جبل حبشي .......... شموخ الفوانيس
تلك هي مديرية جبل حبشي الرائعة في قراها الخلابة، وطيبة أهلها لم تجد ولم تلامس خيرات الوحدة اليمنية ومنجزاتها، تكتسي مديرية جبل حبشي ثياباً مطرزة بخيوط الإهمال والمرض بعد مرور 49 عاماً من قيام الثورة، و21 عاماً من عمر الوحدة، وجبل حبشي تتلظى بمآس مصطنعة ، وأنَّات وآهات لم تجد عقولاً وضمائر حكومية تفك طلاسمها، تبحث عن حيثيات وأسباب قضاياها الخدمية المتدنية بكل مقاسات ونسب التدني الطرق .. الماء ... الكهرباء .. الصحة
هكذا لا تزال جبل حبشي كما تركها الإمام رحمه الله وكما سلمها الإمام علي عبدالله صالح إلى كوم من المشايخ كانوا ولا يزالون يستغلون الرعية والبسطاء تحت التهديد والهنجمة ، فتارة تراهم يفرضون انفسهم كمصلحين وقضاة في الوقت الذي هم من يقوموا ببث المشاكل بين اهل القرى الغلابى ليأخذو من منهم ما تبقى لديهم من لقمة عيش وتارة يتم الاستقواء بهم من بعض ضعاف النفوس الذين يملكون بعض المال من اجل ظلم بعضهم وسلب ما لديهم من ارض كالحة . .فالشيخ من حقه يسجن ويحتجز و يأمر وينهي وحتى من حقه تعيين مدير المدرسة او فصل مدرس .يفعل كل ذلك وهو لا يمتلك حتى شهادة سادس ابتدائي !!
ان مشكلة جبل حبشي الحقيقية هذه المشيخات التي هي سبب تأخر وفقر المديرية وانعدام ابسط مقومات الحياة فيها ، فهي شخصيات ضعيفة متهرئة ليس لها هم سوى المال وحشد الناس للتصويت في الانتخابات ، وكذا لتزوير الأصوات في صناديق الاقتراع ، كان بإمكان هؤلاء الدراويش مع كل ما سرقوه من المديرية واهلها ومع كل ما باعوه من مشاريعها وآخرها مشروع المركز الصحي الممول من البنك الدولي لقريتي البرحات والسعير أن يقدموا لها ولو شيئاً بسيطاً رداً للجميل .
ان الزائر الى مديرية جبل حبشي يشعر وكأنها تعيش خارج حدود العصر او انها قيمة عدمية يغطيها غبار الجهل والمرض والظلام ولا تستحق مجرد كشف الغبار عنها .
ومع انطلاقة ثورة الشباب تسابق الكثير من ابناء جبل حبشي الحالمين بمستقبل افضل لابنائهم الى الساحات فقتل وجرح الكثير منهم ومع ذلك ظل هؤلاء المشائخ الفاسدين صامتين يتضرعون بأن يفنى الجميع ويبقى سيدهم ورب نعمتهم .
الرحلة الى جبل حبشي عبر الطرق الجبلية الوعرة شاقة ومضنية وهي نفسها الطريق التي استخدمها الاجداد لنقل حاجتهم على ظهور الجمال والحمير لا تزال كما هي.. وهناك بعض الطرق المتكسرة المتعرجة والتي يسمونها يسمونها طرق للسيارات التي تم إنشائها على نفقة المواطنين الغلابى .. فلا تكاد تصل الى قرية من القرى حتى تشعر بالدوار وفقدان التوازن واوجاع العمود الفقري وامتلاء الجوف بالغبار والاتربة وما إن تصل السيارة الا وتسمع أنين المهمشين وصرخة الجياع ..
فينتقم أصحابها من المساكين بزيادة الإيجار فترتفع بالتالي قيمة المواد الغذائية ومواد البناء حتى ترى في الأسعار هناك عجب عجاب وكأننا نعيش في ادغال افريقيا ...
