرائد قديمة وحديثة وأخباراً لا تترك فينا إنطباعا محددا وينتهي هذا الإنطباع بعد دقائق معدودة من القراءة وأحيانا نقرأ مقالات لممثلين و****ين من كل جنس ولون يمكن أن تقرأ سطرا أو سطرين من المقال وتتوقع الباقي لا يهم أن تقرأ المقال لآخره
فهو في النهاية لا يحمل إلا تفاهات ودعايات رخيصة ليست ذات شأن للقارئ .

وأحيانا أخرى كنّا نجتر الوقت في أحاديث جانبية مع رفقاء السفر عن رحلاتهم ومغامراتهم وما الذي رؤوه وفعلوه في البلدان التي زاروها كلام في كلام لا ينتهي والكل يحلم بالوصول لوطنه وأهله، أما أنا فكانت أحلامي من نوع ٍ آخر.

بدت الطائرة تتهاوي وكأننا سنسقط في الخليج حيث مطار البحرين....لحظات وحطت الطائرة على مدرجها وبدأت حركتها البطيئة المثير ة للأعصاب في اتجاه بوابة الدخول للمطار ...بين الطائرة وبوابة الدخول مسافة قصيرة لا تحس بها ولكنك تحس بأن هناك نارا تتابعك كنت أعتقد أنها من محركات الطائرة ..ولكني تفاجئت بأن الجو في البحرين هكذا غالبية العام نارا حارقة ، كنت دائما أقارن أجواء العالم بفلسطين فلا أجد جوا يضاهيها ولا هواءا مثل هوائها،.ولكن..أين مني فلسطين ..

نداء الرحيل(2)

وقفت في الطابور وشط بي الخيال بعيدا وبدأت احلم باني سأعمل في شركة كبيرة وبمرتب كبير وسأعمل أيضا ساعات اضافية أو عمل خاص وسأكسب الكثير ولم لا؟

فهذه البلدان تسبح على بركة من النفط ولا بد أن يكون لي نصيبا في ذلك لم لا؟ وكل العالم يأت هنا ليغرف من هذه الخيرات دون حساب ودونما رقيب( تذكرت حلمي هذا بعد ذلك بسنوات وتذكرت بائعة البيض وما الي فعلته في السلة المليئة بالبيض التي على رأسها في غمرة أحلامها...والقصة معروفة للجميع)

صحوت من حلمي على موظف الجوازات يطلب مني ابراز جواز السفر لاخذ تأشيرة المرور للسعودية حيث الشركة موجودة في الظهران والتي من المفترض أن أعمل بها...وكنت أقرأ إعلانا فوق موظف الجوازات مباشرة ومعلقا على الحائط مكتوبا بعدة لغات ومنها العربية وبخط كبير- تاشيرة مرور 72 ساعة- وضعت وثيقة سفر اللجئين الفلسطينين على الكاونتر أمام الموظف المختص ، قلب الموظف الوثيقة ونظر إليَّ من فوق لتحت وقال لي : هذه الوثيقة ممنوع ان يمر حاملها للبحرين ولا يسمح لك بالدخول...

ولكن سيدي أنا أحمل عقد عمل وكل ما احتاجه مرور واللوحة تشير لذلك " مرور 72 ساعة" ولم تحدد استثناءات حتى لهذه الوثيقة...ونظر الموظف لي باشمئزاز وقال لي غير مسموح لك بالمرور بتاتا حسب التعليمات العليا، ليس بصفة شخصية ولكن لكل من يحمل مثل هذه الوثيقة..ولكن سيدي انا اريد المرور اريد ان اعمل اريد ان اعيش أنا وأسرتي هل هذا حرام ؟ وهل التعليمات العليا منزوعة الإنسانية وتحرمني من العيش، لم يجب الموظف ونظر لي نظرة باهتة لا تحمل مدلولا محددا، وقال بعدم اكتراث دون ان ينظرحتى لوجهي إجلس هناك تمهيدا لإرجاعك لقبرص على أقرب طائرة........

ألقى بكلماته ببرود شديد وعاد مطأطئ الرأس يختم ما لديه من جوازات وكان صوت ختمه يتحول في مسمعي وأعماقي إلى قنابل ورصاص ومطر وعواصف تخترق جسمي آلاف المرات وتحيلني شظايا من لهبٍ متطاير ودماء ودموع .

ليلة في مطار البحرين ، تذكرت صديق قديم أقام في مطار أثينا لمدة 3 شهور دون أن تسمح له دولة في العالم أن يطا أراضيها ولم تحل مشكلته وعائلته الا عند مرور ياسر عرفات إلى اليمن فأخذه من ضمن مرافقيه لصنعاء بعد ان تحول طيلة الثلاث أشهر إلى متسول هو وأسرته يتسول من العرب والأجانب المغادرين من مطار أثينا وتذكرت قصيدة لمحمود درويش عن مطار اثينا وكيف يكون وضع الفلسطيني هناك وتذكرت الفلسطيني الطائر الذي قضى حوالي شهر في الجو والتجأ في النهاية إلى سفارة اسرائيل في اثيوبيا لطلب النجدة والمساعدة و و و......كل ذلك تذكرته ولم أنذكر شيئا واحدا يفتح لي أملا بالخروج من هذه المحنة......ولا ذكرى جميلة تبهج النفس خطرت ببالي.

نداء الرحيل(3)

ليلة كانت في مطار البحرين رأيت فيها كل مخلوقات الله الآدمية وغير الادمية من الشرق والغرب والشمال والجنوب تدخل لمطار البحرين وتخرج منه إلى داخل مدينة المنامة الا أنا لم يسمح لي بذلك ولا اعرف ذنبا إقترفته......

صباح باهت الألوان بارد اليدين استقبلني في مطار البحرين لم أذق فيه طعم النوم وحتى لو فكرت أن أنام فأين يمكن النوم......

صديقي وزوجته يقيمان في البحرين منذ سنوات طويلة أيام كانت البحرين محتاجة لمدرسين لتعليم أبنائهم ..ولكن الآن لم يعد كما كان في الماضي تغيرت الأمور وأصبح كل فلسطيني في هذا العالم مطاردا في كل شيء ...وبالتالي انهالت القرارات على المطارات والموانئ والمنافذ تمنع دخول أصحاب الوثائق الفلسطينية من الدخول مهما كانت الأسباب...،،،،

صديقي كان يعمل مدرساً بأحد المعاهد في البحرين، ولكن لا يوجد هاتف في منزلة ربما المعهد الذي يعمل فيه يكون فيه هاتف، بدأت بتصفح دليل الهاتف للبحرين.. وبعد رحلة مضنية داخل أوراق الهاتف تمكنت من الحصول على الرقم المطلوب لعلي أجد مخرجا مما أنا فيه..

أدرت قرص الهاتف بيد راجفة ونفسية محطمة..وكانت المفاجئة أن رد الطرف الآخر وكان حارس المدرسة أو المعهد الذي يدرس فيه صديقي، لأن العطلة الصيفية كانت قد بدأت منذ مدة ولا أحد في المدرسة الا ذلك الحارس الطيب الذي اكن له كل تقدير ..تجاوب معي وفهم تماما ما أعانيه وأخذ يسب ويلعن من كان السبب بكل الألفاظ والعبارات..وعدني بأنه سيذهب لصديقي ويبلغه فهو يعرفه تمام المعرفة.

نصف ساعة أخرى وكان اسمى مسموعا في كل سماعات المطار ، صديقي وزوجته على الهاتف وفي حالة من القلق الشديد .. ووعدوا بالمساعدة ...واشتغلت الواسطات التي كنت أكرهها طوال عمري وما زلت. والتليفونات لم تتوقف ولم يستطع أحد حل هذه المعضلة إلا رئيس الجوازات والهجرة الشيخ عيسى... شخصيا واخذوا العهود والمواثيق على صديقي بتسفيري بعد انتهاء مدة ال72 ساعة المحددة.