بينما يطالع الزائر لهذه المديرية الجميلة انعدام المستشفيات والمراكز الصحية رغم أنها ذات كثافة سكانية عالية وتنقسم إلى دائرتين انتخابيتين وقد فاز فيها مرشح المؤتمر المشئوم أكثر من مره تحت وعده للناس بخدمات اساسية وجدت في مديريات غيرها قبل اربعين سنة . ولكنهم كاذبون ومحتالون .
وآخر ما وصل إلى هذه المديرية من الخدمات الصحية وتحديداً الى قرية( البرحات) وما جاورها غرفة فوق المقبرة أطلق عليها اسم ((وحدة البرحات الصحية )) ويتواجد بهذه الوحدة "الغير صحية أصلاً " أطباء ما شاء الله لديهم علاج فعال لجميع الأمراض الفتاكة والمزمنة فلا يكاد مريض يذهب إليهم إلا وتم صرفه له في جميع حالات المرض وهو "البندول" والذي يوصفه (دكاترة) القرى لجميع الحالات ولجميع الفئات العمرية النساء والشيوخ والاطفال بالإضافة الى علاج (( فلازول ) لجميع الأطفال فلا يوجد طفل في القرية الا وقد تجرع الفلازول او الفلازول بلاس" من بركة دكاترتنا الاجـــــــــــــلاء ومن بركة مختبر الوحدة الصحية الذي لا يعرف إلا الالتهابات وكل مريض يصل النتيجة معروفة مسبقاً حتى يستفحل المرض بالمريض ويختار ان يموت على الفراش بدلاً من مشقة السفر الى تعز "ولا نامت أعين الجبناء"
وأما عن التعليم فحدث ولا حرج فالقرية الأكبر في العزلة يوجد بها مدرسة يرثى لها من حيث انعدام ابسط الأثاث المدرسية كالكراسي والإذاعة المدرسية والأبواب والنوافذ .. وفي هذه المدرسة العريقة والنموذجية هناك بعض المواد الدراسية يتوفر لها من ثلاثة الى أربعة مدرسين يحملون نفس التخصص ومواد اخرى لا يوجد لها مدرسين فيقوم الاخوة يتقاسمون المواد الدارسية بينهم بالقرعة . وقد تم الغاء المرحلة الثانوية واصبح الطلاب حين يصلون الى المرحلة الثانوية يقطعون المسافات الطوال تحت شمس الصيف وبرد الشتاء طلبا للعلم ورغبة شرسة في التعليم فيواجههم الإهمال من قبل إدارة المدارس أو غياب المدرسين واهمالهم وتخليهم عن المسئولية مما جعل الكثيرين منهم يتركون الدراسة من اجل طلب الرزق .
((لقد رفضت هذه المديرية الاصيلة جميع وسائل العصر الحديث بإعتبار ذلك إغواء ( عولمياً ) يفقدها رونقه التاريخ وبهجة الاحتفاء بالموروث الحميري الذي تركته لها حضارة سبأ وحمير..
وإذا كان أبناء المحافظات الأخرى يشتكون من (طفي لصي) فإن أبناء مديرية جبل حبشي لا يوجد بقاموسهم (البلدي) معنى( لصي) أبداً عدا بعض (مواطير) القادرين والمغتربين والذين لحقوا أنفسهم ولم يؤمنوا بنصيحة:
(إرجع لحولك)!))
هذا رغم انه تم مؤخراً عمل مولد كهربائي للبرحات وقريتين مجاورتين يتم تشغيله لمدة ثلاث ساعات بالليلة فقط في خطوة استغلالية لناس بسطاء يفرحهم رؤية الفراشات وهي تدور حول لمبة الضوء في الوقت الذي يتم فيه جباية ما يقارب مبلغ عشرة ألاف ريال على كل بيت ورسوم شهرية وفي الحقيقة ان هذه المبالغ تكفي لإنشاء محطة توليد كهرباء مركزية . ومع ذلك لم تستمر الكهرباء سوى بضعة اشهر ليعود الفانوس منتصراً ويعود الملك ليتربع على عرشه .