دخلت البحرين أخيرا هذه هي البحرين العصية على دخولي...- بعد سنوات من هذه الزيارة لم أتذكر سوى المطار وموظف الجوازات ذو الوجه الجامد الباهت التفاصيل والملامح وصوت ذلك الرجل الطيب في المعهد الذي ساعدني للخروج من محنتي أما عدا ذلك فلم أتذكر أي تفاصيل تذكر لمدينة المنامة نفسها ولا أريد ذلك.

في اليوم التالي كان لا بد من المرور على سفارة السعودية لأخذ تأشيرة الدخول بناءا على عقد العمل الموجود بحوزتي...

باكرا اتجهت للسفارة برفقة صديقي وكانت المفاجئة الأخرى من مسؤول التأشيرات بالسفارة..حيث قال......

نداء الرحيل ( 4 )

باكرا اتجهت للسفارة برفقة صديقي وكانت المفاجئة الأخرى من مسؤول التأشيرات بالسفارة..حيث قال: لا يمكن إعطائه تأشيرة عمل طبقا لهذا العقد ولا يمكن دخول المملكة نحن من زمن طويل لا نعطي تأشيرات على هذه العقود ..هكذا هي التعليمات العليا ...

ولكن سيدي صديقي دخل بمثل هذا العقد منذ شهر ومن هنا ..أجاب دونما إكتراث وبنفس برود موظف الجوازات بمطار البحرين نأسف لا يمكن ذلك وربما يكون صديقك قد أخذ تأشيرة بالخطأ...بالخطأ كيف يكون ذلك سيدي؟ هل يمكن ذلك؟! ...

ولكني أريد أن أعمل هذا هدفي من الدخول وخلفي أسرة كبيرة قد أنفقت على تعليمي كل ما في حوزتها وتنتظرني - كنت أنظر حولي وأرى العديد من الأجانب يدخلون السفارة وفي أيديهم جوازات سفرهم وبسهولة يخرجون وجوازاتهم مختومة بتلك التأشيرة اللعينة ، يركبون سياراتهم ، يغادرون-

أفقت من ذهولي على صوت الموظف وهو يقول: هذا هو الرأي النهائي وارجو أن تغادروا من أمام الشباك حتى ينسنى لنا العمل...بهذه الطريقة البسيطة والخالية من أبسط المبادئ الإنسانية طردنا من السفارة والذنب هو: "وثيقة سفر للا جئين الفلسطينيين ".

كيف سرنا! كيف رجعنا! كيف دخلنا لبيت صديقي! لم يكن ذلك معروفا لي وكأن الزمان والمكان قد إنعدما أو تجمدا ، لم أشعر إلا وأنا في بيت صديقي وكانت زوجته تحاول تطييب خاطري ببعض من الكلمات المتناثرة التي لم تع هي أيضا كيف تقولها وبين كل كلمة وأخرى كانت توغل في الدعاء والدعوات بكل ما استطاعت أن تسعفها مفردات اللغة لمثل هذه المناسبات لكن دعائها ودعواتها كانا شيئاً وما نحن فيه شيئا آخرا لم يتطابقا ولن يقتربا ...

ابتلعت غذائي وكأني ابتلع بعضا من الحنظل والمرار، كيف أرجع مرة أخرى لقبرص؟ وأين اذهب ؟ وهل سانتظر ثلاثة أشهر في مطار لارنكا؟ مثل ذلك الذي انتظر في مطار أثينا وهل سأفعل مثله؟ أنتظر ياسر عرفات لأقذف بنفسي بين مرافقيه ليأخذني لليمن، لنفرض أنه لم يمر!،، هل ألتجئ للسفارة الإسرائيلية بنيقوسيا كما فعل الآخرون في أديس أبابا بأثيوبيا ،،،،،أو أكون ضيقا مقيما في الجو تتقاذفني مطارات العالم، أو أختفي في البحرين ولا أغادر بعد انتهاء ال 72 ساعة المقررة ، اسألة كثيرة بدون إجابات،،،،،،،،،،،

كنت غائبا عن الوعي تماما وكأني في عالم آخر لم أستوعب ما يقوله صديقي وزوجته بتاتا حتى كلمات المواساة لم تصلني إلا متأخرة وكأن الكلمات تحتاج مدة طويلة لتصلني في مسافة لا تزيد عن مترين،،،،وكان ذهولا في ذهول.....
الساعة ال 48 من المدة المسموح لي فيها بالإقامة في الجنة ( البحرين) إقتربت.

نداء الرحيل ( 5 )

صديقي وزوجته اعانهم الله على هذه المشكلة التي جئت لهم بها لم يشعراني أبدا بأنني قد شكلت لهم أي هم أو عبئ ولكنهم كانوا دائبي الحركة في البحث عن مخرج يستعرضون الأصدقاء واحدا واحدا ومن له أدنى علاقة بهذه السفارة ويحثون الخطىفي البحث عن واسطة لهذه السفارة قبل أن تنهي مدة ال 72 ساعة المسمحوحة لي بالبحرين ،

أسفرت الجهود عن معرفة السكرتير الثاني للسفارة السعودية وتم التدخل واشتغلت الواسطات مرة اخرى ،، ( وهذا يدل على أننا نحن العرب ليس لدينا قوانين كل ما هنالك أشكال وهمية من الحكومات والقوانين لا تطبق إلا بالمزاج ويمكن الإلتفاف عليها بسهولة وبيسر) وعلى الرغم من ذلك ومن إحتياجي لهذه المساعدة إلا أنني كرهت ما تم في هذا اليوم ،

أمس شبه طردنا واليوم تغير الوضع واستقبلنا في السفارة بابتسامات لا تحمل معنى ، بعد النقاش وشرب القهوة العربية وبعد شروحات طويلة تم حل مشكلتي بأن أمنح تأشيرة دخول للأراضي السعودية" بتأشيرة عمرة" لكن لأن الواسطة قوية كما يقال تم إعفائي من الرحيل لجدة مباشرة ويسمح لي بالدخول للسعودية عن طريق الظهران وهذا أفضل الحلول،، كما قيل،،

في الساعة السبعين منذ دخولي للبحرين كنت مرة أخرى في المطار أسمع نداء الرحيل وكم كان سريعا ذلك الرحيل من المطار وكأنهم يقذفون بي لجوف الطائرة.

****

بين البحرين والظهران خمس دقائق طيران قبل أن ينشئ الجسر الحالي بين البلدين.
تطير الطائرة بشكل قوس فقط ولا تسمع فيها إلا ندائين إربطوا الأحزمة ثم فكوا الأحزمة لا مجاملات ولا ابتسامات،،،، ثم تكون في الظهران،،،،،وتكون في المملكة العربية السعودية،،،،،،،

هاهي الظهران ترحب بنا وصديقي محمد ابن مخيم اليرموك إبن صفوريا إبن صفد إبن فلسطين ينتظرني،، هذي هي الظهران، هذه هي الخبر وتلك الدمام ،،،، والخبر ترنو من بعيد تسمع فيها كل أصوات اللغات ونادرا ما تسمع فيها لغة العرب،،،،،،،

الظهران تلوح في الأفق أدخلها جسدا دون روح بعد أن أتت على روحي نداءات الرحيل في المطارات، أتناثر بين شوارعها وأزقتها أرى الغرباء يتنفسون هوائها يدوسون فوق ترابها يمتصون رحيقها الأسود ينبشون روحها وماضيها وحاضرها.

****

هاهي شركة أرامكو شركة النفط العملاقة تنتشر حولها بقايا متهالكة من أكواخ الصفيح تركت عامدا متعمد لتكون عبرة وعظة حتى لا ينسى أهلها أنهم كانوا كذلك وما زالوا وأن أصلهم هكذا من الصحراء لا شيء تغير، يدخلها الغرباء دون رقيب ويخرجون منها كذلك ،،،،،،،،،،،،،

****

بعد أعوام عدة،،،،،
المبدع والإنسان عبد الرحمن منيف كتب خماسيته الشهيرة "مدن الملح" وكانت اولى مدنه هي "حران" وأعتقد أنها هي الظهران الحالية ،، وفي تلك الرواية الرائعة
كا ن للخيال دوره ويبدو أن الحقيقة كانت ماثلةً أيضا بشكل جلي إلى حدٍ كبير وهذا ما رأيته في أولى مدن الملح..........

نداء الرحيل ( 6 )

حتى مع المدينة الأولى من مدن الملح كان الطالع السيئ يلاحقني ، لم أكد أضع قدماي في هذه المدينة التي جئتها مضطرا حتى بدأت العراقيل تلاحق وثيقتي،،،،

الظهران والخبر والدمام على ما رسخ في ذاكرتي هي مدن متقاربة لا يفصلها الكثير من المعالم ولا يوجد بها شيء مهم سوى أنها تقع على الخليج ، هي مدن بترولية تستفيد من عائداته الضخمة وهذا يكفي،،، أما الباقي فلا شيء ، فهذه المدن لا يوجد بها معالم يمكن زيارتها ولا متاحف ولا مسارح ولا مكتبات عامة ولا أي شيء يمت للعالم المتحضر بصلة وهي باختصار مدنا للملح ومن أراد أن يرى العالم المتحضر عليه أن يسافر بعيدا ليرى ما يريد وكل ما يريد .

في الزيارة الأولى التي ذهبت فيها للشركة التي تعاقدت معي وهي شركة .......... للتجارة والعمران وجدت كل الترحيب من مسئوليها لكن نظراتهم لم تعجبني وكأنهم يخبئون سرا عني ..لم يدخلوا معي في تفاصيل كثيرة لكنهم قالوا إن عملي مرهون معهم على موافقات السلطات السعودية ويجب الموافقة من وزارة الداخلية على استقدامي وإلا فيجب أن أغادر،،، إلى أين الرحيل لا أحد يعرف،،،،

تم تجهيز الطلبات ووقعت عليها ومن كثرة الأوراق التي وقعت عليها لم أعد أعرف عددها ولماذا كل هذه الأوراق وكأنها طلبات لدخول الجنة لا بأس فلننتظر ،،،،،،،،،

فلننتظر 15 يوما لنعرف النتيجة .

الأيام هنا تمر ثقيلة متباطئة ومما يزيد من صعوبتها وثقلها هو ذلك الجو الصحراوي الحار جدا والجو الخليجي المشبع بالرطوبة لدرجة الغثيان إضافة للجو العام الذي يحيط بك من كل جانب والمراقبة الصارمة لك في كل همسة وكل سكنة وكل كلمة تتفوه بها محسوبة عليك ،،،، باختصار لا وجود لكلمة الحرية هنا ولا أحد يسمع عنها

كذلك لا يوجد مكان تذهب إليه سوى أن تستقر تحت أحد المكيفات طوال النهار وتخرج ليلا لتتمشى على شاطئ الخليج لكن درجات الحرارة لا تختلف كثيرا عن النهار............بعد حوالي 15 يوما تقريبا كانت النتيجة قد ظهرت وكانت بالرفض وكتب على الطلب يستبدل بغيره أي أن على الشركة أن تستقدم شخصا آخر للعمل حتى لو كان من آخر العالم المهم ألا يكون فلسطينيا ويحمل وثيقة سفر،،،،،،،،،

وهكذا أقفلت الدنيا في وجهي ولكن لا بأس لن أغادر حتى أحصل على العمل على الأقل ثمن تذكرة الرحيل من هنا ،،،،،

نداء الرحيل ( 7 )

تركت مدينة الملح الأولى واتجهت إلى الرياض مدينة الملح الثانية علّي أجرب حظي في الرياض، فالرياض عاصمة وبها أقرباء وأصحاب كثر لعلي أجد واسطة أو مساعدة هناك،،،،،،،،

وكانت الرياض المحطة الثالثة من محطات رحيلي وهي معروفة لن أسترسل في شرح جوها الصحراوي المغبر ودرجة الحرارة التي تصهر الجسم ،،،

هنا كان الوضع افضل قليلا حاول الأقرباء مساعدتي بالحصول على عمل مع أحد شركات المقاولات لحين إيجاد واسطة من أحد أمراء النفط للموافقة على عملي بالمملكة وبالتالي استخراج إقامة عمل وخلافه،،،،،،،،

لم يكن الوضع بأحسن حال من الظهران غير أن العمل قد شغلني قليلا عن ما حولي من ظلم وظلام فادحين لا يليقان بأحد،،،،،،،،،

مرت ثلاثة شهور ونحن نقدم الأوراق من واحد لواحد ولكن كانت النتيجة واحدة: يستبدل بغيره وعليه المغادرة ،،،،، بكل بساطة عليه المغادرة،،،،
بذلك المبلغ الذي تم توفيره من هذه الشركة كنت أستعد للرحيل ،،،،،،،،،

أثناء وجودي في المملكة كانت جهود الأهل منصبة في قطاع غزة لعمل تصريح الدخول لفلسطين وقد نجحت جهودهم في ذلك مما سهل الأمر ،،،،

وهكذا صدر نداء الرحيل وغادرت تلك المملكة لفلسطين المحتلة ، لا أحد في الدنيا بأسرها يعرف قيمة الوطن مثل ما عرفته أنا ، عند وصولي للحدود الفاصلة بين فلسطين وتلك الدولة العربية التي لا بد أن أمر بها مضطرا للوصول لفلسطين ورغم أن الفاصل الذي يفصل بين البلدين هو خط وهمي لا تكاد تحس به إلا أن الفرق واضح للنفس تماما هناك شمس حارقة وهنا شمسا حانية هناك جوا مغبرا وهنا جوا صافيا بديعا هناك ماءا مالحا وهنا ماءا صافيا زلالاً ........

هناك أشجارا جرداء مغبرة وهنا أشجارا باسقة ظليلة تستريح لها العين والنفس ،،،
ما كان هناك هي الغربة وما كان هنا هي فلسطين العزيزة الحانية الرؤوفة أرض التاريخ أرض الحضارة الأرض المباركة التي هزمت جحافل التتار والصليبيين والفرنسيين ، وقبلهم هزم من هزم وستهزم من بعدهم ،،،

هذه هي فلسطين التي أدخلها بعد تشرد وشتات طويل أتنفس هوائها أمشي في طرقاتها أغسل وجهي بملح بحرها أنام فوق رمالها أقاسي مع أهلها أعيش حاضرها ومستقبلها،،،،،،،،،،

انتهت

بقلم : عمر الهباش

اشكرك على النقل الجميل
تقبل مروري

ولا تحرمنا من جديدك لك اسمى اعتبا ري

امل هو الحياه

مسكين من لم يحيا بلامل

ولم يعرف الامل

احب ان احيا به هو عندي الحياه

فلا حياة بلا امل

سلمت اخي ودمت بخير

» نــداء الغـائـبين...
» حقائق مثيرة عن الجسد البشري
» في جولة مثيرة لدوري المحترفين
» الأهلي يتعادل مع الزمالك في قمة مثيرة بالدوري المصري الممتاز